في حكم اقتناءِ سيَّارةٍ وتملُّكها بالتقسيط
مع اشتراط التأمين
السؤال:
نحن عمَّالُ شركةٍ، إذا أرَدْنا أَنْ نقتنيَ سيَّارةً جديدةً مِنْ أحَدِ الوكلاء أو الموزِّعين المُعتمَدين في بيع السيَّارات عن طريق التقسيط يَلْزَمنا دفعُ مبلغٍ قدرُه (٣٠%) مِنْ قيمة السيَّارة كدفعةٍ أولى، والباقي على شكل أقساطٍ، بالإضافة إلى دفعِ مبلغ التأمين على السيَّارة بإحدى شركات التأمين وبوجهتين لا مَفرَّ منهما:
الأولى: تأمين السيارة مِنْ جميع المخاطر، ويتمُّ التعويض الكامل في حالةِ حدوث حادثٍ.
الثانية ـ وهي محل السؤال ـ وتُسمَّى التأمين على الحياة، بحيث تقوم شركةُ التأمين بدفعِ جميع الأقساط المتبقِّية في حالة الوفاة. فما الحكم الشرعيُّ في ذلك؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فنظرًا لِمَا في السؤال مِنْ تداخلٍ بين مسألتين فإنه يمكن الإجابةُ عليهما فيما يلي:
المسألة الأولى: البيع بالتقسيط، وصورةُ هذه المعاملة: أَنْ يملك المشتري السيَّارةَ بالبيع، وتبقى في ذِمَّته ديونُ الأقساط الباقية يدفعها على دفعاتٍ متتاليةٍ وَفْقَ ما اتَّفق عليه الطرفان، فإِنْ هلكَتِ السيَّارةُ فتهلك على صاحبها المالكِ لها، ويبقى مُطالَبًا بتسديد المبالغ الباقية وإكمالها، فإِنْ أمَّن على سيَّارته جبرًا لِمَا يفرضه عليه نظامُ السير فإنه يؤمِّن سيَّارتَه باعتباره مالكًا لها، ولا معنى للشرط المفروض في العقد، لكنَّه يؤمِّن على سيَّارته بأدنى الأخطار؛ ذلك لأنَّ التأمين التجاريَّ ـ على الراجح ـ غيرُ جائزٍ ـ شرعًا ـ لتضمُّنه للغرر المنهيِّ عنه ـ كما سيأتي بيانُه ـ.
المسألة الثانية: الإيجار المنتهي بالتمليك، وصورةُ هذه المعاملة: أنَّ المشتريَ المستأجِرَ لا يملك السيَّارة، وإنما ملكيَّتُها للبائع المؤجِّر، ويبقى المشتري المستأجِرُ مُطالَبًا بالدفعات المالية المقدَّمة وَفْقَ الاتِّفاق على سبيل الإيجار، فضلًا عن أنَّ البائع المؤجِّرَ يفرض كُلْفةَ التأمين ـ ظلمًا ـ على عاتقِ المستأجِر كشرطٍ في هذه المعاملة، ولا تنتقل الملكيةُ إلى المشتري المستأجِرِ إلَّا مِنْ بعدِ أَنْ يسدِّد المشتري المستأجِرُ كافَّةَ الأقساط المالية، ثمَّ يملِّكها له البائعُ المؤجِّر إمَّا بثمنٍ زهيدٍ أو بدونِ ثمنٍ.
فهذه الصورة مِنَ المعاملة مَنَعها أهلُ التحقيق مِنَ العلماء؛ لتضمُّنِ العقد الواحد شرطين مُتضادَّيْن في المقتضى مُنصَبَّين على عينٍ واحدةٍ في آنٍ واحدٍ: أحَدُهما تمليكُ العين والمنفعة، والثاني تمليكُ المنفعة دون العين في آنٍ واحدٍ، وقد تقرَّر أنَّ كُلَّ عقدٍ تَضمَّن وصفين متضادَّيْن حكمُه البطلانُ؛ فكأنه قال: أَبيعُك ولا أَبيعُك، ويؤيِّده النهيُ الوارد في بيعِ صفقتين في صفقةٍ(١) وبيعتين في بيعةٍ(٢).
وغالبُ الوكلاءِ أو الموزِّعين المُعتمَدين يتعاملون على نحوِ ما تتعامل به البنوكُ والمصارف المالية، وهي صورة الإيجار المنتهي بالتمليك، واللهُ المستعان
أمَّا حكم التأمين في كافَّةِ صُوَره ـ سواءٌ كان على الأشخاص أو على الأشياء ـ فممنوعٌ شرعًا؛ لِمَا اشتمل عليه مِنْ محاذيرَ شرعيةٍ مِنْ أكلِ أموال الناس بالباطل والغررِ والمقامرة وغيرها؛ قال تعالى: ﴿وَلَا تَأۡكُلُوٓاْ أَمۡوَٰلَكُم بَيۡنَكُم بِٱلۡبَٰطِلِ وَتُدۡلُواْ بِهَآ إِلَى ٱلۡحُكَّامِ لِتَأۡكُلُواْ فَرِيقٗا مِّنۡ أَمۡوَٰلِ ٱلنَّاسِ بِٱلۡإِثۡمِ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ ١٨٨﴾ [البقرة]، وقد نهى النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم عن بيع الغرر(٣)، فضلًا عن أنَّ شركة التأمين تُجْري عقودَ التأمين على وجهٍ يعود عليها بربحٍ استثماريٍّ، لم تبذل عملًا للمستأمن، وإنَّما كان منها مجرَّدُ التعاقد مع المستأمن على ضمان الخطر على تقديرِ وقوعه؛ فهذا إلزامٌ بما لم يَلْزَم شرعًا، وعملٌ بما لم تبذله شركةُ التأمين فكان ممنوعًا؛ لذلك لا تجوز مثلُ هذه العقود، سواءٌ وقعَتْ مقرونةً بالبيع أو بغيره، والتعاملُ بها تعاونٌ على الإثم والعدوان.
هذا، والمؤمَّن له إذا فرضَتْ عليه قوانينُ بلاده التأمينَ قسرًا ولا محيدَ له عنه فإنه إِنْ أمَّن يؤمِّن أدنى الأخطار ـ كما تقدَّم ـ مع عدم الرِّضا بما أُجْبِرَ عليه مِنْ عملٍ.
والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
(١) انظر ما أخرجه أحمد (٣٧٨٣) مِنْ حديثِ ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه. وانظر: «إرواء الغليل» للألباني (٥/ ١٤٨ ـ ١٥٢).
(٢) انظر ما أخرجه أبو داود في «الإجارة» بابٌ فيمَنْ باع بيعتين في بيعةٍ (٣٤٦١)، وما أخرجه الترمذيُّ في «البيوع» بابُ ما جاء في النهي عن بيعتين في بيعةٍ (١٢٣١)، والنسائيُّ في «البيوع» بابُ بيعتين في بيعةٍ، وهو أَنْ يقول: أبيعك هذه السلعةَ بمائةِ درهمٍ نقدًا، وبمائتَيْ درهمٍ نسيئةً (٤٦٣٢)، مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه. وانظر: «صحيح الجامع» (٦١١٦، ٦٩٤٣).
(٣) انظر ما أخرجه مسلمٌ في «البيوع» (١٥١٣) مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه
المصدر''موقع'العلامة'الشيخ'فركوس'حفظه'الله.
مع اشتراط التأمين
السؤال:
نحن عمَّالُ شركةٍ، إذا أرَدْنا أَنْ نقتنيَ سيَّارةً جديدةً مِنْ أحَدِ الوكلاء أو الموزِّعين المُعتمَدين في بيع السيَّارات عن طريق التقسيط يَلْزَمنا دفعُ مبلغٍ قدرُه (٣٠%) مِنْ قيمة السيَّارة كدفعةٍ أولى، والباقي على شكل أقساطٍ، بالإضافة إلى دفعِ مبلغ التأمين على السيَّارة بإحدى شركات التأمين وبوجهتين لا مَفرَّ منهما:
الأولى: تأمين السيارة مِنْ جميع المخاطر، ويتمُّ التعويض الكامل في حالةِ حدوث حادثٍ.
الثانية ـ وهي محل السؤال ـ وتُسمَّى التأمين على الحياة، بحيث تقوم شركةُ التأمين بدفعِ جميع الأقساط المتبقِّية في حالة الوفاة. فما الحكم الشرعيُّ في ذلك؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فنظرًا لِمَا في السؤال مِنْ تداخلٍ بين مسألتين فإنه يمكن الإجابةُ عليهما فيما يلي:
المسألة الأولى: البيع بالتقسيط، وصورةُ هذه المعاملة: أَنْ يملك المشتري السيَّارةَ بالبيع، وتبقى في ذِمَّته ديونُ الأقساط الباقية يدفعها على دفعاتٍ متتاليةٍ وَفْقَ ما اتَّفق عليه الطرفان، فإِنْ هلكَتِ السيَّارةُ فتهلك على صاحبها المالكِ لها، ويبقى مُطالَبًا بتسديد المبالغ الباقية وإكمالها، فإِنْ أمَّن على سيَّارته جبرًا لِمَا يفرضه عليه نظامُ السير فإنه يؤمِّن سيَّارتَه باعتباره مالكًا لها، ولا معنى للشرط المفروض في العقد، لكنَّه يؤمِّن على سيَّارته بأدنى الأخطار؛ ذلك لأنَّ التأمين التجاريَّ ـ على الراجح ـ غيرُ جائزٍ ـ شرعًا ـ لتضمُّنه للغرر المنهيِّ عنه ـ كما سيأتي بيانُه ـ.
المسألة الثانية: الإيجار المنتهي بالتمليك، وصورةُ هذه المعاملة: أنَّ المشتريَ المستأجِرَ لا يملك السيَّارة، وإنما ملكيَّتُها للبائع المؤجِّر، ويبقى المشتري المستأجِرُ مُطالَبًا بالدفعات المالية المقدَّمة وَفْقَ الاتِّفاق على سبيل الإيجار، فضلًا عن أنَّ البائع المؤجِّرَ يفرض كُلْفةَ التأمين ـ ظلمًا ـ على عاتقِ المستأجِر كشرطٍ في هذه المعاملة، ولا تنتقل الملكيةُ إلى المشتري المستأجِرِ إلَّا مِنْ بعدِ أَنْ يسدِّد المشتري المستأجِرُ كافَّةَ الأقساط المالية، ثمَّ يملِّكها له البائعُ المؤجِّر إمَّا بثمنٍ زهيدٍ أو بدونِ ثمنٍ.
فهذه الصورة مِنَ المعاملة مَنَعها أهلُ التحقيق مِنَ العلماء؛ لتضمُّنِ العقد الواحد شرطين مُتضادَّيْن في المقتضى مُنصَبَّين على عينٍ واحدةٍ في آنٍ واحدٍ: أحَدُهما تمليكُ العين والمنفعة، والثاني تمليكُ المنفعة دون العين في آنٍ واحدٍ، وقد تقرَّر أنَّ كُلَّ عقدٍ تَضمَّن وصفين متضادَّيْن حكمُه البطلانُ؛ فكأنه قال: أَبيعُك ولا أَبيعُك، ويؤيِّده النهيُ الوارد في بيعِ صفقتين في صفقةٍ(١) وبيعتين في بيعةٍ(٢).
وغالبُ الوكلاءِ أو الموزِّعين المُعتمَدين يتعاملون على نحوِ ما تتعامل به البنوكُ والمصارف المالية، وهي صورة الإيجار المنتهي بالتمليك، واللهُ المستعان
أمَّا حكم التأمين في كافَّةِ صُوَره ـ سواءٌ كان على الأشخاص أو على الأشياء ـ فممنوعٌ شرعًا؛ لِمَا اشتمل عليه مِنْ محاذيرَ شرعيةٍ مِنْ أكلِ أموال الناس بالباطل والغررِ والمقامرة وغيرها؛ قال تعالى: ﴿وَلَا تَأۡكُلُوٓاْ أَمۡوَٰلَكُم بَيۡنَكُم بِٱلۡبَٰطِلِ وَتُدۡلُواْ بِهَآ إِلَى ٱلۡحُكَّامِ لِتَأۡكُلُواْ فَرِيقٗا مِّنۡ أَمۡوَٰلِ ٱلنَّاسِ بِٱلۡإِثۡمِ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ ١٨٨﴾ [البقرة]، وقد نهى النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم عن بيع الغرر(٣)، فضلًا عن أنَّ شركة التأمين تُجْري عقودَ التأمين على وجهٍ يعود عليها بربحٍ استثماريٍّ، لم تبذل عملًا للمستأمن، وإنَّما كان منها مجرَّدُ التعاقد مع المستأمن على ضمان الخطر على تقديرِ وقوعه؛ فهذا إلزامٌ بما لم يَلْزَم شرعًا، وعملٌ بما لم تبذله شركةُ التأمين فكان ممنوعًا؛ لذلك لا تجوز مثلُ هذه العقود، سواءٌ وقعَتْ مقرونةً بالبيع أو بغيره، والتعاملُ بها تعاونٌ على الإثم والعدوان.
هذا، والمؤمَّن له إذا فرضَتْ عليه قوانينُ بلاده التأمينَ قسرًا ولا محيدَ له عنه فإنه إِنْ أمَّن يؤمِّن أدنى الأخطار ـ كما تقدَّم ـ مع عدم الرِّضا بما أُجْبِرَ عليه مِنْ عملٍ.
والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ٢٤ ذي القعدة ١٤٢٦ﻫ
الموافق ﻟ: ٢٦ ديسمبر ٢٠٠٥م
الموافق ﻟ: ٢٦ ديسمبر ٢٠٠٥م
(١) انظر ما أخرجه أحمد (٣٧٨٣) مِنْ حديثِ ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه. وانظر: «إرواء الغليل» للألباني (٥/ ١٤٨ ـ ١٥٢).
(٢) انظر ما أخرجه أبو داود في «الإجارة» بابٌ فيمَنْ باع بيعتين في بيعةٍ (٣٤٦١)، وما أخرجه الترمذيُّ في «البيوع» بابُ ما جاء في النهي عن بيعتين في بيعةٍ (١٢٣١)، والنسائيُّ في «البيوع» بابُ بيعتين في بيعةٍ، وهو أَنْ يقول: أبيعك هذه السلعةَ بمائةِ درهمٍ نقدًا، وبمائتَيْ درهمٍ نسيئةً (٤٦٣٢)، مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه. وانظر: «صحيح الجامع» (٦١١٦، ٦٩٤٣).
(٣) انظر ما أخرجه مسلمٌ في «البيوع» (١٥١٣) مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه
المصدر''موقع'العلامة'الشيخ'فركوس'حفظه'الله.