تنبيه المشكّكين
في وجود فيروس كورنا بين المسلمين
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن ولاه أما بعد:
من عجائب كثير من الناس، من العوام والخواص؛ أن ينكروا البديهيات والمسلمات، ويشككوا فيما أصبح -عند أهل التخصص- من القطعيات واليقينيات؛ ومن أعظم ما يمثل به لهذه الحقيقة المرة، والظاهرة الخطيرة: جائحة فيروس كورونا، التي أصابت أهل الزمن بالويلات والفتن، ومع ذلك تجد من يشكك في حقيقة وجودها، ويزعم أن السياسة من وراء الكلام عليها، والتحذير منها، والإجراءات التي اتخذت تجاهها، وهذا الكلام ظاهر البطلان لا نحتاج لإبطاله إلى دليل وبرهان، لأنه ضعيف في نفسه متهاوي من أساسه، ومع ذلك سأذكر بعض الأمور التي تدل على بطلانه، وعلى ضعفه ووهائه؛ وهو ما كنت أذكره في بعض الأحيان لجملة من المناقشين والإخوان؛ وهي كالتالي:
الأول: كيف يمكن أن يكون الأمر مجرد أكذوبة، وقد أصيبت به دول عديدة، وشعوب متعدّدة؟ حتى استوت فيه الدول المتطورة والمتأخرة، والصناعية والنامية، فلو كانت السياسة هي الدافع، لم يعم تلك الدول هذا الواقع، ومن غرائب ما تسمعه من بعضهم حينما تواجههم بهذه الحقيقة التي تنسف شكوكهم، أن يقولوا لك: إن وجود الداء في تلكم البلدان الغربية جميعا حقيقة مؤكدة، لكن في بلادنا هو مجرد مكيدة، وسياسة معتمدة متعمدة، لمنع الحراك الشعبي، وصد الناس عن الإنكار العلني، وهذا الكلام تغني حكايته عن رده، إذ كيف يعقل أن يصدق المسلم الدول الكافرة المجرمة ويكذب دولته -على عجرها وبجرها- العربية المسلمة، بل أعجب من ذلك ما لوحظ على الكثير من أهل البلد: أنهم وفي بداية الجائحة لما كانت أعداد الإصابات قليلة تكاد تكون منعدمة كان بعضهم يقول: أن المرض منتشر وموجود ولكنهم يخفون حقيقته عنا ولا يبدونها كما هي لنا، ثم اليوم وبعد أن تزايد العدد وصار الأمر مخوفا على أهل البلد زعموا أنه مجرد أكذوبة لا حقيقة لها فهؤلاء ممن يصح أن يقال فيهم: لا يعجبهم العجب ولا الصوم في رجب.
الثاني: كيف يمكن أن يكون مجرد سياسة لا حقيقة لها وأن الدول تستغلها لصالحها، وقد كبد هذا الوباء خزائن الدول خسائر باهظة وأموالا طائلة تعد بمليارات الدولارات ثم ما هي مصلحتها المزعومة في بلدنا مثلا: هل هو توقيف الحراك الشعبي والإنكار العلني؟ هذا لا يقول به عاقل مدرك للضرر النازل بهذه الدول؛ لأن الخسائر التي قد تكون بسبب الحراك لا يمكن أن تقارن بالخسائر التي أصابتها من جراء هذا الوباء، ثم إن الدولة كانت متعايشة مع الحراك طوال تلكم الشهور، ولم توقفه أو تحاول الوقوف في وجهه كما هو معلوم، أفتخسر تلكم الخسائر العظيمة من أجل إيقافه اليوم إن هذا لهو عين الوهم؟.
الثالث: أنه لو تصورنا الدوافع سياسية في بلدنا كما يزعمون فما هي الدوافع في البلدان الأخرى التي أصابها ما أصابنا كما تعلمون، وبتعبير آخر: إذا استغلت دولتنا هذا الوباء لعلاقتها –حسب ادعائهم- السيئة مع شعبها، فما قولهم في الدول الأخرى والتي لها علاقة حسنة مع شعوبها كالدول الغربية المتقدمة الكافرة، وكدول الخليج العربية المسلمة، فهذه كلها تعيش شعوبها في رغد من العيش وبحبوحة من الحياة يتمنى بسببها كثير من هؤلاء الناقمين على دولهم أن ينتقلوا إليها للعيش فيها ولو فارقوا لذلك الأهل والأحباب والقرناء والأصحاب وكل غالي ونفيس وقريب من الوجدان والأحاسيس عند أولى العقول والألباب.
الرابع: نحن وإن افترضنا أن تنتفع سائر الدول سياسيا من ادعاء انتشار هذا البلاء فيها وبين أهلها فلا يمكننا ان نفترض ذلك في المملكة العربية السعودية لأن ذلك لا يخدمها سياسيا ولا –على حسب بعض الآراء- اقتصاديا، لأنها إن فعلت ذلك مفترية له زاعمة وجوده ألبت على نفسها أكثر من خمسين دولة مسلمة وأكثر من مليار ونصف من المسلمين الذين تهفوا قلوبهم إلى بيت الله الحرام وما تقام فيه من شعائر الإسلام.
الخامس: أن الرجوع في هذا الأمر وفي غيره عند العقلاء، وأهل الفطنة النبهاء، فضلا عن المسلمين النبلاء؛ إلى أهله والمتخصصين فيه، فعلى كلامهم المعول، ومنهم يؤخذ القول الفصل، ومما لا شك فيه ولا ريب يعتريه أن أهل التخصص مجمعون على وجود هذا الوباء وخطورته، ووجوب التحصن منه، والعمل على احتوائه للقضاء عليه، ولكن قد يقول قائل: أليس من أهل الاختصاص من يشكك فيه، ويقول بخلاف ما ينقل لنا عنه؟؛ والجواب: أنه لا ينكر وجود هؤلاء النافين، والمتكلمين المشككين؛ ممن يظهر على وسائل التواصل الاجتماعي؛ بصورة الفاهم الواعي، وقد يكون له ما له من الدوافع والدواعي، ولكن دعونا نتكلم على هذا الاعتراض، بما يكون فيه عونا لطالب الحق دون امتعاض، فأقول:
أولا: إن وجد من أهل الاختصاص المشككون؛ فما هي نسبتهم مقارنة بالمثبتين لهذا الوباء، المؤكدين لوجود هذا البلاء؟ أقول: لا تكاد تذكر لأن الأغلبية الساحقة تثبته، وتؤكد جوده.
ثانيا: من يستطيع أن يؤكد لنا صدق هؤلاء النافين، أو يثبت لنا أنهم حقيقة من أهل الفن المتخصصين؛ لأن هؤلاء المتكلمين ممن يخالف القول السائد، وكلام أهل التخصص المؤكد؛ لهم أحوال:
الحالة الأولى: أن لا يكونوا من أهل التخصص أصلا، وإنما يقولون ذلك ادعاء؛ فيقول قائلهم: أنا الدكتور الفلاني ولا يكون كذلك، وأنى لأحد لا يعرفه أن يثبت ذلك.
الحالة الثانية: أن يكون من أهل التخصص فعلا، ولكنه أخطأ في اجتهاده، أو قلد غيره ممن يؤثر فيه وعليه؛ إما من أهل مهنته، أو من جهات يثق بها، ويطمئن لقولها.
الحالة الثالثة: أن يكون من أهل التخصص فعلا، ولكنه يتكلم انطلاقا من عقيدة يتبناها، أو رأي سياسي يعتقده وينصره؛ فهو يقول هذا مثلا حرصا على التشكيك في دول، أو الإطاحة بنظم.
الحالة الرابعة: قد يكون من أهل الاخصاص ولكنه يقول هذا لأجل أطماع دنيوية، أو طلبا لشهرة وطنية أو إقليمية أو حتى عالمية؛ ويجمع الأمرين: أن يكون ذلك لشهوة نفسية؛ وبيانه:
- لشهوة نفسية: فتجده يخالف ليعرف؛ أي: حتى يكثر العارفون به والذاكرون له والناقلون لقوله المتداولون لمخالفته.
- لشهوة نفسية: فقد يكون من أصحاب تلكم المواقع أو القنوات الذي يحرصون على كثرة المتابعين والمتابعات، والمعلقين والمعلقات، والداعمين والداعمات؛ والذين على حسب كثرتهم، وكثرة زياراتهم لموقعه أو صفحته أو نحو ذلك يكون دخله، والفائدة العائدة عليه.
والعبرة في الأخير بكلام صنف من الناس وذوي أوصاف من الخواص: فالصنف المقصود من الناس هم أهل الاختصاص، فإن اختلفوا فيما بينهم نظرنا في أوصافهم والبراهين على صحة كلامهم؛ فالمتواجدون في الميدان مثلا يقدم كلامهم على غيرهم، وإجماع غالبهم يلغي قول الشواذ منهم؛ فمسألتنا هذه إذا نظرنا إليها من خلال هذه المعطيات وجدنا أن أغلبية أهل الاختصاص المعروفين، ومن هم في الميدان يعملون؛ يجمعون على وجود هذا الوباء والبلاء؛ فمخالفتهم سفه في العقول، ومخالفة لدين الرسول
بقيت شبهة يذكرها بعضهم وهي من أكبر ما أثر عليهم؛ قولهم: هل رأيت مريضا بهذا الوباء وهل تعرف واحدا ممن أصابه هذا البلاء وهل صادفك واحد ممن رأى مصابا أو قابل مريضا؟ وجواب هذه الشبهة من وجوه:
الأول:عدم رؤية الشيء لا يعني عدم وجوده، وأضرب أمثلة على هذا الأمر: قد تصادف من لم ير أفعى مباشرة في حياته ولكنه يصدق بوجودها وهكذا من لم ير ذئبا أو ضبعا ونحوه.
الثاني: أن النسبة المصابة في عدد الموجودين قليلة إلى الساعة والحمد لله فبضعة آلاف مصاب ومصابة لا تكاد تذكر في أكثر من أربعين مليون نسمة بل هناك من الولايات ما لا يوجد فيها ولو إصابة واحدة.
ثالثا: لا يشترط في مثل هذه الأمور أن يرى الإنسان الشيء بنفسه فقد يخبره به غيره فيصدق به وبخاصة إذا تواتر الخبر واجتمع على تأكيده عدد كبير من البشر.
رابعا: أن كثيرا منا قد لقي من باشر المرضى ورآهم وعاينهم وخبر أحوالهم وهؤلاء نقلوا ما رأوه لغيرهم وأنا شخصيا أعرف عددا منهم؛ فيهم أطباء وممرضون ورؤساء مصالح وكلهم أكد وجود هذا الوباء وأخبر بخطورته.
خامسا: أن هؤلاء المتخصصين ممن يقرر وجود الوباء وخطورته كثير منهم يتحدى من ينكره بطرق متنوعة وصور متعددة؛ ومما وصلني وعلمته:
- طبيب مباشر لمرضى الكورونا يقول: من لم يصدق فأتحداه أن يأتي إلى المصحة ليدخل على المرضى ويطلع على ذلك بنفسه؛ وهذا الكلام يقوله من باب التحدي للإثبات، وليس فيه إمكانية وقوع هذا الفعل بالذات؛ لأنني لا أعتقد أن يمكنوا أحدا من ذلك ولو أراده خوفا عليه وطلبا لمصلحته.
- أعرف ممرضا في إحدى المستشفيات في ولاية من الولايات لقيته وتحاورت معه ولما تطرقنا لذكر المنكرين النافين أخبرني أنه يعمل معهم ممرض ينكر وجوده وينشر بين الناس رأيه؛ قال فقلت له: يوجد في المستشفى عندنا أربعة عشر حالة فإن كنت صادقا فيما تدعي فأتحداك أن ندخل سويا عليهم أنا بالألبسة الواقية وأنت بدونها ولا أقول لك سلم عليهم أو لامسهم وإنما أدخل متجردا من الألبسة الواقية عليهم، قال فأبى أن يفعل ذلك فقلت له: اتق الله ولا تغر من يثق بك من الناس بكلامك الذي لا يقوم على أساس.
- وأخبرني رئيس مصلحة في إحدى المستشفيات أن معهم ممرضا أيضا ينفي وجود ذلك قال وهو ممن يكلف بالتحقيق معي في مسألة الأوبئة في المصحة قال: فوالله كلما جاءتنا مهمة بذلك اشتد رعبه وظهر قلقه.
قلت: لعل هذا هو السر في إنكار من ينكر وجوده وينفي حقيقة ما يذكر عنه؛ أنه: إما خائف منه فيريد أن يوهم نفسه بعدم وجوده حتى تهدأ نفسه، ويذهب روعه، وإما عنده مصلحة من المصالح تعطلت كمتجر أغلق له أو معاملة أوقفت بسببه فيريد أن يوهم نفسه وينشر في غيره أن لا وجود له حتى يحصل فائدته ولا تتعطل مصالحه.
وأخيرا أقول: صدق والله من قال: أن من الناس من لا يصدق بوجوده حتى يصاب عزيز عليه.
ونصيحتي الأخيرة أقول: إن الخطأ في إثبات وجوده أهون بكثير من الخطأ في نفيه وإنكاره، لأن الأول غاية ما فيه أنه يجعل الناس يتحرزون من شيء غير موجود، والثاني يجعلهم يتهاونون به وفيه هلاكهم أو هلاك أقاربهم الأكيد، فاللهم قد بلغت اللهم فاشهد.
والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وكتبه أخوكم:
أبو عبد
تنبيه المشكّكين
في وجود فيروس كورنا بين المسلمين
أبو عبد
تنبيه المشكّكين
في وجود فيروس كورنا بين المسلمين
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن ولاه أما بعد:
من عجائب كثير من الناس، من العوام والخواص؛ أن ينكروا البديهيات والمسلمات، ويشككوا فيما أصبح -عند أهل التخصص- من القطعيات واليقينيات؛ ومن أعظم ما يمثل به لهذه الحقيقة المرة، والظاهرة الخطيرة: جائحة فيروس كورونا، التي أصابت أهل الزمن بالويلات والفتن، ومع ذلك تجد من يشكك في حقيقة وجودها، ويزعم أن السياسة من وراء الكلام عليها، والتحذير منها، والإجراءات التي اتخذت تجاهها، وهذا الكلام ظاهر البطلان لا نحتاج لإبطاله إلى دليل وبرهان، لأنه ضعيف في نفسه متهاوي من أساسه، ومع ذلك سأذكر بعض الأمور التي تدل على بطلانه، وعلى ضعفه ووهائه؛ وهو ما كنت أذكره في بعض الأحيان لجملة من المناقشين والإخوان؛ وهي كالتالي:
الأول: كيف يمكن أن يكون الأمر مجرد أكذوبة، وقد أصيبت به دول عديدة، وشعوب متعدّدة؟ حتى استوت فيه الدول المتطورة والمتأخرة، والصناعية والنامية، فلو كانت السياسة هي الدافع، لم يعم تلك الدول هذا الواقع، ومن غرائب ما تسمعه من بعضهم حينما تواجههم بهذه الحقيقة التي تنسف شكوكهم، أن يقولوا لك: إن وجود الداء في تلكم البلدان الغربية جميعا حقيقة مؤكدة، لكن في بلادنا هو مجرد مكيدة، وسياسة معتمدة متعمدة، لمنع الحراك الشعبي، وصد الناس عن الإنكار العلني، وهذا الكلام تغني حكايته عن رده، إذ كيف يعقل أن يصدق المسلم الدول الكافرة المجرمة ويكذب دولته -على عجرها وبجرها- العربية المسلمة، بل أعجب من ذلك ما لوحظ على الكثير من أهل البلد: أنهم وفي بداية الجائحة لما كانت أعداد الإصابات قليلة تكاد تكون منعدمة كان بعضهم يقول: أن المرض منتشر وموجود ولكنهم يخفون حقيقته عنا ولا يبدونها كما هي لنا، ثم اليوم وبعد أن تزايد العدد وصار الأمر مخوفا على أهل البلد زعموا أنه مجرد أكذوبة لا حقيقة لها فهؤلاء ممن يصح أن يقال فيهم: لا يعجبهم العجب ولا الصوم في رجب.
الثاني: كيف يمكن أن يكون مجرد سياسة لا حقيقة لها وأن الدول تستغلها لصالحها، وقد كبد هذا الوباء خزائن الدول خسائر باهظة وأموالا طائلة تعد بمليارات الدولارات ثم ما هي مصلحتها المزعومة في بلدنا مثلا: هل هو توقيف الحراك الشعبي والإنكار العلني؟ هذا لا يقول به عاقل مدرك للضرر النازل بهذه الدول؛ لأن الخسائر التي قد تكون بسبب الحراك لا يمكن أن تقارن بالخسائر التي أصابتها من جراء هذا الوباء، ثم إن الدولة كانت متعايشة مع الحراك طوال تلكم الشهور، ولم توقفه أو تحاول الوقوف في وجهه كما هو معلوم، أفتخسر تلكم الخسائر العظيمة من أجل إيقافه اليوم إن هذا لهو عين الوهم؟.
الثالث: أنه لو تصورنا الدوافع سياسية في بلدنا كما يزعمون فما هي الدوافع في البلدان الأخرى التي أصابها ما أصابنا كما تعلمون، وبتعبير آخر: إذا استغلت دولتنا هذا الوباء لعلاقتها –حسب ادعائهم- السيئة مع شعبها، فما قولهم في الدول الأخرى والتي لها علاقة حسنة مع شعوبها كالدول الغربية المتقدمة الكافرة، وكدول الخليج العربية المسلمة، فهذه كلها تعيش شعوبها في رغد من العيش وبحبوحة من الحياة يتمنى بسببها كثير من هؤلاء الناقمين على دولهم أن ينتقلوا إليها للعيش فيها ولو فارقوا لذلك الأهل والأحباب والقرناء والأصحاب وكل غالي ونفيس وقريب من الوجدان والأحاسيس عند أولى العقول والألباب.
الرابع: نحن وإن افترضنا أن تنتفع سائر الدول سياسيا من ادعاء انتشار هذا البلاء فيها وبين أهلها فلا يمكننا ان نفترض ذلك في المملكة العربية السعودية لأن ذلك لا يخدمها سياسيا ولا –على حسب بعض الآراء- اقتصاديا، لأنها إن فعلت ذلك مفترية له زاعمة وجوده ألبت على نفسها أكثر من خمسين دولة مسلمة وأكثر من مليار ونصف من المسلمين الذين تهفوا قلوبهم إلى بيت الله الحرام وما تقام فيه من شعائر الإسلام.
الخامس: أن الرجوع في هذا الأمر وفي غيره عند العقلاء، وأهل الفطنة النبهاء، فضلا عن المسلمين النبلاء؛ إلى أهله والمتخصصين فيه، فعلى كلامهم المعول، ومنهم يؤخذ القول الفصل، ومما لا شك فيه ولا ريب يعتريه أن أهل التخصص مجمعون على وجود هذا الوباء وخطورته، ووجوب التحصن منه، والعمل على احتوائه للقضاء عليه، ولكن قد يقول قائل: أليس من أهل الاختصاص من يشكك فيه، ويقول بخلاف ما ينقل لنا عنه؟؛ والجواب: أنه لا ينكر وجود هؤلاء النافين، والمتكلمين المشككين؛ ممن يظهر على وسائل التواصل الاجتماعي؛ بصورة الفاهم الواعي، وقد يكون له ما له من الدوافع والدواعي، ولكن دعونا نتكلم على هذا الاعتراض، بما يكون فيه عونا لطالب الحق دون امتعاض، فأقول:
أولا: إن وجد من أهل الاختصاص المشككون؛ فما هي نسبتهم مقارنة بالمثبتين لهذا الوباء، المؤكدين لوجود هذا البلاء؟ أقول: لا تكاد تذكر لأن الأغلبية الساحقة تثبته، وتؤكد جوده.
ثانيا: من يستطيع أن يؤكد لنا صدق هؤلاء النافين، أو يثبت لنا أنهم حقيقة من أهل الفن المتخصصين؛ لأن هؤلاء المتكلمين ممن يخالف القول السائد، وكلام أهل التخصص المؤكد؛ لهم أحوال:
الحالة الأولى: أن لا يكونوا من أهل التخصص أصلا، وإنما يقولون ذلك ادعاء؛ فيقول قائلهم: أنا الدكتور الفلاني ولا يكون كذلك، وأنى لأحد لا يعرفه أن يثبت ذلك.
الحالة الثانية: أن يكون من أهل التخصص فعلا، ولكنه أخطأ في اجتهاده، أو قلد غيره ممن يؤثر فيه وعليه؛ إما من أهل مهنته، أو من جهات يثق بها، ويطمئن لقولها.
الحالة الثالثة: أن يكون من أهل التخصص فعلا، ولكنه يتكلم انطلاقا من عقيدة يتبناها، أو رأي سياسي يعتقده وينصره؛ فهو يقول هذا مثلا حرصا على التشكيك في دول، أو الإطاحة بنظم.
الحالة الرابعة: قد يكون من أهل الاخصاص ولكنه يقول هذا لأجل أطماع دنيوية، أو طلبا لشهرة وطنية أو إقليمية أو حتى عالمية؛ ويجمع الأمرين: أن يكون ذلك لشهوة نفسية؛ وبيانه:
- لشهوة نفسية: فتجده يخالف ليعرف؛ أي: حتى يكثر العارفون به والذاكرون له والناقلون لقوله المتداولون لمخالفته.
- لشهوة نفسية: فقد يكون من أصحاب تلكم المواقع أو القنوات الذي يحرصون على كثرة المتابعين والمتابعات، والمعلقين والمعلقات، والداعمين والداعمات؛ والذين على حسب كثرتهم، وكثرة زياراتهم لموقعه أو صفحته أو نحو ذلك يكون دخله، والفائدة العائدة عليه.
والعبرة في الأخير بكلام صنف من الناس وذوي أوصاف من الخواص: فالصنف المقصود من الناس هم أهل الاختصاص، فإن اختلفوا فيما بينهم نظرنا في أوصافهم والبراهين على صحة كلامهم؛ فالمتواجدون في الميدان مثلا يقدم كلامهم على غيرهم، وإجماع غالبهم يلغي قول الشواذ منهم؛ فمسألتنا هذه إذا نظرنا إليها من خلال هذه المعطيات وجدنا أن أغلبية أهل الاختصاص المعروفين، ومن هم في الميدان يعملون؛ يجمعون على وجود هذا الوباء والبلاء؛ فمخالفتهم سفه في العقول، ومخالفة لدين الرسول
بقيت شبهة يذكرها بعضهم وهي من أكبر ما أثر عليهم؛ قولهم: هل رأيت مريضا بهذا الوباء وهل تعرف واحدا ممن أصابه هذا البلاء وهل صادفك واحد ممن رأى مصابا أو قابل مريضا؟ وجواب هذه الشبهة من وجوه:
الأول:عدم رؤية الشيء لا يعني عدم وجوده، وأضرب أمثلة على هذا الأمر: قد تصادف من لم ير أفعى مباشرة في حياته ولكنه يصدق بوجودها وهكذا من لم ير ذئبا أو ضبعا ونحوه.
الثاني: أن النسبة المصابة في عدد الموجودين قليلة إلى الساعة والحمد لله فبضعة آلاف مصاب ومصابة لا تكاد تذكر في أكثر من أربعين مليون نسمة بل هناك من الولايات ما لا يوجد فيها ولو إصابة واحدة.
ثالثا: لا يشترط في مثل هذه الأمور أن يرى الإنسان الشيء بنفسه فقد يخبره به غيره فيصدق به وبخاصة إذا تواتر الخبر واجتمع على تأكيده عدد كبير من البشر.
رابعا: أن كثيرا منا قد لقي من باشر المرضى ورآهم وعاينهم وخبر أحوالهم وهؤلاء نقلوا ما رأوه لغيرهم وأنا شخصيا أعرف عددا منهم؛ فيهم أطباء وممرضون ورؤساء مصالح وكلهم أكد وجود هذا الوباء وأخبر بخطورته.
خامسا: أن هؤلاء المتخصصين ممن يقرر وجود الوباء وخطورته كثير منهم يتحدى من ينكره بطرق متنوعة وصور متعددة؛ ومما وصلني وعلمته:
- طبيب مباشر لمرضى الكورونا يقول: من لم يصدق فأتحداه أن يأتي إلى المصحة ليدخل على المرضى ويطلع على ذلك بنفسه؛ وهذا الكلام يقوله من باب التحدي للإثبات، وليس فيه إمكانية وقوع هذا الفعل بالذات؛ لأنني لا أعتقد أن يمكنوا أحدا من ذلك ولو أراده خوفا عليه وطلبا لمصلحته.
- أعرف ممرضا في إحدى المستشفيات في ولاية من الولايات لقيته وتحاورت معه ولما تطرقنا لذكر المنكرين النافين أخبرني أنه يعمل معهم ممرض ينكر وجوده وينشر بين الناس رأيه؛ قال فقلت له: يوجد في المستشفى عندنا أربعة عشر حالة فإن كنت صادقا فيما تدعي فأتحداك أن ندخل سويا عليهم أنا بالألبسة الواقية وأنت بدونها ولا أقول لك سلم عليهم أو لامسهم وإنما أدخل متجردا من الألبسة الواقية عليهم، قال فأبى أن يفعل ذلك فقلت له: اتق الله ولا تغر من يثق بك من الناس بكلامك الذي لا يقوم على أساس.
- وأخبرني رئيس مصلحة في إحدى المستشفيات أن معهم ممرضا أيضا ينفي وجود ذلك قال وهو ممن يكلف بالتحقيق معي في مسألة الأوبئة في المصحة قال: فوالله كلما جاءتنا مهمة بذلك اشتد رعبه وظهر قلقه.
قلت: لعل هذا هو السر في إنكار من ينكر وجوده وينفي حقيقة ما يذكر عنه؛ أنه: إما خائف منه فيريد أن يوهم نفسه بعدم وجوده حتى تهدأ نفسه، ويذهب روعه، وإما عنده مصلحة من المصالح تعطلت كمتجر أغلق له أو معاملة أوقفت بسببه فيريد أن يوهم نفسه وينشر في غيره أن لا وجود له حتى يحصل فائدته ولا تتعطل مصالحه.
وأخيرا أقول: صدق والله من قال: أن من الناس من لا يصدق بوجوده حتى يصاب عزيز عليه.
ونصيحتي الأخيرة أقول: إن الخطأ في إثبات وجوده أهون بكثير من الخطأ في نفيه وإنكاره، لأن الأول غاية ما فيه أنه يجعل الناس يتحرزون من شيء غير موجود، والثاني يجعلهم يتهاونون به وفيه هلاكهم أو هلاك أقاربهم الأكيد، فاللهم قد بلغت اللهم فاشهد.
والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وكتبه أخوكم:
أبو عبد السلام عبد الصمد سليمان
عبد الصمد سليمان
أبو عبد السلام عبد الصمد سليمان
عبد الصمد سليمان
المصدر منتديات الابانة السلفية