قصيدة: غُربة رمضان
للشاعر: زيد الأنصاري
إن جئتَ يا رمضانُ نورًا ساطعًا
ووجدتَ أبوابَ المساجدِ مُوْصَدَهْ
متسائلاً عن حالنا ومُصابنا
قلبٌ طليقٌ والشخوصُ مقيَّدَهْ
ما بالكم؟ ماذا دهاكم ياترى؟
فالداءُ يسري والجنودُ مجندَهْ
أوما علمتم أنني إن جئتُكم
تغدو الشياطينُ العتاةُ مصفَّدَهْ
ما للمساجدِ أصبحتْ مهجورةً
أبوابُها موثوقةٌ ومشدَّدَهْ
والمسجدُ المعمورُ ما فيه سوى
محرابِه وحصيرِه والأعمدَهْ
لم ألقَ فيهِ راكعًا أو ساجدًا
أو باسطًا لله بالشكوى يدَهْ
لم ألقَ صوتًا بالتلاوة صادحًا
يحيي بها العبدُ الفقيرُ تهجُّدَهْ
ما عادَ فيه صائمٌ أو عاكفٌ
ما عُدتُ أسمعُ صوتَه وتشهُّدَه
لا صوتَ، لا قرآنَ يُتلى آيُهُ
والصمتُ كالأشباحِ فيه معربدَهْ
لا ضوءَ إلا البؤسُ خيَّم حولها
والريحُ يعوي صوتُها متمرِّدَهْ
أين الدعاةُ؟ مضَوا، ورجْعُ حديثِهم
كم طاب في أذُنِ الزمانِ فردَّدَهْ
أين الأئمةُ؟ لا مجيبَ ولا صدًى
غابوا وصاروا كالسيوفِ المُغمدَهْ
أين التلاوةُ؟ كنتُ أسمعُ شدْوَها
كالطير تصدحُ في الغصونِ مغرِّدَهْ
أين التراويحُ التي مِن نورِها
تنسابُ في القلبِ السليمِ فتُسعدَهْ
أين التزاحمُ للصفوفِ ونظْمِها
صفَّ الملائكةِ الكرامِ منضَّدَهْ
عهدي بكم تتسابقون لفضلها
عهدي بكم كالشعلةِ المتوقِّدَهْ
ولكم دَوِيُّ النحلِ في جنباتِها
كلٌّ يراجع حِفظَه ليؤكِّدَهْ
شيخٌ توكأ للصلاة على العصا
فالله يرحمُ صبرَه وتجلُّدَه
طفلٌ جرى نحو الصلاة بخفَّةٍ
فأبوه علَّمه الصلاةَ وعوَّدَهْ
ذا عاجزٌ يسعى على كرسيهِ
وغلامُه بجواره كي يعضُدَهْ
ما فاته فرضٌ ولا نفلٌ فما
سمعَ النداءَ له فأخلفَ موعدَهْ
الله يرحمُه ويكتبُ أجرَهُ
ويزيده فضلاً ويهدي مقصِدَهْ
أهلاً بشهرٍ لا يُمَلُّ مقامُه
ليزيدَ من إيماننا ويجدِّدَهْ
أقبلْ فإنا ظامئون لجودِكم
لو كنتَ تعلمُ ما تُكِنُّ الأفئدَهْ
أقبل ففي كلِّ البيوتُ مساجدٌ
وجماعةٌ مشهودةٌ وموحَّدَهْ
كلٌّ حريصٌ أن يقيمّ صلاتَه
وصيامَه، فالبيتُ أصبح مسجدَهْ
في كل بيتٍ مسجدٌ وتلاوةٌ
لنوحدَ الله الرَّحيم ونعبدَهْ
إنا احتسبنا أننا سنصومُه
ونقومُه بعزائمٍ متجدِّدَهْ
كم عابدٍ لم ينقطع إيمانه
أَلِف التعبدَ خاشعًا وتعوَّدَهْ
يشتاقُ بيتَ اللهِ مِن أعماقهِ
لولا وباءٌ بالمنيَّة هدَّدَهْ
ما سار إلا والعبادةُ دأبُهُ
فيبيتُ مكدودَ الفؤادِ مسهَّدَهْ
لزم العبادةَ لا يكِلُّ ولا يَني
لله ما عانى الفتى وتكبَّدَهْ
والعبدُ يلقى في التلاوة لذةً
إنَّ التغني بالتلاوة مَحْمَدَهْ
يبقى على البرِّ الجزاءُ وينقضي
كلُّ الذي قاساهُ فيه وأجهدَهْ