[خطبة الجمعة ] فضل العشر . للشيخ أزهر سنيقرة حفظه الله بتأريخ 26 ذي القعدة 1438 ه
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
...نحمده ونستعينه،ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ).
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا).
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا).
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله،وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وشر الأمور محدثاتها،وكل محدثة بدعة،وكل بدعة ضلالة .
روى الإمام أحمد في مسنده بسند صحيح،من حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما.قال:كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم،فذكرت له الأعمال،فقال: ما من أيام العمل فيهن أفضل من هذه العشر. قالوا: يا رسول الله الجهاد في سبيل الله فأكبره.فقال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا أن يخرج رجل بنفسه وماله في سبيل الله،ثم تكون مهجة نفسه فيه.
إنها العشر الأُول من ذي الحجة،هذه الأيام المباركات،التي أعظمَ الله جل وعلا من شأنها،ورفع من قدرها،واصطفاها على سائر الأيام،كما جاء في حديث جابر رضي الله تعالى عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أفضل أيام الدنيا أيام العشر .
أفضل أيام الدنيا ،هذه الأيام العشر،الأُول من ذي الحجة،التي تُختم بعيد الأضحى،وهو عاشرها،وهو اليوم العظيم الذي هو يوم النحر،ولهذا فإن الله تبارك وتعالى،إنما ميزها كما قال الحافظ بن حجر عليه رحمة الله:السبب في امتياز العشر أنها جمعت أمهات العبادات،ولم تُجمع غيرها من الأيام،ففيها الصلاة والصيام،وفيها ذكر الله تبارك وتعالى،وفيها أيام الحج وعباداته بل وأعظم أركانه،ألا وهو الوقوف بعرفة،هذه الأيام العظيمة المباركة،بين لنا نبينا عليه الصلاة والسلام فضلها،وعظيم أجرها،فعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:ما من عمل أزكى عند الله، ولا أعظم أجرا، من خير يعمله في عشر الأضحى،قيل:ولا الجهاد في سبيل الله،قال:ولا الجهاد في سبيل الله،إلا رجل خرج بنفسه و ماله ولم يرجع من ذلك بشيء.
هذه الأيام العظيمة الجليلة،التذكير بفضلها،تذكير بما ينبغي أن يتقرب فيها العبد إلى الله جل وعلا،بأنواع الأعمال الصالحات،لأن الله تبارك وتعالى،إنما يُعبد بما شرع،وإنما العمل يزكو عنده ويعظم، إذا كان من صالح الأعمال،وقد نوعها الله تبارك وتعالى في هذه الأيام،فمما يُشرع للمسلم فيها:
*الإكثار من الصلاة ،وخاصة صلاة الليل، كما كان يفعل سلف هذه الأمة الكرام.
*ومما ينبغي الإجتهاد فيه كذلك الصيام،خاصة صيام التاسع منها الذي هو يوم عرفة لغير الحاج،فإنه جاء في فضله كما جاء في الصحيح،أحتسب على الله جل وعلا،يقول نبينا: أنه يكفر ذنوب السنة الماضية،والسنة القابلة.
وقد كان من سلف هذه الأمة،من يصوم هذه العشر،فقد ثبت هذا من فعل عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما،وهو من هو في شدة تمسكه بسنة نبيه عليه الصلاة والسلام،واقتفاء آثاره، رضي الله تعالى عنه وأرضاه،وبهذا قال الكثير من علمائنا، أنه يُشرع الصيام في هذه العشر، لأنه من أجلّ الأعمال الصالحة، وأحبها عند الله تبارك وتعالى،وأعظمها في أجر أصحابها.
*مما يُشرع كذلك من هذه الأعمال:الإكثار من ذكر الله جل وعلا،لقوله تبارك وتعالى:{ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ} الحج.
قال ابن عباس رضي الله عنهما،كما جاء في الصحيح:هي العشر الأُول من ذي الحجة.
هي العشر الأُول من ذي الحجة ،وخاصة آخرها التاسع والعاشر وأيام التشريق فإنها أيام ذكر وأكل وشرب.
شرع الله جل وعلا لنا فيها هذه العبادة العظيمة،و أمرنا بالإكثار منها،وكان هدي نبينا عليه الصلاة والسلام،ومن معه من أصحابه الكرام أنهم يكثرون من ذكر الله،ويرفعون أصواتهم في مساجدهم وفي أسواقهم،بل كان من الصحابة من يخرج من بيته إلى السوق،لا لشيء إلا لذكر الله تبارك وتعالى،يرفع بها صوته،ويرددها من يسمعها من إخوانه،و كأنه أراد أن يشاركوه هذا الخير،أراد أن يذكر بذكر الله،وأراد أن ترتفع الأصوات بذكر الله،وقد جاء في رواية من روايات هذا الحديث،من رواية ابن عباس رضي الله عنهما،بعد أن بين النبي عليه الصلاة والسلام،فضل هذه العشر،قال بعد ذلك،فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد.
أمرنا من أن نكثر من ذكر الله تبارك وتعالى،هذا الذكر المسنون الذي فيه الأجر العظيم،والذي فيه إظهار لهذه الشعيرة العظيمة من شعائر الإسلام،والله جل وعلا قد أمر عباده جميعا أن يُعظموا شعائره،وبين أن تعظيم هذه الشعار إنما هي من تقوى القلوب.
{ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ} الحج.
نسأل الله جل وعلا أن يتقبل منا فيها صالح الأعمال،وأن يوفقنا لما يحبه ربنا جل وعلا ويرضاه.
وإن مما ميز الله جل وعلا،به هذه الأيام المباركات،بعد كونها جامعة لأنواع هذه العبادات،والعبادات عند الله تبارك وتعالى،هي أحب الأعمال،وهي أحب ما يُتقرب به إليه جل وعلا.
ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ومازال ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه .
هذه العبادات التي تعبدنا ربنا جل وعلا بها،وأمرنا بالإكثار منها في هذه الأيام الفاضلة المباركة،هذه الأيام ميزها الله جل وعلا،وشرفها بشرف الزمان،لأنها الأيام التي يقف فيها عباده المؤمنين،في ذلك الصعيد المبارك،في صعيد عرفة،يذكرون الله جل وعلا،ويعظمونه،أهل هذا الموقف الذين يباهي الله جل وعلا بهم ملائكته،ولا يباهي الله تبارك وتعالى بعباد إلا وقد غفر لهم.
كما قال الحافظ بن رجب عليه رحمه الله قال:في هذه المباهاة، دليل على أن الله جل وعلا قد غفر لأهل الموقف .
هذا اليوم العظيم الذي خصه الله جل وعلا، فأنزل فيه تلك الآية العظيمة،التي امتن بها أو فيها على عباده بقوله:{ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا }المائدة.
اختار الله جل وعلا من دون سائر الأيام، هذا اليوم المبارك،ليكون نزول هذه الآية فيه،وهي آية عظيمة،قال عنها اليهود:لو أنها علينا أُنزلت معاشر اليهود لأتخذنا اليوم الذي انزلت فيه عيدا.
وهو ولله الحمد والمنة،عيد من أعيادنا العظيمة ،يوم عرفة الذي الدعاء فيه هو خير الدعاء.
خير الدعاء دعاء يوم عرفة،وخير ما قلت أنا والنبيين من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.
والله جل وعلا أراد من عباده جميعا،أن يكونوا في هذا اليوم مشتغلين بذكره وبعبادته و بدعائه تبارك وتعالى،فالحاج مشغول بهذا الركن العظيم وهو في تلك البقاع المقدسة،وغيره من أهل الدنيا من أهل المشارق والمغارب كلها،يشاركون إخوانهم بصيامهم هذا اليوم،وبذكرهم لربهم تبارك وتعالى،ودعائهم إياه فهو عند الله جل وعلا عظيم.
والذي بعده أي يوم النحر،هو أعظم منه عند الله،لقوله عليه الصلاة والسلام،كما صح عنه من حديث عبد الله بن قرط رضي الله عنه،أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:إن أعظم الأيام عند الله يوم النحر ثم يوم القر.
إن أعظم الأيام عند الله أي :على الإطلاق،هو يوم النحر ويوم القر.
ويوم القر: هو يوم الحادي عشر من ذي الحجة،بعد أن ينهي الحجاج مناسكهم ويستقروا بمنى،هذا اليوم سُمي بذلك أو لأجل ذلك،فهو يوم قرارهم من خروجهم، ووقوفهم ودفعهم من عرفة، إلى غير ذلك من تلك المشاعر العظيمة،التي وُفق لها هؤلاء،والذين ينبغي عليهم أن يجتهدوا في تحقيق شروط قبولها،عند الله تبارك وتعالى.
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عليه رحمة الله جل وعلا:أي الأيام أعظم ؟ يوم النحر أو يوم الجمعة؟
فقال:أفضل أيام الأسبوع هو يوم الجمعة،وأفضل أيام العام هو يوم النحر.
هذا الذي ختم الله جل وعلا،به هذه الأيام المباركات،فلا تضيعوا على أنفسكم هذه الفرصة إخوة الإيمان،وابدؤوها بالتوبة إلى الله جل وعلا،توبة صادقة،تنيبون فيها إليه،لأن المعصية إذا كانت في الأماكن الفاضلة،أو في الأزمة الفاضلة،فإن جرمها يُضاعف،وإن العقوبة فيها تُضاعف،كما جاء هذا عن سلف هذه الأمة.
نسأل الله تبارك وتعالى أن يمُن علينا بتوبة وإقبالا عليه،في هذه الأيام المباركات.
وأن يوفقنا فيها لصالح الأعمال،وأن يتقبلها منا،إنه هو الجواد الكريم.
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ،من كل ذنب،فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
و سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.
انتهى
تفريغ أم صهيب السلفية
المصدر منتديات الإبانة السلفية
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
...نحمده ونستعينه،ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ).
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا).
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا).
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله،وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وشر الأمور محدثاتها،وكل محدثة بدعة،وكل بدعة ضلالة .
روى الإمام أحمد في مسنده بسند صحيح،من حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما.قال:كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم،فذكرت له الأعمال،فقال: ما من أيام العمل فيهن أفضل من هذه العشر. قالوا: يا رسول الله الجهاد في سبيل الله فأكبره.فقال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا أن يخرج رجل بنفسه وماله في سبيل الله،ثم تكون مهجة نفسه فيه.
إنها العشر الأُول من ذي الحجة،هذه الأيام المباركات،التي أعظمَ الله جل وعلا من شأنها،ورفع من قدرها،واصطفاها على سائر الأيام،كما جاء في حديث جابر رضي الله تعالى عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أفضل أيام الدنيا أيام العشر .
أفضل أيام الدنيا ،هذه الأيام العشر،الأُول من ذي الحجة،التي تُختم بعيد الأضحى،وهو عاشرها،وهو اليوم العظيم الذي هو يوم النحر،ولهذا فإن الله تبارك وتعالى،إنما ميزها كما قال الحافظ بن حجر عليه رحمة الله:السبب في امتياز العشر أنها جمعت أمهات العبادات،ولم تُجمع غيرها من الأيام،ففيها الصلاة والصيام،وفيها ذكر الله تبارك وتعالى،وفيها أيام الحج وعباداته بل وأعظم أركانه،ألا وهو الوقوف بعرفة،هذه الأيام العظيمة المباركة،بين لنا نبينا عليه الصلاة والسلام فضلها،وعظيم أجرها،فعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:ما من عمل أزكى عند الله، ولا أعظم أجرا، من خير يعمله في عشر الأضحى،قيل:ولا الجهاد في سبيل الله،قال:ولا الجهاد في سبيل الله،إلا رجل خرج بنفسه و ماله ولم يرجع من ذلك بشيء.
هذه الأيام العظيمة الجليلة،التذكير بفضلها،تذكير بما ينبغي أن يتقرب فيها العبد إلى الله جل وعلا،بأنواع الأعمال الصالحات،لأن الله تبارك وتعالى،إنما يُعبد بما شرع،وإنما العمل يزكو عنده ويعظم، إذا كان من صالح الأعمال،وقد نوعها الله تبارك وتعالى في هذه الأيام،فمما يُشرع للمسلم فيها:
*الإكثار من الصلاة ،وخاصة صلاة الليل، كما كان يفعل سلف هذه الأمة الكرام.
*ومما ينبغي الإجتهاد فيه كذلك الصيام،خاصة صيام التاسع منها الذي هو يوم عرفة لغير الحاج،فإنه جاء في فضله كما جاء في الصحيح،أحتسب على الله جل وعلا،يقول نبينا: أنه يكفر ذنوب السنة الماضية،والسنة القابلة.
وقد كان من سلف هذه الأمة،من يصوم هذه العشر،فقد ثبت هذا من فعل عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما،وهو من هو في شدة تمسكه بسنة نبيه عليه الصلاة والسلام،واقتفاء آثاره، رضي الله تعالى عنه وأرضاه،وبهذا قال الكثير من علمائنا، أنه يُشرع الصيام في هذه العشر، لأنه من أجلّ الأعمال الصالحة، وأحبها عند الله تبارك وتعالى،وأعظمها في أجر أصحابها.
*مما يُشرع كذلك من هذه الأعمال:الإكثار من ذكر الله جل وعلا،لقوله تبارك وتعالى:{ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ} الحج.
قال ابن عباس رضي الله عنهما،كما جاء في الصحيح:هي العشر الأُول من ذي الحجة.
هي العشر الأُول من ذي الحجة ،وخاصة آخرها التاسع والعاشر وأيام التشريق فإنها أيام ذكر وأكل وشرب.
شرع الله جل وعلا لنا فيها هذه العبادة العظيمة،و أمرنا بالإكثار منها،وكان هدي نبينا عليه الصلاة والسلام،ومن معه من أصحابه الكرام أنهم يكثرون من ذكر الله،ويرفعون أصواتهم في مساجدهم وفي أسواقهم،بل كان من الصحابة من يخرج من بيته إلى السوق،لا لشيء إلا لذكر الله تبارك وتعالى،يرفع بها صوته،ويرددها من يسمعها من إخوانه،و كأنه أراد أن يشاركوه هذا الخير،أراد أن يذكر بذكر الله،وأراد أن ترتفع الأصوات بذكر الله،وقد جاء في رواية من روايات هذا الحديث،من رواية ابن عباس رضي الله عنهما،بعد أن بين النبي عليه الصلاة والسلام،فضل هذه العشر،قال بعد ذلك،فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد.
أمرنا من أن نكثر من ذكر الله تبارك وتعالى،هذا الذكر المسنون الذي فيه الأجر العظيم،والذي فيه إظهار لهذه الشعيرة العظيمة من شعائر الإسلام،والله جل وعلا قد أمر عباده جميعا أن يُعظموا شعائره،وبين أن تعظيم هذه الشعار إنما هي من تقوى القلوب.
{ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ} الحج.
نسأل الله جل وعلا أن يتقبل منا فيها صالح الأعمال،وأن يوفقنا لما يحبه ربنا جل وعلا ويرضاه.
وإن مما ميز الله جل وعلا،به هذه الأيام المباركات،بعد كونها جامعة لأنواع هذه العبادات،والعبادات عند الله تبارك وتعالى،هي أحب الأعمال،وهي أحب ما يُتقرب به إليه جل وعلا.
ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ومازال ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه .
هذه العبادات التي تعبدنا ربنا جل وعلا بها،وأمرنا بالإكثار منها في هذه الأيام الفاضلة المباركة،هذه الأيام ميزها الله جل وعلا،وشرفها بشرف الزمان،لأنها الأيام التي يقف فيها عباده المؤمنين،في ذلك الصعيد المبارك،في صعيد عرفة،يذكرون الله جل وعلا،ويعظمونه،أهل هذا الموقف الذين يباهي الله جل وعلا بهم ملائكته،ولا يباهي الله تبارك وتعالى بعباد إلا وقد غفر لهم.
كما قال الحافظ بن رجب عليه رحمه الله قال:في هذه المباهاة، دليل على أن الله جل وعلا قد غفر لأهل الموقف .
هذا اليوم العظيم الذي خصه الله جل وعلا، فأنزل فيه تلك الآية العظيمة،التي امتن بها أو فيها على عباده بقوله:{ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا }المائدة.
اختار الله جل وعلا من دون سائر الأيام، هذا اليوم المبارك،ليكون نزول هذه الآية فيه،وهي آية عظيمة،قال عنها اليهود:لو أنها علينا أُنزلت معاشر اليهود لأتخذنا اليوم الذي انزلت فيه عيدا.
وهو ولله الحمد والمنة،عيد من أعيادنا العظيمة ،يوم عرفة الذي الدعاء فيه هو خير الدعاء.
خير الدعاء دعاء يوم عرفة،وخير ما قلت أنا والنبيين من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.
والله جل وعلا أراد من عباده جميعا،أن يكونوا في هذا اليوم مشتغلين بذكره وبعبادته و بدعائه تبارك وتعالى،فالحاج مشغول بهذا الركن العظيم وهو في تلك البقاع المقدسة،وغيره من أهل الدنيا من أهل المشارق والمغارب كلها،يشاركون إخوانهم بصيامهم هذا اليوم،وبذكرهم لربهم تبارك وتعالى،ودعائهم إياه فهو عند الله جل وعلا عظيم.
والذي بعده أي يوم النحر،هو أعظم منه عند الله،لقوله عليه الصلاة والسلام،كما صح عنه من حديث عبد الله بن قرط رضي الله عنه،أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:إن أعظم الأيام عند الله يوم النحر ثم يوم القر.
إن أعظم الأيام عند الله أي :على الإطلاق،هو يوم النحر ويوم القر.
ويوم القر: هو يوم الحادي عشر من ذي الحجة،بعد أن ينهي الحجاج مناسكهم ويستقروا بمنى،هذا اليوم سُمي بذلك أو لأجل ذلك،فهو يوم قرارهم من خروجهم، ووقوفهم ودفعهم من عرفة، إلى غير ذلك من تلك المشاعر العظيمة،التي وُفق لها هؤلاء،والذين ينبغي عليهم أن يجتهدوا في تحقيق شروط قبولها،عند الله تبارك وتعالى.
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عليه رحمة الله جل وعلا:أي الأيام أعظم ؟ يوم النحر أو يوم الجمعة؟
فقال:أفضل أيام الأسبوع هو يوم الجمعة،وأفضل أيام العام هو يوم النحر.
هذا الذي ختم الله جل وعلا،به هذه الأيام المباركات،فلا تضيعوا على أنفسكم هذه الفرصة إخوة الإيمان،وابدؤوها بالتوبة إلى الله جل وعلا،توبة صادقة،تنيبون فيها إليه،لأن المعصية إذا كانت في الأماكن الفاضلة،أو في الأزمة الفاضلة،فإن جرمها يُضاعف،وإن العقوبة فيها تُضاعف،كما جاء هذا عن سلف هذه الأمة.
نسأل الله تبارك وتعالى أن يمُن علينا بتوبة وإقبالا عليه،في هذه الأيام المباركات.
وأن يوفقنا فيها لصالح الأعمال،وأن يتقبلها منا،إنه هو الجواد الكريم.
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ،من كل ذنب،فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
و سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.
انتهى
تفريغ أم صهيب السلفية
المصدر منتديات الإبانة السلفية