فهرس قصة آمال وآلام ل أبو مارية

الحالة
مغلق ولا يسمح بالمزيد من الردود.

السلطانة

:: أمينة اللمة الجزائرية ::
طاقم الإدارة
إنضم
19 سبتمبر 2009
المشاركات
51,473
نقاط التفاعل
84,392
النقاط
821
محل الإقامة
الشرق-الوسط
الجنس
أنثى
قصص.gif

هنا يتم تجميع أجزاء قصة آمال وآلام للكاتب @أبو مارية


روابط القصة تجدونها هنا:






 
آخر تعديل:
الفصل الأول:

قامت من مضجعها بجسم مرهق كأنّ جبال المعمور كلّها مرساة عبءا على كاهلها ، و مدّت يدها إلى النور المنبثق من شقوق جدار الكوخ المتداعي..
إنه يوم جديد لكنه في الحقيقة صفحة شقاء جديدة من مجلّد عظيم يدعوه الناس بالفقر و اليتم، و بيديها المرتجفتين من وقع الصقيع تحاول حلب تلك العنيزة الواهية و في الآن نفسه ترمق جيرانها المتأهبين للرحيل
و الفرار من الجحيم المقيم في المكان..

-لكنها لن ترحل فلا مكان في الدنيا لأمثالها كي يختبئون، فالحرب أول ما تبتلع تبتلعهم و تسأل هل من مزيد..!
-
على الجانب الآخر من الكوخ - و الكوخ جانب واحد لا جوانب له من فرط ضيقه- تجر الأم بقايا جسمها محاولة الوصول إلى إبريق الشاي و كأن بينه و بينه ما بين المشارق و المغارب، لكنه في حقيقة الأمر على بعد خطوة !


-قد تسأل نفسك لما الأم صارت هكذا لا تقوى على المشي ، لكنك لو ترى جارتها التي هي أخت زوج هذه المرأة العاجزة لفهمت حقيقة هذا العجز ، فهذه الجارة ضليعة بالسحر و الشعوذة و هي تسبّبت بالجحيم الذي

تحياه الأم و ابنتها الوحيدة.

-و قد تسأل أيضا ما الذي يدفع هذه الشيطانة كي تهدم أركان هذا الكوخ ركنا ركنا ، لكن انظر إلى العقرب إذ تردي الغافل و تتلذذ بمرآه و هو يتخبط في إثر سمها الساري في العروق و الأوصال حتى تفهم أن الشيطان
قد يتجسّد لنا أحيانا في شخص كنا نحسبه طول العمر سندا لنا..

(يُتبع)
 
آخر تعديل:
الفصل الثاني:


يا بنيّتي إنّ أمك عاشت حرّة رغم الأسر ، و ظلّت وفية لأبيك رغم الخيانة و القهر ، و لم تنتقم يوما من أهله الذين كالوها ألوان الخسف و العذاب ، و ها أنا ذا اليوم ألفظ آخر أنفاسي و أستعجل آخر نفس كي ألقى الله..
يا بنيّتي لم أترك لك مالا وفيرا ، و لم أزوّجك بطلا أو أميرا ، و لكنّي تركت لك الستر و الطهارة و العفاف، فهذا سلاحك إذا حوربت، و هذا رأس مالك إذا ضاق سوق الحياة...
يا بنيّتي.. أ تريدين أن تعرفي الحياة التي موت لا معها؟ و الصحّة التي لا مرض معها؟ و الغنى الذي لا فقر معه؟ اذهبي إلى المدينة و ابحثي عن امرأة جليلة يدعونها (ستّي) و اعرضي عليها أن تكوني خادمة لها و ستحسن إن شاء الله مثواك...اذهبي و اتركي كل شيء خلفك..
العنيزة نفقت ، و الكوخ يوشك أن يخرّ سقفه عليك ، و الجيران اللئام يتربصون بك ، و أنا على حافة الموت فمن سيذبّ عنك أذاهم و يقيك غوائلهم...!

-هذه كانت آخر كلمات سيّدة عاشت أَمَة عند زوجها و مطيّة لأهل زوجها ، سيّدة انطفأت جذوة جمالها و هي تعيش لتخدم و فوق ذلك كله كانوا يكرمون كلاب الحيّ أحسن مما يكرمونها..

- دفنت إسمهان أمها و في الآن نفسه دفنت بهجتها و آمالها و أشواقها و رغبتها في الحياة، ثم وضعت خدها المتصدّع من البرد على ثرى قبر أمها و الدموع لا تنفك تجري و الصمت يكاد يقتل ما بقي من حشاشة نفسها.

آه يا أمي لما تركتني و لمن تركتني... أما وعدتني أن تبقي معي رغما عن الصعاب؟

- سناء البرق أنار الأرجاء المظلمة ثم هزيم الرعد قاطع أنين إسمهان... كأنّها رسالة ربانيّة صادقة..إنّ الله يسمع و يرى فلا تحزني و قومي فإنّ لك في المستقبل شأنا عظيما.

باتت إسمهان نائمة على قبر أمها فهو في عينيها بقية الدنيا كلها و العاصمة الآمنة من بطش الناس و طغيانهم..

و فجأة..أيقضها فَزِعَة زمجرة قادمة من الظلام و حركة دؤوبة بين الحشائش المحيطة بالمقبرة، إنها بعض الذئاب الجائعة تريد افتراس هذه الصبيّة الشريدة..

لم تهرب إسمهان بل تشبثت بقبر أمها فأمها لم تمت و الله بل ما زالت حيّة و ما زالت إسمهان تلوذ بها إذا اشتدّ الزمان...

الذئاب تندو ببطئ و حذر و خبث و الصبيّة يكاد فؤادها يطير خوفا....

(يتبع)
 
الفصل الثالث:

فصل حول أم إسمهان لالّة زهرة..

(مرّ عابر سبيل على القرية يحثّ خطى جواده، وما إن رآه الشيخ مقران حتى عاجله بشربة ماء و دعاه للقعود حتى يستجم بقوته و يريح جواده...
تحاورا و آنس الشيخ مقران الغريب و بدّد سحائب وِحشته حتى بلغ بهما الكلام عن لالّة زهرة و تفرّدها بالحسن و الإجلال.)


-سي مقران:لالّة زهرة يا أخي..لا أدري بما أصفها حقّا ففصاحتي تتلاشى حقّا أمام جلال هذه المرأة و جمالها... (هكذا قال حارس المقبرة الذي يعرف أهل الحومة فردا فردا).

- الغريب: طيّب أخبرني إذا، إذا كانت على ذلك القدر من الحسن و الوقار كيف آل بها المآل إلى بيت نحس تخيّم عليه الظلمات و الشرور ، لعل ذلك بذنب لها فعلته في الماضي فأخذها الله بذنبها و عاشت ذاك الشقاء...!

-سي مقران: هل أنت جاد؟! كل من ابتلاه الله فهو حقا قد قارف من قبلُ ما يغضب الله؟! أعيذك بالله أن تكون من جهّال القرية الذين قالوا أن كلما حدث لزهرة كان عقابا من الله..

(الحيرة و الشعور بالذنب يعقدان لسان الغريب)...

-سي مقران: زهرة كانت زبدة النساء و أبوها كان رجلا شريفا و أمها كانت آية عصرها، ولكن الله توفّاهما و زهرة زهرة يافعة فتكفّلها عمّها حينا من الدّهر ثم ضاق بتكاليفها ذرعا فباعها بثمن بخس لعائلة سي عْمَر...
لما بلغت أربعة عشر ربيعا، تغيّرت حياة لالّة زهراء نهائيّا... في ذلك اليوم الذي كانت تلعب مع دُماها حتى جاءتها زوج عمها و ألبستها أول لباس جميل رأته في حياتها كلها...!
ثم حُمِلت على بغلة عرجاء و سيق بها إلى بيت زوجها..

-الغريب: بيت زوجها؟!!!!

-سي مقران: أي و الله بيت زوجها و هي لا تعلم أين تقاد و الفرحة تغمرها بالملبس الجديد و المركب الظريف، الله لا يحط أي إنسان في موقفها..

(تحكي زهرة أنه لما وضعت في بيتها الجديد ، لم تصنع شيئا سوى أن قعدت عند باحة بيت و صنعت لنفسها من العيدان و القش المتناثر هنا و هناك دمية جديدة و سمتها إسمهان و ظلت تلعب معها و تحدثها...)

-الغريب:
لكن ألم تتساءل الصبيّة عن المكان الجديد، كيف ارتحات له كل هذه الراحة ، كان ينبغي أن تجزع لأنها أبعدت عن ديارها، أقول هكذا المنطق فأين الخلل؟!

-سي مقران: لانّها أوّل ما وصلوا و استوحشت المكان سألت زوج عمها و أجابت زوج عمّها بأنهم راحلون كلهم و ليس عليها سوى الإنتظار...! كذبة رخيصة صدقتها صبيّة ساذجة هذا كل ما في الأمر يا صاح..

لما جاء زوجها و وجدها على تلك الحال لطمها على وجهها و سبّها بأبشع السبّ و أمرها بأن تنظف الإسطبل و تطعم الحمار...!

-الغريب: لا حول و لا قوّة إلا بالله، هذه زوجة أو أمة خادمة؟ لما لطمها و هل هكذا تفعل الكرام؟! لقد تغيّرت صورة سي عْمر تماما..كنت أحسبه من الأشراف و الله..

-سي مقران: سي عْمر يا ضيفي الكريم لا أكاد أفرّق بينه و بين الشيطان، و هو يزعم أنه من آل البيت و أن له على الجميع حقّ السمع و الطاعة ، و لست أدري أيّ بيت يقصد ، ففِعاله فعال آل بيت الشيطان و ليس آل بيت رسول الله، و المصيبة أن أهل القرية مخدوعون به كأنه ملاك مٌنزّل من السماء...

-الغريب: أمثاله كُثر فلا عجب و الله ، لكن الله يعلمهم و يعلم ما تخفي صدورهم، فهيهات هيهات أن يفرّوا من الله، هيهات هيات..

-سي مقران: حسنا لقد حان وقت الأكل و أنت ضيفي و إن لم تقصدني و لم تطرق بابي ، فهلمّ بنا إلى البيت...لن تمر بقرية مقران دون قوت ههه

-الغريب: أنا في عجلة من أمري و عليّ بلوغ المدينة قبل الفجر ، لكنني لن أفوت شرف الأكل معك على شرط أن تدلني على المقبرة لأحيّي ثرى لالّة زهرة بنت الأصل و الفصل...

-سي مقران: حسنا .. لقد اتفقنا إذا ، بيتي على بعد خطوات....

أخذ سي مقران عابر السبيل الغريب إلى بيته و أحسن مثواه، ثم تسامرا طرفا من الليل، و لما دنا الفجر رافقه إل المقبرة كما وعده من قبل و لما بلغا المقبرة هالهما ما لقياه... و سلبهما رشدهما ما لم يكن في الحسبان..!

-سي مقران: الله الله ، الله أكبر...!


(يتبع)
 
الفصل الرابع:

فصل حول نفس عظيمة في جسم صغير..!

لقد كانت زمجرة زمرة من ذئاب جائعة جامعة ، يقودها ذئب أسود حنكته الأيّام و ضرّسته التجارب، إن إسمهان بالنسبة لهم مجرد قضمات لإسكات جوع يتردّد صدى عوائه طول الليل في بطونهم، صدى يشبه حشرجات الموتى
في مذبحة سافرة...!
أدركت الصغيرة الخطر المحدق بها و بدون تردّد ، ولا ذهول قلّما يفلت منه أعتى الرّجال، أدركت أن عليها الفرار إلى شجرة توسطت بكبرياء ساحة المقبرة، قرّرت ذلك و بخفّة وسرعة بديهة و رشاقة استطاعت تسلق الشجرة قبل أن يدركها الذئاب...
لكن المصيبة أن غصنا أبى إلّا أن يشدّ ثوبها و يجعلها أقرب إلى الذئاب بقدر وثبة من أذكى و أجرأ ذئب في ذاك القطيع المشؤوم... يا لها من ليلة تعيسة لصبية خرجت من بطن أمها باكية و ظلت طول حياتها باكية و ها هي الآن تبكي آخر أنفاسها، غير بعيد عن مثوى أمها الحبيبة...

يا الله أ هي نهايتي؟.... هل سأفارق الحياة الآن و أفرق أشلاء في في بطون هذه الذئاب...أخيرا يا أمي سألتحق بك راضية فلا خير في الحياة بعدك و ليس بعدك إلا الأسى و الأحزان.

دخلت المغبونة في عاصفة فكرية أنستها تماما أهوال الخطر الذي تقاسيه، وأما جسمها الهزيل فقد صار فجأة آلة حربيّة فتّاكة متينة ، إنك لن تصدّق ما أقول حتّى تراها كيف طفقت ترفس الذئاب على وجوهها بعنف
و لكن شرّهم زاد عنادا و إصرارا ، و الغصن حسم أمره و انكسر ، و الصغيرة المجاهدة هوت بثقلها كله، و تلّقاها الذئب الأسود بنهشة في ساقها الرقيق، بلغت أنيابه على إثرها العظم..!

-لم تصرخ إسمهان ، و لم تنتحب ، بل نظرت إلى السماء لأنها فيها من هو أقوى من هذه الذئاب و لو ملأت الأرض، و قالت على براءة أمّها زهرة (يا الله ، إنك تعلم أنني ما كذبت، وما سرقت، وما آذيت أحدا، فإن أنجيتني من غمي هذا فإنّك أن الرحمن الرحيم، و إن تمكّنت الذئاب مني فإنّك أنت العزيز الحكيم و لن أعترض على قدرك فأنت أرحم بي)
خرجت تلك الكلمات بعذوبة لتشهد على عظمة هذي الصغيرة ، وعظمة أمها التي أحسنت تربيتها ، و لتترجم قوة إرادتها و استخفافها بالحياة التي جعلت كثيرا من الخلق شياطين في سرابيل إنس.
و أمّا الزمان و المكان معنيان تلاشيا في ذهن إسمهان أخيرا، و كل جوارحها خاشعة تنتظر حكم الله فيها، و أما الذئب الأسود فصار يسحبها أكثر فأكثر و هي تحاول قدر ما بقي من نفسها أن تتشبث بلحاء الشجرة العتيقة.
دوّى الرعد بقوّة و أزّ دويّه قلوب الذئاب المسعورة ، و بعدها و على لمح من بصر صوت آخر أشد عزيمة و قوة ينطلق من أقصى المقبرة صارخا (الله الله...الله أكبر)...!!!

(يتبع إن شاء الله
 
الحالة
مغلق ولا يسمح بالمزيد من الردود.
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top