الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقرارا به وتوحيدا وأشهد أن محمدا عبده ورسوله > تسليما مزيدا
أما بعد:
إن الله سبحانه لم يخلق خلقه عبثا, ولم يتركهم سدى, بل خلقهم لغاية عظيمة, وحكمة جليلة, عليها قام سوق الجنة والنار, وبها أنزلت الكتب وأرسلت الرسل, ألا وهي الإيمان بالله , فهو مفتاح الدعوة الإلهية, وزبدة الرسالة النبوية.
قال أبو عمر ابن عبد البر النمري قال رجل للشافعي: أي الأعمال عند الله أفضل؟ قال: ما لا يقبل عمل إلا به. قال: وما ذاك. قال: الإيمان بالله هو أعلى الأعمال درجة, وأشرفها منـزلة, وأسناها حظا.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (( أصل العلم الإلهي ومبدؤه ودليله الأول عند الذين آمنوا هو الإيمان بالله ورسوله )) الفتاوى (2/1)
والإيمان بالله تحقيقه يتم بثلاثة أمور:
الأمر الأول: إفراده في ألوهيته, فلا يُعبد إلا الله وحده لا شريك له في عبادته.
الأمر الثاني: إفراده في ربوبيته, فلا خالق ولا مالك ولا مدبر إلا الله وحده لا شريك له.
الأمر الثالث: إفراده في أسمائه وصفاته, فيُثبت لله ما أثبته لنفسه في كتابه أو على لسان رسوله من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل.
وهذه الأمور الثلاثة متلازمة بالنسبة للعبد, فمن جاء بتوحيد الألوهية ولم يأت بتوحيد الربوبية فإنه لا يكفيه, وهو ليس مؤمنا بالله ﻷ,وهكذا حتى يأتي بالثلاثة مجتمعة.
وتحقيق الإيمان بالله يُوفِّق الله إليه من عباده من شاء هدايته وكان من الشاكرين كما قال تعالى { وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشكرين }
ولفظة الإيمان بالله عند الإطلاق تشمل الدين كله كما في حديث وفد عبد القيس في الصحيحين ولفظه: عن ابن عباس أن النبي قال لوفد عبد القيس؛ عندما سألوه عن أمور الدين؛ فأمرهم: (بالإيمان بالله وحده) وقال: (أتدرون ما الإيمان بالله وحده؟) قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: (شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وتعطوا الخمس من المغنم).
وفي حديث أبي هريرة أن رسول الله سئل: أي العمل أفضل؟ فقال: (( إيمان بالله ورسوله)) قيل: ثم ماذا؟ قال: (( الجهاد في سبيل الله )) قيل: ثم ماذا؟ قال: ((حج مبرور ))
أما عند التقييد, كقرنها بالإسلام أو غيره, فيراد بالإيمان الأمور الباطنة المتعلقة بالاعتقاد؛ لما جاء في حديث جبريل في الصحيحن ولفظه: قال: يا محمد أخبرني عن الإسلام فقال رسول الله : الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه و سلم وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا قال صدقت. قال فعجبنا له يسأله ويصدقه. قال: فأخبرني عن الإيمان قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره. قال: صدقت.
ولتحقيق الإيمان بالله ثمرات كثيرة أذكر بعضا منها:
1- بتحقيق الإيمان بالله ينال العبد معرفة الله , وينال الهداية إليه فلا يكون شقيا معذبا.
2- تحقيق الإيمان بالله يوجب السعادة في الدنيا والآخرة؛ بل هو جماع السعادة وأصلها؛ إذ إن السعادة أسها وأساسها القلب, فمتى كان القلب مطمئنا سعيدا اطمئنت وسعدت الجوارح كلها, ولا راحة ولا اطمئنان للقلب إلا مع الله أ ؛ بذكره والأنس به.قال تعالى { من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون }
قال شيخ الإسلام (( فإن القلب بيت الإيمان بالله تعالى ومعرفته ومحبته )) الفتاوى (18/122)
ولهذا لما حقق أولياء الله الإيمان به أنست قلوبهم واطمئنت, وطارت فرحا بذلك.
فهذا الحسن البصري يقول: (( لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف ))
وقال شيخ الإسلام (( إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لا يدخل جنة الآخرة ))
وقال ابن القيم في الوابل الصيب (( فمحبة الله تعالى, ومعرفته, ودوام ذكره, والسكون إليه, والطمأنينة إليه, وإفراده بالحب, والخوف, والرجاء, والتوكل, والمعاملة بحيث يكون هو وحده المستولي على هموم العبد وعزماته وإرادته هو جنة الدنيا, والنعيم الذي لا يشبهه نعيم, وهو قرة عين المحبين, وحياة العارفين ))
3- تحقيق الإيمان بالله هو أعظم الحسنات التي يتقرب بها إلى الله سبحانه.
4- تحقيق الإيمان بالله يوجب ولاية الله ونصره وتأييده قال تعالى: { الله ولى الذين ءامنوا يخرجهم من الظلمت إلى النور} وقال تعالى { والله ولى المؤمنين}
قال الخطابى: (( الولي الناصر ينصر عباده المؤمنين ))
ومن كان الله وليه فإن الله يعادي ويحارب من يؤذي أولياءه كما جاء في الصحيح من حديث أبي هريرة أن النبي قال قال الله تعالى (( من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب ))
5- تحقيق الإيمان يثمر عدم الخوف في الدنيا والآخرة قال تعالى { إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصائبين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون }
6- تحقيق الإيمان بالله يثمر دخول الجنة, والتنعم بما أعده الله فيها من النعيم المقيم قال تعالى { والذين ء امنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا لهم فيها أزواج مطهرة وندخلهم ظلا ظليلا }
7- تحقيق الإيمان بالله يثمر الأمن التام والاهتداء التام في الدنيا والآخرة قال تعالى { الذين ء امنوا ولم يلبسوا إيمنهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون }
8- تحقيق الإيمان يثمر تثبيت الله المؤمنين بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة كما قال تعالى { يثبت الله الذين ء امنوا بالقول الثابت في الحيوة الدنيا وفى الآخرة ويضل الله الظلمين ويفعل الله ما يشاء }
9- تحقيق الإيمان بالله يثمر عدم تسلط الشيطان على أهل الإيمان, فيدفع الله عن المؤمنين شر الشيطان قال تعالى { إنه ليس له سلطان على الذين ءامنوا وعلى ربهم يتوكلون }
10- تحقيق الإيمان بالله يثمر دفاع الله عن أهل الإيمان, فيدفع عنهم كل مكروه وشر قال تعالى { إن الله يدافع عن الذين ءامنوا إن الله لا يحب كل خوان كفور }
11- تحقيق الإيمان بالله يثمر المغفرة والرزق الكريم قال تعالى { فالذين ءامنوا وعملوا الصلحت لهم مغفرة ورزق كريم }
12- تحقيق الإيمان بالله يثمر التمكين في الأرض, والاستخلاف فيها, والتبديل من بعد الخوف أمنا قال تعالى { وعد الله الذين ء امنوا منكم وعملوا الصلحت ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا }
وقال تعالى { إنا لننصر رسلنا والذين ءامنوا في الحيوة الدنيا ويوم يقوم الاشهد }
وهذه الثمار وغيرها تتفاضل بالنسبة للعبد بحسب تحقيقهم للإيمان, فمنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات, ومنهم ظالم لنفسه.
والله أعلم, وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم