الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فقد قال ابن القيم –رحمه الله- في كتابه النفيس مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة (137/1) في معرض ذكره للفروق الفارقة بين لذة العلم ولذة المال حيث أوصلها إلى أكثر من ثلاثين فرقا:
«الخامس والعشرون: أن الْغني بِمَالِه لَا بُد أن يُفَارِقهُ غِناهُ ويتعذبَ ويتألمَ بمفارقته، والغنيُ بِالْعلمِ لَا يَزُول وَلَا يتعذب صَاحبه ولَا يتألم؛ فلذة الْغني بالمال لذة زائلة مُنْقَطِعَة يعقبها الألم، وَلَذَّةُ الْغني بِالْعلمِ لَذَّة بَاقِيَة مستمرة لَا يلْحقهَا ألم» اهـ.
ومن بقاء لذة العلم ودوامها ما يحصل لأهل الحديث وأصحاب السنن يوم القيامة من الشرف والفخر، والمكانة وعلو القدر، والثناء وجميل الذكر؛ فقد قال ابن كثير –رحمه الله تعالى- في تفسير قوله تعالى: «یَوۡمَ نَدۡعُوا۟ كُلَّ أُنَاسِۭ بِإِمَـٰمِهِمۡۖ» (الإسراء:71):
«وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: هَذَا أَكْبَرُ شَرَفٍ لِأَصْحَابِ الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّ إِمَامَهُمُ النَّبِيِّ ﷺ».
فتخيل أخي الحبيب هذه الصورة الحسنة والمنظر البهي، وأنت تُنادى للحساب ومعك رسولك وهاديك، ونبيك وحاديك، إمام الخلق وسيد البشر محمد صلوات الله وسلامه عليه، فتُؤتى كتابك بيمينك لاتباعك لإمامك، واقتفائك أثر نبيك، وتكون ممن يقرأ كتابه قراءة بهجة وسرور، وفرح وحبور، وتقول: «هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ».
ثم أشغل بالك، وأطلق عنان خيالك، وتصور حين تُحشر مع من أحببت من أصحاب الحديث ومقتفي الآثار، بدءا بالصحابة الأخيار، والتابعين الأطهار، ومن تبعهم بإحسان من العلماء الأبرار، والمحدثين الأحبار، كـ -مالك نجم السنن، وأحمد جبل المحن، والسفيانين والرازيين، وأصحاب الصحاح، ومدوني السنن، ومؤلفي المستدركات والمستخرجات، ومصنفي المعاجم والمصنفات، وجامعي الموطآت والمسانيد، وناقدي المتون والأسانيد، وشارحي الكتب والقماطر، وموضحي الأسفار والدفاتر، ما بين قديم غابر، وحديث معاصر، مثل ناصر الدين الألباني ومقبل الوادعي، وحماد الأنصاري والمدخلي الألمعي، وغيرهم ممن يُرجى لهم الجنان، ونرغب في مرافقتهم عند الملك الديان-، تعلوا وجوههم نضرة أهل الحديث، وتمتلأُ قلوبهم ببهجة أصحاب السنن، في أمن وأمان، وسلامة واطمئنان.
فحُق لمثل هذا الاجتماع الإيماني المؤثر أن تتشوق له النفوس، وتتشوف له الأبصار، فإذا كان الشافعي –رحمه الله- يقول: «إذا رأيت رجلاً من أهل الحديث فكأني رأيت النبي حياً»، كما رواه الخطيب بسنده في شرف أصحاب الحديث «ص46»؛ فما بالك برؤيتهم ومجالستهم والحديث معهم والاستئناس بهم والقرب منهم في الجنة؟.
وفي غمرة هذه الأحاسيس الرائعة في كنف أساطين الحديث، وأعمدة أهل الأثر تلوح في الخاطر مسألة من المسائل الحديثية الغامضة التي سالت فيها أقلامهم، وسارت في الكشف عنها أقدامهم، واختلفت في الجواب عليها أقوالهم – حيث بلغت خمسة عشر قولا-، وتنوعت في الجمع بينها أحوالهم؛ مسألة قول الترمذي –رحمه الله-وغيره في الحكم المزدوج على الأحاديث بلفظين مختلفين: «حديث حسن صحيح».
ووجه الإشكال في ذلك أن قوله: «حسن» فيه إثبات لقصور الحديث وعدم بلوغه درجة الصحة، وفي قوله بعدها «صحيح» إثبات لبلوغه تلك الدرجة وإدراكه لها؛ فهو ينفي عن الحديث بلوغ الصحة ثم يثبتها له بعد ذلك، فجمع بين النفي والإثبات في آن واحد مع اتحاد الجهة وعدم اختلافها.
نعم إذا انفكت الجهة زال الإشكال؛ ومثال انفكاك الجهة كأن تسأل طالبا مثلا في الدراسات النظامية ما هي درجتك؟ فيقول لك: جيد جدا ممتاز، فمع اتحاد الجهة الإشكال قائم؛ لأن جيد جدا إثبات لعدم بلوغ درجة الامتياز، وممتاز إثبات لبلوغها، فيكون قد جمع بين النقيضين، أما مع انفكاك الجهة بأن يكون قصده بدرجة جيد جدا المعدل العام، وقصده بممتاز معدل مواد التخصص؛ فسيزول بذلك الإشكال.
فهل تنفك الجهة في إطلاق الترمذي –رحمه الله- في قوله «حسن صحيح» أم لا؟
أجاب عن هذا الإشكال الغامض كثير من حُذاق العلل، وجمع من صيارفة الفن، بأجوبة كثيرة قابلتها اعتراضات كبيرة، في نقاشات طويلة الذيول كثيرة النقول؛ حتى إنه ليُخيل لك أنك في معركة علمية طاحنة، ومناظرة حديثية ساخنة، دعني ألخصها لك بعد حين، فادع الله لي بالتوفيق والتمكين.
قال العراقي –رحمه الله- في ألفية الحديث:
واستُشْكِلَ الحُسْن مع الصحةِ في ::: مَتْنٍ فَإِنْ لفظاً يُرد فَقُلْ صِفِ
بِهِ الضَعِيفُ أو يرد ما يُختلف ::: سنَده فِكيفَ إن فرد وصِفَ
ولأبي الفَتْح في الاقْتِرَاحِ ::: أن انفراد الحسن ذُو إصلاحِ
وَإِنْ يَكُنْ صَحٌ فَلَيْسَ يَلْتَبِسْ ::: كُلُّ صَحِيحٍ حَسَنٌ لاَ يُنْعكِسْ
أَوْرَدُوا مَا صَح مِن أفرَادِ ::: حَيثُ اشترطنا غَير ما إسنادِ
نشرع الآن في ذكر أجوبة أهل الفن بنحو ما ذكره العراقي في ألفيته مع تذييل ذلك باعتراضات المحدثين على كل جواب:
الجواب الأول: أن المقصود بالحَسنْ الحُسْنَ اللغوي وهو قول ابن الصلاح –رحمه الله-حيث قال في مقدمته ص39: «على أنه غير مستنكر أن يكون بعض من قال ذلك أراد بالحسن معناه اللغوي وهو ما تميل إليه النفس ولا يأباه القلب، دون المعنى الاصطلاحي الذي نحن بصدده؛ فاعلم ذلك، والله أعلم».
قال السيوطي –رحمه الله- في تدريب الراوي (27/1):
«كَمَا وَقَعَ لِابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ حَيْثُ رَوَى فِي كِتَابِ الْعِلْمِ حَدِيثَ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ مَرْفُوعًا: «تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ فَإِنَّ تَعَلُّمَهُ لِلَّهِ خَشْيَةٌ وَطَلَبَهُ عِبَادَةٌ» الْحَدِيثَ بِطُولِهِ، وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ جِدًّا، وَلَكِنْ لَيْسَ لَهُ إِسْنَادٌ قَوِيٌّ.
فَأَرَادَ بِالْحُسْنِ حُسْنَ اللَّفْظِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ مُوسَى الْبَلْقَاوِيِّ وَهُوَ كَذَّابٌ يُنْسَبُ إِلَى الْوَضْعِ عَنْ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْعَمِّيِّ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ.
وَرُوِّينَا عَنْ أُمَيَّةَ بْنِ خَالِدٍ قَالَ: قُلْتُ لِشُعْبَةَ تُحَدِّثُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَرْزَمِيِّ وَتَدَعُ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ أَبِي سُلَيْمَانَ -وَقَدْ كَانَ حَسَنَ الْحَدِيث - فَقَالَ: مِنْ حُسْنِهَا فَرَرْتُ، يَعْنِي أَنَّهَا مُنْكَرَةٌ.
وَقَالَ النَّخَعِيُّ: كَانُوا يَكْرَهُونَ إِذَا اجْتَمَعُوا أَنْ يُخْرِجَ الرَّجُلُ أَحْسَنَ مَا عِنْدَهُ، قَالَ السَّمْعَانِيُّ: عَنَى بِالْأَحْسَنِ الْغَرِيبَ...» اهـ.
واعتُرض على هذا الجواب بثلاثة اعتراضات:
الأول: أنه يلزم ذلك أن يُطلق على الحديث الموضوع أنه حسن إذا كان حسن اللفظ.
قال السخاوي –رحمه الله- في فتح المغيث (165/1): «وَلَكِنْ قَدْ تَعَقَّبَهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ بِأَنَّهُ إِنْ أُرِيدَ حُسْنُ اللَّفْظِ فَقَطْ، (فَقُلْ صِفْ بِهِ) أَيْ: بِالْحَسَنِ (الضَّعِيفَ) وَلَوْ بَلَغَ رُتْبَةَ الْوَضْعِ، يَعْنِي كَمَا هُوَ قَصْدُ الْوَاضِعِينَ غَالِبًا، وَذَلِكَ لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ إِذَا جَرَوْا عَلَى اصْطِلَاحِهِمْ، بَلْ صَرَّحَ الْبُلْقِينِيُّ بِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ إِطْلَاقُهُ فِي الْمَوْضُوعِ، يَعْنِي وَلَوْ خَرَجُوا عَنِ اصْطِلَاحِهِمْ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا أَوْقَعَ فِي لَبْسٍ، وَأَيْضًا فَحُسْنُ لَفْظِهِ مُعَارَضٌ بِقُبْحِ الْوَضْعِ أَوِ الضَّعْف»اهـ.
قال الحافظ ابن حجر –رحمه الله- في النكت على ابن الصلاح (576/1) معقبا على اعتراض ابن دقيق العيد:
«قلت: وهذا الإلزام عجيب؛ لأن ابن الصلاح إنما فرض المسألة حيث يقول القائل حسن صحيح، فحكمه عليه بالصحة يمتنع معه أن يكون موضوعا.
وأما قول الشيخ-يعني ابن الصلاح- بعد ذلك: «أن بعض المحدثين أطلق الحسن وأراد به معناه اللغوي دون الإصطلاحي» ثم أورد الحديث الذي ذكره ابن عبد البر... إلى آخر كلامه عليه، وهو عجيب؛ فإن ابن دقيق العيد قد قيَّد كلامه بقوله: «إذا جروا على اصطلاحهم»» اهـ.
الثاني: أن الترمذي في العلل في آخر جامعه قيَّد الحسن بالإسناد؛ فانتفى أن يريد حسن اللفظ.
قال السخاوي –رحمه الله- في فتح المغيث (165/1):
«علَى أَنَّهُ قَدْ يَدَّعِي أَنَّ تَقْيِيدَ التِّرْمِذِيِّ بِالْإِسْنَادِ؛ حَيْثُ قَالَ:« إِنَّمَا أَرَدْنَا بِهِ حُسْنِ إِسْنَادِهِ» يَدْفَعُ إِرَادَةَ حُسْنِ اللَّفْظِ، وَلَكِنْ لَا يَأْتِي هَذَا إِذَا مَشَيْنَا عَلَى أَنَّ تَعْرِيفَهُ إِنَّمَا هُوَ لِمَا يَقُولُ فِيهِ، حَسَنٌ فَقَطْ» اهـ.
الثالث: أن كلام النبي صلى الله عليه وسلم كله حسن الألفاظ، بليغ المعاني.
قال السخاوي –رحمه الله- في فتح المغيث (165/1):
«وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ سَيِّدِ النَّاسِ فِي دَفْعِ كَلَامِ ابْنِ الصَّلَاحِ: حَدِيثُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلُّهُ حَسَنُ الْأَلْفَاظِ، بَلِيغُ الْمَعَانِي، يَعْنِي فَلِمَ يَخُصَّ بِالْوَصْفِ بِذَلِكَ بَعْضَهُ دُونَ بَعْضٍ، فَهُوَ كَذَلِكَ جَزْمًا، لَكِنَّ فِيهِ مَا هُوَ فِي التَّرْهِيبِ وَنَحْوِهِ ; كَـ «مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ عُذِّبَ» وَمَا هُوَ فِي التَّرْغِيبِ وَالْفَضَائِلِ؛ كَالزُّهْدِ وَالرَّقَائِقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَلَا مَانِعَ مِنَ النَّصِّ فِي الثَّانِي وَنَحْوِهِ عَلَى الْحُسْنِ اللُّغَوِيِّ.
وَرُدَّ بِأَنَّ الْمُطَابِقَ لِلْوَاقِعِ فِي التِّرْمِذِيِّ غَيْرُ مَحْصُورٍ فِيهِ، وَالِانْفِصَالَ عَنْهُ - كَمَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ - أَنَّ الْوَصْفَ بِذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ بِالتَّرْهِيبِ بِاعْتِبَارِ مَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ وَالزَّجْرِ بِالَأَسَالِيبِ الْبَدِيعَةِ» اهـ.
قال البقاعي –رحمه الله- في النكت الوفية (295/1):
«والإلزام الصحيح ما قاله شيخنا –يعني ابن حجر- من أنه كان يلزم على قوله: ألا يوصف حديث بصفة إلا والحسنُ تابعه، فإن كل أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم حسنة الألفاظ بليغة، فلما رأينا الذي وقع هذا في كلامه، كثيرا يفرق فتارة يقول: «حسن»، ويطلق، وتارة يقول: «صحيح» فقط، وتارة يقول: «حسن صحيح»، وتارة يقول: «صحيح غريب» ونحو ذلك، عرفنا أنه لا محالة جار مع الاصطلاح» اهـ.
الجواب الثاني: «أن ذلك راجع إلى الإسناد، فإذا رُوي الحديث الواحد بإسنادين أحدهما إسناد حسن، والآخر إسناد صحيح استقام أن يقال فيه: أنه حديث حسن صحيح، أي إنه حسن بالنسبة إلى إسناد، صحيح بالنسبة إلى إسناد آخر» (مقدمة علوم الحديث لابن الصلاح ص39) اهـ.
«وهذا الجواب اعتمده جل أهل العلم فيما إذا تعددت طرق الحديث؛ لأن الجهة انفكت وانتهى الإشكال»(شرح ألفية الحديث ش8 للدكتور الخضير –عفا الله عنه-).
واعترض على هذا الجواب ابن دقيق العيد –رحمه الله- حيث قال في الاقتراح ص239:
«فَيرد عَلَيْهِ الْأَحَادِيث الَّتِي قيل فِيهَا حسن صَحِيح مَعَ أَنه لَيْسَ لَهَا إِلَّا مخرج وَاحِد ووجهة وَاحِدَة وَإِنَّمَا يعْتَبر اخْتِلَاف الْأَسَانِيد بِالنِّسْبَةِ إِلَى المخارج» اهـ.
قال البقاعي في النكت الوفية (295/1) جوابا على اعتراض ابن دقيق العيد–رحمهما الله-:
«قوله:«وهذا معنى قوله): فكيفَ إنْ فردٌ).
قال الشّيخُ في النكتِ : «وقد أجابَ بعضُ المتأخرينَ عنِ ابنِ الصلاحِ بأنَّ الترمذيَّ حيثُ قالَ هذا يريدُ بهِ تفردَ أحدِ الرواةِ بهِ عنِ الآخرِ، لا التفردَ المطلقَ ... وللترمذيِّ في تعبيره عن ذلكَ أنواعٌ من التقييداتِ لا يتنبهونَ لها، كأنْ يقولَ:« غريبٌ من هذا الوجهِ» ، «غريبٌ بهذا السياقِ»، «لا نعرفهُ إلا من هذا الوجهِ بهذا التمامِ»، ونحوُ ذلكَ، فلا يمنعُ أنْ يكونَ رويَ من وجهٍ آخرَ، أو أوجهٍ أُخرَ من غيرِ ذلكَ الوجهِ، وبغيرِ ذلكَ السياقِ، وبغيرِ ذلكَ التمام.
ووراءَ ذلكَ كله أنَّهُ إذا اقتصر على قوله: «غريبٌ» احتملَ أنْ يكونَ مرادهُ الغرابةَ النسبيةَ، أي: إنَّ ذلكَ الراوي تفرّدَ بهِ عن شيخه، وذلكَ مثل قوله:
« غريبٌ من هذا الوجهِ» فلا يمتنعُ أنْ يكونَ رواهُ العددُ الكثيرُ عن غيرِ ذلكَ الشيخِ، فليتنبه لذلكَ كلهِ» اهـ.
ثم أجاب البقاعي –رحمه الله- على اعتراض ابن دقيق العيد بجواب ثان فقال:
«وإنْ كانَ الحديثُ فرداً فالوصفُ وقعَ بحسبِ اختلافِ النقادِ في راويهِ، فيرى المجتهدُ منهمُ - كالترمذيِّ - بعضهم يقولُ: صدوقٌ مثلاً، وبعضهم يقولُ: ثقةٌ، ولا يترجّحُ عنده قولُ واحدٍ منهما، أو يترجحُ، ولكنهُ أرادَ أنْ يشيرَ إلى كلامِ الناسِ فيهِ، فيقولَ:«حسنٌ صحيحٌ»، أي: حسنٌ عندَ قومٍ؛ لأنَّ راويهِ عندَهم صدوقٌ، صحيحٌ عندَ آخرينَ؛ لأنَّ راويهِ عندهم ثقةٌ، وهوَ نظيرُ قولِ الفقيهِ: «في المسألةِ قولانِ»، أو بحسبِ ترددِ المجتهدِ نفسهِ في الراوي، فتارةً يؤديهِ اجتهادهُ باعتبارِ حديثهِ وعرضهِ على حديثِ الحفّاظِ، ونحو ذلكَ إلى قصورِ ضبطهِ، وتارةً إلى تمامهِ، فكأنهُ حينئذٍ قالَ: حسنٌ أو صحيحٌ، وغايتهُ: أنَّه حذفَ كلمة «أو»، وحذفُها شائعٌ في كلامِهم، كما في أثرِ عمرَ - رضي الله عنه - في الصحيحِ في أوائلِ كتابِ الصلاةِ : «صلى في قميصٍ وإزارٍ، في تبان ورداءٍ، في كذا وكذا ... » إلى آخرهِ.
في صحيحِ مسلمٍ أيضاً في البرِ والصلةِ عن أبي هريرةَ - رضي الله عنه -، أنَّ النّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ:«اللهمَّ إني أتخذُ عندكَ عهداً، فأيُ المسلمينَ آذيتُهُ، شتمتُهُ، لعنتُهُ، جلدتُه، فاجعلها لَه صلاةً، وزكاةً، وقُربةً» اهـ
ونقل صاحب تحفة الأحوذي في مقدمته ص407 عن الزركشي جوابا ثالثا فقال: «ويجوز أن يريد حقيقتهما في إسناد واحد باعتبار حالين وزمانين؛ فيجوز أن يكون سمع هذا الحديث من رجل مرة في حال كونه مستورا أو مشهورا بالصدق والأمانة، ثم ارتقى وارتفع حاله إلى درجة العدالة، فسمعه منه مرة أخرى فأخبر بالوصفين.
وقد روى عن غير واحد أنه سمع الحديث الواحد على شيخ واحد غير مرة.
قال: وهذا الاحتمال وإن كان بعيدا فهو أشبه ما يقال» اهـ.
قال الدكتور الخضير –عفا الله عنه- في شرح ألفية الحديث ش8 -بتصرف-: «فإن قال قائل -معترضا-أن بعض الأفراد المُتفق على صحتها عند العلماء لا يصح أن يُحكم عليها أنها حسن عند قوم، صحيح عند آخرين؛ كحديث «إنما الأعمال بالنيات...»، وحديث «كلمتان خفيفتان على اللسان ...»، وحديث النهي عن بيع الولاء والهبة»؛ فيُجاب عليه بـ:
الجواب الثالث:
قال ابن دقيق العيد –رحمه الله-في الاقتراح ص245، بعد اعتراضه على الجوابين الأوليين:
«وَالَّذِي أَقُول فِي جَوَاب هَذَا السُّؤَال أَنه لَا يشْتَرط فِي الْحسن قيد الْقُصُور عَن الصَّحِيح وَإِنَّمَا يَجِيئهُ الْقُصُور وَيفهم ذَلِك فِيهِ إِذا اقْتصر على قَوْله حسن فالقصور يَأْتِيهِ من قيد الِاقْتِصَار لَا من حَيْثُ حَقِيقَته وذاته وَشرح هَذَا وَبَيَانه:
إِن هَهُنَا صِفَات للرواة تَقْتَضِي قبُول الرِّوَايَة ولتلك الصِّفَات دَرَجَات بَعْضهَا فَوق بعض كالتيقظ وَالْحِفْظ والإتقان مثلا فوجود الدرجَة الدُّنْيَا كالصدق مثلا وَعدم التُّهْمَة بِالْكَذِبِ لَا يُنَافِيهِ وجود مَا هُوَ أَعلَى مِنْهُ كالحفظ والإتقان فَإِذا وجدت الدرجَة الْعليا لم يناف ذَلِك وجود الدُّنْيَا كالحفظ مَعَ الصدْق فَيصح أَن يُقَال فِي هَذَا أَنه حسن بِاعْتِبَار وجود الصّفة الدُّنْيَا وَهِي الصدْق مثلا صَحِيح بِاعْتِبَار الصّفة الْعليا وَهِي الْحِفْظ والإتقان
وَيلْزم على هَذَا أَن يكون كل صَحِيح حسنا.
يلْتَزم ذَلِك وَيُؤَيِّدهُ وُرُود قَوْلهم هَذَا حَدِيث حسن فِي الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة وَهَذَا مَوْجُود فِي كَلَام الْمُتَقَدِّمين» اهـ.
وقد جزم الحافظ ابن حجر –رحمه الله- في النكت بأن هذا الجواب هو أقوى الأجوبة في الجملة، ومثال ذلك في دنيا الناس كرجل تقدم لمسابقة من أجل الحصول على وظيفة، واشترطوا أن تكون درجة الشهادة جيد جدا، وهو متحصل على درجة ممتاز؛ فهل يقبل أم لا؟
الجواب: يقبل، لأنه حقق الجيد جدا وزيادة، وكذلك الصحيح تحققت فيه شروط الحسن وزيادة؛ فلا يصل إلى درجة الصحيح حتى يعبر على درجة الحسن، ولذلك جاز الجمع بينهما في سياق واحد.
هذا بعض ما ذكره المحدثون في الجواب على هذا الإشكال العويص؛ حيث ارتأيت السباحة في ساحل بحر متلاطم الأمواج، وقررت المشي بجانب طريق متشعب السُبل والفجاج، وقد أعرضت عن كثير من الأجوبة تجنبا للإملال، تاركا الإثقال، بالإضافة إلى عدم سلامتها من الاعتراضات، وكثرة ما ذُكر عنها من الإيرادات؛ حتى إن بعض العلماء -مع كثرة ما سال في هذه القضية من حبر- لم يستقر على قول قوي مُطمئِنْ، ولم يركن إلى جوابِ بحرٍ مُتفَنِنْ؛ كما ذهب إليه الألباني في رأيه «لأمرين أولهما أن الترمذي لم يعبر عن اصطلاحه الذي حكاه وأشاعه، وثانيهما: أن العلماء ما جاءوا بجواب كاف شاف تطمئن له النفس وينشرح له الصدر»(من صوتية له على الأنترنت).
وكما حصل لريحانة اليمن العلامة مقبل بن هادي –رحمه الله- بقوله:
«وفي مقدمة تحفة الأحوذي أطال الكلام على هذا وأنا قرأت فيه وما استقررت على شيء منه» (السير الحثيث شرح اختصار علوم الحديث) اهـ.
وذكر في موضع آخر بعد قوله هذا أن ما من قول إلا وقد نوقض، وأن العلماء لم يجمعوا على شيء في تفسير قول الترمذي.
والآن بعدما وضعت الحرب أوزارها، وأخمدت النار أوارها، وعودا على بدء ها أنذا أسوق لك أمنيتي في الجنة، ونحن في محفل بهيج بين أهل السُنة، في مجلس علم مليء عن آخره بأهل الأثر، وكلهم على أحر من الجمر لقضاء الوطر، مصوبة أبصارهم نحو الترمذي الإمام، في مشهد قد لا تراه إلا في المنام، وهم بين مستفسر وسائل، ومستفصل وناقل، ومعترض وعاذل، فيبدأ حامدا في الكلام، ويمسك القضية من الخطام، فيدلي بدلوه، ويصرح بقوله، فيجيب السُؤال، ويزيل الإشكال، وهم في لذة لذيذة، ومتعة جديدة، وفرح وسرور، وسعادة وقرور، فاللهم بلغنا الأماني، وحقق لنا تلك المعاني، ونحن في سعة وانشراح، وفلاح ونجاح.
وقبل الختام؛ ومسارعة مني في سرد الأمنيات، وتقييد الرغبات، لأكون أول مجيب على السؤال المطروح في العنوان «فما هي أمنيتك؟»، أسوق لك أخي القارئ الكريم أمنية أحد الشعراء –نزيل تونس الخضراء- في الجنة حيث قال في إحدى مناشيره:
«من أمانيَّ في الجنَّة أن أجلسَ مع البخاري وابن حجر العسقلاني، وأقول للبخاري: بمَ تُجازي ابنَ حجر الذي برَّكَ بـ «فتح الباري» ووصلك بـ «[تغليق التعليق» وقضى بهما دَينَك عند الأمة؟
ثم أستمع لبيان البخاري، وأنظر لبسماتِ ابن حجر!» اهـ.
إلى هنا دقت ساعة الختم، وجاءت لحظة الحسم، وأسأل الله جل في علاه أن أكون قد وُفقت إلى شيء من الإمتاع، وطرف من اللذة والانتفاع، متوسلا إليه أن يجمعنا بمن أحببناهم في الدنيا عنده في مستقر رحمته، إنه ولي ذلك القادر عليه.
المصدر''موقع'التصفية'والتربية'السلفية''تحت'إشراف'الشيخ'أزهر'سنيقرة'حفظه'الله
فقد قال ابن القيم –رحمه الله- في كتابه النفيس مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة (137/1) في معرض ذكره للفروق الفارقة بين لذة العلم ولذة المال حيث أوصلها إلى أكثر من ثلاثين فرقا:
«الخامس والعشرون: أن الْغني بِمَالِه لَا بُد أن يُفَارِقهُ غِناهُ ويتعذبَ ويتألمَ بمفارقته، والغنيُ بِالْعلمِ لَا يَزُول وَلَا يتعذب صَاحبه ولَا يتألم؛ فلذة الْغني بالمال لذة زائلة مُنْقَطِعَة يعقبها الألم، وَلَذَّةُ الْغني بِالْعلمِ لَذَّة بَاقِيَة مستمرة لَا يلْحقهَا ألم» اهـ.
ومن بقاء لذة العلم ودوامها ما يحصل لأهل الحديث وأصحاب السنن يوم القيامة من الشرف والفخر، والمكانة وعلو القدر، والثناء وجميل الذكر؛ فقد قال ابن كثير –رحمه الله تعالى- في تفسير قوله تعالى: «یَوۡمَ نَدۡعُوا۟ كُلَّ أُنَاسِۭ بِإِمَـٰمِهِمۡۖ» (الإسراء:71):
«وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: هَذَا أَكْبَرُ شَرَفٍ لِأَصْحَابِ الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّ إِمَامَهُمُ النَّبِيِّ ﷺ».
فتخيل أخي الحبيب هذه الصورة الحسنة والمنظر البهي، وأنت تُنادى للحساب ومعك رسولك وهاديك، ونبيك وحاديك، إمام الخلق وسيد البشر محمد صلوات الله وسلامه عليه، فتُؤتى كتابك بيمينك لاتباعك لإمامك، واقتفائك أثر نبيك، وتكون ممن يقرأ كتابه قراءة بهجة وسرور، وفرح وحبور، وتقول: «هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ».
ثم أشغل بالك، وأطلق عنان خيالك، وتصور حين تُحشر مع من أحببت من أصحاب الحديث ومقتفي الآثار، بدءا بالصحابة الأخيار، والتابعين الأطهار، ومن تبعهم بإحسان من العلماء الأبرار، والمحدثين الأحبار، كـ -مالك نجم السنن، وأحمد جبل المحن، والسفيانين والرازيين، وأصحاب الصحاح، ومدوني السنن، ومؤلفي المستدركات والمستخرجات، ومصنفي المعاجم والمصنفات، وجامعي الموطآت والمسانيد، وناقدي المتون والأسانيد، وشارحي الكتب والقماطر، وموضحي الأسفار والدفاتر، ما بين قديم غابر، وحديث معاصر، مثل ناصر الدين الألباني ومقبل الوادعي، وحماد الأنصاري والمدخلي الألمعي، وغيرهم ممن يُرجى لهم الجنان، ونرغب في مرافقتهم عند الملك الديان-، تعلوا وجوههم نضرة أهل الحديث، وتمتلأُ قلوبهم ببهجة أصحاب السنن، في أمن وأمان، وسلامة واطمئنان.
فحُق لمثل هذا الاجتماع الإيماني المؤثر أن تتشوق له النفوس، وتتشوف له الأبصار، فإذا كان الشافعي –رحمه الله- يقول: «إذا رأيت رجلاً من أهل الحديث فكأني رأيت النبي حياً»، كما رواه الخطيب بسنده في شرف أصحاب الحديث «ص46»؛ فما بالك برؤيتهم ومجالستهم والحديث معهم والاستئناس بهم والقرب منهم في الجنة؟.
وفي غمرة هذه الأحاسيس الرائعة في كنف أساطين الحديث، وأعمدة أهل الأثر تلوح في الخاطر مسألة من المسائل الحديثية الغامضة التي سالت فيها أقلامهم، وسارت في الكشف عنها أقدامهم، واختلفت في الجواب عليها أقوالهم – حيث بلغت خمسة عشر قولا-، وتنوعت في الجمع بينها أحوالهم؛ مسألة قول الترمذي –رحمه الله-وغيره في الحكم المزدوج على الأحاديث بلفظين مختلفين: «حديث حسن صحيح».
ووجه الإشكال في ذلك أن قوله: «حسن» فيه إثبات لقصور الحديث وعدم بلوغه درجة الصحة، وفي قوله بعدها «صحيح» إثبات لبلوغه تلك الدرجة وإدراكه لها؛ فهو ينفي عن الحديث بلوغ الصحة ثم يثبتها له بعد ذلك، فجمع بين النفي والإثبات في آن واحد مع اتحاد الجهة وعدم اختلافها.
نعم إذا انفكت الجهة زال الإشكال؛ ومثال انفكاك الجهة كأن تسأل طالبا مثلا في الدراسات النظامية ما هي درجتك؟ فيقول لك: جيد جدا ممتاز، فمع اتحاد الجهة الإشكال قائم؛ لأن جيد جدا إثبات لعدم بلوغ درجة الامتياز، وممتاز إثبات لبلوغها، فيكون قد جمع بين النقيضين، أما مع انفكاك الجهة بأن يكون قصده بدرجة جيد جدا المعدل العام، وقصده بممتاز معدل مواد التخصص؛ فسيزول بذلك الإشكال.
فهل تنفك الجهة في إطلاق الترمذي –رحمه الله- في قوله «حسن صحيح» أم لا؟
أجاب عن هذا الإشكال الغامض كثير من حُذاق العلل، وجمع من صيارفة الفن، بأجوبة كثيرة قابلتها اعتراضات كبيرة، في نقاشات طويلة الذيول كثيرة النقول؛ حتى إنه ليُخيل لك أنك في معركة علمية طاحنة، ومناظرة حديثية ساخنة، دعني ألخصها لك بعد حين، فادع الله لي بالتوفيق والتمكين.
قال العراقي –رحمه الله- في ألفية الحديث:
واستُشْكِلَ الحُسْن مع الصحةِ في ::: مَتْنٍ فَإِنْ لفظاً يُرد فَقُلْ صِفِ
بِهِ الضَعِيفُ أو يرد ما يُختلف ::: سنَده فِكيفَ إن فرد وصِفَ
ولأبي الفَتْح في الاقْتِرَاحِ ::: أن انفراد الحسن ذُو إصلاحِ
وَإِنْ يَكُنْ صَحٌ فَلَيْسَ يَلْتَبِسْ ::: كُلُّ صَحِيحٍ حَسَنٌ لاَ يُنْعكِسْ
أَوْرَدُوا مَا صَح مِن أفرَادِ ::: حَيثُ اشترطنا غَير ما إسنادِ
نشرع الآن في ذكر أجوبة أهل الفن بنحو ما ذكره العراقي في ألفيته مع تذييل ذلك باعتراضات المحدثين على كل جواب:
الجواب الأول: أن المقصود بالحَسنْ الحُسْنَ اللغوي وهو قول ابن الصلاح –رحمه الله-حيث قال في مقدمته ص39: «على أنه غير مستنكر أن يكون بعض من قال ذلك أراد بالحسن معناه اللغوي وهو ما تميل إليه النفس ولا يأباه القلب، دون المعنى الاصطلاحي الذي نحن بصدده؛ فاعلم ذلك، والله أعلم».
قال السيوطي –رحمه الله- في تدريب الراوي (27/1):
«كَمَا وَقَعَ لِابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ حَيْثُ رَوَى فِي كِتَابِ الْعِلْمِ حَدِيثَ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ مَرْفُوعًا: «تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ فَإِنَّ تَعَلُّمَهُ لِلَّهِ خَشْيَةٌ وَطَلَبَهُ عِبَادَةٌ» الْحَدِيثَ بِطُولِهِ، وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ جِدًّا، وَلَكِنْ لَيْسَ لَهُ إِسْنَادٌ قَوِيٌّ.
فَأَرَادَ بِالْحُسْنِ حُسْنَ اللَّفْظِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ مُوسَى الْبَلْقَاوِيِّ وَهُوَ كَذَّابٌ يُنْسَبُ إِلَى الْوَضْعِ عَنْ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْعَمِّيِّ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ.
وَرُوِّينَا عَنْ أُمَيَّةَ بْنِ خَالِدٍ قَالَ: قُلْتُ لِشُعْبَةَ تُحَدِّثُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَرْزَمِيِّ وَتَدَعُ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ أَبِي سُلَيْمَانَ -وَقَدْ كَانَ حَسَنَ الْحَدِيث - فَقَالَ: مِنْ حُسْنِهَا فَرَرْتُ، يَعْنِي أَنَّهَا مُنْكَرَةٌ.
وَقَالَ النَّخَعِيُّ: كَانُوا يَكْرَهُونَ إِذَا اجْتَمَعُوا أَنْ يُخْرِجَ الرَّجُلُ أَحْسَنَ مَا عِنْدَهُ، قَالَ السَّمْعَانِيُّ: عَنَى بِالْأَحْسَنِ الْغَرِيبَ...» اهـ.
واعتُرض على هذا الجواب بثلاثة اعتراضات:
الأول: أنه يلزم ذلك أن يُطلق على الحديث الموضوع أنه حسن إذا كان حسن اللفظ.
قال السخاوي –رحمه الله- في فتح المغيث (165/1): «وَلَكِنْ قَدْ تَعَقَّبَهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ بِأَنَّهُ إِنْ أُرِيدَ حُسْنُ اللَّفْظِ فَقَطْ، (فَقُلْ صِفْ بِهِ) أَيْ: بِالْحَسَنِ (الضَّعِيفَ) وَلَوْ بَلَغَ رُتْبَةَ الْوَضْعِ، يَعْنِي كَمَا هُوَ قَصْدُ الْوَاضِعِينَ غَالِبًا، وَذَلِكَ لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ إِذَا جَرَوْا عَلَى اصْطِلَاحِهِمْ، بَلْ صَرَّحَ الْبُلْقِينِيُّ بِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ إِطْلَاقُهُ فِي الْمَوْضُوعِ، يَعْنِي وَلَوْ خَرَجُوا عَنِ اصْطِلَاحِهِمْ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا أَوْقَعَ فِي لَبْسٍ، وَأَيْضًا فَحُسْنُ لَفْظِهِ مُعَارَضٌ بِقُبْحِ الْوَضْعِ أَوِ الضَّعْف»اهـ.
قال الحافظ ابن حجر –رحمه الله- في النكت على ابن الصلاح (576/1) معقبا على اعتراض ابن دقيق العيد:
«قلت: وهذا الإلزام عجيب؛ لأن ابن الصلاح إنما فرض المسألة حيث يقول القائل حسن صحيح، فحكمه عليه بالصحة يمتنع معه أن يكون موضوعا.
وأما قول الشيخ-يعني ابن الصلاح- بعد ذلك: «أن بعض المحدثين أطلق الحسن وأراد به معناه اللغوي دون الإصطلاحي» ثم أورد الحديث الذي ذكره ابن عبد البر... إلى آخر كلامه عليه، وهو عجيب؛ فإن ابن دقيق العيد قد قيَّد كلامه بقوله: «إذا جروا على اصطلاحهم»» اهـ.
الثاني: أن الترمذي في العلل في آخر جامعه قيَّد الحسن بالإسناد؛ فانتفى أن يريد حسن اللفظ.
قال السخاوي –رحمه الله- في فتح المغيث (165/1):
«علَى أَنَّهُ قَدْ يَدَّعِي أَنَّ تَقْيِيدَ التِّرْمِذِيِّ بِالْإِسْنَادِ؛ حَيْثُ قَالَ:« إِنَّمَا أَرَدْنَا بِهِ حُسْنِ إِسْنَادِهِ» يَدْفَعُ إِرَادَةَ حُسْنِ اللَّفْظِ، وَلَكِنْ لَا يَأْتِي هَذَا إِذَا مَشَيْنَا عَلَى أَنَّ تَعْرِيفَهُ إِنَّمَا هُوَ لِمَا يَقُولُ فِيهِ، حَسَنٌ فَقَطْ» اهـ.
الثالث: أن كلام النبي صلى الله عليه وسلم كله حسن الألفاظ، بليغ المعاني.
قال السخاوي –رحمه الله- في فتح المغيث (165/1):
«وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ سَيِّدِ النَّاسِ فِي دَفْعِ كَلَامِ ابْنِ الصَّلَاحِ: حَدِيثُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلُّهُ حَسَنُ الْأَلْفَاظِ، بَلِيغُ الْمَعَانِي، يَعْنِي فَلِمَ يَخُصَّ بِالْوَصْفِ بِذَلِكَ بَعْضَهُ دُونَ بَعْضٍ، فَهُوَ كَذَلِكَ جَزْمًا، لَكِنَّ فِيهِ مَا هُوَ فِي التَّرْهِيبِ وَنَحْوِهِ ; كَـ «مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ عُذِّبَ» وَمَا هُوَ فِي التَّرْغِيبِ وَالْفَضَائِلِ؛ كَالزُّهْدِ وَالرَّقَائِقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَلَا مَانِعَ مِنَ النَّصِّ فِي الثَّانِي وَنَحْوِهِ عَلَى الْحُسْنِ اللُّغَوِيِّ.
وَرُدَّ بِأَنَّ الْمُطَابِقَ لِلْوَاقِعِ فِي التِّرْمِذِيِّ غَيْرُ مَحْصُورٍ فِيهِ، وَالِانْفِصَالَ عَنْهُ - كَمَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ - أَنَّ الْوَصْفَ بِذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ بِالتَّرْهِيبِ بِاعْتِبَارِ مَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ وَالزَّجْرِ بِالَأَسَالِيبِ الْبَدِيعَةِ» اهـ.
قال البقاعي –رحمه الله- في النكت الوفية (295/1):
«والإلزام الصحيح ما قاله شيخنا –يعني ابن حجر- من أنه كان يلزم على قوله: ألا يوصف حديث بصفة إلا والحسنُ تابعه، فإن كل أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم حسنة الألفاظ بليغة، فلما رأينا الذي وقع هذا في كلامه، كثيرا يفرق فتارة يقول: «حسن»، ويطلق، وتارة يقول: «صحيح» فقط، وتارة يقول: «حسن صحيح»، وتارة يقول: «صحيح غريب» ونحو ذلك، عرفنا أنه لا محالة جار مع الاصطلاح» اهـ.
الجواب الثاني: «أن ذلك راجع إلى الإسناد، فإذا رُوي الحديث الواحد بإسنادين أحدهما إسناد حسن، والآخر إسناد صحيح استقام أن يقال فيه: أنه حديث حسن صحيح، أي إنه حسن بالنسبة إلى إسناد، صحيح بالنسبة إلى إسناد آخر» (مقدمة علوم الحديث لابن الصلاح ص39) اهـ.
«وهذا الجواب اعتمده جل أهل العلم فيما إذا تعددت طرق الحديث؛ لأن الجهة انفكت وانتهى الإشكال»(شرح ألفية الحديث ش8 للدكتور الخضير –عفا الله عنه-).
واعترض على هذا الجواب ابن دقيق العيد –رحمه الله- حيث قال في الاقتراح ص239:
«فَيرد عَلَيْهِ الْأَحَادِيث الَّتِي قيل فِيهَا حسن صَحِيح مَعَ أَنه لَيْسَ لَهَا إِلَّا مخرج وَاحِد ووجهة وَاحِدَة وَإِنَّمَا يعْتَبر اخْتِلَاف الْأَسَانِيد بِالنِّسْبَةِ إِلَى المخارج» اهـ.
قال البقاعي في النكت الوفية (295/1) جوابا على اعتراض ابن دقيق العيد–رحمهما الله-:
«قوله:«وهذا معنى قوله): فكيفَ إنْ فردٌ).
قال الشّيخُ في النكتِ : «وقد أجابَ بعضُ المتأخرينَ عنِ ابنِ الصلاحِ بأنَّ الترمذيَّ حيثُ قالَ هذا يريدُ بهِ تفردَ أحدِ الرواةِ بهِ عنِ الآخرِ، لا التفردَ المطلقَ ... وللترمذيِّ في تعبيره عن ذلكَ أنواعٌ من التقييداتِ لا يتنبهونَ لها، كأنْ يقولَ:« غريبٌ من هذا الوجهِ» ، «غريبٌ بهذا السياقِ»، «لا نعرفهُ إلا من هذا الوجهِ بهذا التمامِ»، ونحوُ ذلكَ، فلا يمنعُ أنْ يكونَ رويَ من وجهٍ آخرَ، أو أوجهٍ أُخرَ من غيرِ ذلكَ الوجهِ، وبغيرِ ذلكَ السياقِ، وبغيرِ ذلكَ التمام.
ووراءَ ذلكَ كله أنَّهُ إذا اقتصر على قوله: «غريبٌ» احتملَ أنْ يكونَ مرادهُ الغرابةَ النسبيةَ، أي: إنَّ ذلكَ الراوي تفرّدَ بهِ عن شيخه، وذلكَ مثل قوله:
« غريبٌ من هذا الوجهِ» فلا يمتنعُ أنْ يكونَ رواهُ العددُ الكثيرُ عن غيرِ ذلكَ الشيخِ، فليتنبه لذلكَ كلهِ» اهـ.
ثم أجاب البقاعي –رحمه الله- على اعتراض ابن دقيق العيد بجواب ثان فقال:
«وإنْ كانَ الحديثُ فرداً فالوصفُ وقعَ بحسبِ اختلافِ النقادِ في راويهِ، فيرى المجتهدُ منهمُ - كالترمذيِّ - بعضهم يقولُ: صدوقٌ مثلاً، وبعضهم يقولُ: ثقةٌ، ولا يترجّحُ عنده قولُ واحدٍ منهما، أو يترجحُ، ولكنهُ أرادَ أنْ يشيرَ إلى كلامِ الناسِ فيهِ، فيقولَ:«حسنٌ صحيحٌ»، أي: حسنٌ عندَ قومٍ؛ لأنَّ راويهِ عندَهم صدوقٌ، صحيحٌ عندَ آخرينَ؛ لأنَّ راويهِ عندهم ثقةٌ، وهوَ نظيرُ قولِ الفقيهِ: «في المسألةِ قولانِ»، أو بحسبِ ترددِ المجتهدِ نفسهِ في الراوي، فتارةً يؤديهِ اجتهادهُ باعتبارِ حديثهِ وعرضهِ على حديثِ الحفّاظِ، ونحو ذلكَ إلى قصورِ ضبطهِ، وتارةً إلى تمامهِ، فكأنهُ حينئذٍ قالَ: حسنٌ أو صحيحٌ، وغايتهُ: أنَّه حذفَ كلمة «أو»، وحذفُها شائعٌ في كلامِهم، كما في أثرِ عمرَ - رضي الله عنه - في الصحيحِ في أوائلِ كتابِ الصلاةِ : «صلى في قميصٍ وإزارٍ، في تبان ورداءٍ، في كذا وكذا ... » إلى آخرهِ.
في صحيحِ مسلمٍ أيضاً في البرِ والصلةِ عن أبي هريرةَ - رضي الله عنه -، أنَّ النّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ:«اللهمَّ إني أتخذُ عندكَ عهداً، فأيُ المسلمينَ آذيتُهُ، شتمتُهُ، لعنتُهُ، جلدتُه، فاجعلها لَه صلاةً، وزكاةً، وقُربةً» اهـ
ونقل صاحب تحفة الأحوذي في مقدمته ص407 عن الزركشي جوابا ثالثا فقال: «ويجوز أن يريد حقيقتهما في إسناد واحد باعتبار حالين وزمانين؛ فيجوز أن يكون سمع هذا الحديث من رجل مرة في حال كونه مستورا أو مشهورا بالصدق والأمانة، ثم ارتقى وارتفع حاله إلى درجة العدالة، فسمعه منه مرة أخرى فأخبر بالوصفين.
وقد روى عن غير واحد أنه سمع الحديث الواحد على شيخ واحد غير مرة.
قال: وهذا الاحتمال وإن كان بعيدا فهو أشبه ما يقال» اهـ.
قال الدكتور الخضير –عفا الله عنه- في شرح ألفية الحديث ش8 -بتصرف-: «فإن قال قائل -معترضا-أن بعض الأفراد المُتفق على صحتها عند العلماء لا يصح أن يُحكم عليها أنها حسن عند قوم، صحيح عند آخرين؛ كحديث «إنما الأعمال بالنيات...»، وحديث «كلمتان خفيفتان على اللسان ...»، وحديث النهي عن بيع الولاء والهبة»؛ فيُجاب عليه بـ:
الجواب الثالث:
قال ابن دقيق العيد –رحمه الله-في الاقتراح ص245، بعد اعتراضه على الجوابين الأوليين:
«وَالَّذِي أَقُول فِي جَوَاب هَذَا السُّؤَال أَنه لَا يشْتَرط فِي الْحسن قيد الْقُصُور عَن الصَّحِيح وَإِنَّمَا يَجِيئهُ الْقُصُور وَيفهم ذَلِك فِيهِ إِذا اقْتصر على قَوْله حسن فالقصور يَأْتِيهِ من قيد الِاقْتِصَار لَا من حَيْثُ حَقِيقَته وذاته وَشرح هَذَا وَبَيَانه:
إِن هَهُنَا صِفَات للرواة تَقْتَضِي قبُول الرِّوَايَة ولتلك الصِّفَات دَرَجَات بَعْضهَا فَوق بعض كالتيقظ وَالْحِفْظ والإتقان مثلا فوجود الدرجَة الدُّنْيَا كالصدق مثلا وَعدم التُّهْمَة بِالْكَذِبِ لَا يُنَافِيهِ وجود مَا هُوَ أَعلَى مِنْهُ كالحفظ والإتقان فَإِذا وجدت الدرجَة الْعليا لم يناف ذَلِك وجود الدُّنْيَا كالحفظ مَعَ الصدْق فَيصح أَن يُقَال فِي هَذَا أَنه حسن بِاعْتِبَار وجود الصّفة الدُّنْيَا وَهِي الصدْق مثلا صَحِيح بِاعْتِبَار الصّفة الْعليا وَهِي الْحِفْظ والإتقان
وَيلْزم على هَذَا أَن يكون كل صَحِيح حسنا.
يلْتَزم ذَلِك وَيُؤَيِّدهُ وُرُود قَوْلهم هَذَا حَدِيث حسن فِي الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة وَهَذَا مَوْجُود فِي كَلَام الْمُتَقَدِّمين» اهـ.
وقد جزم الحافظ ابن حجر –رحمه الله- في النكت بأن هذا الجواب هو أقوى الأجوبة في الجملة، ومثال ذلك في دنيا الناس كرجل تقدم لمسابقة من أجل الحصول على وظيفة، واشترطوا أن تكون درجة الشهادة جيد جدا، وهو متحصل على درجة ممتاز؛ فهل يقبل أم لا؟
الجواب: يقبل، لأنه حقق الجيد جدا وزيادة، وكذلك الصحيح تحققت فيه شروط الحسن وزيادة؛ فلا يصل إلى درجة الصحيح حتى يعبر على درجة الحسن، ولذلك جاز الجمع بينهما في سياق واحد.
هذا بعض ما ذكره المحدثون في الجواب على هذا الإشكال العويص؛ حيث ارتأيت السباحة في ساحل بحر متلاطم الأمواج، وقررت المشي بجانب طريق متشعب السُبل والفجاج، وقد أعرضت عن كثير من الأجوبة تجنبا للإملال، تاركا الإثقال، بالإضافة إلى عدم سلامتها من الاعتراضات، وكثرة ما ذُكر عنها من الإيرادات؛ حتى إن بعض العلماء -مع كثرة ما سال في هذه القضية من حبر- لم يستقر على قول قوي مُطمئِنْ، ولم يركن إلى جوابِ بحرٍ مُتفَنِنْ؛ كما ذهب إليه الألباني في رأيه «لأمرين أولهما أن الترمذي لم يعبر عن اصطلاحه الذي حكاه وأشاعه، وثانيهما: أن العلماء ما جاءوا بجواب كاف شاف تطمئن له النفس وينشرح له الصدر»(من صوتية له على الأنترنت).
وكما حصل لريحانة اليمن العلامة مقبل بن هادي –رحمه الله- بقوله:
«وفي مقدمة تحفة الأحوذي أطال الكلام على هذا وأنا قرأت فيه وما استقررت على شيء منه» (السير الحثيث شرح اختصار علوم الحديث) اهـ.
وذكر في موضع آخر بعد قوله هذا أن ما من قول إلا وقد نوقض، وأن العلماء لم يجمعوا على شيء في تفسير قول الترمذي.
والآن بعدما وضعت الحرب أوزارها، وأخمدت النار أوارها، وعودا على بدء ها أنذا أسوق لك أمنيتي في الجنة، ونحن في محفل بهيج بين أهل السُنة، في مجلس علم مليء عن آخره بأهل الأثر، وكلهم على أحر من الجمر لقضاء الوطر، مصوبة أبصارهم نحو الترمذي الإمام، في مشهد قد لا تراه إلا في المنام، وهم بين مستفسر وسائل، ومستفصل وناقل، ومعترض وعاذل، فيبدأ حامدا في الكلام، ويمسك القضية من الخطام، فيدلي بدلوه، ويصرح بقوله، فيجيب السُؤال، ويزيل الإشكال، وهم في لذة لذيذة، ومتعة جديدة، وفرح وسرور، وسعادة وقرور، فاللهم بلغنا الأماني، وحقق لنا تلك المعاني، ونحن في سعة وانشراح، وفلاح ونجاح.
وقبل الختام؛ ومسارعة مني في سرد الأمنيات، وتقييد الرغبات، لأكون أول مجيب على السؤال المطروح في العنوان «فما هي أمنيتك؟»، أسوق لك أخي القارئ الكريم أمنية أحد الشعراء –نزيل تونس الخضراء- في الجنة حيث قال في إحدى مناشيره:
«من أمانيَّ في الجنَّة أن أجلسَ مع البخاري وابن حجر العسقلاني، وأقول للبخاري: بمَ تُجازي ابنَ حجر الذي برَّكَ بـ «فتح الباري» ووصلك بـ «[تغليق التعليق» وقضى بهما دَينَك عند الأمة؟
ثم أستمع لبيان البخاري، وأنظر لبسماتِ ابن حجر!» اهـ.
إلى هنا دقت ساعة الختم، وجاءت لحظة الحسم، وأسأل الله جل في علاه أن أكون قد وُفقت إلى شيء من الإمتاع، وطرف من اللذة والانتفاع، متوسلا إليه أن يجمعنا بمن أحببناهم في الدنيا عنده في مستقر رحمته، إنه ولي ذلك القادر عليه.
المصدر''موقع'التصفية'والتربية'السلفية''تحت'إشراف'الشيخ'أزهر'سنيقرة'حفظه'الله