الأطباء في واجهة كورونا...
"رسالة تشجيع إلى طبيب مسلم"
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وآله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فلا شك أن البشرية جمعاء مطلعة متتبعة لما يقع في العالم من انتشار وباء كورونا الجديد –رفعه الله عنا-، ولا شك أنَّ كل واحد يخشى المرض على نفسه، ويتخذ الأسباب الشرعية –بالنسبة للمسلمين- والدنيوية، كل واحد يأمل النجاة من هذا الوباء، لاجئين إلى الله تعالى تضرعا واستغفارا وإنابة ، داعين الله تعالى رفع هذا الوباء الذي أضر بالعالم.
واجتمع أبناء كل وطن لمواجهة الوباء، ابتداء من ولي الأمر، إلى الوزير، والمدير، ورجال الأمن، ورجال النظافة، بل كل مواطن بما قدر عليه.
لكن تبقى المواجهة الحقيقية، والصعبة بين الأطباء والفيروس، فهم في الواجهة، وفي الصف الأمامي، وهم الدرع الحامي لأبناء وطنهم المسلمين.
اعلم أخي الطبيب
أن من سعى في حاجة أخيه كان الله في حاجته، كما في الحديث الذي رواه الشيخان عن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه : "ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته" ولا أظن أن وقت غير هذا الناس فيه أحوج إلى الطبيب من وقت مضى -باعتبار المجتمع لا الأفراد-.
وأينا ليست لديه حاجة يرجوا الله تعالى أن يقضيها له.
وإن من الناس اليوم في كرب عظيم، بل اشتد بهم الكرب بسبب هذا المرض، وقد صح عن نبينا صلى الله عليه وسلم : "ومن فرج عن مسلم كربة، فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة" جزاء من جنس العمل، لكن جزاء الله تعالى أعظم وأوفر، فإنه يكون يوم لا ينفع مال ولا بنون، يوم يقوم الناس لرب العالمين، فيفرج الله تعالى عنك من كرب ذلك اليوم المهيب.
وإن نبيك محمدا صلى الله عليه وسلم قد حث على نفع إخوانك المسلمين لقضاء حوائجهم، فقال صلى الله عليه وسلم : "من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل" رواه مسلم عن جابر.
أخي الطبيب
إن هذا الأجر والثواب من الله تعالى فيمن قضى عن أخيه حاجة من حوائج أو نفس عنه من كربها.
فكيف بمن أنقذ المؤمن الهلاك، كيف بمن أنقذ مؤمنا من الموت، والله تعالى يقول في ذلك {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة 32].
قال ابن كثير رحمه الله تعالى : "قال مجاهد -في رواية-{وَمَنْ أَحْيَاهَا} أي : أنجاها من غرق أو حرق أو هلكة".
قال القرطبي رحمه الله تعالى –مسندا القول غلى ابن عباس- : "ومن أحياها واستنقذها من هلكة فكأنما أحيا الناس جميعا عند المستنقذ".
وقال الطبري رحمه الله : عن مجاهد {وَمَنْ أَحْيَاهَا}،قال: أنجاها".
فيا أخي الطبيب
الناس مرضى بين يديك، منهم من هو معرض للموت والهلكة، فقد تكون نجاته على يديك بفضل الله تعالى، ولتقرأ أجرك عند الله تعالى.
يقول الله تعالى {فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة 32].
قال الإمام الطبري رحمه الله : "عن قتادة :...عظُم والله أجرُها، وعظُم وزرها! فأحيها يا ابن آدم بما لك، وأحيها بعفوك إن استطعت، ولا قوة إلا بالله".
وقال : "عن الحسن قال : "أجرًا".
قال القرطبي رحمه الله تعالى : "وقيل :...أي : يجب على الكل شكره".
هذا أجرك أخي الطبيب، أجر عظيم وشكر جزيل.
يعظم أجرك عند خالقك وبارئك سبحانه وتعالى، ويعظم شكر الناس إياك، ويذكرك قومك والجيل من بعد بالخير.
كل هذا أخي الطبيب لعظم نفس المؤمن، فأنها أغلى من بيت الله الكعبة المشرفة، وما أدراك ما عظم الكعبة عند الله تعالى.
روى ابن ماجه في السنن عن عبد الله بن عمر، قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالكعبة، ويقول : "ما أطيبك وأطيب ريحك، ما أعظمك وأعظم حرمتك، والذي نفس محمد بيده، لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك، ماله، ودمه، وأن نظن به إلا خيرا" صححه الإمام الألباني رحمه الله تعالى في صحيح الترغيب والترهيب (2441).
اعلم أخي الطبيب
أنه لن يصيبك إلا ما قدره الله تعالى عليك، قال الله تعالى { قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [التوبة 51].
وروى الترمذي في السنن عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف" صححه الإمام الألباني رحمه الله تعالى في صحيح سنن الترمذي (2516).
مع ذلك أخي الطبيب
أن الحيطة الحذر مطلوب شرعا، ومنه الابتعاد عن المصاب بالمرض، كما قال صلى الله عليه وسلم : "فر من المجذوم فرارك من الأسد" رواه ابن أبي شيبة عن أبي هريرة.
وقال صلى الله عليه وسلم : "لا يوردن ممرض على مصح" رواه الشيخان عن أبي هريرة –واللفظ للبخاري-.
ولكن أنت أخي الطبيب لا تفر من المريض، بل أنت مقبل عليه.
لذلك فلتعلم أخي الطبيب
أنه لن يصيبك الوباء إلا إن قدر الله عليك ذلك، فليس الوباء معديا من تلقائه، فلا عدوى إلا بإذن الله تعالى، روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "لا عدوى ولا صفر ولا هامة" فقال أعرابي : يا رسول الله، فما بال إبلي، تكون في الرمل كأنها الظباء، فيأتي البعير الأجرب فيدخل بينها فيجربها؟ فقال : "فمن أعدى الأول ؟".
ولتكن متوكلا على الله تعالى وهو حسبك وكافيك
قال الله تعالى {وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [آل عمران 122].
وقال عز من قائل {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق 3].
ومن تمام توكلك أخي الطبيب الأخذ بالوسائل والأسباب المنجية من المرض، منها الشرعية والحسية:
فالشرعية :
1 _ كالأدعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم، كقوله صلى الله عليه وسلم : " " اللهم إني أعوذ بك من البرص، والجنون، والجذام، ومن سيئ الأسقام" رواه أبو داود في سننه عن أنس وصححه الإمام الألباني رحمه الله في صحيح سنن أبي داود (1554).
2 _ والأذكار الواردة في السنة، كالذكر الوارد عند الخروج من المنزل، روى ابن حبان وغيره من أصحاب السنن عن أنس بن مالك، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال إذا خرج من بيته، فقال : "بسم الله، توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، فيقال له : "حسبك قد كفيت وهديت ووقيت" صححه الإمام الألباني رحمه الله تعالى في صحيح الجامع (499).
والحسية : كارتداء البذلة الخاصة، والقفازات، والكمامات، واستعمال المعقمات وغيرها.
وأخيرا أخي الطبيب
إن المسؤولية اليوم عليك عظيمة، والثقل عليك كبير، فيا أخي الطبيب المسلم، إن هذه أيام من أيام الله فابلوا فيها بلاء حسنا، وأروا الله من أنفسكم خيرا.
اللهم يا حي يا قيوم ارفع عنا البلاء، واشف مرضانا.
اللهم يا ذا الجلال والإكرام وفق أطباءنا للقيام بالمسؤولية على أكمل وجه، وأعنهم عليها، وكن لهم معينا رحيما، اللهم ردهم إلى أهليهم سالمين غانمين.
واللهم وفق ولاة أمورنا للقيام بما يلزم للحد من هذا الوباء، وكن لهم هاديا معينا.
وصلى الله وسلم على نبينا محمدا، وعلى آله وصحبه أجمين، واهتدى بهديهم إلى يوم الدين.
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد ألا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
كتبه : أبو البراء يوسف صفصاف
03 شعبان 1441
27 مارس 2020
المصدر موقع التصفية والتربية تحت إشراف الشيخ سنيقرة حفظه الله