بدأت أمة الله بكتابة خاطرة فخطت: الوجه المشع بنور رباني، هي آية الله في عباده الصالحين..
ثم توقفت فجأة لأنها تذكرت وجه خطيبها الساكن قلبها متخيلة وقفته وسط حقل الذرة وهو يراقب محصوله، فيداعب تلك النبتة ويضاحك الاخرى في جولته اليومية المعتادة.. تبسمت لتلك الفكرة وسرحت متخيلة اياه راجعا في طريقه للمنزل يضاحك المارين فيزداد نور وجهه، ويسأل عن أحوال هذا ويساعد ذاك.. فقد كان حضوره بلسم على قلوب الموجودين وعبوره نسيم مسك ورياحين وان غاب بقي جمال كلماته الطيبة يعطر الأفق ويطوف المكان.
انقبض قلبها حين تذكرت اخر حديث دار بينهما حيث عرفت مخاوف قلبه وسواد روحه، ماضيه الذي لم يكن لينساه اصلا، فكل زاوية من حقل النخيل تجعل الأمر يبدو مستحيلا.. تذكرته مرة وهو متوجه لبيته، خارجا من حقل الذرة مارا بحقل النخيل بسرعة البرق، لم تفهم السبب حينها لكن الامر بدا منطقيا حين راجعت حديثهما:
قال عبد الله: " أنا جالس تحت ظل شجرة تجعل كل الحقل على مد بصري. "
ردت عليه مازحة وهي جاهلة بحاله: " يا لفرحتك يا عبد الله، انت في مكان بهيج.. لكن لم أحس بانك تتباعد عني خاصة في هذا المكان "
حينها انفجر فجأة كمن كان ينتظر من يسأله، كماء محبوس داخل سد متشظ وجد ثقبا ينفذ منه وينسكب ويغرق ماؤوه كل شيء في طريقه..
فقال عبد الله: " يا أمة الله انا مشوه مضطرب فأعذريني ان قسوت، وأعذريني ان دنوت وابتعدت في ان واحد.
اني في صراع هل يمكنني ان احب وانجب واربي واحب زوجتي حبا خالصا بعيدا عن مكان الذكريات؟
لأنني ارى تحت كل شجرة بكائي واختبائي وكل لحظة من لحظات عذابي، فلا استطيع النسيان لاني اعمل في مكان عذابي.
ما اخافه يا أمة الله أن فاقد الشيء قد لا يعطيه.. أنا يتيم الاب، هذا ما اشعر به كثيرا.
لم اذق حنان الاب وعطفه وهذه حالة بعض أبناء الريف، فاذا كان من يحبك حبا مجبولا عليه يضربك بالعصا حتى تصاب بإسهال معظمه دم واذا كان هو من علمك ماهو الرعب ومالذي يعنيه الخوف، بينما يفترض أن يكون العكس وذلك بسبب ضربه المتكرر على عاتقيك حتى يبقى اثر الضربة اعواما.. مما جعل النذبة داخل الروح قبل الجسد ..
ولا لشيء الا لأنك ذهبت لبيت عمك تلعب مع الاولاد، لا لشيء الا لأن شيء من خاصياته التافهة تكسر، لا لشيء الا لأنك لعبت فوق الحائط، لا لشيء الا لأنه غضبان من اخيه.. فادنى شيء اتي به هو افراغ غضبه فيك، بدل ان يحتويك وينصحك ويريك الصحيح من الخطأ..
فحينها من سيحبني!
اذا كان اول من يجب عليه أن يحبني دون قيود وشروط فسر الحب على طريقته الخاصة به، فتعلمت ان الحب هو ضرب وفزع وخوف وتحكم في الاخر دون شروط وقيود حتى دون النظر للشرع والدين!
اتدرين، انا بقرب اول منطقة اضرب بها وانا ابن الرابعة والنصف..
اتعلمين يا أمة الله اني اخاف من سوء حظي ان اموت بعده وارى ابي يموت وانا لم اتذوق ابوته، حنانه، عطفه وتقبيله، احتضانه وانا صغير.
ماذا أقول لك يا أمة الله ان ما عانيته في صغري يؤثر علي فأعذريني.. وأستسمحك عذرا ليس لي القدرة لاكمل، وأستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه"
بقيت تفكر من البارحة مالذي يمكن ان تقوله لتحسن من شعوره، لتكون له الوطن الذي يريده.. فبدأت وخطت بقلم حبره الالم وقلب يزداد حبا لاحدهم:
" لا أتجرأ على قول أني أشعر بك، انما اتألم لألمك، ياعبد الله فكر في حالتك الآن يمكن ان ذلك كان وسيلة رب العالمين كي يجعلك تكون من عباده المقربين، ياعبد الله ان والدك يحبك أكيد، عاملك وفق ما تربى عليه ظنا أن في ذلك خيرا لكم.
صحيح أن هذا لايجوز وضد أمر الله والرسول الا أنه جعلك ما أنت عليه اليوم وأعلم أنك لن تقايضه بمال الكون.
كما انك أيضا مخطيء يا عبد الله، فمسؤوليتك ايضا ان تتكلم في بلوغك وتتحاور مع والدك، هذا واجب عليك أن تخبره بما يؤلمك ويضرك وتنصحه وتدعو الله أن يهديه ويصلح أمره وأفهمه وأخبره بذلك وأنه من أجله أولا قبل أن يكون من أجلك أنت، خوفا عليه من بعده عن ربه.. قل له ما قلت لي يا عبد الله فلا يوجد حل غير الحوار والكلام
ولتعلم ياعبد الله انني هنا من أجلك فيما يحب ويرضى الله وأتفهمك وأتمنى أن تتوكل على الله و تذهب لتحاور والدك ولتطمئني مساءا عن ما حدث وأستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه"
وقفت وأكملت شغل المنزل كي تلهي نفسها ولا تظل تفكر، وفي المساء بعد المغرب تفقدت الرسائل فوجدت رده:
" بارك الله فيك يا أمة الله، تم الأمر والحمد لله. لم أكن أظن أن للحوار والصراحة هذا المفعول العجيب في حل المشاكل، الحمد لله الذي رزقني بك يا أمة الله. "
حمِدت الله عز وجل، وسجدت شكرا له أن هداها لهذا.. وبدأت تتساءل كيف تعين آخرين مثل قرة عينها، فطلبت مني أن أخط قصتها.
وها أنا ذا أخطها لكم وأسأل الله أ تعينكم وتفيدكم ولا تنسو:
{ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216)} - سورة البقرة -
وخاصة ان كان مقابل ألمكم تقربكم من دينكم، فرب ألم يقربنا من الله ونعوذ بالله من سعادة وبهجة تبعدنا عنه، وفقنا الله واياكم بم نحب في مايحب ويرضى لنا.
المزاجية المتمردة - سوداوية مختلة -
آخر تعديل بواسطة المشرف: