أبو مارية
:: عضو مُشارك ::
- إنضم
- 28 ديسمبر 2020
- المشاركات
- 433
- نقاط التفاعل
- 1,009
- النقاط
- 26
- العمر
- 35
- محل الإقامة
- سيدي بلعباس
- الجنس
- ذكر
-يا بنيّتي إنّ أمك عاشت حرّة رغم الأسر ، و ظلّت وفية لأبيك رغم الخيانة و القهر ، و لم تنتقم يوما من أهله الذين كالوها ألوان الخسف و العذاب ، و ها أنا ذا اليوم ألفظ آخر أنفاسي و أستعجل آخر نفس كي ألقى الله..
يا بنيّتي لم أترك لك مالا وفيرا ، و لم أزوّجك بطلا أو أميرا ، و لكنّي تركت لك الستر و الطهارة و العفاف، فهذا سلاحك إذا حوربت، و هذا رأس مالك إذا ضاق سوق الحياة...
يا بنيّتي.. أ تريدين أن تعرفي الحياة التي موت لا معها؟ و الصحّة التي لا مرض معها؟ و الغنى الذي لا فقر معه؟ اذهبي إلى المدينة و ابحثي عن امرأة جليلة يدعونها (ستّي) و اعرضي عليها أن تكوني خادمة لها و ستحسن إن شاء الله مثواك...اذهبي و اتركي كل شيء خلفك..
العنيزة نفقت ، و الكوخ يوشك أن يخرّ سقفه عليك ، و الجيران اللئام يتربصون بك ، و أنا على حافة الموت فمن سيذبّ عنك أذاهم و يقيك غوائلهم...!
-هذه كانت آخر كلمات سيّدة عاشت أَمَة عند زوجها و مطيّة لأهل زوجها ، سيّدة انطفأت جذوة جمالها و هي تعيش لتخدم و فوق ذلك كله كانوا يكرمون كلاب الحيّ أحسن مما يكرمونها..
- دفنت إسمهان أمها و في الآن نفسه دفنت بهجتها و آمالها و أشواقها و رغبتها في الحياة، ثم وضعت خدها المتصدّع من البرد على ثرى قبر أمها و الدموع لا تنفك تجري و الصمت يكاد يقتل ما بقي من حشاشة نفسها.
آه يا أمي لما تركتني و لمن تركتني... أما وعدتني أن تبقي معي رغما عن الصعاب؟
- سناء البرق أنار الأرجاء المظلمة ثم هزيم الرعد قاطع أنين إسمهان... كأنّها رسالة ربانيّة صادقة..إنّ الله يسمع و يرى فلا تحزني و قومي فإنّ لك في المستقبل شأنا عظيما.
باتت إسمهان نائمة على قبر أمها فهو في عينيها بقية الدنيا كلها و العاصمة الآمنة من بطش الناس و طغيانهم..
و فجأة..أيقضها فَزِعَة زمجرة قادمة من الظلام و حركة دؤوبة بين الحشائش المحيطة بالمقبرة، إنها بعض الذئاب الجائعة تريد افتراس هذه الصبيّة الشريدة..
لم تهرب إسمهان بل تشبثت بقبر أمها فأمها لم تمت و الله بل ما زالت حيّة و ما زالت إسمهان تلوذ بها إذا اشتدّ الزمان...
الذئاب تندو ببطئ و حذر و خبث و الصبيّة يكاد فؤادها يطير خوفا....
(يتبع)
آخر تعديل بواسطة المشرف: