بسم الله الرحمن الرحيم
التثبيط عن الصلاة عمل الشيطان
التثبيط عن الصلاة عمل الشيطان
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
فالتثبيط والكسل وجهان لعملة واحدة، يشتري بها الشيطان القلوب المريضة ويضعها في جراب الذل، ليغمس تلك القلوب في أوحال المعاصي، ومن هموم الشيطان التثبيط عن الصلاة ويعمل جاهدا لأن يكسل المرء عن صلاته، وله أعوان من شياطين الإنس – سيأتي الإشارة لبعض صورهم -، يعملون معه حذو القذة بالقذة لصرف الناس عن الصلاة، ويحرص الشيطان على تثبيط الناس، كسلا، ثم تهاونا، ثم ترك الصلاة بالكلية، ومن صور تثبيط الشيطان عن الصلاة:
أولًا: عَقد ثلاث عُقد على القافية.
عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد يضرب كل عقدة عليك ليل طويل، فارقد فإن استيقظ فذكر الله، انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقدة، فأصبح نشيطا طيب النفس وإلا أصبح خبيث النفس كسلان)).
متفق عليه.
قال العلامة النووي رحمه الله في ((شرحه على مسلم)) : ((وقوله صلى الله عليه وسلم وإلا أصبح خبيث النفس كسلان معناه لما عليه من عقد الشيطان وآثار تثبيطه واستيلائه مع أنه لم يزل ذلك عنه وظاهر الحديث أن من لم يجمع بين الأمور الثلاثة وهي الذكر والوضوء والصلاة فهو داخل فيمن يصبح خبيث النفس كسلان)) اهـ.
وقال العلامة العيني رحمه الله في ((عمدة القاري شرح صحيح البخاري)) : ((قَوْله: (كسلان) يَعْنِي: بِبَقَاء أثر تثبيط الشَّيْطَان عَلَيْهِ. قَالَ الْكرْمَانِي: وَاعْلَم أَن مُقْتَضى (وإلاَّ أصبح) أَن من لم يجمع الْأُمُور الثَّلَاثَة: الذّكر وَالْوُضُوء وَالصَّلَاة، فَهُوَ دَاخل تَحت من يصبح خبيثا كسلان وَإِن أَتَى بِبَعْضِهَا. قلت: فعلى هَذَا تَقْدِير الْكَلَام: وَإِن لم يذكر وَلم يتَوَضَّأ وَلم يصل يصبح خَبِيث النَّفس كسلان)) اهـ.
وقال العلامة صدر الدين محمد بن إبراهيم السلمي المناوي رحمه الله في ((والقافية: القفا وقيل: قافية الرأس: مؤخّره، وقيل وسطه، أراد تثقيله في النوم وإطالته، فكأنه شد عليه شدادًا، وعقده ثلاث عُقد، وقيل: هو عقد حقيقي يعني عقد السحر للإنسان ومنعه من القيام وقال تعالى: {ومن شرّ النفاثات في العُقَد} فعلى هذا هو قول يقوله يؤثر في تثبيط النائم كتأثير السحر)) اهـ.
وقال العلامة ابن الحاج رحمه الله في ((المدخل)) : ((وكسل النفس في الغالب إنما هو لأجل العقد الثلاث، فإن هو ذكر الله عز وجل انحلت عقدة كما قال - عليه الصلاة والسلام - فيذهب من الكسل بقدر ذلك، ثم إن توضأ انحلت العقدة الثانية فيذهب معها من الكسل بقدر ذلك، ثم إن صلى ذهب الكسل كله، وبقي كما قال - عليه الصلاة والسلام - نشيطا طيب النفس. فانظر رحمنا الله تعالى وإياك إلى حكمة الشرع في كونه شرع أنه إذا فعل المرء ما ذكر يصلي ركعتين خفيفتين، ثم بعد ذلك يصلي ركعتين طويلتين، ثم يتدرج إلى أقل من ذلك على ما جاء في الحديث، فشرع له - عليه الصلاة والسلام - أولا ركعتين خفيفتين حتى تذهب عقد الشيطان كلها، ويذهب أثرها مرة واحدة فيجد بسبب النشاط الذي يحصل له ما يقدر به على طول القيام الذي شرعه - عليه الصلاة والسلام - في قيام الليل)) اهـ.
وقال العلامة علي القاري رحمه الله في ((مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح)) : ((إذا هو نام ثلاث عقد)) : جمع عقدة، والمراد بها عقد الكسل)) اهـ.
وقال العلامة عبيد الله المباركفوري رحمه الله في ((مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح)) : ((كسلان؛ لبقاء أثر تثبيط الشيطان ولشؤم تفريطه وظفر الشيطان به بتفويته الحظ الأوفر من قيام الليل، فلا يكاد يخف عليه صلاة ولا غيرها من القربات والطاعات. وكسلان غير منصرف للوصف، وزيادة اللألف والنون مذكر كسلى، ومقتضى قوله وإلا أصبح أنه إن لم يجمع الأمور الثلاثة دخل تحت من يصبح خبيثاً كسلان وإن آتي ببعضها، لكن يختلف ذلك بالقوة والخفة)) اهـ.
ثانيًا: البول في الأذن.
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: ذكر عند النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم رجل نام ليله حتى أصبح.
قال: ((ذاك رجل بال الشيطان في أذنه)).
متفق عليه.
وعن بن مسعود رضي الله عنه قال: (حسب الرجل من الخيبة، أو من الشر أن ينام ليلة حتى يصبح وقد بال الشيطان في أذنه فلم يذكر الله ليلة حتى يصبح.
أخرجه محمد بن نصر المروزي كما في ((مختصر قيام الليل)).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في ((فتح الباري)) : هو موقوف صحيح الإسناد.
وفي رواية: والذي لا إله غيره لا ينام الرجل ليلة إلى الصباح لا يذكر الله إلا بال الشيطان في أذنه).
أخرجها محمد بن نصر المروزي كما في ((مختصر قيام الليل)).
قال العلامة الطيبي رحمه الله في ((الكاشف عن حقائق السنن)) : ((وخص البول من بين الأخبثين؛ لأنه من خباثته أشد مدخلاً في تجاويف الخروق والعروق، ونفوذه فيها، فيورث الكسل في جميع الأعضاء)) اهـ.
ثالثًا: المبيت على الأنف.
عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((إذا استيقظ أراه أحدكم من منامه فتوضأ فليستنثر ثلاثا، فإن الشيطان يبيت على خيشومه)).
متفق عليه.
قال التوربشتي رحمه الله كما في ((الكاشف عن حقائق السنن)) للطيبي: ((فإذا قام من نومه وترك الخيشوم بحاله استمر الكسل والكلال)) اهـ.
وقال المناوي رحمه الله كما في ((التيسير بشرح الجامع الصغير)) : ((فإن الشيطان يبيت على خياشيمه)) أي: حقيقة أو مجازا عن الوسوسة بالكسل والكلال)) اهـ.
رابعًا: الوسوسة في الوضوء.
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: ((إن الشيطان يأتي أحدكم في صلاته فيأخذ بشعرة من دبره، فيرى أنه قد أحدث فلا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا)).
أخرجه الطبراني في ((المعجم الكبير)).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يأتي أحدكم الشيطان في صلاته، فينفخ في مقعدته فيخيل إليه أنه أحدث، ولم يحدث، فإذا وجد ذلك فلا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا)).
قال الحافظ ابن حجر في ((بلوغ المرام)): أخرجه البزار - وأصله في الصحيحين من حديث عبد الله بن زيد - ولمسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه – نحوه.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الشيطان يأتي أحدكم في صلاته فيمد شعرة في دبره، فيرى أنه قد أحدث، فلا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا)).
أخرجه أبو يعلى الموصلي في ((المسند)).
قال حسين سليم أسد محقق مسند أبي يعلى الموصلي : إسناده ضعيف
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا صلى أحدكم فلم يدر زاد أم نقص، فليسجد سجدتين وهو قاعد، فإذا أتاه الشيطان فقال: إنك قد أحدثت، فليقل: كذبت، إلا ما وجد ريحا بأنفه أو صوتا بأذنه)).
أخرجه أحمد في ((المسند)) أبو داود في ((السنن)) وابن خزيمة في ((صحيحه)) وضعفه الألباني.
قال الأعظمي رحمه الله محقق صحيح ابن خزيمة: إسناده ضعيف. قال الحافظ في التقريب: عياض بن هلال مجهول. لكن له متابع. انظر: الفتح الرباني 2: 77. إذ أخرجه أحمد من طريق علي بن زيد عن أبي النضرة عن أبي سعيد. ولكنه شاهد قاصر، ليس فيه: "فليقل كذبت". على أن ابن زيد وهو ابن جدعان ضعيف.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الشيطان يأتي أحدكم في صلاته فيوسوس له حتى يخيل له أنه قد أحدث ليقطع صلاته ‘ فلا يقطع أحدكم صلاته حتى يجد ريحا أو يسمع صوتا)).
أخرجه القاسم بن سلام في ((الطهور)).
خامسًا: التثاؤب في الصلاة.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((التثاؤب في الصلاة من الشيطان فإذا تثاءب أحدكم فليكظم ما استطاع)).
أخرجه الترمذي في ((الجامع)).
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا تثاوب أحدكم في الصلاة فليكظم ما استطاع فإن الشيطان يدخل. وفي رواية: فليمسك بيده على فيه فإن الشيطان يدخل)).
أخرجه مسلم في ((صحيحه)).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله يحب العطاس، ويكره التثاؤب، فإذا عطس فحمد الله، فحق على كل مسلم سمعه أن يشمته، وأما التثاؤب: فإنما هو من الشيطان، فليرده ما استطاع، فإذا قال: ها، ضحك منه الشيطان)).
أخرجه البخاري في ((صحيحه)).
قال محمد أنور شاه ابن معظم شاه الكشميري رحمه الله في ((العرف الشذي شرح سنن الترمذي)) : ((قوله: (في الصلاة من الشيطان) نسب الشريعة التثاؤب إلى الشيطان لأنه ينبئ عن الكسل)) اهـ.
وقال المناوي رحمه الله كما في ((التيسير بشرح الجامع الصغير)) : ((ما استطاع فإن أحدكم إذا قال ها)) مقصور من غير همز حكاية صوت المتثائب (ضحك منه الشيطان) فرحا بذلك ومحبة له لما يترتب عليه من الكسل عن الصلاة والفتور عن العبادة)) اهـ.
وقال عبد الحق الدهلوي رحمه الله كما في ((كشف المناهج والتناقيح في تخريج أحاديث المصابيح)) : ((والمراد بضحكه رضاه بهذه الحالة لكونها باعثة على الكسل عن العبادة وموجبةً لتشويه صورته وشكله، والمراد بقول: (ها) المبالغة في التثاؤب كما يفعله بعض من لا يَضبط حالَه في التثاؤب)) اهـ.
سادسًا: التلبيس في الصلاة.
أن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه، أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يلبسها علي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ذاك شيطان يقال له خنزب، فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه، واتفل على يسارك ثلاثا» قال: ففعلت ذلك فأذهبه الله عني)).
أخرجه مسلم.
سابعًا: الحرص على قطع الصلاة وذهاب الخشوع.
عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن عفريتا من الجن تفلت علي البارحة - أو كلمة نحوها - ليقطع علي الصلاة، فأمكنني الله منه، فأردت أن أربطه إلى سارية من سواري المسجد حتى تصبحوا وتنظروا إليه كلكم، فذكرت قول أخي سليمان: رب هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي))، قال روح: ((فرده خاسئا)).
متفق عليه.
ثامنًا: التشكيك في عدد الركعات.
عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا نودي للصلاة أدبر الشيطان، وله ضراط، حتى لا يسمع التأذين، فإذا قضى النداء أقبل، حتى إذا ثوب بالصلاة أدبر، حتى إذا قضى التثويب أقبل، حتى يخطر بين المرء ونفسه، يقول: اذكر كذا، اذكر كذا، لما لم يكن يذكر حتى يظل الرجل لا يدري كم صلى)).
أخرجه البخاري.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الشيطان يأتي أحدكم في صلاته، فلا يدري أزاد أم نقص، فإذا وجد أحدكم ذلك، فليسجد سجدتين)).
أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه والحميدي والطبراني في ((الأوسط)) وصححه الألباني.
كذلك يوجد تثبيط عن الصلاة من شياطين الإنس.
قد تجد التثبيط عن الصلاة من الأقارب، ولهذا التثبيط صور، منها: قولهم: اتركه حتى يكبر يصلى، وتجد الطفل دخل في السابعة من العمر، وهذا خلاف ما أمر به نبينا عليه الصلاة والسلام.
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((مروا أبناءكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين وأضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع)).
أخرجه أحمد وأبو داود وصححه الألباني.
قال العلامة الألباني رحمه الله في ((الثمر المستطاب في فقه السنة والكتاب)) : ((يجب على ولي الأمر أن يأمره بالصلاة إذا بلغ السبع سنين وأن يضربه إذا بلغ العاشرة)) اهـ.
كذلك من صور التثبيط عن الصلاة، تجد الرجل يخرج للصلاة ولا يوقد أهل، وقد جاء الترغيب في اقادهم لقيام الليل.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((رحم الله رجلا قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته فصلت فإن أبت نضح في وجهها الماء. رحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها فصلى فإن أبى نضحت في وجهه الماء)).
أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والبزار والبيهقي في ((الكبرى)) و ((الصغرى)) وحسنه الألباني.
كذلك يوجد صور كثيرة للتثبيط الصديق لصديقه.
هذا والله أعلم، وبالله التوفيق، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
✍كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: ليلة الخميس 21 ذي القعدة سنة 1442 هـ
الموافق لـ: 31 يونيو سنة 2021 ف
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: ليلة الخميس 21 ذي القعدة سنة 1442 هـ
الموافق لـ: 31 يونيو سنة 2021 ف
المصدر منتديات الابانة السلفية