عَنْ أنَسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: لَمَّا ثَقُلَ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- جَعَلَ يَتَغَشَّاهُ الْكَرْبُ، فَقَالَتْ فَاطِمَةُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -: وَاكَربَ أَبَتَاهُ. فَقَالَ: «لَيْسَ عَلَى أَبِيكِ كَرْبٌ بَعْدَ الْيَوْمِ»، فَلَمَّا مَاتَ، قَالَتْ: يَا أَبَتَاهُ، أَجَابَ رَبًّا دَعَاهُ! يَا أَبَتَاهُ، جَنَّةُ الْفِرْدَوْسِ مَأْوَاهُ! يَا أَبَتَاهُ، إِلَى جبْرِيلَ نَنْعَاهُ! فَلَمَّا دُفِنَ قَالَتْ فَاطِمَةُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -: أَطَابَتْ أنْفُسُكُمْ أَنْ تَحْثُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- التُّرَابَ؟![1]؛ رواه البخاري.
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله:
قال المؤلف - رحمه الله تعالى - فيما رواه عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن فاطمة بنت محمد -صلى الله عليه وسلم- لما ثقل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مرضه الذي مات فيه جعل يتغشاه الكرب؛ أي: من شدة ما يصيبه جعل يُغشى عليه من الكرب؛ لأنه - عليه الصلاة والسلام - يُشَدَّد عليه الوعك والمرض، كان يوعك كما يوعك الرجلان من الناس.
والحكمة في هذا، من أجل أن ينال -صلى الله عليه وسلم- أعلى درجات الصبر؛ فإن الصبر منزلة عالية، لا ينال إلا بامتحان واختبار من الله - عز وجل - لأنه لا صبر إلا على مكروه.
فإذا لم يُصَب الإنسان بشيء يُكره فكيف يُعرَف صبره؛ ولهذا قال الله تعالى: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِين ﴾ [محمد: 31]؛ فكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يوعك كما يوعك الرجلان من الناس.
فجعل يتغشاه الكرب، فتقول فاطمة - رضي الله عنها - «وأكرب أباه»؛ تتوجع له من كربه؛ لأنها امرأة، والمرأة لا تطيق الصبر.
فقال النبي - عليه الصلاة والسلام -: «لَا كَرْبَ عَلَى أَبِيكِ بَعْدَ الْيَوْمِ»؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- لما انتقل من الدنيا انتقل إلى الرفيق الأعلى، كما كان -صلى الله عليه وسلم- وهو يغشاه الموت يقول: «اللَّهُمَّ فِي الرَّفِيقِ الْأَعْلَى، اللَّهُمَّ فِي الرَّفِيقِ الْأَعْلَى»[2]، وينظر إلى سقف البيت -صلى الله عليه وسلم-.
توفي الرسول - عليه الصلاة والسلام - فجعلت - رضي الله عنها - تَنْدِبُه، لكنه نَدْبٌ خفيف، لا يدل على التسخط من قضاء الله وقدره.
وقولها: «أَجَابَ رَبًّا دَعَاهُ»؛ لأن الله - سبحانه وتعالى - هو الذي بيده ملكوت كل شيء، آجال الخلق بيده، تصريف الخلق بيده، كل شيء إلى الله، إلى الله المنتهى وإليه الرُّجعى.
فأجاب داعي الله، وهو أنه -صلى الله عليه وسلم- إذا تُوفِّي صار كغيره من المؤمنين؛ يُصْعَد بروحه حتى تُوقف بين يدي الله - عز وجل - فوق السماء السابعة؛ فقالت: واأبتاه، أجاب ربًّا دعاه.
وقولها: «وَاأَبَتَاهُ جَنَّةُ الْفِرْدَوْسِ مَأْوَاهُ» -صلى الله عليه وسلم- لأنه - عليه الصلاة والسلام - أعلى الخلق منزلة في الجنة، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- «اسْأَلُوا اللهَ لِيَ الْوَسِيلَةَ؛ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنَ عِبَادِ اللهِ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ»[3].
ولا شك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مأواه جنة الفردوس، وجنة الفردوس هي أعلي درجات الجنة، وسقفها الذي فوقها عرش الرب جل جلاله، والنبي - عليه الصلاة والسلام - في أعلى الدرجات منها.
قولها: «يَا أَبَتَاهُ إِلَى جِبْرِيلَ نَنْعَاهٌ»؛ النعي: هو الإخبار بموت الميت، وقالت: إننا ننعاه إلى جبريل لأن جبريل هو الذي كان يأتيه بالوحي صباحًا ومساء.
فإذا فُقِدَ النبي - عليه الصلاة والسلام - فُقِدَ نزول جبريل - عليه الصلاة والسلام - إلى الأرض بالوحي؛ لأن الوحي انقطع بموت النبي -صلى الله عليه وسلم-.
ثم لما حُمِل ودُفِن قال رضي الله عنها: «أَطَابَتْ أنْفُسُكُمْ أَنْ تَحْثُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- التُّرَابَ؟»؛ يعني: من شدة وَجْدِها عليه، وحزنها، ومعرفتها بأن الصحابة - رضي الله عنهم - قد ملأ قلوبهم محبة الرسول - عليه الصلاة والسلام.
فهل طابت؟ والجواب: أنها طابت؛ لأن هذا ما أراد الله - عز وجل - وهو شرع الله، ولو كان النبي - عليه الصلاة والسلام - يُفدى بكل الأرض لفداه الصحابة رضي الله عنهم.
لكن الله - سبحانه - هو الذي له الحكم، وإليه المرجع، وكما قال الله تعالى في كتابة: ﴿ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ ﴾ [الزمر: 30، 31].
الفوائد:
في هذا الحديث بيان أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كغيرة من البشر، يمرض ويجوع، ويعطش، ويبرد، ويحتر، وجميع الأمور البشرية تعتري النبي -صلى الله عليه وسلم- كما قال -صلى الله عليه وسلم- «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ، أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ».
وفيه: رد على هؤلاء القوم الذين يشركون بالرسول -صلى الله عليه وسلم- يدعون الرسول - عليه الصلاة والسلام - ويستغيثون به وهو في قبره، بل إن بعضهم - والعياذ بالله - لا يسأل الله تعالى ويسأل الرسول -صلى الله عليه وسلم- كأنَّ الذي يجيب هو الرسول - عليه الصلاة والسلام - ولقد ضلُّوا في دينهم وسَفَهُوا في عقولهم؛ فإن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لا يملك لنفسه ضرًّا ولا نفعًا، فكيف يملك لغيره؟!
قال الله تعالى آمرًا نبيَّه: ﴿ قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ ﴾ [الأنعام: 50]، بل هو عبد من عباد الله؛ ولهذا قال: ﴿ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ ﴾ [الأنعام: 50].
وقال الله - سبحانه - له أيضًا: ﴿ قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا * قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا * إِلَّا بَلاغًا ﴾؛ أي: هذه وظيفتي ﴿ مِنَ اللَّهِ وَرِسَالاتِهِ ﴾ [الجن 21-23].
ولما أنزل الله تعالى قوله: ﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ﴾ [الشعراء: 214]، دعا قرابته -صلى الله عليه وسلم- وجعل ينادي إلى أن قال: «يَا فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ، سَلِينِي مَا شِئْتِ مِنْ مَالِي لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللهِ شَيْئًا»[4]؛ إلى هذا الحد! ابنته التي هي بضعة منه، والتي يريبه ما رابه يقول لها: لا أغني عنك من الله شيئًا.
فهذا دليل على أن من سواها من باب أولى.
ففيه ضلال هؤلاء الذين يدعون الرسول -صلى الله عليه وسلم- تجدهم في المسجد النبوي عند الدعاء يتجهون إلى القبر، ويصمدون أمام القبر كصمودهم أمام الله في الصلاة أو أشد.
وفي هذا الحديث: دليل على أنه لا باس بالندب اليسير إذا لم يكن مؤذيًا بالتسخط على الله عز وجل؛ لأن فاطمة ندبت النبي - عليه الصلاة والسلام - لكنه ندب يسير، وليس يَنُمُّ عن اعتراض على قدر الله عز وجل.
وفيه دليل: على أن فاطمة بنت محمد -صلى الله عليه وسلم- ورضي الله عنها بقيت بعد حياته -صلى الله عليه وسلم- بقيت فاطمة، ولكن ليس لها ميراث، لا هي، ولا زوجاته، ولا عمه العباس، ولا أحد من عصبته؛ لأن الأنبياء لا يورثون؛ كما قال النبي - عليه الصلاة والسلام -: «إِنَّا مَعْشَرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ»[5].
وهذا من حكمة الله - عز وجل - لأنهم لو وَرَّثوا لقال من يقول: إن هؤلاء جاؤوا بالرسالة يطلبون ملكًا يُورَث مِن بعدهم؛ ولكن الله - عز وجل- منع ذلك.
فالأنبياء لا يورثون، بل ما يتركونه يكون صدقة يصرف للمستحقين له، والله الموفِّق.
المصدر: «شرح رياض الصالحين».
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله:
قال المؤلف - رحمه الله تعالى - فيما رواه عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن فاطمة بنت محمد -صلى الله عليه وسلم- لما ثقل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مرضه الذي مات فيه جعل يتغشاه الكرب؛ أي: من شدة ما يصيبه جعل يُغشى عليه من الكرب؛ لأنه - عليه الصلاة والسلام - يُشَدَّد عليه الوعك والمرض، كان يوعك كما يوعك الرجلان من الناس.
والحكمة في هذا، من أجل أن ينال -صلى الله عليه وسلم- أعلى درجات الصبر؛ فإن الصبر منزلة عالية، لا ينال إلا بامتحان واختبار من الله - عز وجل - لأنه لا صبر إلا على مكروه.
فإذا لم يُصَب الإنسان بشيء يُكره فكيف يُعرَف صبره؛ ولهذا قال الله تعالى: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِين ﴾ [محمد: 31]؛ فكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يوعك كما يوعك الرجلان من الناس.
فجعل يتغشاه الكرب، فتقول فاطمة - رضي الله عنها - «وأكرب أباه»؛ تتوجع له من كربه؛ لأنها امرأة، والمرأة لا تطيق الصبر.
فقال النبي - عليه الصلاة والسلام -: «لَا كَرْبَ عَلَى أَبِيكِ بَعْدَ الْيَوْمِ»؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- لما انتقل من الدنيا انتقل إلى الرفيق الأعلى، كما كان -صلى الله عليه وسلم- وهو يغشاه الموت يقول: «اللَّهُمَّ فِي الرَّفِيقِ الْأَعْلَى، اللَّهُمَّ فِي الرَّفِيقِ الْأَعْلَى»[2]، وينظر إلى سقف البيت -صلى الله عليه وسلم-.
توفي الرسول - عليه الصلاة والسلام - فجعلت - رضي الله عنها - تَنْدِبُه، لكنه نَدْبٌ خفيف، لا يدل على التسخط من قضاء الله وقدره.
وقولها: «أَجَابَ رَبًّا دَعَاهُ»؛ لأن الله - سبحانه وتعالى - هو الذي بيده ملكوت كل شيء، آجال الخلق بيده، تصريف الخلق بيده، كل شيء إلى الله، إلى الله المنتهى وإليه الرُّجعى.
فأجاب داعي الله، وهو أنه -صلى الله عليه وسلم- إذا تُوفِّي صار كغيره من المؤمنين؛ يُصْعَد بروحه حتى تُوقف بين يدي الله - عز وجل - فوق السماء السابعة؛ فقالت: واأبتاه، أجاب ربًّا دعاه.
وقولها: «وَاأَبَتَاهُ جَنَّةُ الْفِرْدَوْسِ مَأْوَاهُ» -صلى الله عليه وسلم- لأنه - عليه الصلاة والسلام - أعلى الخلق منزلة في الجنة، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- «اسْأَلُوا اللهَ لِيَ الْوَسِيلَةَ؛ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنَ عِبَادِ اللهِ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ»[3].
ولا شك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مأواه جنة الفردوس، وجنة الفردوس هي أعلي درجات الجنة، وسقفها الذي فوقها عرش الرب جل جلاله، والنبي - عليه الصلاة والسلام - في أعلى الدرجات منها.
قولها: «يَا أَبَتَاهُ إِلَى جِبْرِيلَ نَنْعَاهٌ»؛ النعي: هو الإخبار بموت الميت، وقالت: إننا ننعاه إلى جبريل لأن جبريل هو الذي كان يأتيه بالوحي صباحًا ومساء.
فإذا فُقِدَ النبي - عليه الصلاة والسلام - فُقِدَ نزول جبريل - عليه الصلاة والسلام - إلى الأرض بالوحي؛ لأن الوحي انقطع بموت النبي -صلى الله عليه وسلم-.
ثم لما حُمِل ودُفِن قال رضي الله عنها: «أَطَابَتْ أنْفُسُكُمْ أَنْ تَحْثُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- التُّرَابَ؟»؛ يعني: من شدة وَجْدِها عليه، وحزنها، ومعرفتها بأن الصحابة - رضي الله عنهم - قد ملأ قلوبهم محبة الرسول - عليه الصلاة والسلام.
فهل طابت؟ والجواب: أنها طابت؛ لأن هذا ما أراد الله - عز وجل - وهو شرع الله، ولو كان النبي - عليه الصلاة والسلام - يُفدى بكل الأرض لفداه الصحابة رضي الله عنهم.
لكن الله - سبحانه - هو الذي له الحكم، وإليه المرجع، وكما قال الله تعالى في كتابة: ﴿ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ ﴾ [الزمر: 30، 31].
الفوائد:
في هذا الحديث بيان أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كغيرة من البشر، يمرض ويجوع، ويعطش، ويبرد، ويحتر، وجميع الأمور البشرية تعتري النبي -صلى الله عليه وسلم- كما قال -صلى الله عليه وسلم- «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ، أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ».
وفيه: رد على هؤلاء القوم الذين يشركون بالرسول -صلى الله عليه وسلم- يدعون الرسول - عليه الصلاة والسلام - ويستغيثون به وهو في قبره، بل إن بعضهم - والعياذ بالله - لا يسأل الله تعالى ويسأل الرسول -صلى الله عليه وسلم- كأنَّ الذي يجيب هو الرسول - عليه الصلاة والسلام - ولقد ضلُّوا في دينهم وسَفَهُوا في عقولهم؛ فإن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لا يملك لنفسه ضرًّا ولا نفعًا، فكيف يملك لغيره؟!
قال الله تعالى آمرًا نبيَّه: ﴿ قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ ﴾ [الأنعام: 50]، بل هو عبد من عباد الله؛ ولهذا قال: ﴿ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ ﴾ [الأنعام: 50].
وقال الله - سبحانه - له أيضًا: ﴿ قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا * قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا * إِلَّا بَلاغًا ﴾؛ أي: هذه وظيفتي ﴿ مِنَ اللَّهِ وَرِسَالاتِهِ ﴾ [الجن 21-23].
ولما أنزل الله تعالى قوله: ﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ﴾ [الشعراء: 214]، دعا قرابته -صلى الله عليه وسلم- وجعل ينادي إلى أن قال: «يَا فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ، سَلِينِي مَا شِئْتِ مِنْ مَالِي لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللهِ شَيْئًا»[4]؛ إلى هذا الحد! ابنته التي هي بضعة منه، والتي يريبه ما رابه يقول لها: لا أغني عنك من الله شيئًا.
فهذا دليل على أن من سواها من باب أولى.
ففيه ضلال هؤلاء الذين يدعون الرسول -صلى الله عليه وسلم- تجدهم في المسجد النبوي عند الدعاء يتجهون إلى القبر، ويصمدون أمام القبر كصمودهم أمام الله في الصلاة أو أشد.
وفي هذا الحديث: دليل على أنه لا باس بالندب اليسير إذا لم يكن مؤذيًا بالتسخط على الله عز وجل؛ لأن فاطمة ندبت النبي - عليه الصلاة والسلام - لكنه ندب يسير، وليس يَنُمُّ عن اعتراض على قدر الله عز وجل.
وفيه دليل: على أن فاطمة بنت محمد -صلى الله عليه وسلم- ورضي الله عنها بقيت بعد حياته -صلى الله عليه وسلم- بقيت فاطمة، ولكن ليس لها ميراث، لا هي، ولا زوجاته، ولا عمه العباس، ولا أحد من عصبته؛ لأن الأنبياء لا يورثون؛ كما قال النبي - عليه الصلاة والسلام -: «إِنَّا مَعْشَرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ»[5].
وهذا من حكمة الله - عز وجل - لأنهم لو وَرَّثوا لقال من يقول: إن هؤلاء جاؤوا بالرسالة يطلبون ملكًا يُورَث مِن بعدهم؛ ولكن الله - عز وجل- منع ذلك.
فالأنبياء لا يورثون، بل ما يتركونه يكون صدقة يصرف للمستحقين له، والله الموفِّق.
المصدر: «شرح رياض الصالحين».