عبد الله بن المبارك رجل من كبار الصالحين، بل من كبار الأولياء – ولا أتألَّى على الله – لا أستطيع أن أتحدث اليوم في هذا المقام عن مناقبه،
يقول: كنت في العام الماضي حاجاً إلى بيت الله الحرام، وفي ليلة من ليالي منى رأيتني في الرؤيا نائماً،
وعند رأسي اثنان يتحدثان يقول الواحد منهما للآخر:
أتدري كم هم الذين قَبِلَ الله حجهم في هذا العام؟
قال الثاني: لا، قال: إن كثيراً منهم لم يقبل الله حجهم، ولكن صفح الله عنهم جميعاً وقبل حجهم جميعاً
بفضل موفق الإسكافي الشامي على أنه لم يحج،
يقول عبد الله بن المبارك: فاستيقظت وليس لي هَمٌّ إلا أن أعود، فأعثر على هذا الرجل،
وأعلم قصته والسبب في هذا الفضل العظيم الذي أكرمه الله به، واتجهت إلى الشام،
وأخذت أبحث وأبحث وأبحث وصبرت إلى أن عثرت على موفق الإسكافي الشامي،
سألته ما خبرك مع الحج، أحججت؟ قال: لا،
قال: فحدثني عن قصتك،
قال: وما السبب؟ قال: حدثني، فإن حدثتني فسأخبرك،
قال له: أنا عملي إسكاف
، وكان من شأني منذ أول العام أن أدخر كل ما يزيد من نفقات بيتي في مكان أرجو أن أحج به في نهاية العام،
أو الذي يليه إلى بيت الله الحرام، ولما دنا الموسم نظرت فوجدت أن المبالغ التي ادخرتها يمكن أن تفي بحاجتي إلى الحج إلى بيت الله الحرام،
فأخذت أعد العدة، وبينما أنا عائد إلى الدار ذات يوم استقبلتني امرأتي
، وكانت حاملاً، ونظرت فإذا برائحة الشواء تفوح في الدار، أعطتني وعاءً
وقالت لي: اذهب فاطرق باب جيراننا، وحدثهم عن وضعي، وأنني بحاجة إلى شيء من هذا الشواء الذي تفوح رائحته،
فأخذت الوعاء وطرقت الباب، خرجت امرأة وحدثتني من وراء الباب
، قلت لها وحدثتها وطلبت منها أن تضع شيئاً من الشواء في هذا الوعاء،
نظرت وتلبثت ثم قالت: سأعطيك ولكن دعني أخبرك عن قصتي
، وأنا مضطرة أن أخبرك عنها، فإن رأيت أن ذلك يصلح لكم أعطيتك
، قال: ما القصة؟ قالت: مات زوجي منذ فترة طويلة، ونفدت النفقة منذ أسابيع، وأولادي يتضورون اليوم جوعاً،
ونظرت وإذا بالهلاك يطرق بابهم ويتهددهم،
نظرت فوجدت على مقربة منا شاة قد نفقت وألقاها أصحابها،
أخذت قطعة منها وجئت بها إلى البيت لأقدم لهم منها طعاماً، يحميهم من الهلاك، ويسد رمقهم،
يقول الإسكاف: فرجعت وأنا ألطم وجهي،
قلت في نفسي: هذه جارتي تعاني وأولادها من هذا السغب الذي كاد أن يوديهم إلى الهلاك، وأنا أجمع المال من أجل أن أحج به إلى بيت الله الحرام،
أخذت هذا المبلغ الفائض لدي كله وعدت فطرقت بابها
وقلت لها: خذي هذا مالٌ أرسله الله عز وجل إليك،
قال له عبد الله بن المبارك:
أبشرك بأن الله لم يكتب لك أنت حجة فقط بل قبل حجة الحجيج أجمع بسببك أنت.