كان عمي الحسين رجلا فاضلا نايف السبعين من عمره، يسكن هو وزوجته وبناته الثلاثة، قرية نائية تعاني التهميش والافتقار لأدنى مستويات العيش
لكن الظاهر .. لم يخل العالم بعد من المعجزات و قد كانت..... عندما تم تزويد القرية بالكهرباء
-مستحيل .. !
هكذا قال عمي الحسين،لم يصدق ولا أهل القرية صدقوا ذاك الأمل الذي أنار عن معضلات تنتظر معجزات أخرى
والجيد في الأمر أن عمي الحسين جاءته برقية تدعوه إلى مصلحة البريد بالمدينة لاستلام طرد من الخارج، قد بعث به ابنه الذي هاجر منذ سنوات إلى أوروبا...سأل عمي الحسين وهو بالمصلحة عما يحتويه الطرد فقيل له
-صندوق العجب يا عمو !
كلمات بقي هذا الأخير يرددها حتى وصل به إلى القرية و ما أن عرف سكانها بالموضوع ، تهاطلت عليه وفود لتهنئته بالخبر السعيد ،فقليلون هم من يمتلكون تلفازا، ودون أن يسأل بادر شباب المنطقة بالمساعدة وتم توصيل صندوق العجب والصحن المقعر الذي جاء معه، وضبطه على القمر الصناعي نايل سات
ما انفك الشباب حتى كان كل شيء على ما يرام،ثمّ فتح التلفاز على قناة عربيه دينيه جعلت عمي الحسين ذاك الشيخ المزاجي يسر ويبتسم حتى بدت ضواحكه...
-الحمد لله على كل هذه النعم..
لكن احدهم قاطعه وقال
" كل شيء بوجهين يا عمو" ثم أضاف "إياك والقنوات الغربية فهي أس البلاء...شياطين يا عمو.. أعوذ بالله... "
كانت إحدى بنات عمي الحسيين تسترق السمع، وكان الشاب قد لاحظ وجودها ممّا جعله يطيل الحديث رفقة والدها...خاب المسكين أمله حين أبعده الشيخ عن المكان متجها به صوب الباب : "أعانك الله كما أعان إخوتك الذين سبقوك ... تفضل... من هنا يا بني وبلّغ سلامي إلى والدك"
حمل عمي الحسين عصاه الغليظة متجها إلى بناته قائلا
- :مدركات لما سمعتن؟...
قلن :مدركات يا أبي
قال : والله إن خالفتنّ لأهلككنّ بهذه
مشيرا إلى العصا...
أظهرت البنات وأمهنّ ولاء الطاعة التام للشيخ الحسين، مما كسبن ثقته وجعلنه يخوّل لهن كافة الصلاحيات للتحكم في صندوق العجب..
و في مساء احد الأيام كان عمي الحسين قد صل العصر بالجامع، ودون عادته عاد بعد الصلاة مباشرة إلى البيت ليجد العائلة كلها معتكفة حول التلفاز ، متسمرة امام مشاهد بركانية تتأجج رومانسية لفيلم تبثه إحدى القنوات...ولم يلحظ عمي الحسين من كل هذا إلا و البطل ممسكا بالبطلة محاولا ان ...
يصرخ العجوز ناهيا قابضا عصاه مهرولا مفزوعا إلى الشاشة محاولا تغطيتها بجسده النحيل قائلا لبناته وزوجته
أغمضن أعينكن ،أيتها المدركات......الم أحذركن من قنوات الغرب آآآه يا بنات الللللللل.......وأتمّ الإدراك؟ .. لن تفلتن من عصاي هذه...
تنطق إحداهن مطأطئة رأسها ..ولكنها قناة عربية يا أبي...
بقلمي ( حجايجي سها)
_________________
آخر تعديل بواسطة المشرف: