عقيدتنا: الإِيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره.
فنؤمن بربوبية الله تعالى، أي بأنّه الرب الخالق الملك المدبِّر لجميع الأمور.
ونؤمن بأُلوهية الله تعالى، أي بأنّه الإِله الحق وكل معبود سواه باطل.
ونؤمن بأسمائه وصفاته، أي بأنه له الأسماء الحسنى والصفات الكاملة العليا.
ونؤمن
بوحدانيته في ذلك، أي بأنه لا شريك له في ربوبيته ولا في ألوهيته ولا في
أسمائه وصفاته، قال الله تعالى: {رَّبُّ السَّمَـوَتِ وَالاَْرْضِ وَمَا
بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ
سَمِيّاً } [مريم: 65].
ونؤمن
بأنه {اللَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ لاَ
تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَـوَاتِ وَمَا فِي
الاَْرْضِ مَن ذَا الَّذِى يَشْفَعُ عِندَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ
مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ
عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَآءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَـوَاتِ
وَالاَْرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِىُّ الْعَظِيمُ }
[البقرة: 255].
ونؤمن
بأنّه {هُوَ اللَّهُ الَّذِى لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ
وَالشَّهَـادَةِ هُوَ الرَّحْمَـنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِى لاَ
إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ
الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَـنَ اللَّهِ
عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَـالِقُ الْبَارِىءُ الْمُصَوِّرُ
لَهُ الاَْسْمَآءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِى السَّمَـوَتِ
وَالاَْرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } [الحشر: 22ـ24].
ونؤمن
بأنّ له ملك السموات والأرض {يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ
إِنَـثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ
ذُكْرَاناً وَإِنَـثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ
قَدِيرٌ } [الشورى: 49، 50].
ونؤمن
بأنه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ * لَهُ
مقاليد السَّمَـوَتِ وَالاَْرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ
وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ } [الشورى: 11، 12].
ونؤمن
بأنه {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الاَْرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا
وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِى كِتَابٍ مُّبِينٍ }
[هود: 6].
ونؤمن
بأنه {عِنـدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَآ إِلاَّ هُوَ
وَيَعْلَمُ مَا فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ
إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِى ظُلُمَـتِ الاَْرْضِ وَلاَ رَطْبٍ
وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِى كِتَـبٍ مُّبِينٍ } [الأنعام: 59].
ونؤمن
بأن الله {عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ
مَا فِى الاَْرْحَامِ وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا
تَدْرِى نَفْسٌ بِأَىِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلَيمٌ خَبِيرٌ }
[لقمان: 34].
ونؤمن بأن
الله يتكلم بما شاء متى شاء كيف شاء {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى
تَكْلِيماً } [النساء: 164] {وَلَمَّا جَآءَ مُوسَى لِمِيقَـتِنَا
وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} [الأعراف: 143] {وَنَـدَيْنَـهُ مِن جَانِبِ
الطُّورِ الاَْيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً } [مريم: 52].
ونؤمن
بأنّه {لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَـاتِ رَبِّى لَنَفِدَ
الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَـتُ رَبِّى} [الكهف: 109] {وَلَوْ
أَنَّمَا فِى الاَْرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن
بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَـاتُ اللَّهِ إِنَّ
اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [لقمان: 27].
ونؤمن
بأن كلماته أتم الكلمات صدقاً في الأخبار وعدلاً في الأحكام، وحسناً في
الحديث، قال الله تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً}
[الأنعام: 115]. وقال: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً } [النساء:
87].
ونؤمن
بأن القرآن الكريم كلام الله تعالى تكلَّم به حقًّا وألقاه إلى جبريل،
فنزل به جبريل على قلب النبي صلى الله عليه وسلّم {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ
الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ} [النحل: 102] {وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ
رَبِّ الْعَـلَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الاَْمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ
لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِىٍّ مُّبِينٍ } [الشعراء:
192 ـ 195].
ونؤمن
بأن الله عز وجل عليّ على خلقه بذاته وصفاته لقوله تعالى: {وَهُوَ
الْعَلِىُّ الْعَظِيمُ } [البقرة: 255] وقوله: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ
عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ } [الأنعام: 18].
ونؤمن
بأنه {خَلَقَ السَّمَـوَتِ وَالاَْرْضَ فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ
اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الاَْمْرَ} [يونس: 3]. واستواؤه على
العرش: علوه عليه بذاته علوًّا خاصاً يليق بجلاله وعظمته لايعلم كيفيته إلا
هو.
ونؤمن
بأنه تعالى مع خلقه وهو على عرشه، يعلم أحوالهم، ويسمع أقوالهم، ويرى
أفعالهم، ويدبِّر أمورهم، يرزق الفقير ويجبر الكسير، يؤتي الملك من يشاء،
وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء ويذل من يشاء بيده الخير وهو على كل
شيء قدير. ومن كان هذا شأنه كان مع خلقه حقيقة، وإن كان فوقهم على عرشه
حقيقة {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } [الشورى:
11].
ولا نقول
كما تقول الحلولية من الجهمية وغيرهم: إنه مع خلقه في الأرض، ونرى أن من
قال ذلك فهو كافر أو ضال؛ لأنه وصف الله بما لا يليق به من النقائص.
ونؤمن
بما أخبر به عنه رسوله صلى الله عليه وسلّم أنه ينزل كل ليلة إلى السماء
الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: «من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني
فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟».(1)
ونؤمن
بأنه سبحانه وتعالى يأتي يوم المعاد للفصل بين العباد لقوله تعالى:
{كَلاَّ إِذَا دُكَّتِ الاَْرْضُ دَكّاً دَكّاً * وَجَآءَ رَبُّكَ
وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً * وَجِىءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ
يَتَذَكَّرُ الإِنسَـنُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى } [الفجر: 21 ـ 23].
ونؤمن بأنه تعالى {فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ } [هود: 107].
ونؤمن بأن إرادته - تعالى- نوعان:
كونية يقع بها
مراده ولا يلزم أن يكون محبوباً له، وهي التي بمعنى المشيئة كقوله تعالى:
{وَلَوْ شَآءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلَـكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا
يُرِيدُ } [البقرة: 253] {إِن كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ
هُوَ رَبُّكُمْ} [هود: 34].
وشرعية: لا يلزم
بها وقوع المراد ولا يكون المراد فيها إلا محبوباً له كقوله تعالى:
{وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ} [النساء: 27].
ونؤمن
بأن مراده الكوني والشرعي تابع لحكمته؛ فكل ما قضاه كوناً أو تعبد به
خلقه شرعاً فإنه لحكمة وعلى وفق الحكمة، سواء علمنا منها ما نعلم أو
تقاصرت عقولنا عن ذلك {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَـكِمِينَ }
[التين: 8] {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ }
[المائدة: 50].
ونؤمن
بأن الله تعالى يحب أولياءه وهم يحبونه {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ
اللَّهَ فَاتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31] {فَسَوْفَ
يَأْتِى اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: 54]
{وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّـبِرِينَ } [آل عمران: 146] {وَأَقْسِطُواْ إِنَّ
اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } [الحجرات: 9] {وَأَحْسِنُواْ إِنَّ
اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } [البقرة: 195].
ونؤمن
بأن الله تعالى يرضى ما شرعه من الأعمال والأقوال ويكره ما نهى عنه منها
{إِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِىٌّ عَنكُمْ وَلاَ يَرْضَى
لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُواْ يَرْضَهُ لَكُمْ} [الزمر: 7].
{وَلَـكِن كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ
مَعَ الْقَـعِدِينَ } [التوبة: 46].
ونؤمن
بأن الله تعالى يرضى عن الذين آمنوا وعملوا الصالحات {رِّضِىَ اللَّهُ
عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِىَ رَبَّهُ } [البينة: 8].
ونؤمن
بأن الله تعالى يغضب على من يستحق الغضب من الكافرين وغيرهم
{الظَّآنِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ السَّوْءِ
وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} [الفتح: 6] {وَلَـكِن مَّن شَرَحَ
بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ
عَظِيمٌ } [النحل: 106].
ونؤمن بأن لله تعالى وجهاً موصوفاً بالجلال والإكرام {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلْالِ وَالإِكْرَامِ } [الرحمن:27].
ونؤمن
بأن لله تعالى يدين كريمتين عظيمتين {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ
يُنفِقُ كَيْفَ يَشَآءُ} [المائدة: 64] {وَمَا قَدَرُواْ اللَّهَ حَقَّ
قَدْرِهِ وَالاَْرْضُ جَمِيعـاً قَبْضَـتُهُ يَوْمَ الْقِيَـمَةِ
وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّـاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَـنَهُ وَتَعَالَى عَمَّا
يُشْرِكُونَ } [الزمر: 67].
ونؤمن
بأن لله تعالى عينين اثنتين حقيقيتين لقوله تعالى: {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ
بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا} [هود: 37] وقال النبي صلى الله عليه وسلّم:
«حجابه النور لو كشفه لأحرقت سَبَحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه».(2)
وأجمع أهل السنة على أن العينين اثنتان، ويؤيده قول النبي صلى الله عليه وسلّم في الدجال: «إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور».(3)
ونؤمن بأن الله تعالى {لاَّ تُدْرِكُهُ الاَْبْصَـارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الاَْبْصَـارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ } [الأنعام: 103].
ونؤمن بأن المؤمنين يرون ربَّهم يوم القيامة {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } [القيامة: 22، 23].
ونؤمن بأن الله تعالى لا مثل له لكمال صفاته {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } [الشورى: 11].
ونؤمن بأنه {لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ} [البقرة: 255] لكمال حياته وقيوميته.
ونؤمن بأنه لا يظلم أحداً لكمال عدله، وبأنه ليس بغافل عن أعمال عباده لكمال رقابته وإحاطته.
ونؤمن
بأنه لا يعجزه شيء في السموات ولا في الأرض لكمال علمه وقدرته {إِنَّمَآ
أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } [يس:
82].
وبأنه لا يلحقه
تعب ولا إعياء لكمال قوته {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَـاوَاتِ وَالاَْرْضَ
وَمَا بَيْنَهُمَا فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ }
[ق: 38] أي من تعب ولا إعياء.
ونؤمن بثبوت كل ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلّم من الأسماء والصفات لكننا نتبرأ من محذورين عظيمين هما:
التمثيل: أن يقول بقلبه أو لسانه: صفات الله تعالى كصفات المخلوقين.
والتكييف: أن يقول بقلبه أو لسانه: كيفية صفات الله تعالى كذا وكذا.
ونؤمن بانتفاء
كل ما نفاه الله عن نفسه أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلّم، وأن ذلك
النفي يتضمن إثباتاً لكمال ضده، ونسكت عما سكت الله عنه ورسوله.
ونرى
أن السير على هذا الطريق فرض لابد منه، وذلك لأن ما أثبته الله لنفسه أو
نفاه عنها سبحانه فهو خبرٌ أخبر الله به عن نفسه، وهو سبحانه أعلم بنفسه
وأصدق قيلاً وأحسن حديثاً، والعباد لايحيطون به علماً.
وما أثبته له رسوله أو نفاه عنه فهو خبرٌ أخبر به عنه، وهو أعلم الناس بربِّه وأنصح الخلق وأصدقهم وأفصحهم.
ففي كلام الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلّم كمال العلم والصدق والبيان؛ فلا عذر في ردِّه أو التردد في قبوله.
* * *
فصـــل
وكل
ما ذكرناه من صفات الله تعالى تفصيلاً أو إجمالاً، إثباتاً أو نفياً؛
فإننا في ذلك على كتاب ربِّنا وسُنَّةِ نبينا معتمدون، وعلى ما سار عليه
سلف الأُمَّة وأئمة الهدى من بعدهم سائرون.
ونرى وجوب إجراء نصوص الكتاب والسُنّة في ذلك على ظاهرها، وحملها على حقيقتها اللائقة بالله عزّ وجل.
ونتبرَّأ من طريق المحرّفين لها الذين صرفوها إلى غير ما أراد الله بها ورسوله.
ومن طريق المعطّلين لها الذين عطَّلوها عن مدلولها الذي أراده الله ورسوله.
ومن طريق الغالين فيها الذين حملوها على التمثيل أو تكلفوا لمدلولها التكييف.
ونعلم
علم اليقين أنّ ما جاء في كتاب الله تعالى أو سُنَّة نبيِّه صلى الله
عليه وسلّم فهو حق لا يناقض بعضه بعضاً لقوله تعالى: {أَفَلاَ
يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْءَانَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ
لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلَـفاً كَثِيراً } [النساء: 82]، ولأن التناقض في
الأخبار يستلزم تكذيب بعضها بعضاً، وهذا محال في خبر الله تعالى ورسوله
صلى الله عليه وسلّم.
ومن ادّعى أن في
كتاب الله تعالى أو في سُنّة رسوله صلى الله عليه وسلّم أو بينهما
تناقضاً فذلك لسوء قصده وزيغ قلبه؛ فليتب إلى الله تعالى ولينزع عن غيّه.
ومن توهم
التناقض في كتاب الله تعالى أو في سُنّة رسوله صلى الله عليه وسلّم أو
بينهما، فذلك إمّا لقلّة علمه أو قصور فهمه أو تقصيره في التدبر، فليبحث
عن العلم وليجتهد في التدبر حتى يتبين له الحق، فإن لم يتبين له فليكل
الأمر إلى عالمه، وليكفَّ عن توهمه، وليقل كما يقول الراسخون في العلم
{ءَامَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا} [آل عمران: 7] وليعلم أن
الكتاب والسُنَّة لا تناقض فيهما ولا بينهما ولا اختلاف.
* * *
فصــــل
ونؤمن
بملائكة الله تعالى وأنهم {عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ لاَ يَسْبِقُونَهُ
بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ } [الأنبياء: 26، 27].
خلقهم الله
تعالى من نور فقاموا بعبادته وانقادوا لطاعته {لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ
عِبَادَتِهِ وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ يُسَبِّحُونَ الْلَّيْلَ وَالنَّهَارَ
لاَ يَفْتُرُونَ } [الأنبياء: 19، 20]. حجبهم الله عنا فلا نراهم، وربما
كشفهم لبعض عباده، فقد رأى النبي صلى الله عليه وسلّم جبريل على صورته له
ستمائة جناح قد سدّ الأفق (4)
، وتمثل جبريل لمريم بشراً سوياً فخاطبته وخاطبها، وأتى إلى النبي صلى
الله عليه وسلّم وعنده الصحابة بصورة رجل لا يُعرف ولا يُرى عليه أثر
السفر، شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر، فجلس إلى النبي صلى الله عليه
وسلّم فأسند ركبتيه إلى ركبتي النبي صلى الله عليه وسلّم، ووضع كفيه على
فخذيه، وخاطب النبي صلى الله عليه وسلّم، وخاطبه النبي صلى الله عليه
وسلّم، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلّم أصحابه أنّه جبريل.(5)
ونؤمن بأنّ للملائكة أعمالاً كلفوا بها، فمنهم جبريل الموكل بالوحي، ينزل به من عند الله على من يشاء من أنبيائه ورسله.
ومنهم ميكائيل: الموكل بالمطر والنبات.
ومنهم إسرافيل: الموكل بالنفخ في الصور حين الصعق والنشور.
ومنهم ملك الموت: الموكل بقبض الأرواح عند الموت.
ومنهم ملك الجبال: الموكل بها.
ومنهم مالك: خازن النار.
ومنهم ملائكة
موكلون بالأجنّة في الأرحام، وآخرون موكلون بحفظ بني آدم، وآخرون موكلون
بكتابة أعمالهم، لكل شخص ملكان {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ
قَعِيدٌ * مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } [ق:
17، 18]. وآخرون موكلون بسؤال الميت بعد الانتهاء من تسليمه إلى مثواه،
يأتيه ملكان يسألانه عن ربه ودينه ونبيه فـ {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ
ءَامَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِى الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَفِى
الاَْخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّـلِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا
يَشَآءُ } [إبراهيم: 27].
ومنهم الملائكة
الموكلون بأهل الجنة {يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ
عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ } [الرعد: 23، 24].
وقد أخبر النبي
صلى الله عليه وسلّم أن البيت المعمور في السماء يدخله ـ وفي رواية يصلي
فيه ـ كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يعودون إليه آخر ما عليهم.(6)
* * *
فصـــــل
ونؤمن بأن الله تعالى أنزل على رسله كتباً حجّة على العالمين ومحجة للعاملين يعلِّمونهم بها الحكمةَ ويزكُّونهم.
ونؤمن بأن الله
تعالى أنزل مع كل رسول كتاباً لقوله تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا
بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ
لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} [الحديد: 25].
ونعلم من هذه الكتب :
أ ـ التوراة:
التي أنزلها الله تعالى على موسى صلى الله عليه وسلّم، وهي أعظم كتب بني
إسرائيل {فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ
أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالاَْحْبَارُ
بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَـابِ اللَّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ
شُهَدَآءَ} [المائدة: 44].
ب ـ الإِنجيل:
الذي أنزله الله تعالى على عيسى صلى الله عليه وسلّم، وهو مصدق للتوراة
ومتمم لها {وَءَاتَيْنَـهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً
لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً
لِّلْمُتَّقِينَ } [المائدة: 46] {وَلاُِحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي
حُرِّمَ عَلَيْكُمْ} [آل عمران: 50].
جـ ـ الزبور: الذي آتاه الله تعالى داود صلى الله عليه وسلّم.
د ـ صحف إبراهيم وموسى عليهما الصلاة والسلام.
هـ ـ القرآن
العظيم: الذي أنزله الله على نبيه محمد خاتم النبيين {هُدًى لِّلنَّاسِ
وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: 185] فكان
{مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً
عَلَيْهِ} [المائدة: 48] فنسخ الله به جميع الكتب السابقة وتكفّل بحفظه عن
عبث العابثين وزيغ المحرفين {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا
لَهُ لَحَـفِظُونَ } [الحجر: 9] لأنه سيبقى حجّة على الناس أجمعين إلى
يوم القيامة.
أما الكتب
السابقة فإنها مؤقتة بأمد ينتهي بنزول ما ينسخها ويبيِّن ما حصل فيها من
تحريف وتغيير؛ ولهذا لم تكن معصومة منه، فقد وقع فيها التحريف والزيادة
والنقص.
{مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ} [النساء: 46].
{فَوَيْلٌ
لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ
هَـذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَوَيْلٌ
لَّهُمْ مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا
يَكْسِبُونَ } [البقرة: 79].
{قُلْ مَنْ
أَنزَلَ الْكِتَـابَ الَّذِى جَآءَ بِهِ مُوسَى نُوراً وَهُدًى لِّلنَّاسِ
تَجْعَلُونَهُ قَراَطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً} [الأنعام:
91].
{وَإِنَّ
مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ
مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَـابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ
اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ
الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيهُ اللَّهُ
الْكِتَـابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ
عِبَادًا لِّى مِن دُونِ اللَّهِ} [آل عمران: 78، 79].
{يَـأَهْلَ
الْكِتَـابِ قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا
كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَـابِ} إلى قوله: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ
قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} [المائدة: 15،
17].
* * *
فصـــل
ونؤمن
بأن الله تعالى بعث إلى الناس رسلاً {مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ
لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ
وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً } [النساء: 165].
ونؤمن
بأن أولهم نوح وآخرهم محمد، صلى الله عليهم وسلم أجمعين {إِنَّآ
أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ كَمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن
بَعْدِهِ} [النساء: 163] {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مّن
رِّجَالِكُمْ وَلَـكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ}
[الأحزاب: 40].
وأن أفضلهم محمد
ثم إبراهيم ثم موسى ثم نوح وعيسى ابن مريم، وهم المخصوصون في قوله تعالى:
{وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّيْنَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِن
نُّوحٍ وَإِبْرَهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا
مِنْهُمْ مِّيثَاقًا غَلِيظاً } [الأحزاب: 7].
ونعتقد
أن شريعة محمد صلى الله عليه وسلّم حاوية لفضائل شرائع هؤلاء الرسل
المخصوصين بالفضل لقوله تعالى: {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الِدِينِ مَا وَصَّى
بِهِ نُوحاً وَالَّذِى أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ
إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُواْ الدِّينَ وَلاَ
تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ} [الشورى: 13].
ونؤمن
بأن جميع الرسل بشر مخلوقون، ليس لهم من خصائص الربوبية شيء، قال الله
تعالى عن نوح وهو أولهم: {وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ عِندِى خَزَآئِنُ اللَّهِ
وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ إِنِّى مَلَكٌ} [هود: 31] وأمر
الله تعالى محمداً وهو آخرهم أن يقول: {لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِى
خَزَآئِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّى
مَلَكٌ} [الأنعام: 50] وأن يقول: {لاَ أَمْلِكُ لِنَفْسِى نَفْعًا وَلاَ
ضَرًّا إِلاَّ مَا شَآءَ اللَّهُ} [الأعراف: 188] وأن يقول: {إِنِّى لاَ
أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلاَ رَشَداً * قُلْ إِنِّى لَن يُجِيرَنِى مِنَ
اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً } [الجن: 21، 22].
ونؤمن
بأنهم عبيد من عباد الله أكرمهم الله تعالى بالرسالة، ووصفهم بالعبودية
في أعلى مقاماتهم وفي سياق الثناء عليهم، فقال في أولهم نوح: {ذُرِّيَّةَ
مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا } [الإِسراء:
3] وقال في آخرهم محمد صلى الله عليه وسلّم: {تَبَارَكَ الَّذِى نَزَّلَ
الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَـلَمِينَ نَذِيراً }
[الفرقان: 1]، وقال في رسل آخرين: {وَاذْكُرْ عِبَادَنَآ إِبْرَهِيمَ
وَإِسْحَـقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِى الاَْيْدِى وَالاَْبْصَـرِ } [ص: 45]
{وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الاَْيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ } [ص: 17]
{وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَـنَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ }
[ص: 30]، وقال في عيسى ابن مريم: {إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا
عَلَيْهِ وَجَعَلْنَـهُ مَثَلاً لِّبَنِى إِسْرَءِيلَ } [الزخرف: 59].
ونؤمن
بأن الله تعالى ختم الرسالات برسالة محمد صلى الله عليه وسلّم وأرسله إلى
جميع الناس لقوله تعالى: {قُلْ يَأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّى رَسُولُ
اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِى لَهُ مُلْكُ السَّمَـوَتِ
وَالاَْرْضِ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ يُحْىِ وَيُمِيتُ فَـَامِنُواْ
بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِىِّ الأُمِّىِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ
وَكَلِمَـتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } [الأعراف: 158].
ونؤمن
بأن شريعته صلى الله عليه وسلّم هي دين الإِسلام الذي ارتضاه الله تعالى
لعباده، وأن الله تعالى لا يقبل من أحد ديناً سواه لقوله تعالى: {إِنَّ
الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإسلام} [آل عمران: 19]، وقوله: {الْيَوْمَ
أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نعمتي وَرَضِيتُ
لَكُمُ الإسلام دِيناً} [المائدة: 3] وقوله: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ
الإسلام دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ في الآخرة مِنَ الخاسرين }
[آل عمران: 85].
ونرى
أن من زعم اليوم ديناً قائماً مقبولاً عند الله سوى دين الإِسلام، من دين
اليهودية أو النصرانية أو غيرهما، فهو كافر، ثم إن كان أصله مسلماً
يستتاب، فإن تاب وإلا قتل مرتداً لأنه مكذب للقرآن.
ونرى
أن من كفر برسالة محمد صلى الله عليه وسلّم إلى الناس جميعاً فقد كفر
بجميع الرسل، حتى برسوله الذي يزعم أنه مؤمن به متبع له، لقوله تعالى:
{كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ } [الشعراء: 105] فجعلهم مكذبين
لجميع الرسل مع أنه لم يسبق نوحاً رسول. وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ
يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ
اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ
وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً * أُوْلَـئِكَ هُمُ
الْكَـفِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَـفِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً }
[النساء: 150، 151].
ونؤمن
بأنه لا نبي بعد محمد رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ومن ادّعى النبوة
بعده أو صدَّق من ادّعاها فهو كافر؛ لأنّه مكذب للكتاب والسنة وإجماع
المسلمين.
ونؤمن
بأن للنبي صلى الله عليه وسلّم خلفاء راشدين خلفوه في أمته علماً ودعوة
وولاية على المؤمنين، وبأن أفضلهم وأحقهم بالخلافة أبوبكر الصديق، ثم عمر
بن الخطاب، ثم عثمان بن عفان، ثم علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين.
وهكذا كانوا في
الخلافة قدراً كما كانوا في الفضيلة شرعاً، وما كان الله تعالى ـ وله
الحكمة البالغة ـ ليولي على خير القرون رجلاً، وفيهم من هو خير منه وأجدر
بالخلافة.
ونؤمن
بأن المفضول من هؤلاء قد يتميز بخصيصة يفوق فيها من هو أفضل منه، لكنه لا
يستحق بها الفضل المطلق على مَنْ فَضَلَه، لأن موجبات الفضل كثيرة
متنوعة.
ونؤمن
بأن هذه الأمة خير الأمم وأكرمها على الله عز وجل، لقوله تعالى: {كُنتُمْ
خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ
وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: 110].
ونؤمن
بأن خير هذه الأمة الصحابة ثم التابعون ثم تابعوهم، وبأنّه لا تزال طائفة
من هذه الأمة على الحق ظاهرين، لا يضرّهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي
أمرُ الله عز وجل.
ونعتقد
أن ما جرى بين الصحابة رضي الله عنهم من الفتن، فقد صدر عن تأويل اجتهدوا
فيه، فمن كان منهم مصيباً كان له أجران، ومن كان منهم مخطئاً فله أجر
واحد وخطؤه مغفور له.
ونرى
أنّه يجب أن نكف عن مساوئهم، فلا نذكرهم إلا بما يستحقونه من الثناء
الجميل، وأن نطهّر قلوبنا من الغل والحقد على أحد منهم، لقوله تعالى فيهم:
{لاَ يَسْتَوِى مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَـاتَلَ
أُوْلَـئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُواْ مِن بَعْدُ
وَقَـاتَلُواْ وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [الحديد: 10]، وقول
الله تعالى فينا: {وَالَّذِينَ جَآءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا
اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَنِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بالإيمان وَلاَ
تَجْعَلْ في قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ رَبَّنَآ إِنَّكَ
رَءُوفٌ رَّحِيمٌ } [الحشر: 10].
* * *
فصـــــل
ونؤمن باليوم الآخر وهو يوم القيامة الذي لا يوم بعده، حين يبعث الناس أحياء للبقاء إمّا في دار النعيم وإمّا في دار العذاب الأليم.
فنؤمن
بالبعث وهو إحياء الله تعالى الموتى حين ينفخ إسرافيل في الصور النفخة
الثانية {وَنُفِخَ في الصُّورِ فَصَعِقَ مَن في السَّمَـوَتِ وَمَن في
الاَْرْضِ إِلاَّ مَن شَآءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا
هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ } [الزمر: 68].
فيقوم الناس من
قبورهم لرب العالمين، حفاة بلا نعال، عراة بلا ثياب، غرلاً بلا ختان
{كَمَا بَدَأْنَآ أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَآ إِنَّا
كُنَّا فَـعِلِينَ } [الأنبياء: 104].
ونؤمن بصحائف
الأعمال تعطى باليمين أو من وراء الظهور بالشمال {فَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ
كِتَـابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً *
وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً * وَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَـابَهُ
وَرَآءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً * وَيَصْلَى سَعِيراً }
[الانشقاق: 7 ـ 12] {وَكُلَّ إِنْسَـانٍ أَلْزَمْنَـاهُ طَـائِرَهُ فِي
عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَـامَةِ كِتَابًا يَلْقَـاهُ
مَنْشُوراً * اقْرَأْ كَتَـابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ
حَسِيبًا } [الإِسراء: 13، 14].
ونؤمن
بالموازين تُوضع يوم القيامة فلا تُظلم نفسٌ شيئاً {فَمَن يَعْمَلْ
مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْـمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ
شَرّاً يَرَهُ } [الزلزلة: 7، 8]. {فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فأولئك
هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فأولئك الَّذِينَ
خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ في جَهَنَّمَ خَـلِدُونَ * تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ
النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ } [المؤمنون: 102 ـ 104] {مَن جَآءَ
بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَآءَ بِالسَّيِّئَةِ
فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } [الأنعام: 160].
ونؤمن
بالشفاعة العظمى لرسول الله صلى الله عليه وسلّم خاصة، يشفع عند الله
تعالى بإذنه ليقضي بين عباده، حين يصيبهم من الهمِّ والكرب ما لا يُطيقون
فيذهبون إلى آدم ثم نوح ثم إبراهيم ثم موسى ثم عيسى حتى تنتهي إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلّم.(7)
ونؤمن
بالشفاعة فيمن دخل النار من المؤمنين أن يخرجوا منها، وهي للنبي صلى الله
عليه وسلّم وغيره من النبيين والمؤمنين والملائكة، وبأن الله تعالى يُخرج
من النار أقواماً من المؤمنين بغير شفاعة، بل بفضله ورحمته.(8)
ونؤمن
بحوض رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ماؤه أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من
العسل، وأطيب من رائحة المسك، طوله شهر وعرضه شهر، وآنيته كنجوم السماء
حسناً وكثرةً، يرده المؤمنون من أُمّته، من شرب منه لم يظمأ بعد ذلك.(9)
ونؤمن
بالصراط المنصوب على جهنم، يمرُّ الناس عليه على قدر أعمالهم، فيمر أولهم
كالبرق ثم كمرِّ الريح ثم كمرِّ الطير وأشد الرجال، والنبي صلى الله عليه
وسلّم قائم على الصراط يقول: يا رب سلّم سلّم. حتى تعجز أعمال العباد،
فيأتي من يزحف، وفي حافتي الصراط كلاليب معلقة مأمورة، تأخذ من أُمِرَتْ
بِهِ؛ فمخدوش ناجٍ ومكردس في النار.(10)
ونؤمن بكل ما جاء في الكتاب والسنة من أخبار ذلك اليوم وأهواله ـ أعاننا الله عليها ويسرها علينا بمنه وكرمه.
ونؤمن بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلّم لأهل الجنة أن يدخلوها. وهي للنبي صلى الله عليه وسلّم خاصة.
ونؤمن
بالجنّة والنار، فالجنّة: دار النعيم التي أعدها الله تعالى للمؤمنين
المتقين، فيها من النعيم ما لا عين رأت ولا أُذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر
{فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِي لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ
جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [السجدة: 17].
والنار: دار
العذاب التي أعدَّها الله تعالى للكافرين الظالمين، فيها من العذاب
والنكال ما لا يخطر على البال {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا
أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَآءٍ
كَالْمُهْلِ يَشْوِى الْوجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَآءَتْ مُرْتَفَقًا }
[الكهف: 29].
وهما موجودتان
الآن ولن تفنيا أبد الآبدين {وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَـلِحاً
يُدْخِلْهُ جَنَّـتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا