- إنضم
- 24 ديسمبر 2011
- المشاركات
- 24,439
- نقاط التفاعل
- 27,806
- النقاط
- 976
- محل الإقامة
- فار إلى الله
- الجنس
- ذكر
بسم الله الرحمن الرحيم
لابد أن يأخذ الإنسان بما يعرف أنه الحق ولا يدور في فلك الشبهات، ولا يصغي للبدع وأهل الأهواء ومصدره في ذلك الكتاب والسنة.
نحن نعيش الآن واقعًا مليء بفتن لا يعلم بها إلا الله، فتن قتل وهرج، فتن فضائيات وإعلام مضلل، فتن إنترنت وشائعات وانفتاح على العالم، كلٌ يكتب ما يريد دون وازع من ضمير يردعه إلا من رحم ربي، وغيرها الكثير من الفتن التي نحتاج فيها عون الله تعالى أن يثبتنا ويبصرنا فيها بالحق، لذلك أحببت نقل وصايا الحبيب المصطفى صلوات ربي عليه في كيفيةالثبات أثناء الفتن، من خلال أحاديثه الشريفة والصحيحة، وأقوال أهل العلم في ذلك..
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
«كيف بكم وبزمان يوشك أن يأتي يغربل الناس فيه غربلة، وتبقى حثالة من الناس قد مرجت عهودهم وأماناتهم فاختلفوا وكانوا هكذا وشبك بين أصابعه»، قالوا كيف بنا يا رسول الله إذا كان ذلك؟ قال: «تأخذون بما تعرفون وتدعون ما تنكرون وتقبلون على خاصتكم وتذرون أمر عوامكم» (صحيح ابن ماجه:3211).
المعاني: الحثالة: الرديء من كل شيء، والمراد أرذلهم.
مرجت: اختلفت وفسدت.
خاصتكم: أي عليك بأمر نفسك وأهلك.
في هذا الحديث الشريف يخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كيفية النجاة من الفتن وحدد ذلك بعدة طرق وهي:
أولًا: أن يأخذ الإنسان بما يعرف:
والمقصود: أن يأخذ الإنسان بما يعرف أنه الحق ولا يدور في فلك الشبهات، ولا يصغي للبدع وأهل الأهواء ومصدره في ذلك الكتاب والسنة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث: «تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما: كتاب الله وسنتي» (حسنه الألباني في منزلة السنة:13).
ثانيًا: يدع ما ينكر:
ففي الحديث الصحيح قال النواس بن سمعان الكلابي: "سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البر والإثم؟ فقال: «البرحسن الخلق والإثم ما حاك في صدرك، وكرهت أن يطلع عليه الناس» (المسند الصحيح)، وعن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، فإن الصدق طمأنينة وإن الكذبريبة» (سنن الترمذي، حسن صحيح).
ثالثًا: الإقبال على العلماء:
فهم ورثة الأنبياء ومنارات الهدى فعن معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الخير عادة والشر لجاجة ومن يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين» (حسنه الألباني في صحيح ابن ماجه).
رابعًا: ترك أمر العوام:
فقد قال علي رضي الله عنه: "الناس ثلاث: فعالم رباني ومتعلم على سبيل النجاة، وهمج رعاع أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح، لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجئوا إلى ركن وثيق".
خامسًا: التسلح بالإيمان والتقوى.
وقال تعالى في كتابه العزيز: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [الحديد:28].
سادسًا: التوكل على الله:
فقد قال تعالى: {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق من الآية:3].
سابعًا: اعتزال الفرق والأحزاب:
عن حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنه قال: "كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر، مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله، إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: «نعم»، قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: «نعم، وفيه دخن»، قلت: وما دخنه؟ قال: «قوم يهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر».
قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: «نعم، دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها»، قلت: يا رسول الله صفهم لنا، قال: «هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا»، قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: «تلزم جماعة المسلمين وإمامهم»، قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: «فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض بأصل شجرة، حتى يدركك الموت وأنت على ذلك»" (صحيح البخاري:7084).
المعاني:
«الدخن»: قيل الغل وقيل الحقد والحسد، وقيل فساد في القلب، يشير إلى أن الخير الذي يجيء بعد الشر لا يكون خيرًا خالصًا بل فيه كدر، قال البيضاوي: "المعنى إذا لم يكن في الأرض خليفة فعليك بالعزلة والصبر على تحمل شدة الزمان والعض بأصل شجرة كناية عن مكابدة المشقة"، «هم من جلدتنا»: أي من قومنا ومن أهل لساننا وملتنا.
وقال الإمام الطبري: "وفي الحديث أنه متى لم يكن للناس إمام فافترق الناس أحزابًا فلا يتبع أحد في الفرقة ويعتزل الجميع خشية من الوقوع في الشر وعلى ذلك يتنزل ما جاء في سائر الأحاديث وبه يجمع بين ما ظاهره الاختلاف منها".
ثامنًا: الاستغفار واللجوء إلى الله والاستعانة بالصلاة:
قال تعالى: {وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ} [الأنبياء:87-88].
عن أم سلمة هند بنت أبي أمية رضي الله تعالى عنها قالت: "استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة فزعًا، يقول: سبحان الله، ماذا أنزل الله من الخزائن، وماذا أنزل من الفتن، من يوقظ صواحب الحجرات -يريد أزواجه الكرام لكي يصلين- رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة»" (صحيح البخاري:1126).
قال الشيخ مصطفى العدوي: "في الحديث الندب والإرشاد إلى التضرع والصلاة والدعاء واللجوء إلى الله تعالى وخاصة في الليل -ويستحب الثلث الأخير منه- رجاء موافقة وقت الإجابة لتكشف الفتنة أو يسلم الداعي ومن دعا له، والحديث دليل على أن الصلاة مخرج من الفتنة" (من كتاب مخارج الفتن للشيخ مصطفى العدوي).
تاسعًا: التعوذ بالله من الفتن.
عن: عائشة رضي الله تعالى عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «اللهم إني أعوذ بك من الكسل والهرم، والمغرم والمأثم، اللهم إني أعوذ بك من عذاب النار وفتنة النار، وفتنة القبر وعذاب القبر، وشر فتنة الغنى، وشر فتنة الفقر، ومن شر فتنة المسيح الدجال، اللهم اغسل خطاياي بماء الثلج والبرد، ونق قلبي من الخطايا، كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وباعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب» (البخاري).
عاشرًا: الفرار من الفتن.
يقول صلى الله عليه وسلم: «يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر، يفر بدينه من الفتن» (صحيح البخاري:7088)
المعاني: «شعف الجبال»: رؤوس الجبال.
«مواقع القطر»: بطون الأودية.
والحديث يدل على كثرة الفتن التي ستنزل بالعباد لدرجة أن المسلم سيكون خير ما يفعله فرارًا بدينه أن يرعى الغنم بين الجبال والأودية، نسأل الله السلامة.
الحادي عشر: الحذر من الشائعات والروايات الواهية ونقل الأخبار المكذوبة.
وهي ظاهرة في زمننا الحالي فيلاحظ انتشار القصص والروايات الواهية الضعيفة وقت الفتنة، فيكثر القُصّاص الذين يوردون الحكايات والقصص التي لا أصل لها، ووسائل التكنولوجيا الحديثة ساعدت في انتشار مثل تلك القصص والشائعات، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "لم يُقصّ في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبي بكر ولا عمر ولا عثمان إنما كان القصص زمن الفتنة".
الثاني عشر: النهي عن المنكر.
فعن أبي بكر رضي الله تعالى عنه قال: "أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [ المائدة:105]، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله منه بعقاب» (سنن الترمذي:2168، صحيح).
الثالث عشر: النهي عن قتال المسلم أو تعريضه للهلاك.
قال تعالى: {وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة:195].
{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [المائدة من الآية:2].
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من ضيَّق منزلًا، أو قطع طريقًا، أو آذى مؤمنًا، فلا جهادَ له» (صحيح الجامع:6378، صحيح)، قال ابن القيم: "إذا عرف هذا فالجهاد أربع مراتب: جهاد النفس، وجهادالشيطان، وجهاد الكفار، وجهاد المنافقين»، عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه قال: "إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله".
الرابع عشر: المخرج من فتنة الأمراء والأئمة.
فعن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إنكم سترون بعدي أثرة وأمورًا تنكرونها» قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال: «أدوا إليهم حقهم، وسلوا الله حقكم» (صحيح البخاري:7052).
وعن أم سلمة هند بنت أبي أمية رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّهُ سيَكونُ علَيكُم أئمَّةٌ تعرفونَ وتُنكِرونَ، فمَن أنكرَ فقد برِئَ ومَن كرِهَ فقد سلِمَ ولَكِن مَن رضيَ وتابعَ»، فقيلَ: يا رسولَ اللَّهِ أفلا نقاتلُهُم؟ قالَ: «لا، ما صلَّوا» (صحيح الترمذي:2265صحيح)، قال الإمام النووي رضي الله تعالى عنه: "معنى ما سبق أنه لا يجوز الخروج على الخلفاء بمجرد الظلم أو الفسق ما لم يغيروا شيئًا من قواعد الإسلام".
لابد أن يأخذ الإنسان بما يعرف أنه الحق ولا يدور في فلك الشبهات، ولا يصغي للبدع وأهل الأهواء ومصدره في ذلك الكتاب والسنة.
نحن نعيش الآن واقعًا مليء بفتن لا يعلم بها إلا الله، فتن قتل وهرج، فتن فضائيات وإعلام مضلل، فتن إنترنت وشائعات وانفتاح على العالم، كلٌ يكتب ما يريد دون وازع من ضمير يردعه إلا من رحم ربي، وغيرها الكثير من الفتن التي نحتاج فيها عون الله تعالى أن يثبتنا ويبصرنا فيها بالحق، لذلك أحببت نقل وصايا الحبيب المصطفى صلوات ربي عليه في كيفيةالثبات أثناء الفتن، من خلال أحاديثه الشريفة والصحيحة، وأقوال أهل العلم في ذلك..
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
«كيف بكم وبزمان يوشك أن يأتي يغربل الناس فيه غربلة، وتبقى حثالة من الناس قد مرجت عهودهم وأماناتهم فاختلفوا وكانوا هكذا وشبك بين أصابعه»، قالوا كيف بنا يا رسول الله إذا كان ذلك؟ قال: «تأخذون بما تعرفون وتدعون ما تنكرون وتقبلون على خاصتكم وتذرون أمر عوامكم» (صحيح ابن ماجه:3211).
المعاني: الحثالة: الرديء من كل شيء، والمراد أرذلهم.
مرجت: اختلفت وفسدت.
خاصتكم: أي عليك بأمر نفسك وأهلك.
في هذا الحديث الشريف يخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كيفية النجاة من الفتن وحدد ذلك بعدة طرق وهي:
أولًا: أن يأخذ الإنسان بما يعرف:
والمقصود: أن يأخذ الإنسان بما يعرف أنه الحق ولا يدور في فلك الشبهات، ولا يصغي للبدع وأهل الأهواء ومصدره في ذلك الكتاب والسنة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث: «تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما: كتاب الله وسنتي» (حسنه الألباني في منزلة السنة:13).
ثانيًا: يدع ما ينكر:
ففي الحديث الصحيح قال النواس بن سمعان الكلابي: "سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البر والإثم؟ فقال: «البرحسن الخلق والإثم ما حاك في صدرك، وكرهت أن يطلع عليه الناس» (المسند الصحيح)، وعن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، فإن الصدق طمأنينة وإن الكذبريبة» (سنن الترمذي، حسن صحيح).
ثالثًا: الإقبال على العلماء:
فهم ورثة الأنبياء ومنارات الهدى فعن معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الخير عادة والشر لجاجة ومن يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين» (حسنه الألباني في صحيح ابن ماجه).
رابعًا: ترك أمر العوام:
فقد قال علي رضي الله عنه: "الناس ثلاث: فعالم رباني ومتعلم على سبيل النجاة، وهمج رعاع أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح، لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجئوا إلى ركن وثيق".
خامسًا: التسلح بالإيمان والتقوى.
وقال تعالى في كتابه العزيز: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [الحديد:28].
سادسًا: التوكل على الله:
فقد قال تعالى: {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق من الآية:3].
سابعًا: اعتزال الفرق والأحزاب:
عن حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنه قال: "كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر، مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله، إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: «نعم»، قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: «نعم، وفيه دخن»، قلت: وما دخنه؟ قال: «قوم يهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر».
قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: «نعم، دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها»، قلت: يا رسول الله صفهم لنا، قال: «هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا»، قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: «تلزم جماعة المسلمين وإمامهم»، قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: «فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض بأصل شجرة، حتى يدركك الموت وأنت على ذلك»" (صحيح البخاري:7084).
المعاني:
«الدخن»: قيل الغل وقيل الحقد والحسد، وقيل فساد في القلب، يشير إلى أن الخير الذي يجيء بعد الشر لا يكون خيرًا خالصًا بل فيه كدر، قال البيضاوي: "المعنى إذا لم يكن في الأرض خليفة فعليك بالعزلة والصبر على تحمل شدة الزمان والعض بأصل شجرة كناية عن مكابدة المشقة"، «هم من جلدتنا»: أي من قومنا ومن أهل لساننا وملتنا.
وقال الإمام الطبري: "وفي الحديث أنه متى لم يكن للناس إمام فافترق الناس أحزابًا فلا يتبع أحد في الفرقة ويعتزل الجميع خشية من الوقوع في الشر وعلى ذلك يتنزل ما جاء في سائر الأحاديث وبه يجمع بين ما ظاهره الاختلاف منها".
ثامنًا: الاستغفار واللجوء إلى الله والاستعانة بالصلاة:
قال تعالى: {وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ} [الأنبياء:87-88].
عن أم سلمة هند بنت أبي أمية رضي الله تعالى عنها قالت: "استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة فزعًا، يقول: سبحان الله، ماذا أنزل الله من الخزائن، وماذا أنزل من الفتن، من يوقظ صواحب الحجرات -يريد أزواجه الكرام لكي يصلين- رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة»" (صحيح البخاري:1126).
قال الشيخ مصطفى العدوي: "في الحديث الندب والإرشاد إلى التضرع والصلاة والدعاء واللجوء إلى الله تعالى وخاصة في الليل -ويستحب الثلث الأخير منه- رجاء موافقة وقت الإجابة لتكشف الفتنة أو يسلم الداعي ومن دعا له، والحديث دليل على أن الصلاة مخرج من الفتنة" (من كتاب مخارج الفتن للشيخ مصطفى العدوي).
تاسعًا: التعوذ بالله من الفتن.
عن: عائشة رضي الله تعالى عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «اللهم إني أعوذ بك من الكسل والهرم، والمغرم والمأثم، اللهم إني أعوذ بك من عذاب النار وفتنة النار، وفتنة القبر وعذاب القبر، وشر فتنة الغنى، وشر فتنة الفقر، ومن شر فتنة المسيح الدجال، اللهم اغسل خطاياي بماء الثلج والبرد، ونق قلبي من الخطايا، كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وباعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب» (البخاري).
عاشرًا: الفرار من الفتن.
يقول صلى الله عليه وسلم: «يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر، يفر بدينه من الفتن» (صحيح البخاري:7088)
المعاني: «شعف الجبال»: رؤوس الجبال.
«مواقع القطر»: بطون الأودية.
والحديث يدل على كثرة الفتن التي ستنزل بالعباد لدرجة أن المسلم سيكون خير ما يفعله فرارًا بدينه أن يرعى الغنم بين الجبال والأودية، نسأل الله السلامة.
الحادي عشر: الحذر من الشائعات والروايات الواهية ونقل الأخبار المكذوبة.
وهي ظاهرة في زمننا الحالي فيلاحظ انتشار القصص والروايات الواهية الضعيفة وقت الفتنة، فيكثر القُصّاص الذين يوردون الحكايات والقصص التي لا أصل لها، ووسائل التكنولوجيا الحديثة ساعدت في انتشار مثل تلك القصص والشائعات، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "لم يُقصّ في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبي بكر ولا عمر ولا عثمان إنما كان القصص زمن الفتنة".
الثاني عشر: النهي عن المنكر.
فعن أبي بكر رضي الله تعالى عنه قال: "أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [ المائدة:105]، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله منه بعقاب» (سنن الترمذي:2168، صحيح).
الثالث عشر: النهي عن قتال المسلم أو تعريضه للهلاك.
قال تعالى: {وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة:195].
{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [المائدة من الآية:2].
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من ضيَّق منزلًا، أو قطع طريقًا، أو آذى مؤمنًا، فلا جهادَ له» (صحيح الجامع:6378، صحيح)، قال ابن القيم: "إذا عرف هذا فالجهاد أربع مراتب: جهاد النفس، وجهادالشيطان، وجهاد الكفار، وجهاد المنافقين»، عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه قال: "إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله".
الرابع عشر: المخرج من فتنة الأمراء والأئمة.
فعن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إنكم سترون بعدي أثرة وأمورًا تنكرونها» قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال: «أدوا إليهم حقهم، وسلوا الله حقكم» (صحيح البخاري:7052).
وعن أم سلمة هند بنت أبي أمية رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّهُ سيَكونُ علَيكُم أئمَّةٌ تعرفونَ وتُنكِرونَ، فمَن أنكرَ فقد برِئَ ومَن كرِهَ فقد سلِمَ ولَكِن مَن رضيَ وتابعَ»، فقيلَ: يا رسولَ اللَّهِ أفلا نقاتلُهُم؟ قالَ: «لا، ما صلَّوا» (صحيح الترمذي:2265صحيح)، قال الإمام النووي رضي الله تعالى عنه: "معنى ما سبق أنه لا يجوز الخروج على الخلفاء بمجرد الظلم أو الفسق ما لم يغيروا شيئًا من قواعد الإسلام".