- إنضم
- 24 ديسمبر 2011
- المشاركات
- 24,346
- نقاط التفاعل
- 27,662
- النقاط
- 976
- محل الإقامة
- فار إلى الله
- الجنس
- ذكر
أخرج الإمام مسلم في صحيحه من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “إنّ الله يحبّ العبد التقيّ الغنيّ الخفيّ”.
إن ّالقارئ لهذا الحديث يتساءل: ترى ما المراد بالعبد الخفيّ الّذي أحبّه الله؟ فقد يكون شخصًا عرف ربّه فأحبّه، وحرص أن يكون بينه وبين الله أسرار!! وربّما هو عبد تقيّ اجتهد في إخفاء أعماله خوفًا من فسادها بالعجب والرّياء، وطلب الثّناء من النّاس، تأسيًا بقول المصطفى صلّى الله عليه وسلّم: “مَن استطاع منكم أن تكون له خبيئة من عمل صالح فليفعل”، وربّما هو جندي مجهول ناصح عامل، فكم من ناصح ومن داع للحقّ لا يُعرف، وربّما أنّه أيضًا هو السّاجد الرّاكع في الخلوات، فكم من دعوة في ظلمة الليل شقّت عنان السّماء، وكم من دمعة بلّلت الأرض، فبتلك الدمعات وبتلك السّجدات نحن محفوظون آمنون.
لكن ما المانع أن يكونوا أولئك جميعًا، وأن تكون هذه الصّفات كلّها صفات لأولئك الأخفياء! فكم سمعنا من قصصهم، ورأينا من آثارهم، فهم أحياء بذِكرهم وبعِلمهم، وإن كانوا في باطن الأرض أمواتًا، فما السّرّ في حياة أولئك الرجال؟ إنّه توجّه القلب لله، فقلوب أولئك توجّهت لربّها، فالعلم لله، والعمل لله، والحبّ لله، والبغض لله، والحركات والسّكنات لله: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لله رَبِّ الْعَالَمِينَ}.
إنّ الخفاء منهج شرعي، ولنستمع لقول الحقّ سبحانه في موضوع الصّدقة: {وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ}، وفيما يخصّ الدّعاء: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}، ويقول المصطفى صلّى الله عليه وسلّم في حديث السّبعة الّذين يُظلّهم الله في ظلّه يوم لا ظلّ إلّا ظلّه: “ورجل تصدّق بصدقة فأخفاها حتّى لا تعلم شماله ما صنعت يمينه”، فانظر لدقّة الخفاء في هذه الصّدقة، يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله: “وهو من أقوى الأدلة على أفضلية إخفاء الصّدقة”، وفي الحديث نفسه صورة أخرى وردت في فضل الإخفاء: “ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه”.
ولنتأملّ حديث أبي هريرة عند الشيخين عن الرجل الّذي تصدّق ليلًا على سارق، وعلى زانية، وعلى غنيّ، وهو لا يعلم بحالهم، فالصّدقة وقعت باللّيل لقوله صلّى الله عليه وسلّم في الحديث: “فأصبحوا يتحدّثون”، فدلّ ذلك على أنّ صدقته كانت سرًّا في الليل، إذ لو كانت هذه الصّدقة بالجهر نهارًا لما خفي عنه حال الغنيّ، بخلاف حال الزانية والسارق، فالغني ظاهر حاله، فلذلك كانت الصّدقة سرًّا في الليل. وأيضًا حديث صلاة النافلة في البيوت، فعن زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه أنّ النّبيّ صلىّ الله عليه وسلّم قال: “صلّوا أيّها النّاس في بيوتكم، فإنّ أفضل صلاة المرء في بيته إلّا المكتوبة”، وحديث صهيب بن النعمان رضي الله عنه: “فضل صلاة الرجل في بيته على صلاته حيث يراه النّاس كفضل الفريضة على التطوّع”، وانظر الشّاهد: “حيث يراه النّاس”، إذا فالاختفاء عن أعين النّاس في صلاة النّافلة لا شكّ أنّه أفضل.
ومن حديث جندب بن عبد الله رضي الله تعالى عنه، عند الشيخين: “من سمَّع سمَّع الله به، ومن يرائي يرائي الله به”، ومن حديث عبد الله بن عمرو: “من سمَّع النّاس بعمله سمَّع الله به سامع خلقه وصغَّره وحقَّره”.
قد يقول قائل: وهل نخفي أعمالنا دائماً فلا نظهر منها شيئًا أبدًا؟ للإجابة على هذا السؤال نستمع للحافظ ابن حجر في الفتح، لمّا تحدّث عن صدقة الفرض وصدقة النّفل، وهل الأفضل إعلانهما أو إخفاؤهما، قال رحمه الله: لو قيل: إنّ ذلك يختلف باختلاف الأحوال لما كان بعيدًا، فإذا كان الإمام مثلًا جائرًا ومال من وجبت عليه الزّكاة مخفيًا، فالإسرار أولى، وإن كان المتطوّع ممّن يقتدى به ويتبع وتنبعث الهمم على التطوّع بالإنفاق وسلم قصده، فالإظهار أولى. فمن هنا نعلم أنّه ليس دائمًا تخفى الأعمال، بل قد يظهر الإنسان أعماله لمصلحة راجحة.
من خواطر ابن الجوزي في صيده: نظرت في الأدلة على الحقّ سبحانه، فوجدتها أكثر من الرمل، ورأيت من أعجبها أنّ الإنسان قد يخفي ما لا يرضاه الله عزّ وجلّ، فيظهره الله سبحانه عليه ولو بعد حين، ويُنطقُ الألسنة به وإن لم يشاهده النّاس، وربّما أوقع صاحبه في آفة يفضحه بها بين الخلق، فيكون جوابًا لكلّ ما أخفى من الذّنوب، وذلك ليعلم النّاس أنّ هنالك من يجازي على الزّلل، ولا ينفع من قدَره وقدرته حجاب ولا استتار، ولا يضاع لديه عمل.
إن ّالقارئ لهذا الحديث يتساءل: ترى ما المراد بالعبد الخفيّ الّذي أحبّه الله؟ فقد يكون شخصًا عرف ربّه فأحبّه، وحرص أن يكون بينه وبين الله أسرار!! وربّما هو عبد تقيّ اجتهد في إخفاء أعماله خوفًا من فسادها بالعجب والرّياء، وطلب الثّناء من النّاس، تأسيًا بقول المصطفى صلّى الله عليه وسلّم: “مَن استطاع منكم أن تكون له خبيئة من عمل صالح فليفعل”، وربّما هو جندي مجهول ناصح عامل، فكم من ناصح ومن داع للحقّ لا يُعرف، وربّما أنّه أيضًا هو السّاجد الرّاكع في الخلوات، فكم من دعوة في ظلمة الليل شقّت عنان السّماء، وكم من دمعة بلّلت الأرض، فبتلك الدمعات وبتلك السّجدات نحن محفوظون آمنون.
لكن ما المانع أن يكونوا أولئك جميعًا، وأن تكون هذه الصّفات كلّها صفات لأولئك الأخفياء! فكم سمعنا من قصصهم، ورأينا من آثارهم، فهم أحياء بذِكرهم وبعِلمهم، وإن كانوا في باطن الأرض أمواتًا، فما السّرّ في حياة أولئك الرجال؟ إنّه توجّه القلب لله، فقلوب أولئك توجّهت لربّها، فالعلم لله، والعمل لله، والحبّ لله، والبغض لله، والحركات والسّكنات لله: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لله رَبِّ الْعَالَمِينَ}.
إنّ الخفاء منهج شرعي، ولنستمع لقول الحقّ سبحانه في موضوع الصّدقة: {وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ}، وفيما يخصّ الدّعاء: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}، ويقول المصطفى صلّى الله عليه وسلّم في حديث السّبعة الّذين يُظلّهم الله في ظلّه يوم لا ظلّ إلّا ظلّه: “ورجل تصدّق بصدقة فأخفاها حتّى لا تعلم شماله ما صنعت يمينه”، فانظر لدقّة الخفاء في هذه الصّدقة، يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله: “وهو من أقوى الأدلة على أفضلية إخفاء الصّدقة”، وفي الحديث نفسه صورة أخرى وردت في فضل الإخفاء: “ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه”.
ولنتأملّ حديث أبي هريرة عند الشيخين عن الرجل الّذي تصدّق ليلًا على سارق، وعلى زانية، وعلى غنيّ، وهو لا يعلم بحالهم، فالصّدقة وقعت باللّيل لقوله صلّى الله عليه وسلّم في الحديث: “فأصبحوا يتحدّثون”، فدلّ ذلك على أنّ صدقته كانت سرًّا في الليل، إذ لو كانت هذه الصّدقة بالجهر نهارًا لما خفي عنه حال الغنيّ، بخلاف حال الزانية والسارق، فالغني ظاهر حاله، فلذلك كانت الصّدقة سرًّا في الليل. وأيضًا حديث صلاة النافلة في البيوت، فعن زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه أنّ النّبيّ صلىّ الله عليه وسلّم قال: “صلّوا أيّها النّاس في بيوتكم، فإنّ أفضل صلاة المرء في بيته إلّا المكتوبة”، وحديث صهيب بن النعمان رضي الله عنه: “فضل صلاة الرجل في بيته على صلاته حيث يراه النّاس كفضل الفريضة على التطوّع”، وانظر الشّاهد: “حيث يراه النّاس”، إذا فالاختفاء عن أعين النّاس في صلاة النّافلة لا شكّ أنّه أفضل.
ومن حديث جندب بن عبد الله رضي الله تعالى عنه، عند الشيخين: “من سمَّع سمَّع الله به، ومن يرائي يرائي الله به”، ومن حديث عبد الله بن عمرو: “من سمَّع النّاس بعمله سمَّع الله به سامع خلقه وصغَّره وحقَّره”.
قد يقول قائل: وهل نخفي أعمالنا دائماً فلا نظهر منها شيئًا أبدًا؟ للإجابة على هذا السؤال نستمع للحافظ ابن حجر في الفتح، لمّا تحدّث عن صدقة الفرض وصدقة النّفل، وهل الأفضل إعلانهما أو إخفاؤهما، قال رحمه الله: لو قيل: إنّ ذلك يختلف باختلاف الأحوال لما كان بعيدًا، فإذا كان الإمام مثلًا جائرًا ومال من وجبت عليه الزّكاة مخفيًا، فالإسرار أولى، وإن كان المتطوّع ممّن يقتدى به ويتبع وتنبعث الهمم على التطوّع بالإنفاق وسلم قصده، فالإظهار أولى. فمن هنا نعلم أنّه ليس دائمًا تخفى الأعمال، بل قد يظهر الإنسان أعماله لمصلحة راجحة.
من خواطر ابن الجوزي في صيده: نظرت في الأدلة على الحقّ سبحانه، فوجدتها أكثر من الرمل، ورأيت من أعجبها أنّ الإنسان قد يخفي ما لا يرضاه الله عزّ وجلّ، فيظهره الله سبحانه عليه ولو بعد حين، ويُنطقُ الألسنة به وإن لم يشاهده النّاس، وربّما أوقع صاحبه في آفة يفضحه بها بين الخلق، فيكون جوابًا لكلّ ما أخفى من الذّنوب، وذلك ليعلم النّاس أنّ هنالك من يجازي على الزّلل، ولا ينفع من قدَره وقدرته حجاب ولا استتار، ولا يضاع لديه عمل.