بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على اشرف المرسلين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اسعد الله اوقاتكم وملاها يمنا وبركة
حديثي إليكم اليوم عن مرض خطير أصاب المسلمين أفرادًا ومجتمعًا، وهذا المرض هو نزع البركة، فكثير من المسلمين لا ينعَم بالبركة في المال والأولاد، مع أن الله تعالى قال عنها:
﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ [الكهف: 46]،
وكثير منا لا يَنعم بزوجته مع أن الله تعالي جعلها سكنًا ومودة ورحمة، فقال - سبحانه -:
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾ [الروم: 21].
تسكنوا إليها؛ أي: تألفونها، وترتاحون وتطمئنون إليها، ولكن الزوجة عندَ البعض لا أُنسَ ولا مودة ولا رحمة، مشاكل وخِلافات، ومحاكم، لماذا؟ لأنَّه لم يُبارَكْ فيها.
ونزع البركة على مستوى الأفراد أدى إلى نزعها على مستوى المجموع، فالأمة اليوم كثيرة ولكن كثرة لا بركة فيها، وصدَق فينا قول المصطفى - صلى الله عليه وسلم -:
((يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كما تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إلى قَصْعَتِهَا فقال قَائِلٌ وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟ قال: بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ وَلَيَنْزَعَنَّ الله من صُدُورِ عَدُوِّكُمْ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ وَلَيَقْذِفَنَّ الله في قُلُوبِكُمْ الْوَهْنَ فقال قَائِلٌ يا رَسُولَ اللَّهِ وما الْوَهْنُ قال: حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ)).
فما هي البركة؟
وما هو حال الأنبياء والسلف مع البركة؟
وما هي أسباب زوال البركة في مثل عصورنا؟
وما هي أسباب زيادتها؟
البركة هي: النماء والزيادة والسعادة والكثرةُ في كلِّ خير.
ووصف ربنا - عز وجل - غير واحد من الأنبياء أنه مبارك؛ قال عيسى - عليه السلام -:
﴿ وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا ﴾ [مريم: 31]، وألقَى الله البركةَ على إبراهيمَ وآله؛ قال تعالى: ﴿ وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ * وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ ﴾ [الصافات: 112، 113].
وكان الأنبياء يطلبون من الله - عز وجل - البركة، فها هو نوح يدعو ربه بالبركة في المكان الذي ينزل فيه؛ قال تعالى:
﴿ وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ ﴾ [المؤمنون: 29].
وسيد المرسلين - صلى الله عليه وسلم - يدعو ربه بالبركة في العطاء؛ ففي الحديث الصحيح الذي أخرجه التزمذي أنه كان من دعاء النبي - عليه الصلاة والسلام -:
((وبارِك لي فيما أعطيتَ)).
ولو رَجعنا قليلاً إلى الوراء، لرأينا أمثلةً كثيرةً لحضورِ البركة ووجودها في عهد أصحابه - رضي الله عنهم - وعهود مَن بعدهم إلى زَمنٍ ليس عنا ببعيد، فقريبًا كانت البركة موجودة، ويشهد عليها آباؤنا وأجدادنا، فها هو سيدنا عثمان - رضي الله عنه - يجهز جيشًا كاملاً من ماله الخاص، فيبارك الله له في ماله؛ فقد رُوِي أن قد بلغَت ثمرةُ نخْله مائتي ألف أو تزيد؛ حيث بارك الله له إنفاقَه في سبيله، وها هو الزبير بن العوام قد أوصَى ولدَه عبدالله أن يقضي دينَه الذي يبلغُ ألفَ ألفٍ ومائتي ألف؛ يعني: مليونًا ومائتي ألف، وقد قال لولده عبدالله: يا بُني، إن عجَزت عنه في شيءٍ، فاستعن عليه مولاي، فوالله ما وقعتُ في كُربةٍ من دينٍ إلا قلت: يا مولى الزبير، اقضِ عنه دينَه، وكان لم يدَع دينارًا ولا دِرهمًا إلا أَرضَين له، ودارَت الأيام وبارَك الله في أرضِ الزبير وبِيعَتَا، فبَلغت تركةُ الزبير خمسين ألفَ ألفٍ ومائتي ألف يعني: خمسين مليونًا ومائتي ألف، وكان له أربعُ نسوة، فصارَ نصيبُ كل واحدةٍ منهن ألفَ ألف ومائتي ألف؛ يعني: مليونًا ومائتي ألف، كمقدار الدَّين الذي عليه؛ هذه القصة رواها البخاري في صحيحه.
فانظروا - يا رعاكم الله - كيفَ تكون البركة.
وقد جاء في مسند أحمد أنه وجِد في خزائن بني أُمية حِنطةٌ الحبة بقَدر نواةِ التمر، وهي في صُرَّةٍ مكتوب عليها: "هذا كان ينبُت في زمَن العدل".
فإذا كان هذا إلى زمن قريب، فما الذي حدث؟
لماذا زالت البركة من كل شيء عندنا؟
وما السبيل إلى زيادة البركة؟
زالت البركة لعدة أسباب:
السبب الأول: كثرة المعاصي،
فللمَعصيةِ كبير الأثر في مَحقِ بركةِ المالِ والعُمُر والعلم والعمَل؛ يقولُ النبي - صلى الله عليه وسلم -:
((وإن العبدَ ليُحرَم الرزقَ بالذنبِ يُصيبه))؛ رواه الحاكم وصححه.
السبب الثاني: الغش والخداع،
ما أكثر الغش والخداع في حياتنا، فكثير من الناس في البيع والشراء يلجأ إلى الحلف كذبًا؛ حتي يبيع السلعة، وهذا أمر مشهور في الأسواق، تأمَّل معي ما عاقبة ذلك؛ قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه الشيخان:
((الحَلِفُ مَنْفَقَةٌ لِلسِّلْعَةِ، مَمْحَقَةٌ لِلبركة)).
وعلى هذا، فالصادقُ في البيع والشِّراءِ والمعاملات، مبارَكٌ له في الكَسب؛ يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -:
((البيِّعان بالخِيار ما لم يتَفرَّقا، فإن صدَقا وبيَّنا بُورِك لهما في بيعِهما، وإن كذبا وكتَما مُحِقَت بركة بيعِهما))؛ متفق عليه.
السبب الثالث: التعامل بالربا،
وما أكثر من يتعالم بالربا في حياتنا، ويَحسَب أن فيها زيادة للمال، لكنها زيادة ظاهرية لا بركة فيها، اقرؤا معي إن شئتم قوله تعالى:
﴿ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ ﴾ [الروم: 39]،
وقال تعالى: ﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ﴾ [البقرة: 276].
أما عن أسباب الرجوع الي البركة وزيادتها، فهي تتمثل في العناصر الآتية:
أوَّلُها: أن يتَّقي المجتمعُ المسلم ربَّه،
ويؤمِن به على ما أرادَ الله له وأرادَ له رسولُه - صلى الله عليه وسلم - فقد قال تعالى:
﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [الأعراف: 96].
وثانيها: الشكرُ على الرزق؛
لأن الله - جل وعلا - يقول:
﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 7].
ثالثها: القَصدُ وعدَم الإسراف؛
ولذلك نجد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبرنا بأن أعظمُ النساء بركةً أيسرُهنَّ صداقًا؛ رواه البيهقي والنسائي.
ومن الأسباب - عبادَ الله -: الدعاءُ واللجوء إليه؛ فإنه سببٌ من أسباب البركة؛ كما في قصّة الزبير الآنفة الذكر.
وآخرُ هذه الأسباب - عباد الله -: القناعة والرضا بعطاء الله؛
يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: فيما رواه أحمد في مسنده بسند صحيح:
((إن الله - تبارك وتعالى - يبتلي عبده بما أعطاه، فمن رضي بما قسم الله - عز وجل - له، بارك الله له فيه ووسعه، ومن لم يرضَ لم يبارك له فيه)).
بركات يومية لا تجعلها تفوتك:
1- إذا دخلت البيت، فسلِّم؛ فالسلام بركة؛
قال تعالى: ﴿ فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [النور: 61].
مباركة؛ أي: يُرْجَى فيها الخيرُ والبركة، وفي الحديث الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأنس:
((يا بُنَيَّ، إذا دخلتَ على أهلِك فَسلِّم، يَكْنْ سلامُك بركةً عليك وعلى أهل بيتك)).
2- تناوَلِ الطعام في مجموعة وسَمِّ،
فإن في هذا بركة؛ فقد روى الإمام أبو داود بسند صحيح أن قومًا اشتكوا للنبي عدم الشِّبَع، فقالوا: يا رسولَ الله، إنَّا نأكُل ولا نشبَع، قال:
((فلعلّكم تَفترِقون))،
قالوا: نعَم،
قال:
((فاجتمِعوا على طعامِكم، واذكُروا اسم الله، يبارك لكم فيه)).
3- صِلْ رَحمك؛
فإنها من أسباب زيادة البركة؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -:
((مَن سَرَّه أن يُبسَطَ له في رِزقِه، ويُنسأَ له في أثرِه، فَلْيَصلْ رَحِمَه))؛ رواه البخاري.
المصدر: نزع البركة .. الأسباب والعلاج
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اسعد الله اوقاتكم وملاها يمنا وبركة
حديثي إليكم اليوم عن مرض خطير أصاب المسلمين أفرادًا ومجتمعًا، وهذا المرض هو نزع البركة، فكثير من المسلمين لا ينعَم بالبركة في المال والأولاد، مع أن الله تعالى قال عنها:
﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ [الكهف: 46]،
وكثير منا لا يَنعم بزوجته مع أن الله تعالي جعلها سكنًا ومودة ورحمة، فقال - سبحانه -:
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾ [الروم: 21].
تسكنوا إليها؛ أي: تألفونها، وترتاحون وتطمئنون إليها، ولكن الزوجة عندَ البعض لا أُنسَ ولا مودة ولا رحمة، مشاكل وخِلافات، ومحاكم، لماذا؟ لأنَّه لم يُبارَكْ فيها.
ونزع البركة على مستوى الأفراد أدى إلى نزعها على مستوى المجموع، فالأمة اليوم كثيرة ولكن كثرة لا بركة فيها، وصدَق فينا قول المصطفى - صلى الله عليه وسلم -:
((يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كما تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إلى قَصْعَتِهَا فقال قَائِلٌ وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟ قال: بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ وَلَيَنْزَعَنَّ الله من صُدُورِ عَدُوِّكُمْ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ وَلَيَقْذِفَنَّ الله في قُلُوبِكُمْ الْوَهْنَ فقال قَائِلٌ يا رَسُولَ اللَّهِ وما الْوَهْنُ قال: حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ)).
فما هي البركة؟
وما هو حال الأنبياء والسلف مع البركة؟
وما هي أسباب زوال البركة في مثل عصورنا؟
وما هي أسباب زيادتها؟
البركة هي: النماء والزيادة والسعادة والكثرةُ في كلِّ خير.
ووصف ربنا - عز وجل - غير واحد من الأنبياء أنه مبارك؛ قال عيسى - عليه السلام -:
﴿ وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا ﴾ [مريم: 31]، وألقَى الله البركةَ على إبراهيمَ وآله؛ قال تعالى: ﴿ وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ * وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ ﴾ [الصافات: 112، 113].
وكان الأنبياء يطلبون من الله - عز وجل - البركة، فها هو نوح يدعو ربه بالبركة في المكان الذي ينزل فيه؛ قال تعالى:
﴿ وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ ﴾ [المؤمنون: 29].
وسيد المرسلين - صلى الله عليه وسلم - يدعو ربه بالبركة في العطاء؛ ففي الحديث الصحيح الذي أخرجه التزمذي أنه كان من دعاء النبي - عليه الصلاة والسلام -:
((وبارِك لي فيما أعطيتَ)).
ولو رَجعنا قليلاً إلى الوراء، لرأينا أمثلةً كثيرةً لحضورِ البركة ووجودها في عهد أصحابه - رضي الله عنهم - وعهود مَن بعدهم إلى زَمنٍ ليس عنا ببعيد، فقريبًا كانت البركة موجودة، ويشهد عليها آباؤنا وأجدادنا، فها هو سيدنا عثمان - رضي الله عنه - يجهز جيشًا كاملاً من ماله الخاص، فيبارك الله له في ماله؛ فقد رُوِي أن قد بلغَت ثمرةُ نخْله مائتي ألف أو تزيد؛ حيث بارك الله له إنفاقَه في سبيله، وها هو الزبير بن العوام قد أوصَى ولدَه عبدالله أن يقضي دينَه الذي يبلغُ ألفَ ألفٍ ومائتي ألف؛ يعني: مليونًا ومائتي ألف، وقد قال لولده عبدالله: يا بُني، إن عجَزت عنه في شيءٍ، فاستعن عليه مولاي، فوالله ما وقعتُ في كُربةٍ من دينٍ إلا قلت: يا مولى الزبير، اقضِ عنه دينَه، وكان لم يدَع دينارًا ولا دِرهمًا إلا أَرضَين له، ودارَت الأيام وبارَك الله في أرضِ الزبير وبِيعَتَا، فبَلغت تركةُ الزبير خمسين ألفَ ألفٍ ومائتي ألف يعني: خمسين مليونًا ومائتي ألف، وكان له أربعُ نسوة، فصارَ نصيبُ كل واحدةٍ منهن ألفَ ألف ومائتي ألف؛ يعني: مليونًا ومائتي ألف، كمقدار الدَّين الذي عليه؛ هذه القصة رواها البخاري في صحيحه.
فانظروا - يا رعاكم الله - كيفَ تكون البركة.
وقد جاء في مسند أحمد أنه وجِد في خزائن بني أُمية حِنطةٌ الحبة بقَدر نواةِ التمر، وهي في صُرَّةٍ مكتوب عليها: "هذا كان ينبُت في زمَن العدل".
فإذا كان هذا إلى زمن قريب، فما الذي حدث؟
لماذا زالت البركة من كل شيء عندنا؟
وما السبيل إلى زيادة البركة؟
زالت البركة لعدة أسباب:
السبب الأول: كثرة المعاصي،
فللمَعصيةِ كبير الأثر في مَحقِ بركةِ المالِ والعُمُر والعلم والعمَل؛ يقولُ النبي - صلى الله عليه وسلم -:
((وإن العبدَ ليُحرَم الرزقَ بالذنبِ يُصيبه))؛ رواه الحاكم وصححه.
السبب الثاني: الغش والخداع،
ما أكثر الغش والخداع في حياتنا، فكثير من الناس في البيع والشراء يلجأ إلى الحلف كذبًا؛ حتي يبيع السلعة، وهذا أمر مشهور في الأسواق، تأمَّل معي ما عاقبة ذلك؛ قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه الشيخان:
((الحَلِفُ مَنْفَقَةٌ لِلسِّلْعَةِ، مَمْحَقَةٌ لِلبركة)).
وعلى هذا، فالصادقُ في البيع والشِّراءِ والمعاملات، مبارَكٌ له في الكَسب؛ يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -:
((البيِّعان بالخِيار ما لم يتَفرَّقا، فإن صدَقا وبيَّنا بُورِك لهما في بيعِهما، وإن كذبا وكتَما مُحِقَت بركة بيعِهما))؛ متفق عليه.
السبب الثالث: التعامل بالربا،
وما أكثر من يتعالم بالربا في حياتنا، ويَحسَب أن فيها زيادة للمال، لكنها زيادة ظاهرية لا بركة فيها، اقرؤا معي إن شئتم قوله تعالى:
﴿ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ ﴾ [الروم: 39]،
وقال تعالى: ﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ﴾ [البقرة: 276].
أما عن أسباب الرجوع الي البركة وزيادتها، فهي تتمثل في العناصر الآتية:
أوَّلُها: أن يتَّقي المجتمعُ المسلم ربَّه،
ويؤمِن به على ما أرادَ الله له وأرادَ له رسولُه - صلى الله عليه وسلم - فقد قال تعالى:
﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [الأعراف: 96].
وثانيها: الشكرُ على الرزق؛
لأن الله - جل وعلا - يقول:
﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 7].
ثالثها: القَصدُ وعدَم الإسراف؛
ولذلك نجد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبرنا بأن أعظمُ النساء بركةً أيسرُهنَّ صداقًا؛ رواه البيهقي والنسائي.
ومن الأسباب - عبادَ الله -: الدعاءُ واللجوء إليه؛ فإنه سببٌ من أسباب البركة؛ كما في قصّة الزبير الآنفة الذكر.
وآخرُ هذه الأسباب - عباد الله -: القناعة والرضا بعطاء الله؛
يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: فيما رواه أحمد في مسنده بسند صحيح:
((إن الله - تبارك وتعالى - يبتلي عبده بما أعطاه، فمن رضي بما قسم الله - عز وجل - له، بارك الله له فيه ووسعه، ومن لم يرضَ لم يبارك له فيه)).
بركات يومية لا تجعلها تفوتك:
1- إذا دخلت البيت، فسلِّم؛ فالسلام بركة؛
قال تعالى: ﴿ فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [النور: 61].
مباركة؛ أي: يُرْجَى فيها الخيرُ والبركة، وفي الحديث الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأنس:
((يا بُنَيَّ، إذا دخلتَ على أهلِك فَسلِّم، يَكْنْ سلامُك بركةً عليك وعلى أهل بيتك)).
2- تناوَلِ الطعام في مجموعة وسَمِّ،
فإن في هذا بركة؛ فقد روى الإمام أبو داود بسند صحيح أن قومًا اشتكوا للنبي عدم الشِّبَع، فقالوا: يا رسولَ الله، إنَّا نأكُل ولا نشبَع، قال:
((فلعلّكم تَفترِقون))،
قالوا: نعَم،
قال:
((فاجتمِعوا على طعامِكم، واذكُروا اسم الله، يبارك لكم فيه)).
3- صِلْ رَحمك؛
فإنها من أسباب زيادة البركة؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -:
((مَن سَرَّه أن يُبسَطَ له في رِزقِه، ويُنسأَ له في أثرِه، فَلْيَصلْ رَحِمَه))؛ رواه البخاري.
المصدر: نزع البركة .. الأسباب والعلاج