قصّة عجيبة في غضّ البصر
خرجَ العبد الصالح ، سليمان بن يسار رحمه الله ، من بلدته مسافراً ، ومعه رفيق له ، فانطلقوا إلى السوق ليشتري لهم طعاماً ، وقعد سليمان ينتظره ،
وكان سليمان بن يسار وسيماً قسيماً ، من أجمل الناس وجهاً ، وأورعهم عن محارم الله ..
فبصُرت به أعرابيّة من أهل الجبل ، فلما رأت حسنهُ وجماله انحدرت إليه ، وعليها البرقع ، فجاءت فوقفت بين يديه ..
فأسفرت عن وجهٍ لها كأنه فلقة قمرٍ ليلة التمام ثم قالت : "هبني"
فغض بصرهُ عنها .. وظن أنها فقيرة محتاجة تريد طعاماً ، فقام ليُعطيها من بعض الطعام الموجود لديه
فلمّا رأت ذلك قالت له :
لستُ اريد هذا طعاماً ، إنما اريد مايكون بين الرجل وزوجته ..
فتغيّر وجه سليمان وتمعّر وصاح فيها قائلاً :
" لقد جهزّك إبليس "
ثم غطى وجهه بكفّيه ، ودسّ رأسه بين ركبتيه ، وأخذ بالبكاء والنحيب ..
فلما رأت تلك المرأة الحسناء أنه لا ينظر إليها ، سَدلَت البرقع على وجهها ، وانصرفت ورجعت إلى خيمتها.
وبعد فترة ، جاء رفيقه وقد اشترى لهم طعامهم ، فلما رآى سليمان عيناهُ من شدّة البكاء وانقطع صوته ..
قال له : مايبكيك ؟
قال سليمان : خيراً .. ذكرت صبيتي وأطفالي
فقال رفيقهُ : لا ..إن لك قصة ؛
إنما عهدك بأطفالك منذ ثلاث أو نحوها ..
فلم يزل به رفيقه حتى أخبره بقصة المرأة معه ، فوضع رفيقه السفرة ، وجعل يبكي بكاء شديداً .
فقال له سليمان : وأنت مايُبكيك ؟
فقال رفيقه : أنا أحقّ بالبكاء منك .
قال سليمان : ولم ؟
قال : لأنني أخشى أن لو كنت مكانك لما صبرتُ عنها !
فأخذ سليمان ورفيقه يبكيان !
ولما انتهى سليمان إلى مكة وطاف وسعى ، أتى الحجر واحتبى بثوبه ، فنعس ونام نومة خفيفة
فرأى في منامه ، رجلاً وسيماً جميلاً طولاً ، له هيئة حسنة ورائحة طيبة ..
فقال له سليمان : من أنت يرحمك الله ؟
قال الرجل : أنا يوسف النبيّ الصديق ابن يعقوب ؛
قال سليمان : إن في خبرك وخبرِ امراةِ العزيز لشاناً عجيباً ..
فقال له يوسف عليه السلام :
" بل شأنك وشأن الأعرابية أعجب ! "