الْوَاجِبُ فِي خِتَامِ الشَّهْـر

الحالة
مغلق ولا يسمح بالمزيد من الردود.

الطيب الجزائري84

:: عضو بارز ::
أحباب اللمة
إنضم
14 جوان 2011
المشاركات
4,110
نقاط التفاعل
4,656
النقاط
191
العمر
39
الجنس
ذكر
الْوَاجِبُ فِي خِتَامِ الشَّهْـر



لقد كانت أيام هذا الشهر الكريم معمورة بالصيام والذكر وتلاوة القرآن ، ولياليه منيرة مضيئة بالصلاة والقيام ، لقد مضت تلك الأيام الغرر وانتهت تلك الليالي الدرر وكأنما هي ساعة من نهار ، فنسأل الله أن يخلف علينا ما مضى منها بالبركة فيما بقي ، وأن يتمَّ لنا شهرنا الكريم بالرحمة والمغفرة والعتق من النار ، وأن يعيده علينا أعواماً عديدة ونحن نتمتع باليُمْن والإيمان والسلامة والإسلام .
إن الله شرع لعباده في ختام هذا الشهر عباداتٍ جليلة يزداد بها إيمانهم وتُقرِّبهم إلى ربهم وتكمل بها عبادتهم وتتم بها نعمة ربهم عليهم من أهمها : زكاة الفطر ، والتكبيرُ عند إكمال عدة الصيام ، وصلاة العيد .
- أما زكاة الفطر : فقد فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعاً من طعام ففي الصحيحين عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : ((فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلَاةِ))(1)، وفي الصحيحين أيضاً عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : ((كُنَّا نُخْرِجُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ ، وَكَانَ طَعَامَنَا الشَّعِيرُ وَالزَّبِيبُ وَالْأَقِطُ وَالتَّمْرُ))(2) وقال ابن عباس رضي الله عنهما : (( فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنْ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ ، فَمَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنْ الصَّدَقَاتِ))(3).
ويجب أن يخرجها المسلم عن نفسه وعمن تلزمه نفقته من زوجة وأولاد وسائر من ينفق عليهم ، ولا يجب إخراجها عن الحمل الذي في البطن ولكن يخرجها عنه من باب الاستحباب ، ويخرجها في البلد الذي وافاه تمام الشهر فيه، وإن كان من يلزمه أن يخرج عنهم زكاة الفطر في بلد وهو في بلد آخر فإنه يخرج فطرتهم مع فطرته في البلد الذي هو فيه ، ويجوز أن يفوِّضهم في إخراجها عنه وعنهم في بلدهم .
ووقت إخراجها يبدأ بغروب الشمس من ليلة العيد ويستمر إلى صلاة العيد ، ويجوز تعجيلها قبل العيد بيوم أو يومين - أي: في اليوم الثامن والعشرين ، واليوم التاسع والعشرين - وقبل ذلك لا يجوز . وتأخير إخراجها إلى صباح العيد قبل الصلاة أفضل ، وإن أخَّر إخراجها عن صلاة العيد من غير عذرٍ أثم ، ويلزمه إخراجها ولو تأخرت عن يوم العيد ويكون ذلك قضاءً.
والمستحق لزكاة الفطر هو المستحق لزكاة المال ؛ فيدفعها إليه أو إلى وكيله في وقت الإخراج.
ومقدار صدقة الفطر عن الشخص الواحد : صاع من البر أو الشعير أو التمر أو الزبيب أو الأقط ، فيُخرِج من هذه الأصناف ما كان معتاداً أكله في البلد ، وكذلك يخرج من غيرها مما يغلب استعماله في البلد كالأرز والذرة والدخن وغيرها ، ولا يجزئ دفع القيمة بأن يخرج النقود بدلاً عن الزكاة ، لأن ذلك مخالف لما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ومخالف لعمل الصحابة رضي الله عنهم ، فلم يكونوا يخرجون النقود في عصر النبي صلى الله عليه وسلم ولا في عصر الصحابة من بعده مع أن النقود كانت موجودة عندهم ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : ((مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ))(4).
- وأما التكبير : فإنه يشرع من غروب الشمس ليلة العيد إلى صلاة العيد ، قال الله تعالى: { وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [البقرة: 185] ، ويسن جهر الرجال به في المساجد والأسواق والبيوت إعلاناً لتعظيم الله وإظهاراً لعبادته وشكره ، وقد ثبت ((أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْرُجُ يَوْمَ الْفِطْرِ فَيُكَبِّرُ حَتَّى يَأْتِيَ الْمُصَلَّى وَحَتَّى يَقْضِيَ الصَّلَاة ، فِإِذَا قَضَى الصَّلَاةَ قَطَعَ التَّكْبِيرَ ))(5).
أما صفة التكبير : فقد ورد عن بعض الصحابة أنهم يقولون : ((اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ ، اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ)) يقول ذلك كل مسلم بمفرده ، أما التكبير الجماعي بصوت واحد يتفق في البدء والانتهاء فليس من السنة ولم يفعله أحد من سلف الأمة ، والخير كل الخير في اتباعهم .
والسنة في حق النساء أن يكبرن سراً لأنهن مأمورات بغض الصوت والستر .
ما أجمل حال الناس وهم يملئون الآفاق بتكبيرهم تعظيماً لله وإجلالاً ؛ إعلاناً لانتهاء شهرهم ، وشكراً لله على توفيقه لهم بإتمام الصيام ، واتباعاً لرسولهم ، وتعبداً لله بهذه الأذكار العظيمة التي تعلن لله العظمة والكبرياء والمجد والثناء حباً ورجاء وخوفاً وطمعاً .
- وأما الأحكام المتعلقة بالعيد : فيستحب الاغتسالُ للعيد ، وأن يلبس المسلم أحسن ثيابه ، ولا يجوز له أن يتجمل لا في العيد ولا في غيره بثياب من حرير أو ثياب مرخاة مسبلة ، أو بلباس يصف العورة ويحجمها ، أو بألبسة مختصة بالكفار ، ولا يجوز له أن يتجمل لا في العيد ولا في غيره بحلق لحيته لأن حلقها محرم وليس من الجمال في شيء وفيه تشبه بالكفار وبالنساء ؛ وإنما الجمال حقاً والتزين صدقاً باتباع السنة ولزوم هدي إمام الأمة صلى الله عليه وسلم .
والمرأة يشرع لها الخروج إلى المصلى بدون تبرج ولا تطيب ، ويجب عليها أن تربأ بنفسها من أن تذهب لطاعة الله وهي متلبسة بمعصية التبرج والسفور والتطيب أمام الرجال الأجانب ، فقد كان من هديه صلى الله عليه وسلم أمْرُ النساء بالخروج إلى صلاة العيد فعن أم عطية رضي الله عنها قالت : ((أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُخْرِجَهُنَّ فِي الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى ؛ الْعَوَاتِقَ وَالْحُيَّضَ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ ، فَأَمَّا الْحُيَّضُ فَيَعْتَزِلْنَ الصَّلَاةَ وَيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ ، قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِحْدَانَا لَا يَكُونُ لَهَا جِلْبَابٌ ، قَالَ : لِتُلْبِسْهَا أُخْتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا))(6).
ويسن للمسلم أن يأكل تمرات في عيد الفطر قبل أن يغدو إلى المصلى لفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويسن له إذا خرج أن يخالف الطريق فيذهب في طريق ويرجع في آخر ، وليس قبل صلاة العيد ولا بعدها صلاة .
اللهم اختم لنا شهرنا بما يرضيك عنا من صالح الأعمال والأقوال ، واجعل خير أعمالنا خواتمها وخير أيامنا يوم نلقاك .

***

---------
(1) البخاري (1503)، ومسلم (2325) .
(2) البخاري (1510)، ومسلم (2331) .
(3) رواه أبو داود (1609)، وابن ماجه (1827) .
(4) رواه مسلم (1718) .
(5) مصنف ابن أبي شيبة (2/71، رقم 5667) .
(6) رواه مسلم (890).

المصدر موقع الشيخ عبد الرزاق البدر حفظه الله
 
جزاك الله خير وأحسن إليك فيما قدمت دمت برضى الله وإحسانه وفضله
 
قلم من ذهب سلمت يمناك على الموضوع القيم جعله الله في ميزان حسناتك يا رب العالمين اجمعين دمت مبدعا في سماء المنتدى
 
جزاك الله خير ا
 
قلم من ذهب سلمت يمناك على الموضوع القيم جعله الله في ميزان حسناتك يا رب العالمين اجمعين دمت مبدعا في سماء المنتدى
جزاك الله خيرا
 
جدل كل سنة إخراج زكات الفطر مالاً أو طعاماً
 
جدل كل سنة إخراج زكات الفطر مالاً أو طعاماً


الفرع الثاني: في حكم إخراج زكاة الفطر بالقيمة:
أمَّا إخراجُ زكاةِ الفطر بالقيمة فقَدْ مَنَعَ مِنْ ذلك الجمهورُ [المالكيةُ والشافعيةُ والحنابلةُ]، قال النوويُّ ـ رحمه الله ـ: «ولم يُجِزْ عامَّةُ الفُقَهاءِ إخراجَ القيمةِ وأجازَهُ أبو حنيفة»(٦٠).

ويُفضِّلُ الحنفيةُ إخراجَ القيمةِ مِنَ النقود في زكاة الفطر على إخراجِ العين(٦١)، وعلَّلوا ذلك بأنَّ المقصود مِنْ أداءِ زكاة الفطر إغناءُ الفقيرِ الذي يَتحقَّقُ غِناهُ بالعين أو بالقيمة، وأنَّ سَدَّ الخَلَّةِ(٦٢) بأداءِ القيمة أَنْفَعُ للفقير وأَيْسَرُ له لدَفْعِ حاجته.

أمَّا مذهبُ الجمهور فقَدْ علَّلوا مَنْعَ إخراجِ القيمة في زكاة الفطر بورودِ النصِّ في الطعام دون التعرُّض للقيمة، فلو جازَتْ لَبيَّنَها النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم، مع أنَّ التعامل بالنقود كان قائمًا والحاجة تدعو إليها، والمعلومُ ـ تقعيدًا ـ أنَّ «تَأْخِيرَ البَيَانِ عَنْ وَقْتِ الحَاجَةِ لَا يَجُوزُ»، فضلًا عن أنَّ القيمةَ في حقوقِ الناسِ يَلْزَمُها التراضي، والزكاةُ ليس لها مالكٌ مُعيَّنٌ حتَّى يتمَّ التراضي معه أو إبراؤُه.

وسببُ الخلافِ في مسألةِ إخراجِ القيمة بدلًا مِنَ العين يرجع إلى المسألتين التاليتَيْن:

• الأولى: هل الأصلُ في الأحكام والمعاني الشرعيةِ التعبُّدُ أو التعليل؟

• الثانية: هل زكاةُ الفطر تجري مجرى صدقةِ الأموال، أم تجري مجرى صدقةِ الأبدان كالكفَّارات؟

وعليه، فمَنْ لاحَظَ التعليلَ والغرضَ الذي مِنْ أَجْلِه شُرِعَ حكمُ زكاة الفطر، وأجراها مجرَى صدقةِ الأموال؛ قال بجوازِ إخراجِ القيمةِ لأنها تُحَقِّقُ قَصْدَ الشارعِ في شَرْعِه الحكمَ.

ومَنْ لاحَظَ التعبُّدَ والْتزامَ ظاهِرِ النصِّ وأَجْرَاها مجرى صدقةِ الأبدانِ كالكفَّارات والنذور والأضحية؛ قال: لا يجوز إخراجُ القيمةِ ويتعيَّنُ إخراجُ ما وَرَدَ به النصُّ مع مُراعاةِ مفهومه(٦٣).

والظاهرُ أنَّ الشرع إذا نصَّ على الواجبِ وعيَّنَ نوعَه وَجَبَ الْتزامُ ظاهِرِ النصِّ؛ احتياطًا للدِّينِ وعملًا بأنَّ الأصل في حكمِ زكاةِ الفطرِ التعبُّدُ، وأنها تجري مجرَى صدقةِ البَدَنِ لا المال؛ لذلك لا يجوز العدولُ عن ظاهِرِ النصِّ إلى القيمة، كما لا يجوز ذلك في الأضحية والكفَّارات والنذور ونحوِها، وهذا هو مذهبُ مالكٍ والشافعيِّ وأحمد رحمهم الله. قال ابنُ تيمية ـ رحمه الله ـ مُقرِّرًا هذا المعنى بقوله: «إنَّ صدقةَ الفطرِ تجري مجرى كفَّارةِ اليمين والظِّهارِ والقتل والجماع في رمضان ومجرى كفَّارة الحجِّ؛ فإنَّ سببها هو البَدَنُ، ليس هو المالَ، كما في السنن عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم «أنه فَرَضَ صدقةَ الفطر طُهْرةً للصائم مِنَ اللغو والرفث وطُعْمةً للمساكين، مَنْ أداها قبل الصلاة فهي زكاةٌ مقبولةٌ، ومَنْ أدَّاها بعد الصلاة فهي صدقةٌ مِنَ الصدقات»(٦٤-[تقدَّم تخريجه، انظر: (#الهامش ٢).])، وفي حديثٍ آخَرَ أنه قال: «أَغْنُوهُمْ في هذا اليومِ عن المسألة»(٦٥)؛ ولهذا أَوْجَبَها اللهُ طعامًا كما أَوْجَبَ الكفَّارةَ طعامًا، وعلى هذا القولِ فلا يُجْزِئُ إطعامُها إلَّا لمَنْ يَسْتحِقُّ الكفَّارةَ، وهُمُ الآخذون لحاجةِ أَنْفُسِهم؛ فلا يعطي منها في المُؤلَّفةِ ولا الرِّقاب ولا غيرِ ذلك، وهذا القولُ أَقْوَى في الدليل»(٦٦).

الشيخ العلامة فركوس حفظه الله
 
الحالة
مغلق ولا يسمح بالمزيد من الردود.
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top