يقضم أذنها و الجنيات ينظرن اليه بلهف .
و كأنهن يتلذذن بما لا يمكنهن تذوقه
هو صار دون مشاعره . لا يحس و لا يبدو عليه خوف و لا حزن . هو فقط يقلب رأسها بين يديه و عيونه واسعة لا تتحرك.
يلقف ما بان من الرأس و يبتلع .
فصارت الكبرى تضحك و الأصغر تبكي بكاءا شديدا . فقالت الوسطى
فمايبكيك من حبك لها و ماهي من بني جنسك . و ما يضحكك كرهك لابنها و ما هو بضارك .
و لكن هذا المهاجر فيه لنا فائدة. فنجعله يهيم و يخبر عنا فنطعن في بني جنسه و نقتل و نهتك ما طاب لنا فنبطش به و لا نبخله من علم السحر . و نسيده على قومه و نقويه.
توقف فجأة عن الأكل و رفع رأسه و نظر لهن تباعا . و كأنه أفاق من نوم طويل . فصرخ صرختا مدوية . ثم غاب عن وعيه ساعة من زمن
حتى أفاق و اختلف عليه المكان و الزمان و ما لقي نفسه بالكوخ بل في مكان غير بعيد .
فانتبه للباسه فإذ هو حرير و زبردج و حلي عاج و عقيق .
و بيده اليسرى سوار أحمر و خاتم فيه حجر قرمزي . و آخر فيه حجر أصفر و ثالث فيه حجر أخضر .
و بينما هو في سكرة الغائب . مرّ بالمكان مزارع كثيف اللحية . قاسي اليدين قوي البدن . خلفه حماره يحمل أكياسا بها غلة قليلة قد حصدها . رآه فأقبل عليه مستكشفا . فوجده حي وسخ اللحية مغبر الشعر جميل اللباس بهي الطلعة .فأيقضه و ما فعل حتى ارتما المهاجر يحضن قدمه و يصرخ باكيا و هو يجول بنظره في كل المكان باحثا .
أنقذني هم يتبعونني. جعلوني آكلها . لم أكن أعلم . أنه سحر قوي.
و كان على هذه الحال هنيهة . ثم أغشي مرة أخرى . فحمله المزارع على حماره و مضى به الى بيته .
في الطريق انتبه المزارع للكيس الكبير المجلجل في جنبه . صوت النقود يرن في كل حركة . و كذا الحلي و الخواتم . ذلك السوار الأحمر . بدا له أنه لا يحمل الا شخصا من الأكابر. ربما تاجرا ضل الطريق. أو أحد أبناء القصور قد هرب بعدما فعل شرا .
سارو في درب ضيق بين الحشائش المرتفعة . رسمته أقدام الحمير طيلة سنوات .
طريق واحد بين القرية و البئر البعيد .
على مشارف القرية . فتح المهاجر عيونه قليلا و ماكان قادرا على النهوض.
رأى بيوت صغيرة و أخرى كبيرة .
أناسا يمشون في هدوء.
زرع قليل بالأرض و أشجار عارية و تلك البيوت مبعثرة على الأرض فوقها سقوف بالية.
مشا به الحمار في القرية و السلام يتكرر .
هذا الشخص الذي يحملني معه معروف و محبوب .
الجميع يسلم عليه .
لقد نجوت. مادمت وسط ناس كثيرين فلن يتبعنني الجنيات .
يجب ان أستقر هنا . لن أبتعد الا مع جمع من الناس . لن أسير وحدي ثانية .
كان يحدث نفسه و جفونه تتثاقل أكثر فأكثر حتى غلبه النوم .
و فيما يرى النائم قد رأى .
ثلاث أفاع كبيرة . فقدمت له الحمراء منهن و عضت كتفه و جائت له الخضراء و لتفت حوله و صارت تعصر و الصفراء اقتربت لوجهه كثير الاقتراب حتى أحس بنفسها في عيناه .
ثم سمع مناد يصرخ يا عبد الله لا تخف . فالصالحون منا قادمون لنجدتك .
فبهتت الأفاعي و صرن صغارا و صار لهن حثيث و صراخ مثل الأطفال حتى صرن أحجارا ثلاثا وضعن في كف يده .
يتبع
آخر تعديل بواسطة المشرف: