- إنضم
- 24 نوفمبر 2015
- المشاركات
- 13,688
- الحلول
- 1
- نقاط التفاعل
- 25,921
- النقاط
- 2,306
- محل الإقامة
- تركيا - إسطنبول
- الجنس
- أنثى
لقد أعز الإسلام العامل ورعاه وكرمه، واعترف بحقوقه لأول مرة في تاريخ البشرية، بعد أن كان العمل في بعض الشرائع القديمة معناه الرق والتبعية، وفي البعض الآخر معناه المذلة والهوان. و حقوق العمال وواجباتهم في الإسلام محفوظة ومصونة كمواطنين من أفراد المجتمع كما جاء بكثير من المبادئ لضمان حقوقهم كعمال قاصدا بذلك إقامة العدالة الاجتماعية وتوفير الحياة الكريمة لهم ولأسرهم في حياتهم وبعد مماتهم.
كما أن كتب السنة النبوية المطهرة مليئة بالأحاديث الحاثة على العمل ، وترك العجز والكسل، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده ) . [ رواه البخاري]
كما دعا الإسلام أصحاب الأعمال إلى حسن معاملة العمال ومعاملتهم معاملة إنسانية كريمة ، وإلى الشفقة عليهم والبر بهم وعدم تكليفهم ما لا يطيقون من الأعمال إلى غير ذلك من الحقوق التي منحها الإسلام للعمال والتي يمكن إجمالها فيما يلي :
1 – حق العامل في الأجرة : أجرة العامل هي أهم التزام ملقى على عاتق صاحب العمل، ولذلك عني به الإسلام عناية بالغة، ولقد رأينا كيف يعد الإسلام العمل عبادة، ويجعل المسلم الذي يعول أخاه العابد أعبد منه. وعلى أساس هذه النظرة المقدسة للعمل يحفظ الإسلام حق العامل في الأجر ، وحث على أن يوفى كل عامل جزاء عمله . قال الله تعالى : ( فَجَآءَتْهُ إِحْد۪يٰهُمَا تَمْشِے عَلَي اَ۪سْتِحْيَآءٖ قَالَتِ اِنَّ أَبِے يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَاۖ ) [ القصص/25 ].
2 – حق العامل في الحصول على حقوقه المتعاقد عليها: يجب على صاحب العمل أن يوفي العامل حقوقه التي اشترطها له، وألا يحاول انتقاص شيء منها، فذلك ظلم عاقبته وخيمة، ولذلك يجب على صاحب العمل ألا ينتهز فرصة حاجة العامل الشديدة إلى العمل فيبخسه حقه ، ويغبِنه في تقدير أجره الذي يستحقه نظير عمله ، فالإسلام يحرم الغبن ويقرر قاعدة ( لا ضرر ولا ضرار ). كما يجب على صاحب العمل أن يحفظ حق العامل كاملا إذا غاب أو نسيه، وعليه ألا يؤخر إعطاءه حقه بعد إنهاء عمله، أو بعد حلول أجله المضروب . كما يجب على صاحب العمل ألا يبخل على العامل بزيادة في الأجر إن أدى عملا زائدا على المقرر المتفق عليه ، فإن الله يأمرنا بتقديرِ كل مجهود ومكافأة كل عمل .
3 – حق العامل في عدم الإرهاق إرهاقا يضر بصحته أو يجعله عاجزا عن العمل : فلا يصح لصاحب العمل أن يرهق العامل إرهاقا يضر بصحته ويجعله عاجزا عن العمل ، ولقد قال شعيب لموسى عليه السلام حين أراد أن يعمل له في ماله : ( وَمَآ أُرِيدُ أَنَ اَشُقَّ عَلَيْكَۖ ) [ القصص/27 ]. فإذا كلفه صاحب العمل بعمل يؤدي إلى إرهاقه ويعود أثره على صحته ومستقبله ، فله حق فسخ العقد أو رفع الأمر إلى المسؤولين ليرفعوا عنه حيف صاحب العمل.
4 – حق العامل في الاستمرار في عمله إذا نقصت مقدرته على الإنتاج : ليس لصاحب العمل أن يفصل العامل عن عمله إذا انتقصت مقدرته على الإنتاج، لمرض لحقه من جراء العمل أو بسبب هرم العامل وشيخوخته. والقاعدة العامة أنه إذا اتفق صاحب العمل مع شاب على العمل فقضى شبابه معه ثم أصابه وهن في نشاطه بسبب شيخوخته مثلا، فليس لصاحب العمل طرده من العمل ، بل عليه أن يرضى بإنتاجه في شيخوخته كما كان يرضى عن إنتاجه في عهد شبابه وقوته.
5 – حقّ العامل في أداء ما افترضه الله عليه : يجب على صاحب العمل أن يمكن العامل من أداء ما افترضه الله عليه من طاعة كالصلاة والصيام ، فالعامل المتدين أقرب الناس إلى الخير ويؤدي عمله في إخلاص ومراقبة وأداء للأمانة، وصيانة لما عهد إليه به .
6 – حق العامل في الشكوى و حقه في التقاضي : لم تقتصر الأحكام الإسلامية الخاصة بعلاقات العمل على تنظيم القواعد الموضوعية المتصلة بحقوق العمال. بل تناولت هذه الأحكام أيضا القواعد الإجرائية التي تنظم حق العامل في الشكوى والتقاضي. فالإسلام لم يترك أطراف العقد فرطا، بل يسر لهم سبيل اقتضاء حقوقهم رضاء أو اقتضاء ، كما حرص أشد الحرص على المحافظة على حقوقهم، واتخذ لذلك جميع الوسائل التي تحفظ هذه الحقوق وتصونها جميعا.
ومن هذه الوسائل إقامة الحق والعدل بين الناس، ذلك أن إقامة الحق والعدل هي التي تشيع الطمأنينة وتنشر الأمن ، وتشد علاقات الأفراد بعضهم ببعض وتقوي الثقة بين العامل وصاحب العمل وتنمي الثروة وتزيد من الرخاء و تدعم الأوضاع الاقتصادية ، فلا تتعرض لأي اضطراب، ويمضي كل من العامل وصاحب العمل إلى غايته في العمل والإنتاج، دون أن يقف في طريقه ما يعطل نشاطه أو يعوقه عن النهوض . وقد جاءت الآيات والأحاديث داعية إلى العدل ، ومحذرة من الظلم ومحرمة له، والله سبحانه وتعالى لا يظلم الناس شيئا ولا يريد الظلم، وفي الحديث القدسي : ( يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما، فلا تظالموا ) . [رواه مسلم ].
7 – حق العامل في المحافظة على كرامته : يجب على صاحب العمل أن يحفظ كرامة العامل، فلا يضعه موضع الذليل المسخر أو العبد المهان، و تحفظ كرامته أيضا بعدم إهانته، وانتقاص شخصيته ، وخاصة أمام باقي الموظفين ، فلا يجوز سبه أو شتمه أو غشه واحتقاره، كما لا يصح أن يضرب صاحب العمل العامل أو يعتدي عليه، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانا. المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يكذبه، ولا يحقره، التقوى ها هنا ) ويشير إلى صدره ثلاث مرات ( بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله و عرضه ) . [ رواه مسلم]
وفي الإسلام وحياة عظمائه كثير مما يؤيد ذلك الحق العظيم، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يأكل مع الأجير ويساعده في احتمال أعباء ما يقوم به من عمل .
8 – حق العامل في الضمان : كلمة ضمان أو تضمين في الشريعة الإسلامية أقرب ما تؤدي المعنى المراد في كلمة المسؤولية المدنية في الفقه الحديث. ومن الواضح أن تضمين الإنسان عبارة عن الحكم بتعويض الضرر الذي أصاب الغير من جهته. وقد قرر القرآن الكريم مبدأ المسؤولية المدنية في قول الله تعالى : ( وَمَن قَتَلَ مُومِناً خَطَـٔاٗ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٖ مُّومِنَةٖ وَدِيَةٞ مُّسَلَّمَةٌ اِلَيٰٓ أَهْلِهِۦٓ إِلَّآ أَنْ يَّصَّدَّقُواْۖ ) [ النساء/92 ]. و يحق للعامل أن يطالب صاحب العمل بحقه في الضمان إذا توافرت شروطه، وله أن يلجأ إلى القضاء للمطالبة بتعويض ما أصابه من ضرر.
9 – حق ترقية العامل : عرف الإسلام ترقية الموظفين منذ إنشاء دولته الأولى، وتم تطبيق ذلك عمليا على الرغم من عدم وجود قواعد معينة تتبع بالنسبة للترقية ، كما هو الشأن بالنسبة لترقية الموظفين في النظم الحديثة، إلا أن ممارسة الترقية قد تمت بالفعل ووجد ما يدل على ذلك ، فقد حدث في أيام الخليفة أبي بكر الصديق عندما عزم على فتح بلاد الشام وجعل يزيد بن أبي سفيان على رأس الجيش الفاتح وأوصاه قائلا: ( إني وليتك لأبلوك وأختبرك وأحرجك . فإن أحسنت رددتك إلى عملك وزدتك، وإن أسأت عزلتك . فعليك بتقوى الله ) . ويقوم معيار الترقية في الإسلام على أساس الصلاحية والكفاءة والجدارة بصرف النظر عن أقدمية الموظف.
1 – أن يعرف العامل ما هو المطلوب منه ، وما هي واجباته ومنطلقات عمله. وأن يكون العقد بين العامل وصاحب العمل واضحا لا لبس فيه .
2 – الشعور بالمسؤولية تجاه العمل الذي كلف أو تعاقد عليه وارتبط به.
3 – أن يؤدي عمله على أحسن الوجوه أيا كان نوع العمل ، سواء كان موظفا أو صانعا أو مزارعا أو مهندسا أو طبيبا أو معلما ونحو ذلك .
4 – أن يؤدي ذلك بأمانة وإخلاص دون غش أو إهمال أو تقصير ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله يحب من أحدكم إذا عمل عملا أن يتقنه ) . [رواه البزار ]. وهذا يعني بداهة أن الله يمقت التقصير والإهمال في العمل، قال صلى الله عليه وسلم: ( من غش فليس منا ) . [رواه مسلم ].
5 – عدم الخيانة في العمل بكل صورها وأشكالها؛ فتضييع الأوقات خيانة ، والغش خيانة، وأخذ الرشوة خيانة، وتعطيل أعمال الناس خيانة. فكل من تقلد عملا مهما كان نوعه ولم يؤده وفق ما طلبه منه الشرع الحنيف فهو خائن لأمانته، والله تعالى يقول : ( يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَخُونُواْ اُ۬للَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوٓاْ أَمَٰنَٰتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَۖ ) [ الأنفال/27 ].
6 – عدم استغلال عمله ووظيفته ليجر بذلك نفعا إلى نفسه أو قرابته، أو من هم دونه، دون حق شرعي أو قانوني، فإن هذا الاستغلال يعد جريمة، إذ المال العام أمانة عند من استؤمنوا عليه، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ( من استعملناه على عمل، فرزقناه رزقاً فما أخذ بعد ذلك فهو غلول ) . [رواه أبو داود ]. فقد شدد الإسلام على ضرورة التعفف من استغلال النفوذ، وشدد على رفض المكاسب المشبوهة. وقصة ابن اللتبية معروفة مشهورة، فعن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه قال: ( استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا على صدقات بني سليم يدعى ابن اللتبية، فلما جاء حاسبه قال هذا مالكم وهذا هدية. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( فهلا جلست في بيت أبيك وأمك حتى تأتيك هديتك إن كنت صادقا! ) ثم خطبنا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : ( أما بعد، فإني أستعمل الرجل منكم على العمل مما ولاني الله، فيأتي فيقول هذا مالكم وهذا هدية أهديت لي. أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته والله لا يأخذ أحد منكم شيئا بغير حقه إلا لقي الله يحمله يوم القيامة، فلأعرفن أحدا منكم لقي الله يحمل بعيرا له رغاء أَو بقرة لها خوار أَو شاة تيعر ). [رواه الشيخان]
1 – أن يبين للعامل ماهية العمل المراد إنجازه، مع بيان ما يتعلق بالمدة والأجر.
2 – أن لا يكلفه فوق طاقته، ففي الحديث : ( ولا تكلفوهم ما لا يطيقون ) . [ رواه النسائي وابن ماجه ]، وقوله صلى الله عليه وسلم : ( ولا تكلفوهم ما يغلبهم فإن كلفتموهم فأعينوهم ) [ رواه الشيخان ]. وإذا كلفه فوق طاقته فعليه أن يعينه.
3 – أن يعامله بالحسنى، فلابد أن تكون نظرة صاحب العمل إلى العامل نظرة إنسانية يحترم فيها إنسانية العامل .
4 – أن لا يبخسه حقه عند التعاقد على أي عمل من الأعمال فينبغى أن يكون الأجر على قدر العمل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن لك من الأجر على قدر نصبِك ونفقتك ). [رواه الحاكم ].
5 – أن يعطيه حقه عند فراغه من عمله دون مماطلة، لأن هذا الحق أصبح دينا وأمانة في عنق صاحب العمل عليه أن يؤديه، كما قال صلى الله عليه وسلم : ( أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه ) . [رواه ابن ماجه].
6 – أن يكون رحيما بالعامل إذا أخطأ، ويصفح عنه إذا لم يكن ثمة تقصير ولو تكرر منه الخطأ. جاء رجل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال : كم يعفو عن الخادم؟ فصمت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : ( اعف عنه في اليوم سبعين مرة ). [رواه الترمذي و أبو داود]
أولا . الحقوق الأساسية للعمال في الإسلام :
لقد نظر الإسلام إلى العمل نظرة احترام وتمجيد، فمجد العمل ورفع قيمته وربط كرامة الإنسان به، بل جعله فريضة من فرائضه التي يثاب عليها، فهو مأمور به، ولا شك أن من أطاع أمر الشارع فهو مثاب، فالعمل عبادة إذن وأي عبادة، حتى أصبح العمل في سبيل قوته وقوت عياله، وفي سبيل رفعة أمته وتحقيق الخير في المجتمع أفضل عند الله من المتعبد الذي يركن إلى العبادة ويزهد في العمل، وأصبح الخمول والترفع عن العمل نقص في إنسانية الإنسان، وسببا في تفاهته و حطته ولهذا حث القرآن الكريم من خلال سوره وآياته على العمل، قال الله تعالى : ( فَإِذَا قُضِيَتِ اِ۬لصَّلَوٰةُ فَانتَشِرُواْ فِے اِ۬لَارْضِ وَابْتَغُواْ مِن فَضْلِ اِ۬للَّهِ وَاذْكُرُواْ اُ۬للَّهَ كَثِيراٗ لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَۖ ) [ الجمعة/10 ]، وقال تعالى : ( هُوَ اَ۬لذِے جَعَلَ لَكُمُ اُ۬لَارْضَ ذَلُولاٗ فَامْشُواْ فِے مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رِّزْقِهِۦۖ وَإِلَيْهِ اِ۬لنُّشُورُۖ ) [ الملك/15 ].كما أن كتب السنة النبوية المطهرة مليئة بالأحاديث الحاثة على العمل ، وترك العجز والكسل، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده ) . [ رواه البخاري]
كما دعا الإسلام أصحاب الأعمال إلى حسن معاملة العمال ومعاملتهم معاملة إنسانية كريمة ، وإلى الشفقة عليهم والبر بهم وعدم تكليفهم ما لا يطيقون من الأعمال إلى غير ذلك من الحقوق التي منحها الإسلام للعمال والتي يمكن إجمالها فيما يلي :
1 – حق العامل في الأجرة : أجرة العامل هي أهم التزام ملقى على عاتق صاحب العمل، ولذلك عني به الإسلام عناية بالغة، ولقد رأينا كيف يعد الإسلام العمل عبادة، ويجعل المسلم الذي يعول أخاه العابد أعبد منه. وعلى أساس هذه النظرة المقدسة للعمل يحفظ الإسلام حق العامل في الأجر ، وحث على أن يوفى كل عامل جزاء عمله . قال الله تعالى : ( فَجَآءَتْهُ إِحْد۪يٰهُمَا تَمْشِے عَلَي اَ۪سْتِحْيَآءٖ قَالَتِ اِنَّ أَبِے يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَاۖ ) [ القصص/25 ].
2 – حق العامل في الحصول على حقوقه المتعاقد عليها: يجب على صاحب العمل أن يوفي العامل حقوقه التي اشترطها له، وألا يحاول انتقاص شيء منها، فذلك ظلم عاقبته وخيمة، ولذلك يجب على صاحب العمل ألا ينتهز فرصة حاجة العامل الشديدة إلى العمل فيبخسه حقه ، ويغبِنه في تقدير أجره الذي يستحقه نظير عمله ، فالإسلام يحرم الغبن ويقرر قاعدة ( لا ضرر ولا ضرار ). كما يجب على صاحب العمل أن يحفظ حق العامل كاملا إذا غاب أو نسيه، وعليه ألا يؤخر إعطاءه حقه بعد إنهاء عمله، أو بعد حلول أجله المضروب . كما يجب على صاحب العمل ألا يبخل على العامل بزيادة في الأجر إن أدى عملا زائدا على المقرر المتفق عليه ، فإن الله يأمرنا بتقديرِ كل مجهود ومكافأة كل عمل .
3 – حق العامل في عدم الإرهاق إرهاقا يضر بصحته أو يجعله عاجزا عن العمل : فلا يصح لصاحب العمل أن يرهق العامل إرهاقا يضر بصحته ويجعله عاجزا عن العمل ، ولقد قال شعيب لموسى عليه السلام حين أراد أن يعمل له في ماله : ( وَمَآ أُرِيدُ أَنَ اَشُقَّ عَلَيْكَۖ ) [ القصص/27 ]. فإذا كلفه صاحب العمل بعمل يؤدي إلى إرهاقه ويعود أثره على صحته ومستقبله ، فله حق فسخ العقد أو رفع الأمر إلى المسؤولين ليرفعوا عنه حيف صاحب العمل.
4 – حق العامل في الاستمرار في عمله إذا نقصت مقدرته على الإنتاج : ليس لصاحب العمل أن يفصل العامل عن عمله إذا انتقصت مقدرته على الإنتاج، لمرض لحقه من جراء العمل أو بسبب هرم العامل وشيخوخته. والقاعدة العامة أنه إذا اتفق صاحب العمل مع شاب على العمل فقضى شبابه معه ثم أصابه وهن في نشاطه بسبب شيخوخته مثلا، فليس لصاحب العمل طرده من العمل ، بل عليه أن يرضى بإنتاجه في شيخوخته كما كان يرضى عن إنتاجه في عهد شبابه وقوته.
5 – حقّ العامل في أداء ما افترضه الله عليه : يجب على صاحب العمل أن يمكن العامل من أداء ما افترضه الله عليه من طاعة كالصلاة والصيام ، فالعامل المتدين أقرب الناس إلى الخير ويؤدي عمله في إخلاص ومراقبة وأداء للأمانة، وصيانة لما عهد إليه به .
6 – حق العامل في الشكوى و حقه في التقاضي : لم تقتصر الأحكام الإسلامية الخاصة بعلاقات العمل على تنظيم القواعد الموضوعية المتصلة بحقوق العمال. بل تناولت هذه الأحكام أيضا القواعد الإجرائية التي تنظم حق العامل في الشكوى والتقاضي. فالإسلام لم يترك أطراف العقد فرطا، بل يسر لهم سبيل اقتضاء حقوقهم رضاء أو اقتضاء ، كما حرص أشد الحرص على المحافظة على حقوقهم، واتخذ لذلك جميع الوسائل التي تحفظ هذه الحقوق وتصونها جميعا.
ومن هذه الوسائل إقامة الحق والعدل بين الناس، ذلك أن إقامة الحق والعدل هي التي تشيع الطمأنينة وتنشر الأمن ، وتشد علاقات الأفراد بعضهم ببعض وتقوي الثقة بين العامل وصاحب العمل وتنمي الثروة وتزيد من الرخاء و تدعم الأوضاع الاقتصادية ، فلا تتعرض لأي اضطراب، ويمضي كل من العامل وصاحب العمل إلى غايته في العمل والإنتاج، دون أن يقف في طريقه ما يعطل نشاطه أو يعوقه عن النهوض . وقد جاءت الآيات والأحاديث داعية إلى العدل ، ومحذرة من الظلم ومحرمة له، والله سبحانه وتعالى لا يظلم الناس شيئا ولا يريد الظلم، وفي الحديث القدسي : ( يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما، فلا تظالموا ) . [رواه مسلم ].
7 – حق العامل في المحافظة على كرامته : يجب على صاحب العمل أن يحفظ كرامة العامل، فلا يضعه موضع الذليل المسخر أو العبد المهان، و تحفظ كرامته أيضا بعدم إهانته، وانتقاص شخصيته ، وخاصة أمام باقي الموظفين ، فلا يجوز سبه أو شتمه أو غشه واحتقاره، كما لا يصح أن يضرب صاحب العمل العامل أو يعتدي عليه، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانا. المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يكذبه، ولا يحقره، التقوى ها هنا ) ويشير إلى صدره ثلاث مرات ( بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله و عرضه ) . [ رواه مسلم]
وفي الإسلام وحياة عظمائه كثير مما يؤيد ذلك الحق العظيم، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يأكل مع الأجير ويساعده في احتمال أعباء ما يقوم به من عمل .
8 – حق العامل في الضمان : كلمة ضمان أو تضمين في الشريعة الإسلامية أقرب ما تؤدي المعنى المراد في كلمة المسؤولية المدنية في الفقه الحديث. ومن الواضح أن تضمين الإنسان عبارة عن الحكم بتعويض الضرر الذي أصاب الغير من جهته. وقد قرر القرآن الكريم مبدأ المسؤولية المدنية في قول الله تعالى : ( وَمَن قَتَلَ مُومِناً خَطَـٔاٗ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٖ مُّومِنَةٖ وَدِيَةٞ مُّسَلَّمَةٌ اِلَيٰٓ أَهْلِهِۦٓ إِلَّآ أَنْ يَّصَّدَّقُواْۖ ) [ النساء/92 ]. و يحق للعامل أن يطالب صاحب العمل بحقه في الضمان إذا توافرت شروطه، وله أن يلجأ إلى القضاء للمطالبة بتعويض ما أصابه من ضرر.
9 – حق ترقية العامل : عرف الإسلام ترقية الموظفين منذ إنشاء دولته الأولى، وتم تطبيق ذلك عمليا على الرغم من عدم وجود قواعد معينة تتبع بالنسبة للترقية ، كما هو الشأن بالنسبة لترقية الموظفين في النظم الحديثة، إلا أن ممارسة الترقية قد تمت بالفعل ووجد ما يدل على ذلك ، فقد حدث في أيام الخليفة أبي بكر الصديق عندما عزم على فتح بلاد الشام وجعل يزيد بن أبي سفيان على رأس الجيش الفاتح وأوصاه قائلا: ( إني وليتك لأبلوك وأختبرك وأحرجك . فإن أحسنت رددتك إلى عملك وزدتك، وإن أسأت عزلتك . فعليك بتقوى الله ) . ويقوم معيار الترقية في الإسلام على أساس الصلاحية والكفاءة والجدارة بصرف النظر عن أقدمية الموظف.
ثانيا . واجبات العمال :
وتتلخص واجبات العمال فيما يلي :1 – أن يعرف العامل ما هو المطلوب منه ، وما هي واجباته ومنطلقات عمله. وأن يكون العقد بين العامل وصاحب العمل واضحا لا لبس فيه .
2 – الشعور بالمسؤولية تجاه العمل الذي كلف أو تعاقد عليه وارتبط به.
3 – أن يؤدي عمله على أحسن الوجوه أيا كان نوع العمل ، سواء كان موظفا أو صانعا أو مزارعا أو مهندسا أو طبيبا أو معلما ونحو ذلك .
4 – أن يؤدي ذلك بأمانة وإخلاص دون غش أو إهمال أو تقصير ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله يحب من أحدكم إذا عمل عملا أن يتقنه ) . [رواه البزار ]. وهذا يعني بداهة أن الله يمقت التقصير والإهمال في العمل، قال صلى الله عليه وسلم: ( من غش فليس منا ) . [رواه مسلم ].
5 – عدم الخيانة في العمل بكل صورها وأشكالها؛ فتضييع الأوقات خيانة ، والغش خيانة، وأخذ الرشوة خيانة، وتعطيل أعمال الناس خيانة. فكل من تقلد عملا مهما كان نوعه ولم يؤده وفق ما طلبه منه الشرع الحنيف فهو خائن لأمانته، والله تعالى يقول : ( يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَخُونُواْ اُ۬للَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوٓاْ أَمَٰنَٰتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَۖ ) [ الأنفال/27 ].
6 – عدم استغلال عمله ووظيفته ليجر بذلك نفعا إلى نفسه أو قرابته، أو من هم دونه، دون حق شرعي أو قانوني، فإن هذا الاستغلال يعد جريمة، إذ المال العام أمانة عند من استؤمنوا عليه، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ( من استعملناه على عمل، فرزقناه رزقاً فما أخذ بعد ذلك فهو غلول ) . [رواه أبو داود ]. فقد شدد الإسلام على ضرورة التعفف من استغلال النفوذ، وشدد على رفض المكاسب المشبوهة. وقصة ابن اللتبية معروفة مشهورة، فعن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه قال: ( استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا على صدقات بني سليم يدعى ابن اللتبية، فلما جاء حاسبه قال هذا مالكم وهذا هدية. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( فهلا جلست في بيت أبيك وأمك حتى تأتيك هديتك إن كنت صادقا! ) ثم خطبنا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : ( أما بعد، فإني أستعمل الرجل منكم على العمل مما ولاني الله، فيأتي فيقول هذا مالكم وهذا هدية أهديت لي. أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته والله لا يأخذ أحد منكم شيئا بغير حقه إلا لقي الله يحمله يوم القيامة، فلأعرفن أحدا منكم لقي الله يحمل بعيرا له رغاء أَو بقرة لها خوار أَو شاة تيعر ). [رواه الشيخان]
ثالثا . طبيعة العلاقة بين العامل وصاحب العمل :
إذا كان مطلوبا من العامل أن يكون متخلقا بأخلاق معينة فرب العمل هو الآخر مطلوب فيه توافر أخلاق معينة، يجب عليه التحلي بها حتى تستمر بينهما علاقة الإنسانية الكريمة، ومن تلك الأخلاق والواجبات ما يلي :1 – أن يبين للعامل ماهية العمل المراد إنجازه، مع بيان ما يتعلق بالمدة والأجر.
2 – أن لا يكلفه فوق طاقته، ففي الحديث : ( ولا تكلفوهم ما لا يطيقون ) . [ رواه النسائي وابن ماجه ]، وقوله صلى الله عليه وسلم : ( ولا تكلفوهم ما يغلبهم فإن كلفتموهم فأعينوهم ) [ رواه الشيخان ]. وإذا كلفه فوق طاقته فعليه أن يعينه.
3 – أن يعامله بالحسنى، فلابد أن تكون نظرة صاحب العمل إلى العامل نظرة إنسانية يحترم فيها إنسانية العامل .
4 – أن لا يبخسه حقه عند التعاقد على أي عمل من الأعمال فينبغى أن يكون الأجر على قدر العمل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن لك من الأجر على قدر نصبِك ونفقتك ). [رواه الحاكم ].
5 – أن يعطيه حقه عند فراغه من عمله دون مماطلة، لأن هذا الحق أصبح دينا وأمانة في عنق صاحب العمل عليه أن يؤديه، كما قال صلى الله عليه وسلم : ( أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه ) . [رواه ابن ماجه].
6 – أن يكون رحيما بالعامل إذا أخطأ، ويصفح عنه إذا لم يكن ثمة تقصير ولو تكرر منه الخطأ. جاء رجل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال : كم يعفو عن الخادم؟ فصمت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : ( اعف عنه في اليوم سبعين مرة ). [رواه الترمذي و أبو داود]