درس من مصادر التشريع الإسلامي : الإجماع – القياس – المصالح المرسلة

ريحـان

:: أمينة اللمة الجزائرية ::
طاقم الإدارة
إنضم
24 نوفمبر 2015
المشاركات
13,707
الحلول
1
نقاط التفاعل
25,946
النقاط
2,306
محل الإقامة
تركيا - إسطنبول
الجنس
أنثى
مصادر التشريع الإسلامي هي الأدلة التي نصبها الشارع دليلا على الأحكام، وهي الكتاب والسنة والإجماع، والقياس. يضاف إليها تلك المصادر التبعية، ومنها المصالح المرسلة وغيرها، وقد سبق بيان القرآن والسنة، وها هنا نبين الإجماع والقياس ثم المصالح المرسلة.

أولا . الإجماع

1 – تعريفه :

أ – لغة : للإجماع في اللغة معنيان:

أولهما : العزم على الشيء والتصميم عليه، فيقال: أجمع فلان على السفر إذا عزم عليه، و منه قوله تعالى : ( فَأَجْمِعُوٓاْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَآءَكُمْۖ ) [ يونس/71 ] و قوله ( وَأَجْمَعُوٓاْ أَنْ يَّجْعَلُوهُ فِے غَيَٰبَٰتِ اِ۬لْجُبِّ ) [ يوسف/15 ] ومنه قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له ) . [ رواه أبو داود والترمذي ]، أي من لم يعزم عليه من الليل فينويه.

ثانيهما : الاتفاق على أي شيء، فيقال: أجمع القوم على كذا، أي اتفقوا عليه، ومنه حديث أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تجتمع أمتي على ضلالة ) . [ رواه ابن ماجة ] أي لا يتفقون عليها، و هذا المعنى هو الأنسب للمعنى الاصطلاحي.

ب – اصطلاحا : هو اتفاق جميع المجتهدين من المسلمين، في عصر من العصور بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، على حكم من الأحكام الشرعية العملية.

تحليل التعريف :
  • اتفاق : معناه الاشتراك في القول أو الفعل، لأن ذلك كله من الإجماع، فلا يكون الإجماع خاصا بالقول فقط.​
  • المجتهدون : فيه إخراج من لم يبلغ درجة الاجتهاد من العلماء، أو عوام الناس، فإنه لا عبرة بإجماعهم.​
  • في عصر : معناه في زمان ما، بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم.​
  • على حكم شرعي : هذا قيد يخرج به ما ليس حكما، وما كان حكما غير شرعي فإن الإجماع في ذلك ليس حجة عند الجمهور.​

2 – أنواع الإجماع :

ذهب الأصوليون إلى أن الإجماع على قسمين :

أ – إجماع صريح : وهو أن يتفق المجتهدون على قول أو فعل بشكل صريح، بأن يروى عن كل منهم هذا القول أو الفعل دون أن يخالف في ذلك واحد منهم.

ب – إجماع سكوتي : هو أن يقول أو يعمل أحد المجتهدين بقول أو بعمل فيعلم الباقون بذلك ولايظهرون معارضة ما.

والقسم الأول هو حجة باتفاق جماهير الفقهاء، أما القسم الثاني فقد اختلفوا في حجيته على آراء كما يلي:

أولا: أنه ليس حجة مطلقا، ولا يعتبر من أنواع الإجماع الذي هو أحد مصادر الشريعة الإسلامية.

ثانيا: أنه حجة بشرط انقراض العصر، ليتيقن من انتفاء المعارضة.

ثالثا: أنه إجماع ولكنه ليس قطعيا، إنما هو دليل ظني كسائر الأدلة الظنية الأخرى.

3 – أدلة حجية الإجماع الصريح :

اتفق جمهور المسلمين على أن الإجماع حجة، وأنه دليل من أدلة الشريعة الإسلامية. وقد استدلوا لحجية الإجماع بأدلة كثيرة من الكتاب والسنة، على النحو التالي :
  • من القرآن الكريم : وردت آيات كثيرة تفيد كلها وجوب احترام اتفاق المسلمين والمنع من مخالفتهم، كما تدل على صلاحهم وتقواهم بطريق يستحيل اجتماعهم على ضلال أو خطأ، ومن هذه الآيات الكريمة قوله تعالى : ( وَمَنْ يُّشَاقِقِ اِ۬لرَّسُولَ مِنۢ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ اُ۬لْهُد۪يٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ اِ۬لْمُومِنِينَ نُوَلِّهِۦ مَا تَوَلّ۪يٰ وَنُصْلِهِۦ جَهَنَّمَ وَسَآءَتْ مَصِيراًۖ ) [ النساء/115 ] ووجه الاستدلال بهذه الآية الكريمة أن الله جمع بين مشاقة الرسول صلى الله عليه وسلم وإتباع غير سبيل المؤمنين في الوعيد، ولا شك أن سبيل المؤمنين هو ما اتفقوا عليه، فكان ما اتفقوا عليه واجب الإتباع لذلك.​
  • من السنة المطهرة : ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث وآثار عدة تفيد بمجموعها عصمة هذه الأمة عن الخطأ والزلل، واستحالة اجتماعها على غير الحق. ومن هذه الأحاديث: ( لا تجتمع أمتي على ضلالة ) . [رواه ابن ماجه]، وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : ( ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن ) [رواه أحمد]، وقوله صلى الله عليه وسلم : ( فإن يد الله مع الجماعة ) [رواه النسائي]، وقوله صلى الله عليه وسلم : ( من خالف الجماعة قدر شبر فقد مات ميتة جاهلية ) . [رواه أحمد].​

4 – حكم الإجماع :

الإجماع على أنواع وأقسام جرى بيانها، وقد اختلف الفقهاء في حكمه على حسب اختلافهم في أقسامه، فمنهم من ذهب إلى أنه قطعي في كل أقسامه، ومنهم من ذهب إلى أنه ظني في بعضها وقطعي في بعضها الآخر.

5 – أمثلة من الإجماع :

  • الإجماع على تحريم الزواج بالجدة استنادا إلى قول الله تعالى : ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُۥٓ أُمَّهَٰتُكُمْ ) [ النساء/23 ] أي أصولكم، لأن الجدة أم لذلك تحرم أيضا.​
  • إجماع الصحابة على توريث الجدة السدس، استنادا إلى ما رواه المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاها السدس.​
  • إجماع الصحابة على جمع القرآن في مصحف واحد.​

ثانيا . القياس

1 – تعريف القياس :

  • لغة : بمعنى التقدير والمساواة.​
  • اصطلاحا : هو مساواة أمر لأمر آخر في الحكم الثابت له لاشتراكهما في علة الحكم.​

2 – حجية القياس :

جمهور العلماء على أن القياس دليل من أدلة الأحكام وهو يفيد غلبة الظن، فيكون حجة يجب العمل به، لأنه يستند إلى علة حقيقية ظاهرة، ويتفق العمل به مع مقاصد الشريعة الأصلية. واستدلوا على حجيته بما يلي :

أ – قوله الله تعالى : ( فَاعْتَبِرُواْ يَٰٓأُوْلِے اِ۬لَابْصٰ۪رِۖ ) [ الحشر/02 ] ووجه الاستدلال أن الله تعالى أمر بالاعتبار، والقياس نوع من الاعتبار، فالقياس مأمور به لذلك. ثم إن الأمر للوجوب، والقياس مأمور به، فالقياس واجب، وإذا كان واجبا كان العمل به واجبا أيضا، فكان دليلا لذلك.

ب – وقد اعتمدت السنة على القياس أيضا، ومن ذلك أن امرأة خثعمية جاءت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقالت له: ( إن أبي أدركته فريضة الحج، أفأحج عنه ؟ فقال لها : ( أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته أكان ينفعه ذلك ) قالت : نعم، قال : ( فدين الله أحق بالقضاء ) ) . [رواه الإمام مالك]. فكان هذا قياسا لدين الله على دين العباد.

جـ – أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقيس بنفسه كثيرا من الأحكام، ويذكر عللها، وهو أسوة حسنة لنا وقدوة في كل أعماله وأقواله. فكان ذلك دليلا على صحة القياس هناـ من ذلك حديث الخثعمية التي سألته عن جواز الحج عن والدتها فأجابها : ( أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قضيته ) قالت : بلى، قال : ( فدين الله أحق أن يقضى ) . [رواه البخاري] فإنه صلى الله عليه وسلم قاس دين الله الذي هو الحج على دين العباد في صحة أدائه من غير المدين عن المدين.

د – عمل الصحابة رضي الله عنهم، إذ ثبت عن جمع كثير منهم أنهم كانوا يعملون بالقياس عند عدم النص، حتى بلغ ذلك مرتبة التواتر عنهم، والعادة تقضي بأن مثل ذلك العمل من قبل الجمع الغفير لا يمكن ولا يحصل إلا إذا كان مستندا إلى دليل قاطع، وإن كان هذا الدليل غير معلوم لدينا بالتعيين، والأمثلة على ذلك كثيرة، نذكر منها :
  • ما روي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه سئل عن معنى الكلالة، فتلمس الدليل على ذلك من القرآن الكريم والسنة فلم يجد، فقال: ( أقول فيها برأيي، فإن يكن صوابا فمن الله، وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان، الكلالة : ما عدا الوالد والولد ) . ومعلوم أن الرأي أصل القياس، والقياس فرع منه.​
  • ما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعد أن أرسل أبا موسى الأشعري رضي الله عنه واليا على البصرة، وكتب إليه كتابا طويلا فيه كثير من الحكم والأسس، جاء فيه قوله : ( اعرف الأشباه والأمثال وقس الأمور برأيك ) ، فهو دليل ظاهر على أمره له بالقياس.​
  • ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما من إنزاله الجد منزلة الأب في حجب الإخوة من الميراث، ورده على زيد بن ثابت رضي الله عنه الذي يشرك الجد مع الإخوة ولا يحجبهم به خلافا للأب، وقوله رضي الله عنه: ( يجعل ابن الابن ابنا ولا يجعل أبا الأب أبا )، وهو يشير بذلك إلى أن ابن الابن يحجب كل من يحجب بالابن، سواء بسواء في مذهب زيد رضي الله عنه.​

3 – أركان القياس وشروطه :

يتضح من تعريف القياس السابق أن له أركانا أربعة يقوم بها ويتألف منها، وهذه الأركان الأربعة هي :

أ – المقيس عليه : ويسمى الأصل، وهو الأمر الذي ورد النص بحكمه.

ب – المقيس : ويسمى الفرع، وهو الأمر الذي لم يرد النص في حكمه، ويطلب معرفة حكم الله فيه.

جـ – الحكم : وهو المراد تعديته من الأصل إلى الفرع، وهو الحكم الشرعي الثابت للأصل بنص أو إجماع.

د – العلة : وهي الوصف المشترك بين الأصل والفرع، والذي من أجله شرع الحكم في الأصل.

4 – أمثلة عن القياس :

  • قياس المخدرات على الخمر، وذلك بجامع العلة وهي الإسكار وزوال العقل.​
  • قياس تحريم ضرب الوالدين أو سبهما، على تحريم قول أف لهما.​
  • قياس الأوراق النقدية على العملة النقدية التي وجدت في وقت الرسول صلى الله عليه وسلم وهي الدينار الذهبي والدرهم الفضي، وذلك بجامع أن العلة واحدة وهي الثمنية.​

ثالثا . المصالح المرسلة

1 – تعريف المصالح المرسلة :

هي استنباط الحكم في واقعة لا نص فيها ولا إجماع، بناء على مصلحة لا دليل من الشارع على اعتبارها ولا على إلغائها.

2 – حجية المصالح المرسلة وأدلة اعتبارها :

اتفق العلماء على عدم إمكان العمل بالمصالح في أمر من أمور العبادات، لأن سبيلها التوقيف، وكذلك الأمر في كل ما فيه نص، أو إجماع من الأحكام الشرعية كالحدود والكفارات وغيرها من الأمور الشرعية التي تم بيانها، سواء ظهر لنا وجه المصلحة فيها أم لم يظهر. أما في غير هذه الأمور مما يتعلق بالمعاملات والقضايا المتعلقة بالأمور العامة للبلاد والعباد، فيرى المالكية أنهاحجة شرعية فيما لا نص فيه ولا إجماع، وأصل من الأصول التي يعتد بها في بناء الأحكام عليها، واستدلوا بأدلة منها :
  • شرع الله الأحكام لتحقيق مصالح العباد، ودفع المضار عنهم، و يشهد لهذا القول أدلة من الكتاب والسنة، والرسول صلى الله عليه وسلم أرسل رحمة للعالمين، وإنه لم يخير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما، وبين بأن الدين يسر ولا عسر فيه.​
  • الحوادث تتجدد، والمصالح تتغير بتجدد الزمان والظروف، وتطرأ على المجتمعات ضرورات وحاجات جديدة تستدعي أحكاما معينة، لذلك من الضروري أخذ هذه الأمور بعين الاعتبار وفسح المجال أمام المجتهدين لاستنباط الأحكام وفق المصالح، وإلا ضاقت الشريعة بمصالح العباد وقصرت.​
  • روعيت المصلحة بنحو أوسع من القياس في اجتهادات الصحابة والتابعين وأئمة الاجتهاد، حتى كان ذلك بمنزلة الإجماع على رعايتها، بدليل جمع أبي بكر رضي الله عنه القرآن الكريم في مصحف واحد، قائلا: ( إنه والله خير ومصلحة للإسلام ) . وكذلك في محاربته مانعي الزكاة، وتدوين عمر رضي الله عنه الدواوين وصك النقود واتخاذ السجون. فلا سند لذلك إلا المصلحة.​

3 – شروط العمل بالمصالح المرسلة :

اشترط القائلون بالمصلحة المرسلة شروطا ثلاثة للعمل بها :

أ – أن تكون ملائمة لمقاصد الشرع الضرورية لقيام مصالح العباد : فلا تنافي أصلا من أصوله، ولا تعارض نصا أو دليلا من أدلته القطعية، بل تكون متفقة مع المصالح التي قصد الشارع إلى تحصيلها.

ب – أن تكون مصلحة لعامة الناس : وليست مصلحة شخصية، لأن الشريعة جاءت للناس كافة. وبناء عليه، لا يصح الأخذ بأي حكم يقصد به رعاية مصلحة شخصية.

جـ – أن تكون معقولة في ذاتها، حقيقة لا وهما : بأن يتحقق من تشريعِ الحكمِ بها جلب نفعٍ أو دفع ضررٍ، وإذا عرضت أوصافها على العقول السليمة تلقتها بالقبول.

4 – أمثلة عن المصالح المرسلة :

  • اتفاق الصحابة في عهد سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه على جمع القرآن على الترتيب التوقيفي، والذي نجده في المصاحف وكتابته في عهد عثمان رضي الله عنه.​
  • اتفاقهم على استنساخ عدة نسخ منه في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه.​
  • إبقاء الأراضي الزراعية التي فتحوها في عهد عمر رضي الله عنه بأيدي أهلها ووضع الخراج عليها.​
  • وضع قواعد خاصة للمرور في الطرقات العامة، وكان ذلك في الأندلس.​
  • الإلزام بتوثيق عقد الزواج بورقة رسمية.​
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top