- إنضم
- 24 نوفمبر 2015
- المشاركات
- 13,705
- الحلول
- 1
- نقاط التفاعل
- 25,944
- النقاط
- 2,306
- محل الإقامة
- تركيا - إسطنبول
- الجنس
- أنثى
السَلآْم عَلْيُكّمٌ وٍرٍحَمُةّ الله وٍبُرٍكآتُهْ
الدرس الثاني في مادة الفلسفة للسنة الثانية ثانوي شعبة اداب وفلسفة
الدرس : الشخصية
إذا نظرنا إلى الناس في أقوالهم وأفعالهم رأينا أن كل شخص منهم فرد يختلف عن غيره مـن جهة، ويشترك معه في عدد من النواحي من جهة أخرى، وأن الاختلاف يبقى دائماً رغم وجود عدد من نواحي الاشتراك.
لذلك نستطيع القول بأن كل إنسان يشبه كل الناس من جهة، ويشبه بعض النـاس مـن جهـة أخرى، وهو متميز من جهة ثالثة حيث إنه ينتمي إلى نوع الإنسان ويحمل خصائصه الإنـسانية العامة، ويشبه عدداً من الناس في بعض تصرفاتهم ومظاهر سلوكهم، ولكنه يبقى متميزاً متفرداً من حيث هو شخص.
ثم إننا كذلك نرى أن الفرد في تفاعل مستمر مع الشروط والظروف التي تحيط به: فهو يأخـذ منها ويتحمل آثارها من جهة، وهو يحدث فيها نوعاً من الفعل من جهة ثانية. انـه كثيـراً مـا
يواجه ظروفه بنجاح ويتكيف معها تكيفاً مناسباً، وكثيراً ما يفشل في مواجهتها بما يلـزم، وقـد يطول فشله، وقد يصبح تكيفه معها غير مناسب وغير مرض
معنى الشخصية وخصائصها:
احتلت الشخصية مكانة هامة في الدراسات النفسية خلال السنوات الأربعين الأخيرة. ويـصدق
هذا القول في حال دراسة الشخصية السوية كما يصدق في حال دراسة الشخصية المضطربة.
وقد ساعد على تأكيد هذه المكانة عدد من العوامل كان من بينها النظر إلى السلوك علـى انـه
يحصل لشخصية تعمل من حيث هي وحدة متكاملة وفيها كل ما تنطوي عليـه مـن عناصـر
ومركبات ودوافع وقدرات إلا أن هذا الاهتمام العظيم بالشخصية لا يسلم من الاخـتلاف فـي
المنحى الذي تأخذه الدراسات التي تجعلها موضوعاً وذلك على الرغم من وجود اتفـاق حـول
اعتماد الطريقة العلمية في البحث.
ومن الممكن رؤية هذا الاختلاف في أول مسألة نعرض لها وهي تعريف الشخصية أو تحديدها.
2 تعريف الشخصية:
يظهر الشخص نامياً متطوراً، من جهة، ويظهر من جهة أخرى، ثابتاً نوعاً مـن الثبـات فـي
مواقفه واتجاهاته. يبدو متفرداً متميزاً عن غيره، من جهة، ومشابهاً غيره، من جهـة أخـرى.
وهو كلٌ موحد، أو وحدة متكاملة، من طرف، ولكنه يرى ويبحث فـي عـدد مـن الجوانـب
والجهات المتمايزة من طرف آخر فكيف نعرف هذا التركيب الذي يبدو من خلال هذه الزوايـا
المتعددة؟
تعريف الشخصية من حيث المعنى اللغوي للكلمة:
الشخص، في اللغة العربية، هو (سواد الإنسان وغيره يظهر من بعد)
وقد يراد به الذات المخصوصة، وتشاخص القوم ( اختلفوا وتفاوتوا) أما(الشخصية) فكلمة حديثه
الاستعمال لا يجدها الباحث في أمهات معاجم اللغة العربية، فإذا وجدت في بعض الحديث منها
فهي تعني (صفات تميز الشخص من غيره)، وكان استعمالها قائماً على معنى الشخص أي على
معنى كل ما في الفرد مما يؤلف شخصه الظاهر الذي يرى من بعد، وعلى مفهوم التفاوت.
أمــا فــي اللغتــين الإنكليزيــة والفرنــسية، فكلمــة الشخــصية، (personality
persona ; eacute& personnalit (وتعني هذه الكلمة القناع الذي كان يلبـسه الممثـل فـي
العصور القديمة مشتقة من الأصل اللاتيني حين كان يقوم بتمثيل دور، أو حين بمظهر معـين
أمام الناس فيما يتعلق بما يريد أن يقوله أو يفعله. كان يريد الظهور وقد أصبحت الكلمة،
على هذا الأساس، تدل على المظهر الذي يظهر فيه الشخص وبهذا المعنى تكون( ا لشخصية) ما
يظهر عليه الشخص في الوظائف المختلفة التي يقوم بها على مسرح الحياة.
تعريف الشخصية من حيث هي مجموعة مكونات:
ينظر مورتن برنس إلى الشخصية من حيث هي اجتماع لعدد مـن العناصـر أو لعـدد مـن
المكونات الأساسية. وهو يقول عنها في كتابه عن اللاشعور: (الشخصية هي كل الاسـتعدادات
والنزعات والميول والغرائز والقوى البيولوجيـة الفطريـة والموروثـة، وهـي كـذلك كـل
الاستعدادات والميول المكتسبة من الخبرة.
وتعريف مثل هذا نجده عند عدد غير قليل من المشتغلين وبخاصة منهم من بحث الشخصية في
الثلاثينات والأربعينات من عصرنا الحالي.
تعريف الشخصية من حيث التكيف مع المحيط حولها:
تأخذ التعريفات التي تنطلق في تحديد الشخصية من عمليات التكيف التي تمر بها ـ تأخذ هـذه
التعريفات أكثر من اتجاه فبينها ما يلح على عمليات التكيف وعلى مجموعة من العناصر يـرى
أن الشخصية تنطوي عليها. وبينها ما يلح على وجود نظام في الشخصية يعمـل فـي توجيـه
التكيف. وفيها ما يجمع بين وجهتين من خلال تطور نظرية خاصة في الشخصية.
يرى Bowden باودن أن الشخصية (.... هي تلك الميول الثابتة عند الفرد التي تنظم عمليـة
التكيف بينه وبين بيئته ( ويرى برت) أن الشخصية (... هي ذلك النظام الكامـل مـن الميـول
و الاستعدادات الجسمية والعقلية، الثابتة نسبياً، التي تعد مميزاً خاصـاً للفـرد، والتـي يتحـدد
بمقتضاها أسلوبه الخاص في التكيف مع البيئة المادية والاجتماعية ويأخذ ( ايسنك) (موقفاً يقترب
من موقف برت بعض الشيء حين يقول عن الشخصية (.... أنها التنظيم الثابت المستمر نسبياً
لخُلق الشخص ومزاجه وعقله وجسده، وهذا التنظيم هو الذي يحدد تكيفه الفريد مع محيطـه) ا
البورت فيمر على بعض التطور في تعريفه الشخصية انه يقول في مطلع أبحاثه عن الشخصية
أن (الشخصية هي التنظيم الديناميكي في نفس الفرد لتلك المنظومات الجسمية النفسية التي تحدد
أشكال التكيف الخاصة لديه مع البيئة) .
ويقول في مناسبة لاحقة أن الشخصية ( هي تلك الصيغة التي يتطور إليها الشخص ليضمن بقاءه
وسيادته ضمن إطار وجوده).
الثبات والتغير في الشخصية:
تجتمع في الشخصية خاصيتان أساسيتان، تظهر الأولى على شكل ثبات في الشخصية، وتظهر
الثانية في التغير والتطور اللذين ينالانها خلال تاريخ حياتها. فكيف نفهـم هـاتين الخاصـيتين
المتلازمتين، وما هي النتائج التي تترتب على وجودهما.
4 ثبات الشخصية: يتألف من:
1 (الثبات في الأعمال: يظهر هذا النوع من الثبات في اتجاهاتنا المختلفة التي يعكسها سـلوكنا
في أشكاله المختلفة، وبخاصة ما كان منها متصلاً بطريقة تعاملنا مـع الآخـرين واحتـرامهم
والتصرف بشؤونهم.
هنا نلاحظ كيف يظهر أحدنا متجهاً نحو اللف والدوران في التعامل مع الآخرين، كمـا يظهـر
الآخر معتمداً في أعماله قوا عد من نوع احترام مصلحة الآخرين، وحقوقهم، والـشعور تجـاه
الكلمة والحركة.
2 (الثبات في الأسلوب: هنالك نوع آخر من الثبات في الشخصية يمكن أن يسمى الأسـلوب أو
التعبير، ونعني به ما يظهر عليه أي عمل مقصود نقوم به. فالطريقة التي تتبع فـي الإمـساك
بلفافة التبغ وتدخينها يمكن أن تكون مثالاً واضحاً لما هو مقصود هنا من الأسلوب أو التعبيـر،
وكذلك الأمر في طريقة إمساكنا بالقلم حين الكتابة. وقد كان من بين الدراسات الواسـعة لهـذه
الظاهرة تلك التي قام بها اولبورت ( وف رنون). وكان موضوع دراستهما الحركات التعبيرية وقد
لاحظنا أن عدداً من الحركات التعبيرية يميل إلى البقاء مع بعضها وإلى الثبات لدى الفرد حين
يمر بمناسبات مختلفة.
3 (الثبات في البناء الداخلي: إن أقوى ما يظهر عليه الثبات هو الثبات في البنـاء الـداخلي،
ونعني بذلك الأسس العميقة التي تقوم عليها الشخصية ومن هنا نفهم تعريف باودن للشخـصية
حين يقول أنها تلك الميول الثابتة عند الفرد التي تنظم عملية التكيف بينه وبين بيئته.
4 (الثبات في الشعور الداخلي: لقد نوقش الثبات من حيث شعور الفرد داخلياً باستمرار وحـدة
شخصيته. واخذ الثبا ت ضمن النقاش أكثر من اسم فقد أطلق عليه أحياناً اسم هوية الـشخص،
كما أطلق عليه أحياناً أخرى اسم وحدة الشخصية وهو إنما يظهر بالواقع في شعور الفرد داخلياً
وعبر حياته باستمرار وحدة شخصيته وهويتها وثباتها ضمن الظروف المتعددة التي تمر بهـا،
كما يظهر بوضوح في وحدة الخبرة التي يمر بها في الحاضر واستمرار اتصالها مع الخبـرة
الماضية التي كان يمر بها.
5 تغير الشخصية: إن الثبات الذي كنا نتحدث عنه ليس في الواقع إلا ثباتاً نسبياً. وهو بهذا المعنى
بعيد عن أن يكون سكوناً أو استمراراً أبدياً في وضع واحد إن صفات الحركة والنمو والتغيـر
والانطلاق التي تعبر عن(ديناميكية الشخصية) صفات أساسية لها فالشخص يمر خلال طفولتـه
بأشكال مختلفة من النمو في نواح متعددة من بنائه، وهو يتغير ويتطور خلال هذا النمـو، أنـه
ينمو من حيث معارفه، ومن حيث قدراته ونوعيتها ومستواها، وينمو في أشكال خبرته ومواقفه
من المؤثرات التي تحيط به انه يتفاعل بشكل مستمر مع ما يحيط به، ويترك هذا التفاعل آثاره
في مكونات شخصه إن صفة التغير أساسية عنده. وحين يصل إلى مرحلة الرشد التي نستطيع
أن نقول عنها أن مظهر الثبات قد أصبح الغالب فيها، فإن التطور في الشخص يبقى مع ذلـك
مستمراً وإلا لما أمكن فهم ما يصيب الفرد والمجتمع من تطور وتقدم، وما يصيب الشخـصية
الشاذة من تعديل بتأثير العلاج، إن هذا التغير في الشخصية ملاصق لثباتهـا النـسبي وغيـر
متعارض معه وكأننا في الواقع أمام طريق واسعة تكون العراقيـل والخبـرات فيهـا كثيـرة
ومتنوعة، وهي تؤثر في عابر السبيل ولكن السبيل في اتساع فيه نوع من الوحدة والديمومة.
النظريات في الشخصية:
سوف نقف فيما يلي من الحديث عند أربع نظريات في الأنماط نأخذ أولاها من حضارة اليونان،
ونأخذ الثانية والثالثة والرابعة من الدراسات الحديثة:
أ) الأنماط عند أبيقراط: كان ابيقراط( ق.م) يرى أن الأمزجة تعود إلى أربعة أنماط، وقد اعتمد
في هذا التصنيف على العناصر التي يتكون منها الجسم الإنساني والإختلاطات التـي تتكـون
ضمنه والأنماط الأربعة كما يراها هي:
1 -المزاج الدموي: ويظهر معه الشخص نشطاً وسريعاً، وسهل الاستثارة من غير عمـق أو
طول مدة، وهو أميل إلى الضعف من ناحية المثابرة والدأب.
2 -المزاج الصفراوي: ويغلب عليه التسرع، وقلة السرور، وشدة الانفعال.
3 -المزاج السوداوي: ويغلب عليه الاكتئاب والحزن
4 -المزاج البلغمي أو اللمفاوي: ويغلب عليه التبلد والبطء، وضعف الانفعال وعدم الاكتراث.
ترجع هذه الأنماط الأربعة إلى غلبة واحد من أخلاط الجسد الأربعة وهي:
الدم والصفراء، والسوداء، والبلغم إلا أن ابيقراط يضيف إلى ذلك قوله: إن الإنـسان الـسوي
السليم هو الذي تمتزج عنده هذه الأمزجة الأربعة بنسب متفاوتة.
وقد بقي هذا التصنيف مقبولاً في أوروبا خلال العصور الوسطى وتـرك آثـاره فـي بعـض
الكتابات الأدبية.
ب) الأنماط عند يونغ: يعتبر التصنيف الثنائي للشخصية كما ظهر عند يونغ من أوسع أشـكال
التصنيف الحديثة انتشاراً أو تأثيراً لدى العاملين في هذا الحقل أو المتتبعين له يـرى يونـغ أن
هناك نمطين رئيسيين للشخصية: أحدهما المنطلق أو المنبسط والثاني المنطـوي أو المـنكمش
ويكون الاتجاه الرئيسي للأول نحو العالم الخارجي بينما يكون التمركز الرئيسي للثـاني حـول
ذات الشخص وداخله. يتميز المنطلق بحب الاختلاط، والمرح، وكثرة الحديث، وسهولة التعبير،
وحب الظهور، بينما يتميز الثاني بالحساسية والعوز، والتأمل الذاتي، والانكماش، والميل إلـى
العزلة، وقلة الحديث إن الاختلافات الأساسية بين النمطين كما ذكرها يونغ تشير إلى عدد مـن
الجوانب.
فالمنطلق يعمل بتأثير وقائع موضوعية بينما يتأثر المنطوي بعناصر أميل إلى أن تكون ذاتيـة
تأملية. وسلوك الأول يوجهه الشعور بالضرورة والحاج ة بينما يسير سلوك الثاني على قواعـد
ومبادئ عامة.
ويكون الأول أقوى على التكيف بيسر بينما يكون الثاني مقصراً من هذه الناحيـة. والعـصاب
الغالب في الأول هو الهستيريا، أما الغالب على الثاني فالقلق والوسواس المتـسلط، علـى أن
الحكم العام بالنسبة للنمطين يدعو إلى القول عن المنطلق انه رجل عمل وإجراء بينما يقال عن
الثاني انه رجل تأمل ومناقشة.
لا يقف يونغ عند هذا الحد من التصنيف الثنائي، بل يفصل الحديث في تعبير الإنسان ويجعلـه
في أشكال: فهناك المنطلق العقلاني، وهناك المنطلق اللاعقلانـي. وكـذلك هنـاك المنطـوي
العقلاني والمنطوي اللاعقلاني فإذا عرفنا أننا نميز عند العقلاني بين من تغلب عليـه صـفات
التفكير ومن تغلب عليه صفات المشاعر الانفعالية، فإننا نميز عندئذ بين منطلق عقلاني مفكـر
ومنطلق عقلاني مأخوذ بمشاعره الانفعالية. مثل هذا التمييـز موجـود كـذلك فيمـا يتـصل
بالمنطوي.
ولكل من هذه الأشكال صفاته وكذلك للشكل اللاعقلاني يضاف إلى ذلك أن اللاعقلانـي علـى
أشكال في النمطين، ولكل صفاته. وفيما يلي بيان تفصيلي بهذه الأشكال:
المنطلق: متجه عام نحو العالم الخارجي.
أـ المنطلق اللاعقلاني:
التفكير: مهتم بالواقع والتصنيف المنطقي، والحقيقة العملية.
الشعور الانفعالي: نزوع نحو التناسق مع العالم، صلات حارة مع الآخرين.
ب ـ العقلاني:
الإحساس: متجه نحو المصادر الاجتماعية والمادية للذة والألم، ونحو طلبات الآخرين.
الحدس: يستجيب للتغير، يحكم على الآخرين بسرعة، مغامر، مقامر.
المنطوي: متجه عامة نحو الذات والأمور الخاصة.
أـ المنطوي العقلاني:
التفكير: نظري، تأملي يدور حول الأفكار، غير عملي.
الشعور الانفعالي: نزوع نحو التناسق الداخلي، مشغول بأحلامه الخاصة ومشاعره.
ب ـ المنطوي اللاعقلاني:
الإحساس: متجه نحو اكفاء الخبرة الحسية.
الحد س: متجه نحو التأمل الذاتي،(سويعاتي) ومأخوذ بالطقوس.
ج) الأنماط عند بافلوف: انطلق بافلوف في الخطاب الذي ألقاه في مؤتمر الجـراحين الـروس
يوم/ 6 كانون الأول 1927م من ثلاثة منطلقات أساسية عند شرح نظريته عن أنماط الشخصية.
يذهب في الأول إلى أن الجهاز العصبي هو مرك ز الفعاليات النفسية، وأن ما يـسميه بعـضهم
بالارتباطات النفسية ليس إلا ارتباطات فزيولوجية وان مختلف الدراسات المخبرية التي قام بها
لفترة طويلة من الزمن تعطي دليلاً كافياً على ذلك. ويذهب في الثاني إلى أن هناك ظـاهرتين
أساسيتين في التكوين النفسي للإنسان( والحيوان) هما عمليتا الإثارة والكف، وانهما مترابطتـان،
وان فعالية الإنسان( والحيوان) منطلق منهما باستمرار، وأن الأولى تمثل نشاط الإنسان وإنتاجه
بينما تمثل الثانية، وهي الكف، النزوع إلى الراحة واستعادة النشاط وحماية الخلايا من الإعيـاء
والإفراط في صرف الطاقة أما المنط لق الثالث فالقول بأن الإنسان يحمل قدرة علـى التكيـف،
وأنه في ذلك يحمل الكثير من الأفعال المنعكسة الطبيعية التي تُرى ثابتة ومتناسبة مع مؤثرهـا
الأصلي، والكثير من الأفعال المنعكسة الشرطية التي تكون مكتسبة وقابلة للتعديل والتحويـل،
من هذه المنطلقات يأتي بافلوف للحديث عن أنماط المزاج عند الإنسان عن طريق الحديث عن
الأنماط التي يجدها عند الكلب على أساس أن التشابه في التكوين الفزيولوجي بين الاثنين يكفي
لمثل هذا التعميم فهناك أولاً نمطان متطرفان يقابل أحدهما الإثارة وشدتها ويقابل الثاني الكـف
وهدوءه.
وهناك ثانياً حال مت وسط معتدل عنده شيء من الطرفين ولذلك فهو متوازن. ولكن هذا الحـال
المتوسط يعود، هو نفسه، إلى نمطين تبعاً لغلبة الإثارة أو الكف؛ فتكون الإثارة هي الغالبة فـي
أحدهما، ويكون الكف هو الغالب في الثاني. وهكذا نحصل على أنماط أربعة للأمزجة كما يقول
بافلوف، وهي كما يلي:
المندفع الذي يتميز بشدة الاستثارة، والاندفاع، والطيش وكثرة التسلط، والعدوانية ويبـدو ذلـك
واضحاً عند الحيوان الذي يميل إلى العدوان.
الخذول الذي يتميز بضعف النشاط، وتطرف الهـدوء، والاكتئـاب والـسكينة، والخـضوع والتخاذل
النشط المتزن الذي يتميز بالاعتدال مع ظهو ر النشاط وكثرة الحركة والملل الـسريع حـين لا
يوجد ما يشغله، وهو فعال ومنتج.
الهادئ المتزن الذي يتميز بالقبول والمحافظة والرزانة، وهو عامل جيد ومنظم.
وينعطف بافلوف نحو الأنماط عند ابيقراط ليقارن بينها وبين ما قال به هو يقـول بـافلوف أن
ابيقراط قد اقترب من الحق يقة كثيراً من حيث قوله بالأنماط الأربعة للمزاج، ولكنه ابتعـد عمـا
يقبله العلم الحديث في الأساس الذي اعتمده في ذلك التصنيف..
والمقارنة بين الأنماط في الطرفين تقود إلى ما يلي:
أ ـ يقابل مزاج المندفع الذي يقول به بافلوف المزاج الصفراوي الذي يقول به ابيقراط.
ب ـ يقابل مزاج الخذول عند بافلوف المزاج السوداوي الذي يقول به ابيقراط.
جـ ـ يقابل مزاج النشط المتزن عند بافلوف المزاج الدموي الذي يقول به ابيقراط.
د ـ أما مزاج الهادئ المتزن الذي يقول به بافلوف فيقابله عند ابيقـراط المـزاج البلغمـي أو
اللمفاوي.
ويعرج بافلوف على الاضطرابات النفسية ليقول بأن نسبة من يأتي إلى العيادة مـن النمطـين
الأولين المتطرفين، المندفع والخذول هي أعلى بكثير من نسبة من يأتي من النمطين المعتـدلين
أو المتزنين والظاهر أن تمكن الأخير من التكيف مع شروط الحياة ومواجهتها بما يجـب دون
تطرف هو أقوى من تمكن الأولين فإذا أخذنا ما يغلب من اضطراب في النمطين الأولين وجدنا
الغلبة للوهن العصبي في حالة المندفع والهستيريا في حالة الخذول.
هـ) الأنماط عند شلدون: أوضح شلدون في نظريته عن الشخصية أنها ترجع إلى ثلاثة أنماط
مزاجية، وان كل نمط من أنماط الشخصية يقابل تركيباً جسمياً معيناً وهو في هـذا التـصنيف
يعود إلى تركيب الجسم وما يغلب عليه من حيث الوزن، ونمو العضلات والطول، وما يتـصل
بها، ليقول في النهاية بوجود ثلاثة أشكال من التركيب، ويرى كذلك أن هذه الأشـكال الثلاثـة
تتمايز بتأثير من عوامل التعلم واحتياجات الجسم وإشباعها وتطمينه ثم ينتهي من بحثـه إلـى
القول بوجود أنماط للشخصية تقابل أشكال تركيب الجسم الثلاثة.
وحين تسمية هذه الأنماط نجده يشتق الأسماء من النزوع البادي فيها إلى حاجات الطعـام فـي
التركيب الأول والحركة والنشاط في الثاني، وعمل الدماغ في الثالث هذه الأنماط الثلاثة هـي
الت الية:
النمط الحشوي: وهو نمط الشخصية الذي يقابل تركيب الجسم الموصوف عامة بصفة ( الداخلي
التركيب) ويغلب عليه الاسترسال في ممارسة ما يتصل بشؤون التغذيـة والـشؤون العاطفيـة
والاجتماعية وإننا هنا أمام شخص ينام بسهولة ولا يستفيق خلال الليل بسهولة انه يميـل إلـى
الأكل ميلاً زائداً، وينزع نحو البعد عن الحساسية والقلق وعدم الاطمئنان وهو يتميز بـسهولة
التوافق الاجتماعي وبحسن الصداقة مع كل من يعرفه، أنه بدين غالباً، مـستدير الجـسم عنـد
وسطه، وزنه العام أعظم من نسبة ما عنده من عضلات، وميله إلى الراحة والاسترخاء ظاهر.
النمط الجسمي: وهو نمط الشخصية الذي يقابل تركيب الجسم المسمى( المعتدل التركيب) يتميز
هذا النمط بتحمل الألم برضى وإرادة، والنزوع إلى السيطرة والعمل، وهو حين يتحـدث إلـى
آخر ينظر إليه وإلى عينيه مباشرة، عنده ميل صادق نحو التدرب الرياضـي القاسـي، يحـب
الحمام البارد والسباحة عا رياً والاشتراك في مغامرات تتطلب جهداً جسدياً شـديداً انـه يمثـل
المزاج الرياضي ويتميز بالتناسق الجسدي والحركة.
النمط المخي: وهو نمط الشخصية الذي يقابل تركيب الجسم المسمى( الخارجي التركيـب) انـه
شخص لا يتحمل الألم برضى وإرادة، ويميل إلى الحساسية وسرعة الانفعال، ولا يجد متعة في
مجرد رفقة الآخرين ولا يعد هذه الرفقة عنصراً هاماً. انه يفضل عدداً قليلاً من الأصدقاء على
العدد الكبير، ولا يبدي الصداقة بسهولة ثم انه لا يؤثر الاشتراك في مغامرات تتطلـب جهـداً
جسمياً شديداً ولا يحب السباحة عارياً والغالب عنده أن يكون نحيلاً.
ما هي مكونات الشخصية؟
يرى بعض العلماء أن الشخصية في الأعماق بناء ثلاثي التكوين، وأن كل جانـب فـي هـذا
التكوين يتمتع بصفات وميزات خاصة، وأن الجوانب الثلاثة تؤلف في النهاية وحـدة متفاعلـة
ومتماسك ة هي الشخصية، هذه الجهات أو الجوانب الثلاثة هي:
الهو) ، و( الأنا) ، و( الأنا الأعلى).
أما( الهو): فذلك القسم الأولي المبكر الذي يضم كل ما يحمله الطفل معه منذ الولادة من الأجيال
السابقة وانه يحمل ما يسميه فرويد الغرائز ومن بينها غرائز اللذة والحياة والموت.
وهو يعمل تحت سيطرة ما يضمه منها. وما هو موجود فيه لا يخـضع إذن لمبـدأ الواقـع أو
مبادئ العلاقات المنطقية للأشياء بل يندفع بمبدأ اللذة الابتدائي، وكثيراً ما ينطوي على دوافـع
متضاربة.
انه لا شعوري وهو يمثل الطبيعة الابتدائية والحيوانية في الإنسان.
وأما( الأنا): فينشأ ويتطور لأن الطفل لا يستطيع أن يشبع دوافع ( الهو) بالطريقة الابتدائية التـي
تخصها، ويكون عليه أن يواجه العالم الخارجي وان يكتسب من بعض الصفات والمميزات وإذا
كان ( الهو) يعمل تبعاً لمبادئه الابتدائية الذاتية، فإن( الأنا) يستطيع أن يميز بين حقيقـة داخليـة
وحقي قة واقعية خارجية.
فالأنا من هذه الناحية يخضع لمبدأ الواقع، ويفكر تفكيراً واقعياً موضوعياً ومعقولاً يسعى فيـه
إلى أن يكون متمشياً مع الأوضاع الاجتماعية المقبولة.
هكذا يقوم ( الأنا) بعملين أساسين في نفس الوقت:
أحدهما أن يحمي الشخصية من الأخطار التي تهددها في ا لعالم الخارجي، والثاني أن يوفر نشر
التوتر الداخلي واستخدامه في سبيل إشباع الغرائز التي يحملها( الهو) وفي سبيل تحقيق الغرض
الأول يكون على الأنا أن يسيطر على الغرائز ويضبطها لأن إشـباعها بالطريقـة الابتدائيـة
المرتبطة معها يمكن أن يؤدي إلى خطر على الشخص.
فالاعتد اء على الآخرين بتأثير التوتر الناشئ عن الغضب يمكن أن يؤدي إلى رد الآخـرين رداً
يمكن أن يكون خطراً على حياة المعتدي نفسه وهكذا يقرر الأنا (متى) و( أين) و(كيف) يمكـن
لدافع ما أن يحقق غرضه ـ أي أن على ( الأنا) أن يحتفظ بالتوتر حتى يجد الموضوع المناسب
لنشره. وهكذ ا يعمل الأنا طبقاً لمبدأ ( الواقع) مخضعاً مبدأ اللذة لحكمه مؤقتاً.
ونأتي إلى الجانب الثالث وهو الأنا الأعلى: هنا نجد أنفسنا أمام حاضن للقيم والمثل الاجتماعية
والدينية التي ربى الطفل عليها في بيته ومدرسته ومجتمعه. ( فالأنا الأعلـى) يمثـل الـضمير
المحاسب، وهو يتج ه نحو الكمال بدلاً من اللذة، ولهذا ( الأنا الأعلى) مظهران، الضمير والأنـا
المثالي. يمثل الأول الحاكم بينما يمثل الثاني القيم.
فإذا أردنا تلخيص هذا البناء الثلاثي الداخلي للشخصية كما يراه بعض العلماء قلنا ما يلي:
إن الأنا هو الذي يوجه وينظم عمليات تكيف الشخصي ة مع البيئة، كما ينظم ويـضبط الـدوافع
التي تدفع بالشخص إلى العمل، ويسعى جاهداً إلى الوصول بالشخصية إلى الأهداف المرسومة
التي يقبلها الواقع، والمبدأ في كل ذلك هو الواقع.
إلا أنه مقيد في هذه العمليات بما ينطوي عليه ( الهو) من حاجات، وما يصدر عن ( الأنا الأعلى)
وما يتطلبه ( الهو) وما يمليه ( الأنا الأعلى) كان في حالة من الصراع يحدث أحياناً أن يقوده إلى م ن أوامر ونواهي وتوجيهات فإذا عجز عن تأدية مهمته والتوفيق بين ما يتطلبه العالم الخارجي
الاضطرابات النفسية.
نظرية السمات في الشخصية:
يميل الاتجاه الموضوعي في بحث الشخصية وقياسها إلى النظر إليها على أنها تركيـب يـضم
مجموعة من السمات يمكن كشفها ووضعها وإخضاعها للقياس في واحد أو أكثر مـن أشـكاله
المتعددة. ولنبحث أولاً مفهوم السمة.
كيف نفهم السمة: يمر الشخص بظروف متنوعة الشروط خلال حياته اليومية ويواجهها بأشكال
من السلوك فإذا جعلنا هذا الشخص موضوع ملاحظة تبين لنا من سلوكه انه ينقل خبرات لديـه
من ميدان أو إطار سابق إلى آخر، وأن ثمة صفات يتكرر ظهورها في أشكال من سلوكه.
لنأخذ مثالاً من حياة إنسان، نلاحظه في مواقف تتطلب تحمل المسؤولية، نقف عند شـاب فـي
السنة الثالثة من دراسته الجامعية ونلاحظ سلوكه اليومي لعدد من الأيام. إن من جملة ما نـراه
عنده انه يتابع دراسته بانتظام، وانه يعد ما يطلب منه من مهمات بشكل مناسب فإذا دعي إلـى
إبداء الرأي أعرب عن رأيه ودافع عنه. وإذا كلف بإعداد رحلة يشارك فيها زمـلاؤه أعـدها
شاعراً بمسؤوليته عن كل جزء منها.
وحين يجتمع مع الآخرين يبدو عليه مصغياً لما يقال، بعيداً عن السرعة في الانفعال، حريـصاً
على أن يعطي كل إنسان حقه وأن يحمل كل إنسان مسؤولية عمله، فإذا وقع منه ما يمكـن أن
يلام عليه، وكان مخطئاً أو مقصراً، اعترف بمسؤوليته وأنكر على بعض الناس اتكالهم علـى
غيرهم وتقلبهم وتحميل الآخرين مسؤوليات أخطائهم إننا هنا أمام عدد مـن ظـروف الحيـاة
وأشكال من سلوك هذا الشاب أن بين ظروفه التي نطالع أمرها شيئاً من الاشـتراك بـشرط أو
أكثر وبين أشكال سلوكه التي لاحظناها عنصر مشترك ينساب فيها كلها وهو نزوعه الإيجـابي
نحو تحمل المسؤولية. إننا نعتبر هذا النزوع الإيجابي تعبيراً عن سمة من سمات الشخصية، أما
تنظيمه الأمور، ودأبه، وإصغاؤه، وتصميمه، فأشكال من السلوك تنعكس فيهـا هـذه الـسمة؛
والسمة إذاً هي اصل فيما يتميز به الشخص، وهي تبطن أشكال سلوكه الظاهر.
بناءاً على هذا نستطيع الوصول إلى ما يلي من النتائج التي تشكل الأساس في نظرية السمات:
إن كل سمة هي نزوع لدى الشخص للاستجابة بطريقة معينة نحو نوع من المؤثرات.
إن لدى كل شخص عدداً من السمات، ومجموعها هو الذي يميز الشخصية.
كيف يحدث تكون الشخصية؟
- الاستعدادات الأولية: يولد الإنسان مزوداً بعدد غير قلي ل من الاستعدادات السلوكية انه يقـوم
بعدد من الأفعال المنعكسة المتخصصة البسيطة، كما يقوم بعدد من الأفعال المعقدة الآتية عـن
نظام الأفعال المنعكسة البسيطة.
ب - عملية التعلم: هناك عدة مفاهيم تفسر عملية التعلم وتشرح ما يوجد في الأسس منها، وبين
أهم هذه المفاهيم ما يلي: الدافع أو الحاجة المثيرة الاستجابة، الإشراط، التعزيز.
أما الدافع: فقوة محركة تدفع بالفرد إلى العمل من اجل إشباع غرض الدافع أو الحاجة قد يكون
هذا الدافع حاجة أولية وهو عندئذ متصل بالتركيب البيولوجي للإنسان.
وأما المثير: فهو تلك الإشارة التي توجه الاستجابة لتصدر عن الإنسان.
والمقصود من الاستجابة: ذلك السلوك البسيط أو المعقد الذي يدفع إليه الدافع لمواجهة المثيـر
وتلبية غرض الدافع نتيجة ذلك.
أما الارتباط بين المثير والاستجابة فيفسره الإشراط.
ويأتي بعد ذلك مصطلح ا لتعزيز وما يرتبط به من إطفاء أو تثبيط ويكون التعزيز العملية التـي
تساعد في تقوية الارتباط بين المثير والاستجابة.
ج - تعلم الدوافع الثانوية: يتم تكوين الدوافع الثانوية أو الشخصية استناداً إلى عمليـات الـتعلم،
وتقوم هذه الدوافع بوظائف مهمة في حياة الإنسان سواء كانت باتجاه ما هو مناسب وسـوي أم
كانت باتجاه آخر.
الخلاصـــــة:
لكل فرد شخصيته المتميزة، ولكنه في الوقت نفسه مشترك مع الآخرين في الكثير من مظاهر
تلك الشخصية إن في الشخصية نوعاً من الثبات يبدو في أساليبها واتجاهاتها وشعورها
باستمرار هويتها، ولكن فيها كذلك نوعاً من التغير وإلا لما كان من الممكن فهم النمو والتربية
ومن هنا يكون أمر إحاطة الشخصية بتعريف شامل أمراً صعباً قد يتجه التعريف نحو تميزها
عن غيرها وقد يتجه نحو ائتلاف الصفات التي تكونها وتنطوي عليها، وقد يذهب إلى ما يبدو
في سماتها أو إجراءاتها ومن هنا نصادف عدداً غير قليل من أشكال تعريف الشخصية.
بالتــــــــــــــــــــــــوفـــــــيــق
الدرس الثاني في مادة الفلسفة للسنة الثانية ثانوي شعبة اداب وفلسفة
الدرس : الشخصية
إذا نظرنا إلى الناس في أقوالهم وأفعالهم رأينا أن كل شخص منهم فرد يختلف عن غيره مـن جهة، ويشترك معه في عدد من النواحي من جهة أخرى، وأن الاختلاف يبقى دائماً رغم وجود عدد من نواحي الاشتراك.
لذلك نستطيع القول بأن كل إنسان يشبه كل الناس من جهة، ويشبه بعض النـاس مـن جهـة أخرى، وهو متميز من جهة ثالثة حيث إنه ينتمي إلى نوع الإنسان ويحمل خصائصه الإنـسانية العامة، ويشبه عدداً من الناس في بعض تصرفاتهم ومظاهر سلوكهم، ولكنه يبقى متميزاً متفرداً من حيث هو شخص.
ثم إننا كذلك نرى أن الفرد في تفاعل مستمر مع الشروط والظروف التي تحيط به: فهو يأخـذ منها ويتحمل آثارها من جهة، وهو يحدث فيها نوعاً من الفعل من جهة ثانية. انـه كثيـراً مـا
يواجه ظروفه بنجاح ويتكيف معها تكيفاً مناسباً، وكثيراً ما يفشل في مواجهتها بما يلـزم، وقـد يطول فشله، وقد يصبح تكيفه معها غير مناسب وغير مرض
معنى الشخصية وخصائصها:
احتلت الشخصية مكانة هامة في الدراسات النفسية خلال السنوات الأربعين الأخيرة. ويـصدق
هذا القول في حال دراسة الشخصية السوية كما يصدق في حال دراسة الشخصية المضطربة.
وقد ساعد على تأكيد هذه المكانة عدد من العوامل كان من بينها النظر إلى السلوك علـى انـه
يحصل لشخصية تعمل من حيث هي وحدة متكاملة وفيها كل ما تنطوي عليـه مـن عناصـر
ومركبات ودوافع وقدرات إلا أن هذا الاهتمام العظيم بالشخصية لا يسلم من الاخـتلاف فـي
المنحى الذي تأخذه الدراسات التي تجعلها موضوعاً وذلك على الرغم من وجود اتفـاق حـول
اعتماد الطريقة العلمية في البحث.
ومن الممكن رؤية هذا الاختلاف في أول مسألة نعرض لها وهي تعريف الشخصية أو تحديدها.
2 تعريف الشخصية:
يظهر الشخص نامياً متطوراً، من جهة، ويظهر من جهة أخرى، ثابتاً نوعاً مـن الثبـات فـي
مواقفه واتجاهاته. يبدو متفرداً متميزاً عن غيره، من جهة، ومشابهاً غيره، من جهـة أخـرى.
وهو كلٌ موحد، أو وحدة متكاملة، من طرف، ولكنه يرى ويبحث فـي عـدد مـن الجوانـب
والجهات المتمايزة من طرف آخر فكيف نعرف هذا التركيب الذي يبدو من خلال هذه الزوايـا
المتعددة؟
تعريف الشخصية من حيث المعنى اللغوي للكلمة:
الشخص، في اللغة العربية، هو (سواد الإنسان وغيره يظهر من بعد)
وقد يراد به الذات المخصوصة، وتشاخص القوم ( اختلفوا وتفاوتوا) أما(الشخصية) فكلمة حديثه
الاستعمال لا يجدها الباحث في أمهات معاجم اللغة العربية، فإذا وجدت في بعض الحديث منها
فهي تعني (صفات تميز الشخص من غيره)، وكان استعمالها قائماً على معنى الشخص أي على
معنى كل ما في الفرد مما يؤلف شخصه الظاهر الذي يرى من بعد، وعلى مفهوم التفاوت.
أمــا فــي اللغتــين الإنكليزيــة والفرنــسية، فكلمــة الشخــصية، (personality
persona ; eacute& personnalit (وتعني هذه الكلمة القناع الذي كان يلبـسه الممثـل فـي
العصور القديمة مشتقة من الأصل اللاتيني حين كان يقوم بتمثيل دور، أو حين بمظهر معـين
أمام الناس فيما يتعلق بما يريد أن يقوله أو يفعله. كان يريد الظهور وقد أصبحت الكلمة،
على هذا الأساس، تدل على المظهر الذي يظهر فيه الشخص وبهذا المعنى تكون( ا لشخصية) ما
يظهر عليه الشخص في الوظائف المختلفة التي يقوم بها على مسرح الحياة.
تعريف الشخصية من حيث هي مجموعة مكونات:
ينظر مورتن برنس إلى الشخصية من حيث هي اجتماع لعدد مـن العناصـر أو لعـدد مـن
المكونات الأساسية. وهو يقول عنها في كتابه عن اللاشعور: (الشخصية هي كل الاسـتعدادات
والنزعات والميول والغرائز والقوى البيولوجيـة الفطريـة والموروثـة، وهـي كـذلك كـل
الاستعدادات والميول المكتسبة من الخبرة.
وتعريف مثل هذا نجده عند عدد غير قليل من المشتغلين وبخاصة منهم من بحث الشخصية في
الثلاثينات والأربعينات من عصرنا الحالي.
تعريف الشخصية من حيث التكيف مع المحيط حولها:
تأخذ التعريفات التي تنطلق في تحديد الشخصية من عمليات التكيف التي تمر بها ـ تأخذ هـذه
التعريفات أكثر من اتجاه فبينها ما يلح على عمليات التكيف وعلى مجموعة من العناصر يـرى
أن الشخصية تنطوي عليها. وبينها ما يلح على وجود نظام في الشخصية يعمـل فـي توجيـه
التكيف. وفيها ما يجمع بين وجهتين من خلال تطور نظرية خاصة في الشخصية.
يرى Bowden باودن أن الشخصية (.... هي تلك الميول الثابتة عند الفرد التي تنظم عمليـة
التكيف بينه وبين بيئته ( ويرى برت) أن الشخصية (... هي ذلك النظام الكامـل مـن الميـول
و الاستعدادات الجسمية والعقلية، الثابتة نسبياً، التي تعد مميزاً خاصـاً للفـرد، والتـي يتحـدد
بمقتضاها أسلوبه الخاص في التكيف مع البيئة المادية والاجتماعية ويأخذ ( ايسنك) (موقفاً يقترب
من موقف برت بعض الشيء حين يقول عن الشخصية (.... أنها التنظيم الثابت المستمر نسبياً
لخُلق الشخص ومزاجه وعقله وجسده، وهذا التنظيم هو الذي يحدد تكيفه الفريد مع محيطـه) ا
البورت فيمر على بعض التطور في تعريفه الشخصية انه يقول في مطلع أبحاثه عن الشخصية
أن (الشخصية هي التنظيم الديناميكي في نفس الفرد لتلك المنظومات الجسمية النفسية التي تحدد
أشكال التكيف الخاصة لديه مع البيئة) .
ويقول في مناسبة لاحقة أن الشخصية ( هي تلك الصيغة التي يتطور إليها الشخص ليضمن بقاءه
وسيادته ضمن إطار وجوده).
الثبات والتغير في الشخصية:
تجتمع في الشخصية خاصيتان أساسيتان، تظهر الأولى على شكل ثبات في الشخصية، وتظهر
الثانية في التغير والتطور اللذين ينالانها خلال تاريخ حياتها. فكيف نفهـم هـاتين الخاصـيتين
المتلازمتين، وما هي النتائج التي تترتب على وجودهما.
4 ثبات الشخصية: يتألف من:
1 (الثبات في الأعمال: يظهر هذا النوع من الثبات في اتجاهاتنا المختلفة التي يعكسها سـلوكنا
في أشكاله المختلفة، وبخاصة ما كان منها متصلاً بطريقة تعاملنا مـع الآخـرين واحتـرامهم
والتصرف بشؤونهم.
هنا نلاحظ كيف يظهر أحدنا متجهاً نحو اللف والدوران في التعامل مع الآخرين، كمـا يظهـر
الآخر معتمداً في أعماله قوا عد من نوع احترام مصلحة الآخرين، وحقوقهم، والـشعور تجـاه
الكلمة والحركة.
2 (الثبات في الأسلوب: هنالك نوع آخر من الثبات في الشخصية يمكن أن يسمى الأسـلوب أو
التعبير، ونعني به ما يظهر عليه أي عمل مقصود نقوم به. فالطريقة التي تتبع فـي الإمـساك
بلفافة التبغ وتدخينها يمكن أن تكون مثالاً واضحاً لما هو مقصود هنا من الأسلوب أو التعبيـر،
وكذلك الأمر في طريقة إمساكنا بالقلم حين الكتابة. وقد كان من بين الدراسات الواسـعة لهـذه
الظاهرة تلك التي قام بها اولبورت ( وف رنون). وكان موضوع دراستهما الحركات التعبيرية وقد
لاحظنا أن عدداً من الحركات التعبيرية يميل إلى البقاء مع بعضها وإلى الثبات لدى الفرد حين
يمر بمناسبات مختلفة.
3 (الثبات في البناء الداخلي: إن أقوى ما يظهر عليه الثبات هو الثبات في البنـاء الـداخلي،
ونعني بذلك الأسس العميقة التي تقوم عليها الشخصية ومن هنا نفهم تعريف باودن للشخـصية
حين يقول أنها تلك الميول الثابتة عند الفرد التي تنظم عملية التكيف بينه وبين بيئته.
4 (الثبات في الشعور الداخلي: لقد نوقش الثبات من حيث شعور الفرد داخلياً باستمرار وحـدة
شخصيته. واخذ الثبا ت ضمن النقاش أكثر من اسم فقد أطلق عليه أحياناً اسم هوية الـشخص،
كما أطلق عليه أحياناً أخرى اسم وحدة الشخصية وهو إنما يظهر بالواقع في شعور الفرد داخلياً
وعبر حياته باستمرار وحدة شخصيته وهويتها وثباتها ضمن الظروف المتعددة التي تمر بهـا،
كما يظهر بوضوح في وحدة الخبرة التي يمر بها في الحاضر واستمرار اتصالها مع الخبـرة
الماضية التي كان يمر بها.
5 تغير الشخصية: إن الثبات الذي كنا نتحدث عنه ليس في الواقع إلا ثباتاً نسبياً. وهو بهذا المعنى
بعيد عن أن يكون سكوناً أو استمراراً أبدياً في وضع واحد إن صفات الحركة والنمو والتغيـر
والانطلاق التي تعبر عن(ديناميكية الشخصية) صفات أساسية لها فالشخص يمر خلال طفولتـه
بأشكال مختلفة من النمو في نواح متعددة من بنائه، وهو يتغير ويتطور خلال هذا النمـو، أنـه
ينمو من حيث معارفه، ومن حيث قدراته ونوعيتها ومستواها، وينمو في أشكال خبرته ومواقفه
من المؤثرات التي تحيط به انه يتفاعل بشكل مستمر مع ما يحيط به، ويترك هذا التفاعل آثاره
في مكونات شخصه إن صفة التغير أساسية عنده. وحين يصل إلى مرحلة الرشد التي نستطيع
أن نقول عنها أن مظهر الثبات قد أصبح الغالب فيها، فإن التطور في الشخص يبقى مع ذلـك
مستمراً وإلا لما أمكن فهم ما يصيب الفرد والمجتمع من تطور وتقدم، وما يصيب الشخـصية
الشاذة من تعديل بتأثير العلاج، إن هذا التغير في الشخصية ملاصق لثباتهـا النـسبي وغيـر
متعارض معه وكأننا في الواقع أمام طريق واسعة تكون العراقيـل والخبـرات فيهـا كثيـرة
ومتنوعة، وهي تؤثر في عابر السبيل ولكن السبيل في اتساع فيه نوع من الوحدة والديمومة.
النظريات في الشخصية:
سوف نقف فيما يلي من الحديث عند أربع نظريات في الأنماط نأخذ أولاها من حضارة اليونان،
ونأخذ الثانية والثالثة والرابعة من الدراسات الحديثة:
أ) الأنماط عند أبيقراط: كان ابيقراط( ق.م) يرى أن الأمزجة تعود إلى أربعة أنماط، وقد اعتمد
في هذا التصنيف على العناصر التي يتكون منها الجسم الإنساني والإختلاطات التـي تتكـون
ضمنه والأنماط الأربعة كما يراها هي:
1 -المزاج الدموي: ويظهر معه الشخص نشطاً وسريعاً، وسهل الاستثارة من غير عمـق أو
طول مدة، وهو أميل إلى الضعف من ناحية المثابرة والدأب.
2 -المزاج الصفراوي: ويغلب عليه التسرع، وقلة السرور، وشدة الانفعال.
3 -المزاج السوداوي: ويغلب عليه الاكتئاب والحزن
4 -المزاج البلغمي أو اللمفاوي: ويغلب عليه التبلد والبطء، وضعف الانفعال وعدم الاكتراث.
ترجع هذه الأنماط الأربعة إلى غلبة واحد من أخلاط الجسد الأربعة وهي:
الدم والصفراء، والسوداء، والبلغم إلا أن ابيقراط يضيف إلى ذلك قوله: إن الإنـسان الـسوي
السليم هو الذي تمتزج عنده هذه الأمزجة الأربعة بنسب متفاوتة.
وقد بقي هذا التصنيف مقبولاً في أوروبا خلال العصور الوسطى وتـرك آثـاره فـي بعـض
الكتابات الأدبية.
ب) الأنماط عند يونغ: يعتبر التصنيف الثنائي للشخصية كما ظهر عند يونغ من أوسع أشـكال
التصنيف الحديثة انتشاراً أو تأثيراً لدى العاملين في هذا الحقل أو المتتبعين له يـرى يونـغ أن
هناك نمطين رئيسيين للشخصية: أحدهما المنطلق أو المنبسط والثاني المنطـوي أو المـنكمش
ويكون الاتجاه الرئيسي للأول نحو العالم الخارجي بينما يكون التمركز الرئيسي للثـاني حـول
ذات الشخص وداخله. يتميز المنطلق بحب الاختلاط، والمرح، وكثرة الحديث، وسهولة التعبير،
وحب الظهور، بينما يتميز الثاني بالحساسية والعوز، والتأمل الذاتي، والانكماش، والميل إلـى
العزلة، وقلة الحديث إن الاختلافات الأساسية بين النمطين كما ذكرها يونغ تشير إلى عدد مـن
الجوانب.
فالمنطلق يعمل بتأثير وقائع موضوعية بينما يتأثر المنطوي بعناصر أميل إلى أن تكون ذاتيـة
تأملية. وسلوك الأول يوجهه الشعور بالضرورة والحاج ة بينما يسير سلوك الثاني على قواعـد
ومبادئ عامة.
ويكون الأول أقوى على التكيف بيسر بينما يكون الثاني مقصراً من هذه الناحيـة. والعـصاب
الغالب في الأول هو الهستيريا، أما الغالب على الثاني فالقلق والوسواس المتـسلط، علـى أن
الحكم العام بالنسبة للنمطين يدعو إلى القول عن المنطلق انه رجل عمل وإجراء بينما يقال عن
الثاني انه رجل تأمل ومناقشة.
لا يقف يونغ عند هذا الحد من التصنيف الثنائي، بل يفصل الحديث في تعبير الإنسان ويجعلـه
في أشكال: فهناك المنطلق العقلاني، وهناك المنطلق اللاعقلانـي. وكـذلك هنـاك المنطـوي
العقلاني والمنطوي اللاعقلاني فإذا عرفنا أننا نميز عند العقلاني بين من تغلب عليـه صـفات
التفكير ومن تغلب عليه صفات المشاعر الانفعالية، فإننا نميز عندئذ بين منطلق عقلاني مفكـر
ومنطلق عقلاني مأخوذ بمشاعره الانفعالية. مثل هذا التمييـز موجـود كـذلك فيمـا يتـصل
بالمنطوي.
ولكل من هذه الأشكال صفاته وكذلك للشكل اللاعقلاني يضاف إلى ذلك أن اللاعقلانـي علـى
أشكال في النمطين، ولكل صفاته. وفيما يلي بيان تفصيلي بهذه الأشكال:
المنطلق: متجه عام نحو العالم الخارجي.
أـ المنطلق اللاعقلاني:
التفكير: مهتم بالواقع والتصنيف المنطقي، والحقيقة العملية.
الشعور الانفعالي: نزوع نحو التناسق مع العالم، صلات حارة مع الآخرين.
ب ـ العقلاني:
الإحساس: متجه نحو المصادر الاجتماعية والمادية للذة والألم، ونحو طلبات الآخرين.
الحدس: يستجيب للتغير، يحكم على الآخرين بسرعة، مغامر، مقامر.
المنطوي: متجه عامة نحو الذات والأمور الخاصة.
أـ المنطوي العقلاني:
التفكير: نظري، تأملي يدور حول الأفكار، غير عملي.
الشعور الانفعالي: نزوع نحو التناسق الداخلي، مشغول بأحلامه الخاصة ومشاعره.
ب ـ المنطوي اللاعقلاني:
الإحساس: متجه نحو اكفاء الخبرة الحسية.
الحد س: متجه نحو التأمل الذاتي،(سويعاتي) ومأخوذ بالطقوس.
ج) الأنماط عند بافلوف: انطلق بافلوف في الخطاب الذي ألقاه في مؤتمر الجـراحين الـروس
يوم/ 6 كانون الأول 1927م من ثلاثة منطلقات أساسية عند شرح نظريته عن أنماط الشخصية.
يذهب في الأول إلى أن الجهاز العصبي هو مرك ز الفعاليات النفسية، وأن ما يـسميه بعـضهم
بالارتباطات النفسية ليس إلا ارتباطات فزيولوجية وان مختلف الدراسات المخبرية التي قام بها
لفترة طويلة من الزمن تعطي دليلاً كافياً على ذلك. ويذهب في الثاني إلى أن هناك ظـاهرتين
أساسيتين في التكوين النفسي للإنسان( والحيوان) هما عمليتا الإثارة والكف، وانهما مترابطتـان،
وان فعالية الإنسان( والحيوان) منطلق منهما باستمرار، وأن الأولى تمثل نشاط الإنسان وإنتاجه
بينما تمثل الثانية، وهي الكف، النزوع إلى الراحة واستعادة النشاط وحماية الخلايا من الإعيـاء
والإفراط في صرف الطاقة أما المنط لق الثالث فالقول بأن الإنسان يحمل قدرة علـى التكيـف،
وأنه في ذلك يحمل الكثير من الأفعال المنعكسة الطبيعية التي تُرى ثابتة ومتناسبة مع مؤثرهـا
الأصلي، والكثير من الأفعال المنعكسة الشرطية التي تكون مكتسبة وقابلة للتعديل والتحويـل،
من هذه المنطلقات يأتي بافلوف للحديث عن أنماط المزاج عند الإنسان عن طريق الحديث عن
الأنماط التي يجدها عند الكلب على أساس أن التشابه في التكوين الفزيولوجي بين الاثنين يكفي
لمثل هذا التعميم فهناك أولاً نمطان متطرفان يقابل أحدهما الإثارة وشدتها ويقابل الثاني الكـف
وهدوءه.
وهناك ثانياً حال مت وسط معتدل عنده شيء من الطرفين ولذلك فهو متوازن. ولكن هذا الحـال
المتوسط يعود، هو نفسه، إلى نمطين تبعاً لغلبة الإثارة أو الكف؛ فتكون الإثارة هي الغالبة فـي
أحدهما، ويكون الكف هو الغالب في الثاني. وهكذا نحصل على أنماط أربعة للأمزجة كما يقول
بافلوف، وهي كما يلي:
المندفع الذي يتميز بشدة الاستثارة، والاندفاع، والطيش وكثرة التسلط، والعدوانية ويبـدو ذلـك
واضحاً عند الحيوان الذي يميل إلى العدوان.
الخذول الذي يتميز بضعف النشاط، وتطرف الهـدوء، والاكتئـاب والـسكينة، والخـضوع والتخاذل
النشط المتزن الذي يتميز بالاعتدال مع ظهو ر النشاط وكثرة الحركة والملل الـسريع حـين لا
يوجد ما يشغله، وهو فعال ومنتج.
الهادئ المتزن الذي يتميز بالقبول والمحافظة والرزانة، وهو عامل جيد ومنظم.
وينعطف بافلوف نحو الأنماط عند ابيقراط ليقارن بينها وبين ما قال به هو يقـول بـافلوف أن
ابيقراط قد اقترب من الحق يقة كثيراً من حيث قوله بالأنماط الأربعة للمزاج، ولكنه ابتعـد عمـا
يقبله العلم الحديث في الأساس الذي اعتمده في ذلك التصنيف..
والمقارنة بين الأنماط في الطرفين تقود إلى ما يلي:
أ ـ يقابل مزاج المندفع الذي يقول به بافلوف المزاج الصفراوي الذي يقول به ابيقراط.
ب ـ يقابل مزاج الخذول عند بافلوف المزاج السوداوي الذي يقول به ابيقراط.
جـ ـ يقابل مزاج النشط المتزن عند بافلوف المزاج الدموي الذي يقول به ابيقراط.
د ـ أما مزاج الهادئ المتزن الذي يقول به بافلوف فيقابله عند ابيقـراط المـزاج البلغمـي أو
اللمفاوي.
ويعرج بافلوف على الاضطرابات النفسية ليقول بأن نسبة من يأتي إلى العيادة مـن النمطـين
الأولين المتطرفين، المندفع والخذول هي أعلى بكثير من نسبة من يأتي من النمطين المعتـدلين
أو المتزنين والظاهر أن تمكن الأخير من التكيف مع شروط الحياة ومواجهتها بما يجـب دون
تطرف هو أقوى من تمكن الأولين فإذا أخذنا ما يغلب من اضطراب في النمطين الأولين وجدنا
الغلبة للوهن العصبي في حالة المندفع والهستيريا في حالة الخذول.
هـ) الأنماط عند شلدون: أوضح شلدون في نظريته عن الشخصية أنها ترجع إلى ثلاثة أنماط
مزاجية، وان كل نمط من أنماط الشخصية يقابل تركيباً جسمياً معيناً وهو في هـذا التـصنيف
يعود إلى تركيب الجسم وما يغلب عليه من حيث الوزن، ونمو العضلات والطول، وما يتـصل
بها، ليقول في النهاية بوجود ثلاثة أشكال من التركيب، ويرى كذلك أن هذه الأشـكال الثلاثـة
تتمايز بتأثير من عوامل التعلم واحتياجات الجسم وإشباعها وتطمينه ثم ينتهي من بحثـه إلـى
القول بوجود أنماط للشخصية تقابل أشكال تركيب الجسم الثلاثة.
وحين تسمية هذه الأنماط نجده يشتق الأسماء من النزوع البادي فيها إلى حاجات الطعـام فـي
التركيب الأول والحركة والنشاط في الثاني، وعمل الدماغ في الثالث هذه الأنماط الثلاثة هـي
الت الية:
النمط الحشوي: وهو نمط الشخصية الذي يقابل تركيب الجسم الموصوف عامة بصفة ( الداخلي
التركيب) ويغلب عليه الاسترسال في ممارسة ما يتصل بشؤون التغذيـة والـشؤون العاطفيـة
والاجتماعية وإننا هنا أمام شخص ينام بسهولة ولا يستفيق خلال الليل بسهولة انه يميـل إلـى
الأكل ميلاً زائداً، وينزع نحو البعد عن الحساسية والقلق وعدم الاطمئنان وهو يتميز بـسهولة
التوافق الاجتماعي وبحسن الصداقة مع كل من يعرفه، أنه بدين غالباً، مـستدير الجـسم عنـد
وسطه، وزنه العام أعظم من نسبة ما عنده من عضلات، وميله إلى الراحة والاسترخاء ظاهر.
النمط الجسمي: وهو نمط الشخصية الذي يقابل تركيب الجسم المسمى( المعتدل التركيب) يتميز
هذا النمط بتحمل الألم برضى وإرادة، والنزوع إلى السيطرة والعمل، وهو حين يتحـدث إلـى
آخر ينظر إليه وإلى عينيه مباشرة، عنده ميل صادق نحو التدرب الرياضـي القاسـي، يحـب
الحمام البارد والسباحة عا رياً والاشتراك في مغامرات تتطلب جهداً جسدياً شـديداً انـه يمثـل
المزاج الرياضي ويتميز بالتناسق الجسدي والحركة.
النمط المخي: وهو نمط الشخصية الذي يقابل تركيب الجسم المسمى( الخارجي التركيـب) انـه
شخص لا يتحمل الألم برضى وإرادة، ويميل إلى الحساسية وسرعة الانفعال، ولا يجد متعة في
مجرد رفقة الآخرين ولا يعد هذه الرفقة عنصراً هاماً. انه يفضل عدداً قليلاً من الأصدقاء على
العدد الكبير، ولا يبدي الصداقة بسهولة ثم انه لا يؤثر الاشتراك في مغامرات تتطلـب جهـداً
جسمياً شديداً ولا يحب السباحة عارياً والغالب عنده أن يكون نحيلاً.
ما هي مكونات الشخصية؟
يرى بعض العلماء أن الشخصية في الأعماق بناء ثلاثي التكوين، وأن كل جانـب فـي هـذا
التكوين يتمتع بصفات وميزات خاصة، وأن الجوانب الثلاثة تؤلف في النهاية وحـدة متفاعلـة
ومتماسك ة هي الشخصية، هذه الجهات أو الجوانب الثلاثة هي:
الهو) ، و( الأنا) ، و( الأنا الأعلى).
أما( الهو): فذلك القسم الأولي المبكر الذي يضم كل ما يحمله الطفل معه منذ الولادة من الأجيال
السابقة وانه يحمل ما يسميه فرويد الغرائز ومن بينها غرائز اللذة والحياة والموت.
وهو يعمل تحت سيطرة ما يضمه منها. وما هو موجود فيه لا يخـضع إذن لمبـدأ الواقـع أو
مبادئ العلاقات المنطقية للأشياء بل يندفع بمبدأ اللذة الابتدائي، وكثيراً ما ينطوي على دوافـع
متضاربة.
انه لا شعوري وهو يمثل الطبيعة الابتدائية والحيوانية في الإنسان.
وأما( الأنا): فينشأ ويتطور لأن الطفل لا يستطيع أن يشبع دوافع ( الهو) بالطريقة الابتدائية التـي
تخصها، ويكون عليه أن يواجه العالم الخارجي وان يكتسب من بعض الصفات والمميزات وإذا
كان ( الهو) يعمل تبعاً لمبادئه الابتدائية الذاتية، فإن( الأنا) يستطيع أن يميز بين حقيقـة داخليـة
وحقي قة واقعية خارجية.
فالأنا من هذه الناحية يخضع لمبدأ الواقع، ويفكر تفكيراً واقعياً موضوعياً ومعقولاً يسعى فيـه
إلى أن يكون متمشياً مع الأوضاع الاجتماعية المقبولة.
هكذا يقوم ( الأنا) بعملين أساسين في نفس الوقت:
أحدهما أن يحمي الشخصية من الأخطار التي تهددها في ا لعالم الخارجي، والثاني أن يوفر نشر
التوتر الداخلي واستخدامه في سبيل إشباع الغرائز التي يحملها( الهو) وفي سبيل تحقيق الغرض
الأول يكون على الأنا أن يسيطر على الغرائز ويضبطها لأن إشـباعها بالطريقـة الابتدائيـة
المرتبطة معها يمكن أن يؤدي إلى خطر على الشخص.
فالاعتد اء على الآخرين بتأثير التوتر الناشئ عن الغضب يمكن أن يؤدي إلى رد الآخـرين رداً
يمكن أن يكون خطراً على حياة المعتدي نفسه وهكذا يقرر الأنا (متى) و( أين) و(كيف) يمكـن
لدافع ما أن يحقق غرضه ـ أي أن على ( الأنا) أن يحتفظ بالتوتر حتى يجد الموضوع المناسب
لنشره. وهكذ ا يعمل الأنا طبقاً لمبدأ ( الواقع) مخضعاً مبدأ اللذة لحكمه مؤقتاً.
ونأتي إلى الجانب الثالث وهو الأنا الأعلى: هنا نجد أنفسنا أمام حاضن للقيم والمثل الاجتماعية
والدينية التي ربى الطفل عليها في بيته ومدرسته ومجتمعه. ( فالأنا الأعلـى) يمثـل الـضمير
المحاسب، وهو يتج ه نحو الكمال بدلاً من اللذة، ولهذا ( الأنا الأعلى) مظهران، الضمير والأنـا
المثالي. يمثل الأول الحاكم بينما يمثل الثاني القيم.
فإذا أردنا تلخيص هذا البناء الثلاثي الداخلي للشخصية كما يراه بعض العلماء قلنا ما يلي:
إن الأنا هو الذي يوجه وينظم عمليات تكيف الشخصي ة مع البيئة، كما ينظم ويـضبط الـدوافع
التي تدفع بالشخص إلى العمل، ويسعى جاهداً إلى الوصول بالشخصية إلى الأهداف المرسومة
التي يقبلها الواقع، والمبدأ في كل ذلك هو الواقع.
إلا أنه مقيد في هذه العمليات بما ينطوي عليه ( الهو) من حاجات، وما يصدر عن ( الأنا الأعلى)
وما يتطلبه ( الهو) وما يمليه ( الأنا الأعلى) كان في حالة من الصراع يحدث أحياناً أن يقوده إلى م ن أوامر ونواهي وتوجيهات فإذا عجز عن تأدية مهمته والتوفيق بين ما يتطلبه العالم الخارجي
الاضطرابات النفسية.
نظرية السمات في الشخصية:
يميل الاتجاه الموضوعي في بحث الشخصية وقياسها إلى النظر إليها على أنها تركيـب يـضم
مجموعة من السمات يمكن كشفها ووضعها وإخضاعها للقياس في واحد أو أكثر مـن أشـكاله
المتعددة. ولنبحث أولاً مفهوم السمة.
كيف نفهم السمة: يمر الشخص بظروف متنوعة الشروط خلال حياته اليومية ويواجهها بأشكال
من السلوك فإذا جعلنا هذا الشخص موضوع ملاحظة تبين لنا من سلوكه انه ينقل خبرات لديـه
من ميدان أو إطار سابق إلى آخر، وأن ثمة صفات يتكرر ظهورها في أشكال من سلوكه.
لنأخذ مثالاً من حياة إنسان، نلاحظه في مواقف تتطلب تحمل المسؤولية، نقف عند شـاب فـي
السنة الثالثة من دراسته الجامعية ونلاحظ سلوكه اليومي لعدد من الأيام. إن من جملة ما نـراه
عنده انه يتابع دراسته بانتظام، وانه يعد ما يطلب منه من مهمات بشكل مناسب فإذا دعي إلـى
إبداء الرأي أعرب عن رأيه ودافع عنه. وإذا كلف بإعداد رحلة يشارك فيها زمـلاؤه أعـدها
شاعراً بمسؤوليته عن كل جزء منها.
وحين يجتمع مع الآخرين يبدو عليه مصغياً لما يقال، بعيداً عن السرعة في الانفعال، حريـصاً
على أن يعطي كل إنسان حقه وأن يحمل كل إنسان مسؤولية عمله، فإذا وقع منه ما يمكـن أن
يلام عليه، وكان مخطئاً أو مقصراً، اعترف بمسؤوليته وأنكر على بعض الناس اتكالهم علـى
غيرهم وتقلبهم وتحميل الآخرين مسؤوليات أخطائهم إننا هنا أمام عدد مـن ظـروف الحيـاة
وأشكال من سلوك هذا الشاب أن بين ظروفه التي نطالع أمرها شيئاً من الاشـتراك بـشرط أو
أكثر وبين أشكال سلوكه التي لاحظناها عنصر مشترك ينساب فيها كلها وهو نزوعه الإيجـابي
نحو تحمل المسؤولية. إننا نعتبر هذا النزوع الإيجابي تعبيراً عن سمة من سمات الشخصية، أما
تنظيمه الأمور، ودأبه، وإصغاؤه، وتصميمه، فأشكال من السلوك تنعكس فيهـا هـذه الـسمة؛
والسمة إذاً هي اصل فيما يتميز به الشخص، وهي تبطن أشكال سلوكه الظاهر.
بناءاً على هذا نستطيع الوصول إلى ما يلي من النتائج التي تشكل الأساس في نظرية السمات:
إن كل سمة هي نزوع لدى الشخص للاستجابة بطريقة معينة نحو نوع من المؤثرات.
إن لدى كل شخص عدداً من السمات، ومجموعها هو الذي يميز الشخصية.
كيف يحدث تكون الشخصية؟
- الاستعدادات الأولية: يولد الإنسان مزوداً بعدد غير قلي ل من الاستعدادات السلوكية انه يقـوم
بعدد من الأفعال المنعكسة المتخصصة البسيطة، كما يقوم بعدد من الأفعال المعقدة الآتية عـن
نظام الأفعال المنعكسة البسيطة.
ب - عملية التعلم: هناك عدة مفاهيم تفسر عملية التعلم وتشرح ما يوجد في الأسس منها، وبين
أهم هذه المفاهيم ما يلي: الدافع أو الحاجة المثيرة الاستجابة، الإشراط، التعزيز.
أما الدافع: فقوة محركة تدفع بالفرد إلى العمل من اجل إشباع غرض الدافع أو الحاجة قد يكون
هذا الدافع حاجة أولية وهو عندئذ متصل بالتركيب البيولوجي للإنسان.
وأما المثير: فهو تلك الإشارة التي توجه الاستجابة لتصدر عن الإنسان.
والمقصود من الاستجابة: ذلك السلوك البسيط أو المعقد الذي يدفع إليه الدافع لمواجهة المثيـر
وتلبية غرض الدافع نتيجة ذلك.
أما الارتباط بين المثير والاستجابة فيفسره الإشراط.
ويأتي بعد ذلك مصطلح ا لتعزيز وما يرتبط به من إطفاء أو تثبيط ويكون التعزيز العملية التـي
تساعد في تقوية الارتباط بين المثير والاستجابة.
ج - تعلم الدوافع الثانوية: يتم تكوين الدوافع الثانوية أو الشخصية استناداً إلى عمليـات الـتعلم،
وتقوم هذه الدوافع بوظائف مهمة في حياة الإنسان سواء كانت باتجاه ما هو مناسب وسـوي أم
كانت باتجاه آخر.
الخلاصـــــة:
لكل فرد شخصيته المتميزة، ولكنه في الوقت نفسه مشترك مع الآخرين في الكثير من مظاهر
تلك الشخصية إن في الشخصية نوعاً من الثبات يبدو في أساليبها واتجاهاتها وشعورها
باستمرار هويتها، ولكن فيها كذلك نوعاً من التغير وإلا لما كان من الممكن فهم النمو والتربية
ومن هنا يكون أمر إحاطة الشخصية بتعريف شامل أمراً صعباً قد يتجه التعريف نحو تميزها
عن غيرها وقد يتجه نحو ائتلاف الصفات التي تكونها وتنطوي عليها، وقد يذهب إلى ما يبدو
في سماتها أو إجراءاتها ومن هنا نصادف عدداً غير قليل من أشكال تعريف الشخصية.
بالتــــــــــــــــــــــــوفـــــــيــق