- إنضم
- 24 ديسمبر 2011
- المشاركات
- 24,703
- نقاط التفاعل
- 28,176
- النقاط
- 976
- محل الإقامة
- فار إلى الله
- الجنس
- ذكر
بسم الله الرحمن الرحيم
سئل الشيخ الإمام، العالم العامل، الحبر الكامل، شيخ الإسلام، ومفتي الأنام، تقي الدين بن تيمية أيده الله وزاده من فضله العظيم، عن الصبر الجميل والصفح الجميل، والهجر الجميل، وما أقسام التقوى والصبر الذي عليه الناس؟ فأجاب رحمه الله: الحمد لله، أما بعد فإن الله أمر نبيه بالهجر الجميل، والصفح الجميل، والصبر الجميل، فالهجر الجميل هجر بلا أذى، والصفح الجميل صفح بلا عتاب، والصبر الجميل صبر بلا شكوى، قال يعقوب عليه الصلاة والسلام: " إنما أشكو بثي وحزني إلى الله " مع قوله: " فصبر جميل، والله المستعان على ما تصفون " فالشكوى إلى الله لا تنافي الصبر الجميل.
ويروى عن موسى عليه الصلاة والسلام أنه كان يقول: اللهم لك الحمد، وإليك المشتكى، وأنت المستعان، وبك المستغاث، وعليك التكلان.
ومن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: " اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، أنت رب المستضعفين وأنت ربي، اللهم إلى من تكلني؟ أإلى بعيد يتجهمني أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي غير أن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت الظلمات له، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، أن ينزل بي سخطك، أو يحل علي غضبك، لك الغنى حتى ترضى " .
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقرأ في صلاة الفجر " إنما أشكو بثي وحزني إلى الله " ويبكي حتى يسمع نشيجه من آخر الصفوف. بخلاف الشكوى إلى المخلوق.
قرئ على الإمام أحمد في مرض موته أن طليوساً كره أنين المرض وقال: إنه شكوى. فما أنّ حتى مات. وذلك أن المشتكي طالب بلسان الحال، إما إزالة ما يضره أو حصول ما ينفعه، والعبد مأمور أن يسأل ربه دون خلقه، كما قال تعالى: " فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب " .
وقال صلى الله عليه وسلم لابن عباس: " إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله " . ولا بد للإنسان من شيئين: طاعته بفعل المأمور، وترك المحظور، وصبره على ما يصيبه من القضاء المقدور، فالأول هو التقوى والثاني هو الصبر، قال تعالى: " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبلاً " إلى قوله: " وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً إن الله بما يعملون محيط " ، وقال تعالى: " بلى إن تصبروا وتتقوا يأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين " ، وقال تعالى: " لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيراً، وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور " .
وقد قال يوسف: " أنا يوسف وهذا أخي قد من الله علينا أنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين " . ولهذا كان الشيخ عبد القادر ونحوه من المشايخ المستقيمين يوصون في عامة كلامهم بهذين الأصلين - المسارعة إلى فعل المأمور، والتقاعد عن فعل المحظور، والصبر والرضا بالأمر المقدور، وذلك أن هذا الموضع غلط فيه كثير من العامة بل ومن السالكين، فمنهم من يشهد القدر فقط ويشهد الحقيقة الكونية، دون الدينية، فيرى أن الله خالق كل شيء وربه ولا يفرق بين ما يحبه الله ويرضاه، وبين ما يسخطه ويبغضه وإن قدره وقضاه، ولا يميز بين توحيد الإلوهية، وبين توحيد الربوبية، فيشهد الجمع الذي يشترك فيه جميع المخلوقات - سعيدها وشقيها - مشهد الجمع الذي يشترك فيه المؤمن والكافر، والبر والفاجر، والنبي الصادق والمتنبي الكاذب، وأهل الجنة وأهل النار، وأولياء الله وأعداؤه، والملائكة المقربون والمردة الشياطين، فإن هؤلاء كلهم يشتركون في هذا الجمع وهذه الحقيقة الكونية، وهو إن الله ربهم وخالقهم ومليكهم لا رب لهم غيره، ولا يشهد الفرق الذي فرق الله بين أوليائه وأعدائه، وبين المؤمنين والكافرين، والأبرار والفجار، وأهل الجنة والنار، وهو توحيد الألوهية، وهو عبادته وحده لا شريك له، وطاعته وطاعة رسوله، وفعل ما يحبه ويرضاه، وهو ما أمر الله به ورسوله أمر إيجاب أو أمر استحباب، وترك ما نهى الله عنه ورسوله، وهذه الأصناف مذكورة في القرآن وحكمهم باق إلى يوم القيامة في أشباههم ونظرائهم قال الله تعالى: " إن الذين آمنوا وهاجوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا. وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق والله بما تعملون بصير، والذين كفروا بعضهم أولياء بعض ألا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير، والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقاً لهم مغفرة ورزق كريم " فهذا في السابقين.
ثم ذكر من اتبعهم إلى يوم القيامة فقال: " والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله إن الله بكل شيء عليم " وقال تعالى: " والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه " الآية. وذكر في السورة الأعراب المؤمنين وذكر المنافقين من أهل المدينة وممن حولها. وقال تعالى: " الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم؟ قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيراً، إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا، فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم، وكان الله غفوراً رحيماً " .
فلما كان المؤمنون يهاجرون إلى المدينة النبوية كان فيهم من ينزل على الأنصار بأهله أو بغير أهله لأن المبايعة كانت على أن يؤووهم ويواسوهم، وكان في بعض الأوقات إذا قدم المهاجر اقترع الأنصار على من ينزل منهم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد حالف بين المهاجرين والأنصار وآخى بينهم، ثم صار المهاجرون يكثرون بعد ذلك شيئاً بعد شيء فإن الإسلام صار ينتشر والناس يدخلون فيه والنبي صلى الله عليه وسلم يغزو الكفار تارة بنفسه وتارة بسراياه فيسلم خلق تارة ظاهراً وباطناً وتارة ظاهراً فقط ويكثر المهاجرون، إلى المدينة من الأغنياء والفقراء والآهلين والعزاب. فكان من لم يتيسر له مكان يأوي إليه يأوي إلى تلك الصفة التي في المسجد، ولم يكن جميع أهل الصفة يجتمعون في وقت واحد بل منهم من يتأهل أو ينتقل إلى مكان آخر يتيسر له ويجيء ناس بعد ناس وكانوا تارة يكثرون وتارة يقلون، فتارة يكونون عشرة أو أقل وتارة يكونون عشرين وثلاثين وأكثر وتارة يكونون ستين وسبعين.
وأما جملة من آوى إلى الصفة مع تفرقهم فقد كانوا نحو أربعمائة من الصحابة وقد قيل كانوا أكثر من ذلك. جمع أسماءهم الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي ولم يعرف كل واحد منهم في كتاب تاريخ أهل الصفة، وكان معتنياً بجمع أخبار النساك والصوفية والآثار التي يستندون إليها والكلمات المأثورة عنهم وجمع أخبار زهاد السلف وأخبار جميع من بلغه أنه كان من أهل الصفة وكم بلغوا. والصوفية المستأخرون بعد القرون الثلاثة، وجمع أيضاً في الأبواب مثل حقائق التفسير ومثل أبواب التصوف الجارية على أبواب الفقه ومثل كلامهم في التوحيد والمعرفة والمحبة ومسألة السماع وغير ذلك من الأحوال وغير ذلك من الأبواب. وفيما جمعه فوائد كثيرة ومنافع جليلة وهو في نفسه رجل من أهل الخير والدين والصلاح والفضل، وما يرويه من الآثار فيه من الصحيح شيء كثير ويروي أحياناً آثاراً ضعيفة بل موضوعة يعلم أنها كذب.
وقد تكلم بعض حفاظ الحديث في سماعه وكان البيهقي إذا روي عنه يقول: حدثنا أبو عبد الرحمن من أصل سماعه وما يظن به وبأمثاله إن شاء الله تعالى تعمد الكذب، لكن لعدم الحفظ والإتقان يدخل عليهم الخطأ في الرواية فإن النساك والعباد منهم من هو متقن في الحديث مثل ثابت البنان والفضيل بن عياض وأمثالهم ومنهم من قد يقع في بعض حديثه غلط وضعف مثل مالك بن دينار وفرقد السنجي ونحوهما.
وكذلك ما يؤثره أبو عبد الرحمن عن بعض المتكلمين في الطريق أو ينتصر له من الأقوال والأحوال فيه من الهدى والعلم شيء كثير. وفيه أحياناً من الخطأ أشياء وبعض ذلك يكون عن اجتهاد سائغ وبعضه باطل قطعاً مصدره مثل ما ذكر في حقائق التفسير قطعة كبيرة عن جعفر الصادق وغيره من الآثار الموضوعة وذكر عن بعض طائفة أنواعاً من الإشارات التي بعضها أمثال حسنة واستدلالات مناسبة وبعضها من نوع الباطل واللغو والذي جمعه الشيخ أبو عبد الرحمن في تاريخ أهل الصفة وأخبار زهاد السلف وطبقات الصوفية يستفاد منه فوائد جليلة ويجتنب ما فيه من الروايات الباطلة ويتوقف فيما فيه من الروايات الضعيفة، وهكذا كثير من أهل الروايات ومن أهل الآراء والأذواق من الفقهاء والزهاد والمتكلمة وغيرهم يؤخذ فيما يأثرونه عمن قبلهم وفيما يذكرونه معتقدين له شيء كثير وأمر عظيم من الهدى ودين الحق الذي بعث الله به رسوله، ويوجد أحياناً عندهم من جنس الآراء والأذواق الفاسدة أو المحتملة شيء كثير، ومن له من الأمة لسان صدق عام بحيث يثنى عليه ويحمد في جماهير أجناس الأمة فهؤلاء هم أئمة الهدى ومصابيح الدجى وغلطهم قليل بالنسبة إلى صوابهم وعامته من موارد الاجتهاد التي يعذرون بها وهم الذين يتبعون العلم والعدل فهم بعداء عن الجهل والظلم وعن إتباع الظن وما تهوى النفس.
فصل: وأما حال أهل الصفة هم وغيرهم من فقراء المسلمين الذين لم يكونوا في الصفة أو كانوا يكونون بها بعض الأوقات فكما وصفهم الله تعالى في كتابه حيث بين مستحقي الصدقة منهم ومستحقي الفيء، فقال: " إن تبدوا الصدقات فنعماً هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لك ويكفر عنكم من سيئاتكم والله بما تعملون خبير " إلى قوله: " للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضرباً في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافاً " وقال في أهل الفيء: " للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون " وكان فقراء المسلمين من أهل الصفة وغيرهم يكتسبون عند إمكان الاكتساب الذي لا يصدهم عما هو أوجب أو أحب إلى الله من الكسب وأما إذا أحصروا في سبيل الله عن الكسب فكانوا يقدمون ما هو أقرب إلى الله ورسوله.
وكان أهل الصفة ضيف الإسلام يبعث إليهم النبي صلى الله عليه وسلم بما يكون عنده فإن الغالب كان عليهم الحاجة لا يقوم ما يقدرون عليه من الكسب بما يحتاجون إليه من الرزق.
وأما المسألة فكانوا فيها كما أدبهم النبي صلى الله عليه وسلم حرمها على المستغني عنها وأباح منها أن يسأل الرجل حقه مثل أن يسأل ذا السلطان أن يعطيه حقه من مال الله أو يسأل إذا كان لا بد سائلاً الصالحين الموسرين إذا احتاج إلى ذلك ونهى خواص أصحابه عن المسألة مطلقاً حتى كان السوط يسقط من يد أحدهم فلا يقول لأحد ناولني إياه، وهذا الباب فيه أحاديث وتفصيل وكلام للعلماء لا يسعه هذا الكتاب مثل قوله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: " ما أتاك من ه الإسلام أو ما يظهره منه بمنزلة ما معهم من الإسلام وما يظهرونه منه، بل يوجد في غير التتار المقاتلين من المظهرين للإسلام من هو أعظم ردة وأولى بالأخلاق الجاهلية، وأبعد عن الأخلاق الإسلامية، من التتار. وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في خطبته: " خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة " وإذا كان خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد، فكل من كان إلى ذلك أقرب وهو به أشبه، كان إلى الكمال أقرب وهو به أحق، ومن كان عن ذلك أبعد وشبهه به أضعف، كان عن الكمال أبعد وبالباطل أحق، والكامل هو من كان لله أطوع، وعلى ما يصيبه أصبر، فكلما كان أتبع لما يأمر الله به ورسوله وأعظم موافقة لله فيما يحبه ويرضاه، وصبراً على ما قدره وقضاه، كان أكمل وأفضل، وكل من نقص عن هذين كان فيه من النقص بحسب ذلك.
وقد ذكر الله تعالى الصبر والتقوى جميعاً في غير موضع من كتابه وبين أنه ينتصر العبد على عدوه من الكفار المحاربين المعاهدين والمنافقين وعلى من ظلمه من المسلمين ولصاحبه تكون العاقبة لله تعالى: " بلى إن تصبروا وتتقوا يأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين " وقال الله تعالى: " لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيراً، وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور " ، وقال تعالى: " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالاً ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر، قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون، ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله. وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ، قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور، إن تمسسكم حسنة تسوؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً إن الله بما يعملون محيط " .
وقال أخوة يوسف له: " إنك لأنت يوسف قال أنا يوسف وهذا أخي قد من الله علينا، إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين " وقد قرن الصبر بالأعمال الصالحة عموماً وخصوصاً فقال تعالى: " واتبع ما يوحى إليك واصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين " وفي إتباع ما أوحي إليه التقوى كلها تصديقاً لخير الله وطاعة لأمره، وقال تعالى: " وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين، واصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين " .
وقال تعالى: " فاصبر إن وعد الله حق واستغفر لذنبك وسبح بحمد ربك بالعشي والأبكار " . وقال تعالى: " فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن آناء الليل " .
وقال تعالى: " واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين " . وقال تعالى: " استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين " فهذه مواضع قرن فيها الصلاة والصبر وقرن بين الرحمة والصبر في مثل قوله تعالى: " وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة " . وفي الرحمة الإحسان إلى الخلق بالزكاة وغيرها فإن القسمة أيضاً رباعية إذ من الناس من يصبر ولا يرحم كاهل القوة والقسوة ومنهم من يرحم ولا يصبر كاهل الضعف واللين مثل كثير من النساء ومن يشبههن، ومنهم من لا يصبر ولا يرحم كاهل القسوة والهلع. والمحمود هو الذي يصبر ويرحم كما قال الفقهاء في المتولي ينبغي أن يكون قوياً من غير عنف، ليناً من غير ضعف، فبصبره يقوى وبلينه يرحم، وبالصبر ينصر العبد فإن النصر مع الصبر، وبالرحمة يرحمه الله تعالى كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إنما يرحم الله من عباده الرحماء " وقال: " من لا يَرحم لا يُرحم " وقال: " لا تنزع الرحمة إلا من شقي " " الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء " والله أعلم. انتهى.
سئل الشيخ الإمام، العالم العامل، الحبر الكامل، شيخ الإسلام، ومفتي الأنام، تقي الدين بن تيمية أيده الله وزاده من فضله العظيم، عن الصبر الجميل والصفح الجميل، والهجر الجميل، وما أقسام التقوى والصبر الذي عليه الناس؟ فأجاب رحمه الله: الحمد لله، أما بعد فإن الله أمر نبيه بالهجر الجميل، والصفح الجميل، والصبر الجميل، فالهجر الجميل هجر بلا أذى، والصفح الجميل صفح بلا عتاب، والصبر الجميل صبر بلا شكوى، قال يعقوب عليه الصلاة والسلام: " إنما أشكو بثي وحزني إلى الله " مع قوله: " فصبر جميل، والله المستعان على ما تصفون " فالشكوى إلى الله لا تنافي الصبر الجميل.
ويروى عن موسى عليه الصلاة والسلام أنه كان يقول: اللهم لك الحمد، وإليك المشتكى، وأنت المستعان، وبك المستغاث، وعليك التكلان.
ومن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: " اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، أنت رب المستضعفين وأنت ربي، اللهم إلى من تكلني؟ أإلى بعيد يتجهمني أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي غير أن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت الظلمات له، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، أن ينزل بي سخطك، أو يحل علي غضبك، لك الغنى حتى ترضى " .
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقرأ في صلاة الفجر " إنما أشكو بثي وحزني إلى الله " ويبكي حتى يسمع نشيجه من آخر الصفوف. بخلاف الشكوى إلى المخلوق.
قرئ على الإمام أحمد في مرض موته أن طليوساً كره أنين المرض وقال: إنه شكوى. فما أنّ حتى مات. وذلك أن المشتكي طالب بلسان الحال، إما إزالة ما يضره أو حصول ما ينفعه، والعبد مأمور أن يسأل ربه دون خلقه، كما قال تعالى: " فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب " .
وقال صلى الله عليه وسلم لابن عباس: " إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله " . ولا بد للإنسان من شيئين: طاعته بفعل المأمور، وترك المحظور، وصبره على ما يصيبه من القضاء المقدور، فالأول هو التقوى والثاني هو الصبر، قال تعالى: " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبلاً " إلى قوله: " وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً إن الله بما يعملون محيط " ، وقال تعالى: " بلى إن تصبروا وتتقوا يأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين " ، وقال تعالى: " لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيراً، وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور " .
وقد قال يوسف: " أنا يوسف وهذا أخي قد من الله علينا أنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين " . ولهذا كان الشيخ عبد القادر ونحوه من المشايخ المستقيمين يوصون في عامة كلامهم بهذين الأصلين - المسارعة إلى فعل المأمور، والتقاعد عن فعل المحظور، والصبر والرضا بالأمر المقدور، وذلك أن هذا الموضع غلط فيه كثير من العامة بل ومن السالكين، فمنهم من يشهد القدر فقط ويشهد الحقيقة الكونية، دون الدينية، فيرى أن الله خالق كل شيء وربه ولا يفرق بين ما يحبه الله ويرضاه، وبين ما يسخطه ويبغضه وإن قدره وقضاه، ولا يميز بين توحيد الإلوهية، وبين توحيد الربوبية، فيشهد الجمع الذي يشترك فيه جميع المخلوقات - سعيدها وشقيها - مشهد الجمع الذي يشترك فيه المؤمن والكافر، والبر والفاجر، والنبي الصادق والمتنبي الكاذب، وأهل الجنة وأهل النار، وأولياء الله وأعداؤه، والملائكة المقربون والمردة الشياطين، فإن هؤلاء كلهم يشتركون في هذا الجمع وهذه الحقيقة الكونية، وهو إن الله ربهم وخالقهم ومليكهم لا رب لهم غيره، ولا يشهد الفرق الذي فرق الله بين أوليائه وأعدائه، وبين المؤمنين والكافرين، والأبرار والفجار، وأهل الجنة والنار، وهو توحيد الألوهية، وهو عبادته وحده لا شريك له، وطاعته وطاعة رسوله، وفعل ما يحبه ويرضاه، وهو ما أمر الله به ورسوله أمر إيجاب أو أمر استحباب، وترك ما نهى الله عنه ورسوله، وهذه الأصناف مذكورة في القرآن وحكمهم باق إلى يوم القيامة في أشباههم ونظرائهم قال الله تعالى: " إن الذين آمنوا وهاجوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا. وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق والله بما تعملون بصير، والذين كفروا بعضهم أولياء بعض ألا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير، والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقاً لهم مغفرة ورزق كريم " فهذا في السابقين.
ثم ذكر من اتبعهم إلى يوم القيامة فقال: " والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله إن الله بكل شيء عليم " وقال تعالى: " والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه " الآية. وذكر في السورة الأعراب المؤمنين وذكر المنافقين من أهل المدينة وممن حولها. وقال تعالى: " الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم؟ قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيراً، إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا، فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم، وكان الله غفوراً رحيماً " .
فلما كان المؤمنون يهاجرون إلى المدينة النبوية كان فيهم من ينزل على الأنصار بأهله أو بغير أهله لأن المبايعة كانت على أن يؤووهم ويواسوهم، وكان في بعض الأوقات إذا قدم المهاجر اقترع الأنصار على من ينزل منهم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد حالف بين المهاجرين والأنصار وآخى بينهم، ثم صار المهاجرون يكثرون بعد ذلك شيئاً بعد شيء فإن الإسلام صار ينتشر والناس يدخلون فيه والنبي صلى الله عليه وسلم يغزو الكفار تارة بنفسه وتارة بسراياه فيسلم خلق تارة ظاهراً وباطناً وتارة ظاهراً فقط ويكثر المهاجرون، إلى المدينة من الأغنياء والفقراء والآهلين والعزاب. فكان من لم يتيسر له مكان يأوي إليه يأوي إلى تلك الصفة التي في المسجد، ولم يكن جميع أهل الصفة يجتمعون في وقت واحد بل منهم من يتأهل أو ينتقل إلى مكان آخر يتيسر له ويجيء ناس بعد ناس وكانوا تارة يكثرون وتارة يقلون، فتارة يكونون عشرة أو أقل وتارة يكونون عشرين وثلاثين وأكثر وتارة يكونون ستين وسبعين.
وأما جملة من آوى إلى الصفة مع تفرقهم فقد كانوا نحو أربعمائة من الصحابة وقد قيل كانوا أكثر من ذلك. جمع أسماءهم الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي ولم يعرف كل واحد منهم في كتاب تاريخ أهل الصفة، وكان معتنياً بجمع أخبار النساك والصوفية والآثار التي يستندون إليها والكلمات المأثورة عنهم وجمع أخبار زهاد السلف وأخبار جميع من بلغه أنه كان من أهل الصفة وكم بلغوا. والصوفية المستأخرون بعد القرون الثلاثة، وجمع أيضاً في الأبواب مثل حقائق التفسير ومثل أبواب التصوف الجارية على أبواب الفقه ومثل كلامهم في التوحيد والمعرفة والمحبة ومسألة السماع وغير ذلك من الأحوال وغير ذلك من الأبواب. وفيما جمعه فوائد كثيرة ومنافع جليلة وهو في نفسه رجل من أهل الخير والدين والصلاح والفضل، وما يرويه من الآثار فيه من الصحيح شيء كثير ويروي أحياناً آثاراً ضعيفة بل موضوعة يعلم أنها كذب.
وقد تكلم بعض حفاظ الحديث في سماعه وكان البيهقي إذا روي عنه يقول: حدثنا أبو عبد الرحمن من أصل سماعه وما يظن به وبأمثاله إن شاء الله تعالى تعمد الكذب، لكن لعدم الحفظ والإتقان يدخل عليهم الخطأ في الرواية فإن النساك والعباد منهم من هو متقن في الحديث مثل ثابت البنان والفضيل بن عياض وأمثالهم ومنهم من قد يقع في بعض حديثه غلط وضعف مثل مالك بن دينار وفرقد السنجي ونحوهما.
وكذلك ما يؤثره أبو عبد الرحمن عن بعض المتكلمين في الطريق أو ينتصر له من الأقوال والأحوال فيه من الهدى والعلم شيء كثير. وفيه أحياناً من الخطأ أشياء وبعض ذلك يكون عن اجتهاد سائغ وبعضه باطل قطعاً مصدره مثل ما ذكر في حقائق التفسير قطعة كبيرة عن جعفر الصادق وغيره من الآثار الموضوعة وذكر عن بعض طائفة أنواعاً من الإشارات التي بعضها أمثال حسنة واستدلالات مناسبة وبعضها من نوع الباطل واللغو والذي جمعه الشيخ أبو عبد الرحمن في تاريخ أهل الصفة وأخبار زهاد السلف وطبقات الصوفية يستفاد منه فوائد جليلة ويجتنب ما فيه من الروايات الباطلة ويتوقف فيما فيه من الروايات الضعيفة، وهكذا كثير من أهل الروايات ومن أهل الآراء والأذواق من الفقهاء والزهاد والمتكلمة وغيرهم يؤخذ فيما يأثرونه عمن قبلهم وفيما يذكرونه معتقدين له شيء كثير وأمر عظيم من الهدى ودين الحق الذي بعث الله به رسوله، ويوجد أحياناً عندهم من جنس الآراء والأذواق الفاسدة أو المحتملة شيء كثير، ومن له من الأمة لسان صدق عام بحيث يثنى عليه ويحمد في جماهير أجناس الأمة فهؤلاء هم أئمة الهدى ومصابيح الدجى وغلطهم قليل بالنسبة إلى صوابهم وعامته من موارد الاجتهاد التي يعذرون بها وهم الذين يتبعون العلم والعدل فهم بعداء عن الجهل والظلم وعن إتباع الظن وما تهوى النفس.
فصل: وأما حال أهل الصفة هم وغيرهم من فقراء المسلمين الذين لم يكونوا في الصفة أو كانوا يكونون بها بعض الأوقات فكما وصفهم الله تعالى في كتابه حيث بين مستحقي الصدقة منهم ومستحقي الفيء، فقال: " إن تبدوا الصدقات فنعماً هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لك ويكفر عنكم من سيئاتكم والله بما تعملون خبير " إلى قوله: " للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضرباً في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافاً " وقال في أهل الفيء: " للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون " وكان فقراء المسلمين من أهل الصفة وغيرهم يكتسبون عند إمكان الاكتساب الذي لا يصدهم عما هو أوجب أو أحب إلى الله من الكسب وأما إذا أحصروا في سبيل الله عن الكسب فكانوا يقدمون ما هو أقرب إلى الله ورسوله.
وكان أهل الصفة ضيف الإسلام يبعث إليهم النبي صلى الله عليه وسلم بما يكون عنده فإن الغالب كان عليهم الحاجة لا يقوم ما يقدرون عليه من الكسب بما يحتاجون إليه من الرزق.
وأما المسألة فكانوا فيها كما أدبهم النبي صلى الله عليه وسلم حرمها على المستغني عنها وأباح منها أن يسأل الرجل حقه مثل أن يسأل ذا السلطان أن يعطيه حقه من مال الله أو يسأل إذا كان لا بد سائلاً الصالحين الموسرين إذا احتاج إلى ذلك ونهى خواص أصحابه عن المسألة مطلقاً حتى كان السوط يسقط من يد أحدهم فلا يقول لأحد ناولني إياه، وهذا الباب فيه أحاديث وتفصيل وكلام للعلماء لا يسعه هذا الكتاب مثل قوله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: " ما أتاك من ه الإسلام أو ما يظهره منه بمنزلة ما معهم من الإسلام وما يظهرونه منه، بل يوجد في غير التتار المقاتلين من المظهرين للإسلام من هو أعظم ردة وأولى بالأخلاق الجاهلية، وأبعد عن الأخلاق الإسلامية، من التتار. وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في خطبته: " خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة " وإذا كان خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد، فكل من كان إلى ذلك أقرب وهو به أشبه، كان إلى الكمال أقرب وهو به أحق، ومن كان عن ذلك أبعد وشبهه به أضعف، كان عن الكمال أبعد وبالباطل أحق، والكامل هو من كان لله أطوع، وعلى ما يصيبه أصبر، فكلما كان أتبع لما يأمر الله به ورسوله وأعظم موافقة لله فيما يحبه ويرضاه، وصبراً على ما قدره وقضاه، كان أكمل وأفضل، وكل من نقص عن هذين كان فيه من النقص بحسب ذلك.
وقد ذكر الله تعالى الصبر والتقوى جميعاً في غير موضع من كتابه وبين أنه ينتصر العبد على عدوه من الكفار المحاربين المعاهدين والمنافقين وعلى من ظلمه من المسلمين ولصاحبه تكون العاقبة لله تعالى: " بلى إن تصبروا وتتقوا يأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين " وقال الله تعالى: " لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيراً، وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور " ، وقال تعالى: " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالاً ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر، قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون، ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله. وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ، قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور، إن تمسسكم حسنة تسوؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً إن الله بما يعملون محيط " .
وقال أخوة يوسف له: " إنك لأنت يوسف قال أنا يوسف وهذا أخي قد من الله علينا، إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين " وقد قرن الصبر بالأعمال الصالحة عموماً وخصوصاً فقال تعالى: " واتبع ما يوحى إليك واصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين " وفي إتباع ما أوحي إليه التقوى كلها تصديقاً لخير الله وطاعة لأمره، وقال تعالى: " وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين، واصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين " .
وقال تعالى: " فاصبر إن وعد الله حق واستغفر لذنبك وسبح بحمد ربك بالعشي والأبكار " . وقال تعالى: " فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن آناء الليل " .
وقال تعالى: " واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين " . وقال تعالى: " استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين " فهذه مواضع قرن فيها الصلاة والصبر وقرن بين الرحمة والصبر في مثل قوله تعالى: " وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة " . وفي الرحمة الإحسان إلى الخلق بالزكاة وغيرها فإن القسمة أيضاً رباعية إذ من الناس من يصبر ولا يرحم كاهل القوة والقسوة ومنهم من يرحم ولا يصبر كاهل الضعف واللين مثل كثير من النساء ومن يشبههن، ومنهم من لا يصبر ولا يرحم كاهل القسوة والهلع. والمحمود هو الذي يصبر ويرحم كما قال الفقهاء في المتولي ينبغي أن يكون قوياً من غير عنف، ليناً من غير ضعف، فبصبره يقوى وبلينه يرحم، وبالصبر ينصر العبد فإن النصر مع الصبر، وبالرحمة يرحمه الله تعالى كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إنما يرحم الله من عباده الرحماء " وقال: " من لا يَرحم لا يُرحم " وقال: " لا تنزع الرحمة إلا من شقي " " الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء " والله أعلم. انتهى.