بسم الله السلام عليكم أهل اللمة الأحباء.
ألهمني حديث لاحد الشخصيات البارزة في بلادنا وما أثار شغفي واستنهض همتي للتفكر والتذكر تصريحه على أنه يتذكر يوم ميلاده ويتذكر نظراته الاولى من داخل مهده نحو النافذة ومشاهدة السماء والطيور العابرة...
فكرت بجدية وقلت : ولما لا يحصل معي ذلك ومعك أيضا أيها القارئ المتعطش لذكريات الطفولة قد نحتاج الى تفعيل أقصى درجة من الذاكرة والغوص في أعماق الذاكرة الراكدة البعيدة واسترجاع بعض من الاحداث والصور القديمة على الاقل أسبوع أو شهر مابعد الولادة على الاقل اول عيد ميلاد الامر مسلي و يستحق المحاولة.
في الواقع حاولت مرارا وتكرارا ولم استرجع سوى ذكريات قريبة أبعدها أول دخول مدرسي وهي ذكرى ليس مبهجة بالنسبة لي على الاقل ثم حاولت باقصى درجة فتذكرت يوم الختان وهي ذكرى أسوء من الاولى فاعدت التفكير مليا واستنتجت أخيرا أن الطريقة والنتيجة لن تتأتى سوى بالاستغراق في غفوة عميقة لعلي اخترق حاجز الذاكرة المجمدة واتذكر يوم مولدي استعنت بكل أدوية أمي وأضفت لها أدوية جدي المنومة وبعض الاقراص جلبها صديق من الحي قال انها فعالة وقوية وخلطتها في كأس نعناع وغفوت.
سأحاول الان وحاولوا بعدي ان نجحت فكرتي:
انا أستمع الان الى عياط مولود جديد يخترق أروقة وجدران الجناح المخصص للجراحة والتوليد وزحير امرأة استسلمت للاوجاع استنزفت كل طاقتها وخارت قواها هاهي تتمدد مرهقة على طاولة الحياة أو الموت كارهة لليوم الاول الذي تعرفت فيه على أبوفريد تتداخل أولى اللقطات المرسلة من اعماق الذاكرة في بعضها مع خروج الوليد وينقطع الاتصال ويحل السكون والظلام المكان...
استرجعت الاتصال وحل النور محل الظلام.. لنواصل...
الان أتذكر أولى اللطمات في حياتي في وضعية مهينة أشبه بتعليق دجاجة منتوفة الريش تنتظر مصيرها المعلوم لم أكن قد فتحت عيني حينها والا تذكرت من قام بهذا الفعل المذل هم هكذا الممرضات والاطباء دائما أول موعد لنا معهم وآخر موعد ايضا معهم والرحيم هو الله أهكذا تستقبلنا الدنيا معلقين من الارجل ورؤوسنا للأسفل.
أولى المشاهدات لا زالت عالقة بخيالي لحد الان ليست النافذة وليست السماء ولا حتى سقف الغرفة الزرقاء هي ابتسامة عريضة لشفاه شاحبة جافة لاتكاد تنطق ببنت شفى من شدة العياء هذا ما كنت أميزه من صور ضبابية وقاتمة غير مفهومة تلك الابتسامة لازلت أحيا بها ...لم تنبلج اولى خيوط الصباح حتى استيقضت على همهمة وخشخشة وقرع حذاء في أرجاء المكان لم أشعر الا وانا بين يدي ثاني مخلوق أصادفه في الحياة بعد شفاه أمي الجميلة لم يكف عن تفتيشي في كل مكان من أخمص قدمي الى قمة رأسي الى ان اكتسح وجهه المتلهف و العجول والمتعرق ابتسامة عريضة كادت تتساقط اسنانه فوقي من شدة اتساعها لابد أنه رأى ما سره بعد بحث وعناء داخل الرداء كلمات لطيفة الان تدخل مسمعي وتستقر في قلبي يلقيها هذا الرجل على مقربة من أذني أتذكر فقط منها ...لا اله الا الله..
والان أعود الى مهدي ومضربي لأغمض عيني وأختفي في نوم ملائكي عميق ...
وكرة أخرى أستيقض على اصوات عديدة وجديدة زغاريد وأحاديث و قهقهة نساء عواء وصراخ لأطفال لم تسعهم الغرفة فتجمعوا في الرواق والفناء والمرحاض وحتى غرف الانعاش.
ذاك اليوم ثاني يوم في كوكب يعج بالاطفال والنساء لهذا هناك عقدة للذكور من الاناث ربما هي عقدة الانزعاج من الازعاج.
في المساء تدخل الممرضة الغرفة حاملة قلما ودفترا عريضا تستفسر عن الاسم المختار لهذا الرقم الجديد المضاف الى كثافة السكان لو كان بالامكان حينها ان يستشرونا ونحن رضع لاختار كل رضيع اسمه بعناية ولكن الامهات سامحهم الله لا يجدون في تكرار أسماء مستهلكة حرجا فأسميه على اسم أبي وأسميها على أمي ويبقى السؤال المتكرر في المناسبات والتجمعات: علامن راك قويدر الصغير ولا الكبير؟
للمعلومة لم تحضر جدتي من أبي الى المستشفى يوم مولدي لطالما علمت ذلك من يوم مولدي الى غاية الان من كثرة ما ترددت على مسمعي من طرف أمي الحانقة على أهل أبي.
العودة الى الحاضر الحمد لله لم يستغرق الامر زمنا طويلا للمرور عبر الذاكرة والعودة الى المحطة الحالية لقد نجحت المحاولة حقا لم يكن هذا العالم مهرطقا.
النهاية.
مصدر الصور: Lucy film لمن شاهده.
المراجع والمصادر:
- وثائقي: وليدي كي زاد ..زاد كي البوبون.
-حكايات خالتي ص7ص53 ص 53768..
-هستيريا زوجة: رواية معروفة يوميا.
-يوم جميل مع أبي ( مذكرة تخرج)
- مصادر خاصة من المستشفى.
على الهامش:
في طفولتي كنت أخاف لون السماء الحالكة ولا يأنسني فيها سطوع القمر ولا كثرة النجوم المتناثرة حتى البارزة منها كان هلعي أن يخطفني شيء في جوف الليل المفتوح على كل الاحتمالات والقصص المرعبة التي يخشاها الاطفال لا تنتهي ..السحارة ..الغول ...عجوز الڨايلة التي تعود ايضا في الليل ...العفاريت والمجانين .. فتضمني أمي الى صدرها وتحيط بذراعيها المرهقتان جسمي النحيف فتشعرني في لحظات بالهدوء وبالأمان فأنااااام ...اليوم أمي وهي في أواخر العمر أخاف أن أغمض عيني واستيقض على ذلك الخبر.
في ذكرى كل أم.
كتبه فريد أبوفيصل قبل عيد الفطر 2020
سؤال تفاعلي:
ماهي أبعد ذكرى تتذكرها او تتذكرينها من بعد اليوم الاول من ميلادك؟
ألهمني حديث لاحد الشخصيات البارزة في بلادنا وما أثار شغفي واستنهض همتي للتفكر والتذكر تصريحه على أنه يتذكر يوم ميلاده ويتذكر نظراته الاولى من داخل مهده نحو النافذة ومشاهدة السماء والطيور العابرة...
فكرت بجدية وقلت : ولما لا يحصل معي ذلك ومعك أيضا أيها القارئ المتعطش لذكريات الطفولة قد نحتاج الى تفعيل أقصى درجة من الذاكرة والغوص في أعماق الذاكرة الراكدة البعيدة واسترجاع بعض من الاحداث والصور القديمة على الاقل أسبوع أو شهر مابعد الولادة على الاقل اول عيد ميلاد الامر مسلي و يستحق المحاولة.
في الواقع حاولت مرارا وتكرارا ولم استرجع سوى ذكريات قريبة أبعدها أول دخول مدرسي وهي ذكرى ليس مبهجة بالنسبة لي على الاقل ثم حاولت باقصى درجة فتذكرت يوم الختان وهي ذكرى أسوء من الاولى فاعدت التفكير مليا واستنتجت أخيرا أن الطريقة والنتيجة لن تتأتى سوى بالاستغراق في غفوة عميقة لعلي اخترق حاجز الذاكرة المجمدة واتذكر يوم مولدي استعنت بكل أدوية أمي وأضفت لها أدوية جدي المنومة وبعض الاقراص جلبها صديق من الحي قال انها فعالة وقوية وخلطتها في كأس نعناع وغفوت.
سأحاول الان وحاولوا بعدي ان نجحت فكرتي:
انا أستمع الان الى عياط مولود جديد يخترق أروقة وجدران الجناح المخصص للجراحة والتوليد وزحير امرأة استسلمت للاوجاع استنزفت كل طاقتها وخارت قواها هاهي تتمدد مرهقة على طاولة الحياة أو الموت كارهة لليوم الاول الذي تعرفت فيه على أبوفريد تتداخل أولى اللقطات المرسلة من اعماق الذاكرة في بعضها مع خروج الوليد وينقطع الاتصال ويحل السكون والظلام المكان...
استرجعت الاتصال وحل النور محل الظلام.. لنواصل...
الان أتذكر أولى اللطمات في حياتي في وضعية مهينة أشبه بتعليق دجاجة منتوفة الريش تنتظر مصيرها المعلوم لم أكن قد فتحت عيني حينها والا تذكرت من قام بهذا الفعل المذل هم هكذا الممرضات والاطباء دائما أول موعد لنا معهم وآخر موعد ايضا معهم والرحيم هو الله أهكذا تستقبلنا الدنيا معلقين من الارجل ورؤوسنا للأسفل.
أولى المشاهدات لا زالت عالقة بخيالي لحد الان ليست النافذة وليست السماء ولا حتى سقف الغرفة الزرقاء هي ابتسامة عريضة لشفاه شاحبة جافة لاتكاد تنطق ببنت شفى من شدة العياء هذا ما كنت أميزه من صور ضبابية وقاتمة غير مفهومة تلك الابتسامة لازلت أحيا بها ...لم تنبلج اولى خيوط الصباح حتى استيقضت على همهمة وخشخشة وقرع حذاء في أرجاء المكان لم أشعر الا وانا بين يدي ثاني مخلوق أصادفه في الحياة بعد شفاه أمي الجميلة لم يكف عن تفتيشي في كل مكان من أخمص قدمي الى قمة رأسي الى ان اكتسح وجهه المتلهف و العجول والمتعرق ابتسامة عريضة كادت تتساقط اسنانه فوقي من شدة اتساعها لابد أنه رأى ما سره بعد بحث وعناء داخل الرداء كلمات لطيفة الان تدخل مسمعي وتستقر في قلبي يلقيها هذا الرجل على مقربة من أذني أتذكر فقط منها ...لا اله الا الله..
والان أعود الى مهدي ومضربي لأغمض عيني وأختفي في نوم ملائكي عميق ...
وكرة أخرى أستيقض على اصوات عديدة وجديدة زغاريد وأحاديث و قهقهة نساء عواء وصراخ لأطفال لم تسعهم الغرفة فتجمعوا في الرواق والفناء والمرحاض وحتى غرف الانعاش.
ذاك اليوم ثاني يوم في كوكب يعج بالاطفال والنساء لهذا هناك عقدة للذكور من الاناث ربما هي عقدة الانزعاج من الازعاج.
في المساء تدخل الممرضة الغرفة حاملة قلما ودفترا عريضا تستفسر عن الاسم المختار لهذا الرقم الجديد المضاف الى كثافة السكان لو كان بالامكان حينها ان يستشرونا ونحن رضع لاختار كل رضيع اسمه بعناية ولكن الامهات سامحهم الله لا يجدون في تكرار أسماء مستهلكة حرجا فأسميه على اسم أبي وأسميها على أمي ويبقى السؤال المتكرر في المناسبات والتجمعات: علامن راك قويدر الصغير ولا الكبير؟
للمعلومة لم تحضر جدتي من أبي الى المستشفى يوم مولدي لطالما علمت ذلك من يوم مولدي الى غاية الان من كثرة ما ترددت على مسمعي من طرف أمي الحانقة على أهل أبي.
العودة الى الحاضر الحمد لله لم يستغرق الامر زمنا طويلا للمرور عبر الذاكرة والعودة الى المحطة الحالية لقد نجحت المحاولة حقا لم يكن هذا العالم مهرطقا.
النهاية.
مصدر الصور: Lucy film لمن شاهده.
المراجع والمصادر:
- وثائقي: وليدي كي زاد ..زاد كي البوبون.
-حكايات خالتي ص7ص53 ص 53768..
-هستيريا زوجة: رواية معروفة يوميا.
-يوم جميل مع أبي ( مذكرة تخرج)
- مصادر خاصة من المستشفى.
على الهامش:
في طفولتي كنت أخاف لون السماء الحالكة ولا يأنسني فيها سطوع القمر ولا كثرة النجوم المتناثرة حتى البارزة منها كان هلعي أن يخطفني شيء في جوف الليل المفتوح على كل الاحتمالات والقصص المرعبة التي يخشاها الاطفال لا تنتهي ..السحارة ..الغول ...عجوز الڨايلة التي تعود ايضا في الليل ...العفاريت والمجانين .. فتضمني أمي الى صدرها وتحيط بذراعيها المرهقتان جسمي النحيف فتشعرني في لحظات بالهدوء وبالأمان فأنااااام ...اليوم أمي وهي في أواخر العمر أخاف أن أغمض عيني واستيقض على ذلك الخبر.
في ذكرى كل أم.
كتبه فريد أبوفيصل قبل عيد الفطر 2020
سؤال تفاعلي:
ماهي أبعد ذكرى تتذكرها او تتذكرينها من بعد اليوم الاول من ميلادك؟
آخر تعديل: