- إنضم
- 24 ديسمبر 2011
- المشاركات
- 24,516
- نقاط التفاعل
- 27,912
- النقاط
- 976
- محل الإقامة
- فار إلى الله
- الجنس
- ذكر
الحياء خلق عظيم جاء به الشرع، وهو من الأخلاق الرفيعة التي أمر بها الإسلام، وأقرها، ورغَّب فيها وهو من أميز ما يميز المرأة المسلمة عن غيرها، حياء المرأة المسلمة هو رأسمالها فيه عزها، وبه تحفظ كرامتها، وشرف أهلها، وليس هناك امرأة صالحة لا يزين الحياء خلقها، قال عليه الصلاة والسلام: "إِنَّ لِكُلِّ دِينٍ خُلُقًا، وَخُلُقُ الْإِسْلَامِ الْحَيَاءُ"(رواه ابن ماجه وصححه الألباني).
قال ابن القيم- رحمه الله -: (الحياء مشتق من الحياة، فإن القلب الحي يكون صاحبه حيا فيه حياء، يمنعه عن القبائح، فإن حياة القلب هي المانعة من القبائح التي تفسد القلب؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الْحَيَاءَ مِنْ الْإِيمَانِ) (رواه البخاري).
قال ابن حبان: (فالواجب على العاقل لزوم الحياء؛ لأنه أصل العقل، وبذر الخير، وتركه أصل الجهل، وبذر الشر).
الحياء ضرورة في حياة المرأة المسلمة:
إن الحياء سياج يصون كرامة المسلمة، ويحفظ لها سلوكها بعيدًا عن الفحش، وأقوالها بعيدًا عن البذاءة، وبهذا ترتفع به عن السفاسف، وعندما يخرق هذا السياج، ويذهب الحياء فإن المقاييس جميعها يصيبها الخلل، ويصدر عن المسلمة عندئذ ما لا يتناسب مع تفردها وتميزها، والتكريم الذي كرمه الله تعالى بها.
وقد قيل في الحكم: (من كساه الحياء ثوبه لم ير الناس عيبه).
وقال أبو حاتم: (إن المرء إذا اشتد حياؤه، صان عرضه ودفن مساوئه ونشر محاسنه).
قال الأصمعي: سمعت أعرابياً يقول: (من كسي الحياء ثوبه, لم ير الناس عيبه).
نماذج من حياء العفيفات
أثنى الله - عز وجل - على الفتاة العفيفة, ابنة الرجل الصالح قالت تعالى: "فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا، فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ"(القصص – الآية 25).
ومن مواقف الحياء، ما جاء عن فاطمة بنت محمد - صلى الله عليه وسلم ـ عندما قالت لأسماء بنت عميس: (يا أسماء, إني أستقبح ما يُصنع بالنساء, يطرح على المرأة الثوب فيصفها), تقصد إذا ماتت ووضعت في نعشها.
فقالت أسماء رضي الله عنها: يا ابنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -, ألا أريكِ شيئاً رأيته بالحبشة؟ فدعتْ بجرائد رطبة، فحنتها ثم طرحت عليها ثوباً.
فقالت فاطمة رضي الله عنها: ما أحسن هذا وأجمله, يعرف به الرجل من المرأة, فإذا أنا مت فاغسليني أنت وعلي - رضي الله عنه - , ولا تدخلي عليَّ أحداً.
ومنها حياء الصديقة بنت الصديق ـ رضي الله عنها ـ: عن أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ, قالت: "كنت أدخل بيتي الذي دفن فيه رسول الله وأبي, واضعة ثوبي, وأقول: إنما هو زوجي وأبي, فلما دفن عمر رضي الله عنه, فوالله ما دخلته إلا مشدودةً عليَّ ثيابي حياءً من عمر - رضي الله عنه –"(رواه الحاكم، وصححه، وصححه الهيثمي).
و ورحم الله امرأة فقدت ابنها، فعن ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، قَالَ: جَاءَتْ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يُقَالُ لَهَا: أُمُّ خَلَّادٍ - وَهِيَ مُنْتَقِبَةٌ- تَسْأَلُ عَنْ ابْنِهَا وَهُوَ مَقْتُولٌ، فَقَالَ لَهَا بَعْضُ أَصْحَابِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : جِئْتِ تَسْأَلِينَ عَنْ ابْنِكِ وَأَنْتِ مُنْتَقِبَةٌ؟ فَقَالَتْ: إِنْ أُرْزَأَ ابْنِي فَلَنْ أُرْزَأَ حَيَائِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : "ابْنُكِ لَهُ أَجْرُ شَهِيدَيْنِ"، فقَالَتْ: وَلِمَ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "لِأَنَّهُ قَتَلَهُ أَهْلُ الْكِتَابِ"(رواه أبو داود وغيره وضعفه الألباني).
ليس من الحياء
والحياء لا يعني السكون عن الحق أو خشية الناس، قال القرطبي رحمه الله: (قد كان المصطفى - صلى الله عليه وسلم - يأخذ نفسه بالحياء ويأمر به, ويحث عليه, ومع ذلك فلا يمنعه الحياء من حق يقوله, أو أمرٍ ديني يفعله, تمسكاً بقوله تعالى: {واللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ} [الأحزاب : 53].
وهذا هو نهاية الحياء وكماله, وحسنه واعتداله, فإن من فَرَطَ عليه الحياء حتى منعه من الحق, فقد ترك الحياء من الخالق, واستحيا من الخلق, ومن كان هكذا حرم منافع الحياء, واتَّصف بالنفاق والرياء, والحياء من الله هو الأصل والأساس, فإن الله أحق أن يستحيا منه, فليحفظ هذا الأصل فإنه نافع).
عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "لا يمنعنَّ رجلاً هيبة الناس أن يقول بحقٍ, إذا علمه أو شهده, أو سمعه ُ"رواه ابن ماجه.
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يخطب في الناس فقال: لا تزيدوا في مهور النساء وإن كانت بنت ذي الغصة -يعني يزيد بن الحصين الحارثي- فمن زاد ألقيت الزيادة في بيت المال. فقالت امرأة من صفة النساء طويلة في أنفها فطس: ما ذاك لك؟, قال: ولم؟, قالت: لأن الله قال: (وآتيتم إحداهن قنطارا...) الآية, (رواه أحمد وغيره وحسنه بعض العلماء، ولكن هذه الزيادة ضعفوها) أي: فقال عمر: "امرأة أصابت ورجل أخطأ".
فهذه لم يمنعها الحياء أن تدافع عن حق النساء, ولم يمنع عمر أن يعتذر عن الخطأ.
كما أنه لا ينبغي أن يمنع الحياء النساء من السؤال والتفقه في الدين، قالت عائشة: (نعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين) (أخرجه البخاري). قال ابن حجر في الفتح: ومرادهم أنَّ الله لا يأمر بالحياء في الحق, ولا يبيحه؛ وليس المراد بالحياء الحياء الحقيقي, لأن الحياء خير كله, ولا يأتي إلا بخير والإمساك عن السؤال في هذه الحال ليس بخير بل هو شر, فكيف يكون حياء؟!.
قال مجاهد: (لا يتعلم العلم مستحي ولا مستكبر).
وسائل معينة على اكتساب الحياء
ومن تلك الوسائل المعينة على اكتساب الحياء والتحلي به:
1. الدعاء: وهو سلاح المؤمن, فيلجأ إلى ربه، ليرزقه الحياء، ويصرف عنه سيء الأخلاق, وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في دعاء الاستفتاح: "اللَّهُمَّ اهْدِنِي لأَحْسَنِ الأَخْلاقِ، فَإِنَّهُ لا يَهْدِي لأَحْسَنِهَا إِلا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلا أَنْتَ"(رواه مسلم).
وكان يقول: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ مُنْكَرَاتِ الْأَخْلَاقِ, وَالْأَعْمَالِ, وَالْأَهْوَاءِ"(رواه الترمذي، وصححه الألباني).
ولا ريب أنَّ الحياء من الأخلاق الحسنة.
2. مراقبة الله تعالى في السر والعلن: ومن ثمَّ فيقوى الإيمان في القلب بزيادة الطاعات واجتناب المنكرات. قال المحاسبي : (المراقبة علم القلب بقرب الرب, كلما قويت المعرفة بالله، قوي الحياء من قربه ونظره).
وقال ابن القيم - رحمه الله- عن الله عز وجل: (فإن العبد متى علم بنظره إليه, ومقامه عليه, وأنه بمرأى منه, ومسمع, وكان حيياً, استحيى من ربه أن يتعرض لمساخطه).
3. المجاهدة: فإن الخلق الحسن ومنه الحياء نوعٌ من الهداية, يحصل بالمجاهدة، ولا نعني المجاهدة أن يجاهد المرء نفسه مرة، أو مرتين، أو أكثر، بل تعني أن يجاهد نفسه حتى يموت.
4. المحاسبة: وذلك بنقد النفس إذا ارتكبت ما يخلُّ بالحياء، وحملها على ألا تعود إليه مرة أخرى، مع أخذها بمبدأ الثواب، فإذا أحسنت أراحها، وأرسلها على سجيتها بعض الوقت في المباح. وإذا أساءت وقصَّرتْ أخذها بالحزم والجد، وحرمها من بعض ما تريد؛ فإن ذلك يؤدي إلى تعديل سلوك المرء نحو الأفضل.
5. التفكر بمعرفة الله عز وجل: وذلك من خلال أسمائه وصفاته التي تستوجب مراقبته, كالرقيب والشهيد والعليم والسميع والبصير،... وقال بعض السلف: (صدق الإيمان التعظيم لله؛ وثمرته الحياء من الله).
6. معرفة أهمية الخلق في الإسلام والتفكر في الآثار المترتبة عليها: ومن ذلك الحياء خاصة، والأخلاق الحسنة بعامة؛ فإن معرفة ثمرات الأشياء، واستحضار حسن عواقبها؛ من دواعي فعلها، وتمثلها، والسعي إليها.
7. النظر في عواقب التخلي عن الحياء: وذلك بتأمل ما يجلبه التخلي عنه من الأسف الدائم، والهم الملازم، والحسرة والندامة، والبغضة في قلوب الخلق؛ فذلك يدعو المرء إلى أن يقصر عن مساوئ الأخلاق، ويبعثه على التحلي به, والتلبس بمحاسن الأخلاق.
8. الحذر من اليأس من إصلاح النفس: فهناك من إذا ابتلى بشيءٍ مما يُسيء الأخلاق، وحاول التخلص منه فلم يفلح, أيس من إصلاح نفسه، وترك المجاهدة، وهذا الأمر لا يحسُن بالمؤمن القوي, بل ينبغي عليه أن يقوي إرادته، وأن يسعى لتكميل نفسه، وأن يجُدَّ في تلافي عيوبه.
9. مداومة القراءة في فضائل الحياء, وما يُرغب فيه, وقراءة كتب الشمائل والأخلاق: فإنها تُنَبِّه الإنسان على مكارم الأخلاق، وتذكِّره بفضلها، وتعينه على اكتسابها.
10. مخالطة الصالحين، والتخلق بأخلاقهم: قال مجاهد: (إنَّ المسلم لو لم يُصبْ من أخيه إلا أن حياءه منه يمنعه من المعاصي لكفاه)، والمرء فطرةً مولعٌ بمحاكاة من حوله، شديدُ التأثر بمن يصاحبه. فمجالس الأخيار تقوي الحياء المكتسب وتنميه، أما مجالسة الأرذال، فإنها تحول بين العبد وبين اكتساب الحياء.
11. مطالعة سير الصالحين من القدوات الكبار: قراءة سير أهل الفضل والحلم، والنظر في تراجمهم عامةً مما يُحرك العزيمة على اكتساب المعالي, ومكارم الأخلاق؛ ذلك أنَّ حياتهم توحي إلى القارئ بالاقتداء بهم، والسير على منوالهم.
12.الصبر: فالصبر من الأُسس التي يقوم عليها الخلق الحسن، فهو يحمل على الاحتمال، وكظم الغيظ، وكف الأذى، والحلم، والأناة، والرفق، وترك الطيش والعجلة.
13. العفة: فهي مما يحمل على اجتناب الرذائل من القول والفعل، من الفحش، والبخل، والكذب، والغيبة، والنميمة,..., وتحمل على الحياء وهو رأس كل خير.
قال الغزالي-رحمه الله-: (وأما خلق العفة فيصدر منه السخاء والحياء والصبر والمسامحة والقناعة والورع واللطافة والمساعدة والظرف وقلة الطمع).
14. نماءُ العقل وسمو الأهداف والأفكار: فكلما سما المرء بعقله، جره ذلك إلى حُسْن الخلق, والتحلي بمكارم الأخلاق, وفي مقدمتها الحياء, قال الغزالي-رحمه الله-: (فأقل آثار العقل الحياء عن فضيحة الاجتراء).
قال ابن القيم- رحمه الله -: (الحياء مشتق من الحياة، فإن القلب الحي يكون صاحبه حيا فيه حياء، يمنعه عن القبائح، فإن حياة القلب هي المانعة من القبائح التي تفسد القلب؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الْحَيَاءَ مِنْ الْإِيمَانِ) (رواه البخاري).
قال ابن حبان: (فالواجب على العاقل لزوم الحياء؛ لأنه أصل العقل، وبذر الخير، وتركه أصل الجهل، وبذر الشر).
الحياء ضرورة في حياة المرأة المسلمة:
إن الحياء سياج يصون كرامة المسلمة، ويحفظ لها سلوكها بعيدًا عن الفحش، وأقوالها بعيدًا عن البذاءة، وبهذا ترتفع به عن السفاسف، وعندما يخرق هذا السياج، ويذهب الحياء فإن المقاييس جميعها يصيبها الخلل، ويصدر عن المسلمة عندئذ ما لا يتناسب مع تفردها وتميزها، والتكريم الذي كرمه الله تعالى بها.
وقد قيل في الحكم: (من كساه الحياء ثوبه لم ير الناس عيبه).
وقال أبو حاتم: (إن المرء إذا اشتد حياؤه، صان عرضه ودفن مساوئه ونشر محاسنه).
قال الأصمعي: سمعت أعرابياً يقول: (من كسي الحياء ثوبه, لم ير الناس عيبه).
نماذج من حياء العفيفات
أثنى الله - عز وجل - على الفتاة العفيفة, ابنة الرجل الصالح قالت تعالى: "فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا، فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ"(القصص – الآية 25).
ومن مواقف الحياء، ما جاء عن فاطمة بنت محمد - صلى الله عليه وسلم ـ عندما قالت لأسماء بنت عميس: (يا أسماء, إني أستقبح ما يُصنع بالنساء, يطرح على المرأة الثوب فيصفها), تقصد إذا ماتت ووضعت في نعشها.
فقالت أسماء رضي الله عنها: يا ابنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -, ألا أريكِ شيئاً رأيته بالحبشة؟ فدعتْ بجرائد رطبة، فحنتها ثم طرحت عليها ثوباً.
فقالت فاطمة رضي الله عنها: ما أحسن هذا وأجمله, يعرف به الرجل من المرأة, فإذا أنا مت فاغسليني أنت وعلي - رضي الله عنه - , ولا تدخلي عليَّ أحداً.
ومنها حياء الصديقة بنت الصديق ـ رضي الله عنها ـ: عن أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ, قالت: "كنت أدخل بيتي الذي دفن فيه رسول الله وأبي, واضعة ثوبي, وأقول: إنما هو زوجي وأبي, فلما دفن عمر رضي الله عنه, فوالله ما دخلته إلا مشدودةً عليَّ ثيابي حياءً من عمر - رضي الله عنه –"(رواه الحاكم، وصححه، وصححه الهيثمي).
و ورحم الله امرأة فقدت ابنها، فعن ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، قَالَ: جَاءَتْ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يُقَالُ لَهَا: أُمُّ خَلَّادٍ - وَهِيَ مُنْتَقِبَةٌ- تَسْأَلُ عَنْ ابْنِهَا وَهُوَ مَقْتُولٌ، فَقَالَ لَهَا بَعْضُ أَصْحَابِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : جِئْتِ تَسْأَلِينَ عَنْ ابْنِكِ وَأَنْتِ مُنْتَقِبَةٌ؟ فَقَالَتْ: إِنْ أُرْزَأَ ابْنِي فَلَنْ أُرْزَأَ حَيَائِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : "ابْنُكِ لَهُ أَجْرُ شَهِيدَيْنِ"، فقَالَتْ: وَلِمَ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "لِأَنَّهُ قَتَلَهُ أَهْلُ الْكِتَابِ"(رواه أبو داود وغيره وضعفه الألباني).
ليس من الحياء
والحياء لا يعني السكون عن الحق أو خشية الناس، قال القرطبي رحمه الله: (قد كان المصطفى - صلى الله عليه وسلم - يأخذ نفسه بالحياء ويأمر به, ويحث عليه, ومع ذلك فلا يمنعه الحياء من حق يقوله, أو أمرٍ ديني يفعله, تمسكاً بقوله تعالى: {واللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ} [الأحزاب : 53].
وهذا هو نهاية الحياء وكماله, وحسنه واعتداله, فإن من فَرَطَ عليه الحياء حتى منعه من الحق, فقد ترك الحياء من الخالق, واستحيا من الخلق, ومن كان هكذا حرم منافع الحياء, واتَّصف بالنفاق والرياء, والحياء من الله هو الأصل والأساس, فإن الله أحق أن يستحيا منه, فليحفظ هذا الأصل فإنه نافع).
عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "لا يمنعنَّ رجلاً هيبة الناس أن يقول بحقٍ, إذا علمه أو شهده, أو سمعه ُ"رواه ابن ماجه.
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يخطب في الناس فقال: لا تزيدوا في مهور النساء وإن كانت بنت ذي الغصة -يعني يزيد بن الحصين الحارثي- فمن زاد ألقيت الزيادة في بيت المال. فقالت امرأة من صفة النساء طويلة في أنفها فطس: ما ذاك لك؟, قال: ولم؟, قالت: لأن الله قال: (وآتيتم إحداهن قنطارا...) الآية, (رواه أحمد وغيره وحسنه بعض العلماء، ولكن هذه الزيادة ضعفوها) أي: فقال عمر: "امرأة أصابت ورجل أخطأ".
فهذه لم يمنعها الحياء أن تدافع عن حق النساء, ولم يمنع عمر أن يعتذر عن الخطأ.
كما أنه لا ينبغي أن يمنع الحياء النساء من السؤال والتفقه في الدين، قالت عائشة: (نعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين) (أخرجه البخاري). قال ابن حجر في الفتح: ومرادهم أنَّ الله لا يأمر بالحياء في الحق, ولا يبيحه؛ وليس المراد بالحياء الحياء الحقيقي, لأن الحياء خير كله, ولا يأتي إلا بخير والإمساك عن السؤال في هذه الحال ليس بخير بل هو شر, فكيف يكون حياء؟!.
قال مجاهد: (لا يتعلم العلم مستحي ولا مستكبر).
وسائل معينة على اكتساب الحياء
ومن تلك الوسائل المعينة على اكتساب الحياء والتحلي به:
1. الدعاء: وهو سلاح المؤمن, فيلجأ إلى ربه، ليرزقه الحياء، ويصرف عنه سيء الأخلاق, وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في دعاء الاستفتاح: "اللَّهُمَّ اهْدِنِي لأَحْسَنِ الأَخْلاقِ، فَإِنَّهُ لا يَهْدِي لأَحْسَنِهَا إِلا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلا أَنْتَ"(رواه مسلم).
وكان يقول: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ مُنْكَرَاتِ الْأَخْلَاقِ, وَالْأَعْمَالِ, وَالْأَهْوَاءِ"(رواه الترمذي، وصححه الألباني).
ولا ريب أنَّ الحياء من الأخلاق الحسنة.
2. مراقبة الله تعالى في السر والعلن: ومن ثمَّ فيقوى الإيمان في القلب بزيادة الطاعات واجتناب المنكرات. قال المحاسبي : (المراقبة علم القلب بقرب الرب, كلما قويت المعرفة بالله، قوي الحياء من قربه ونظره).
وقال ابن القيم - رحمه الله- عن الله عز وجل: (فإن العبد متى علم بنظره إليه, ومقامه عليه, وأنه بمرأى منه, ومسمع, وكان حيياً, استحيى من ربه أن يتعرض لمساخطه).
3. المجاهدة: فإن الخلق الحسن ومنه الحياء نوعٌ من الهداية, يحصل بالمجاهدة، ولا نعني المجاهدة أن يجاهد المرء نفسه مرة، أو مرتين، أو أكثر، بل تعني أن يجاهد نفسه حتى يموت.
4. المحاسبة: وذلك بنقد النفس إذا ارتكبت ما يخلُّ بالحياء، وحملها على ألا تعود إليه مرة أخرى، مع أخذها بمبدأ الثواب، فإذا أحسنت أراحها، وأرسلها على سجيتها بعض الوقت في المباح. وإذا أساءت وقصَّرتْ أخذها بالحزم والجد، وحرمها من بعض ما تريد؛ فإن ذلك يؤدي إلى تعديل سلوك المرء نحو الأفضل.
5. التفكر بمعرفة الله عز وجل: وذلك من خلال أسمائه وصفاته التي تستوجب مراقبته, كالرقيب والشهيد والعليم والسميع والبصير،... وقال بعض السلف: (صدق الإيمان التعظيم لله؛ وثمرته الحياء من الله).
6. معرفة أهمية الخلق في الإسلام والتفكر في الآثار المترتبة عليها: ومن ذلك الحياء خاصة، والأخلاق الحسنة بعامة؛ فإن معرفة ثمرات الأشياء، واستحضار حسن عواقبها؛ من دواعي فعلها، وتمثلها، والسعي إليها.
7. النظر في عواقب التخلي عن الحياء: وذلك بتأمل ما يجلبه التخلي عنه من الأسف الدائم، والهم الملازم، والحسرة والندامة، والبغضة في قلوب الخلق؛ فذلك يدعو المرء إلى أن يقصر عن مساوئ الأخلاق، ويبعثه على التحلي به, والتلبس بمحاسن الأخلاق.
8. الحذر من اليأس من إصلاح النفس: فهناك من إذا ابتلى بشيءٍ مما يُسيء الأخلاق، وحاول التخلص منه فلم يفلح, أيس من إصلاح نفسه، وترك المجاهدة، وهذا الأمر لا يحسُن بالمؤمن القوي, بل ينبغي عليه أن يقوي إرادته، وأن يسعى لتكميل نفسه، وأن يجُدَّ في تلافي عيوبه.
9. مداومة القراءة في فضائل الحياء, وما يُرغب فيه, وقراءة كتب الشمائل والأخلاق: فإنها تُنَبِّه الإنسان على مكارم الأخلاق، وتذكِّره بفضلها، وتعينه على اكتسابها.
10. مخالطة الصالحين، والتخلق بأخلاقهم: قال مجاهد: (إنَّ المسلم لو لم يُصبْ من أخيه إلا أن حياءه منه يمنعه من المعاصي لكفاه)، والمرء فطرةً مولعٌ بمحاكاة من حوله، شديدُ التأثر بمن يصاحبه. فمجالس الأخيار تقوي الحياء المكتسب وتنميه، أما مجالسة الأرذال، فإنها تحول بين العبد وبين اكتساب الحياء.
11. مطالعة سير الصالحين من القدوات الكبار: قراءة سير أهل الفضل والحلم، والنظر في تراجمهم عامةً مما يُحرك العزيمة على اكتساب المعالي, ومكارم الأخلاق؛ ذلك أنَّ حياتهم توحي إلى القارئ بالاقتداء بهم، والسير على منوالهم.
12.الصبر: فالصبر من الأُسس التي يقوم عليها الخلق الحسن، فهو يحمل على الاحتمال، وكظم الغيظ، وكف الأذى، والحلم، والأناة، والرفق، وترك الطيش والعجلة.
13. العفة: فهي مما يحمل على اجتناب الرذائل من القول والفعل، من الفحش، والبخل، والكذب، والغيبة، والنميمة,..., وتحمل على الحياء وهو رأس كل خير.
قال الغزالي-رحمه الله-: (وأما خلق العفة فيصدر منه السخاء والحياء والصبر والمسامحة والقناعة والورع واللطافة والمساعدة والظرف وقلة الطمع).
14. نماءُ العقل وسمو الأهداف والأفكار: فكلما سما المرء بعقله، جره ذلك إلى حُسْن الخلق, والتحلي بمكارم الأخلاق, وفي مقدمتها الحياء, قال الغزالي-رحمه الله-: (فأقل آثار العقل الحياء عن فضيحة الاجتراء).