هل يرتبط الإبداع بالعوامل الذاتية أم بالعوامل الموضوعية؟

ريحـان

:: أمينة اللمة الجزائرية ::
طاقم الإدارة
إنضم
24 نوفمبر 2015
المشاركات
13,705
الحلول
1
نقاط التفاعل
25,944
النقاط
2,306
محل الإقامة
تركيا - إسطنبول
الجنس
أنثى
السَلآْم عَلْيُكّمٌ وٍرٍحَمُةّ الله وٍبُرٍكآتُهْ




مقالة فلسفية بعنوان

هل يرتبط الإبداع بالعوامل الذاتية أم بالعوامل الموضوعية؟




طرح المشكلة: تتألف الذات الإنسانية من بعدين أساسيين احدهما يرتبط بنوع وطبيعة الاستجابة والأخر
يرتبط بالبعد الاجتماعي، فالإنسان كائن مدني بطبعه ل كن حقيقة الشخصية لا تقتصر على فهم الواقع
والتكيف معه، بل في القدرة على تجاوزه، وهذا ما يعرف في الفلسفة وعلم النفس بظاهرة الإبداع
والاختراع، فالذكاء والتخيل والإدراك والتذكر وظائف عقلية يلجا إليها الإنسان من اجل حل مختلف
المشاكل التي تصادفه، فإذا كان التخيل هو قدرة العقل على التصور والتركيب والتحليل بحسب ابن
سينا، فان لا لاند عرفه بأنه مل كة تركيب شيء لا واقعي ولا موجود، وهو ما جعل الفلاسفة
يختلفون، حول ما إذا كانت عملية الإبداع تعود إلى عوامل ذاتية أم موضوعية. وهذا ما يفرض عنا
التساؤل التالي: هل تتحكم في الإبداع العوامل النفسية أم الموضوعية؟ بعبارة أخرى هل تتحكم في الإبداع
الظروف الاجتماعية أم الشروط النفسية؟
محاولة حل المشكلة:
الأطروحة الأولى: " الإبداع من طبيعة فرديّة "يرى أنصار هذه الأطروحة أن عوامل الإبداع ذاتية
فردية. إذ الإبداع تتحكم فيه العوامل الشعورية واللاشعورية وكذا عامل الانفعالات. وهنا يتساءل رينيه
بورال: عن مدى ارتباط ظاهرة الإبداع بالحياة العاطفية للإنسان قائلا: "مما يستمد المبدع الطاقة
الضرورية للإبداع انه يستمدها من حياته العاطفية". كما أن الإبداع يقتصر على أناس معينين يمتازون
بالذكاء الحاد والذاكرة القوية بالإضافة إلى عامل الوراثة، ثم إن الإبداع قد يكون على شكل حدسي
وهو ما كان يحصل لابن سينا في أثناء النوم إذ يقوم بجميع الحلول المستعصية والتي لم يجد لها حلا في
اليقظة. كما يذهب سيغموند فرويد برأيه أن الإبداع يعبر عن رغبات مكبوتة وعن إشباع خيالي فالمبدع
يستمد مادة إبداعه من الأحلام "أحلام الطفولة أو أحلام اليقظة "وفي هذا المعنى قال: "إن المبدع
يطلق تخيلا تهكي تنسج حول رغباته التي تعود على مرحلة الطفولة " وهذا ما حصل: بوانكاريه حينما
تحدث عن حل مشكلاته الرياضية، حيث برزت فجأة وبعيدا عن ميدان عمله، ثم إن الأديب أو
الشاعر مثلا ي ُسقط تجربته الشخصية على البطل الذي يستخدمه في قصته أو قصيدته. كما ربط برغسون
الإبداع بالانفعال. حيث قال: "أن الأبطال والقدسين لا يبدعون ولا يجددون المفاهيم الأخلاقية في
حالة جمود الدم وإنما يبدعون في جو ديناميكي تتلاطم فيه الأفكار". وما حصل للخنساء دليل واضح على
ذلك حيث دفعها حزنها إلى أن تبدع شعرا، للتعبير عن رثاء أخيها صخرا. فالاستعدادات النفسية هي ما تجعلنا نبدع، ولا أدل من ذلك ما حصل لنيوتن فلولا قوة حدسه ما اكتشف الجاذبية. لذا قيل:
"الحظ يحالف النفس المهيأة". كما يذهب الفرد دي موسييه بقوله: "لا شيء كالألم العظيم يجعلنا عظماء
ونحن مدينون إلى الألم بأحسن آثار الفن والإبداع "
النقد: من الملاحظ أن ما يعاب على أنصار هذه النظرية، إهمالهم لدور العوامل الاجتماعية وتأثيرها.
فلا يمكن إنكار دور المجتمع في أحداث العملية الإبداعية، فالشروط النفسية لا يمكن لها منفردة أن
تحقق مناخ اجتماعي وحضاري يوفر للمبدع الشروط الموضوعية التي تجعل من الإبداع حقيقة وإمكانا
فالفاعلية الإبداعية ما هي إلا تراثا اجتماعيا متناقلا عبر الأجيال، فليس من الممكن اختراع القنبلة
الذرية خلال العصور الوسطى. ذلك لان تطور الفيزياء لم يحصل بعد وهذا أثر اجتماعي.
الأطروحة الثانية: "الإبداع ناشئ من عوامل اجتماعية " يرى أنصار هذه الأطروحة أن العوامل
الاجتماعية هي من تتحكم في الإبداع: "العامل الاجتماعي والسياسي والاقتصادي "فالعامل الاجتماعي
يبين القدرة على الإبداع وهو ما جعل دوركايم ير بط بين حالة المجتمع وحالة الإبداع لان الإنسان
يعيش في وسط اجتماعي "الإبداع ليس في جوهره أكثر من بناء جديد يستفيد من البيئة الثقافية
المعطاة عند المنطلق " فالإبداع العلمي لا يحدث إلا إذا كانت حالة العلم تسمح بذلك واستقراء تاريخ
الاكتشافات العلمية يبرهن على صحة هذه النظرية. فمثلا المجتمع الياباني نجد أفراده متفاوتين في الإبداع،
وهذا لما توفره اليابان من شروط اجتماعية وتقنيات تفرض على الإنسان الإبداع. ثم إن العالم
ماكسويل لم يكن ليكتشف الأمواج ال كهرومغناطيسية وسرعة انتشارها في القرون الأولى لان الجو لم
يكن ملائما في تلك القرون. والهندسة التحليلية لم تظهر إلا بعد ظهور الج بر، إن الاكتشاف صدى
للمجتمع يقول دوركايم: "إذا تكلم الضمير فينا فان المجتمع هو الذي تكلم " كما أن اختراع التلغراف
ارتبط بثلاثة علماء في آن واحد دون أن يكون بينهم أي اتصال وهذا لتشابه المجتمعات التي يعيشون
فيها. لذا قيل: "الحاجة أم الاختراع "وعلى المستوى الاقتصادي تحدث كارل ماركس عن تأثير العوامل
المادية فالإبداع في المجتمعات الزراعية يختلف عن الإبداع في المجتمعات الصناعية وهذا يعني انه:
"ليس وعي الناس هو الذي يحدد وجودهم بل وجودهم هو الذي يحدد وعيهم " أما على المستوى
السياسي. فان السياسة المرسومة هي من تساهم في إبداعهم منذ الطفولة وهو ما يؤكد دور المجتمع.
النقد: ل كن نلاحظ أنه لا يجب أن ننفي دور العوامل الاجتماعية وذلك لأنها في غاية الأهمية، إلا أنها وحدها لا تكفي. وإلا أصبح كل أفراد المجتمع مبدعين، ثم أن تاريخ العلم اثبت أن المجتمع لا يبارك دائما الإبداعات الفردية. والدليل ما حدث لغاليلي.

التركيب: وعموما يمكننا أن نقول إن الإبداع ظاهرة إنسانية والإنسان كائن متعدد الأبعاد، إذ لا يمكن
الفصل بين العوامل الذاتية والعوامل الموضوعية. فعلى المستوى الذاتي لا بد للإرادة أن تتدخل والميول
النفسية والموهبة كقوة محركة تدفع الإنسان إلى حب الوصول إلى الهدف. المرسوم ل كن إذا لم تكن
الظروف الاجتماعية ملائمة فان الابتداع يختفي، ذلك لان الإلهام وحده يصبح مجرد تصور وأفكار
خاوية والإمكانيات والوسائل دون حدوس تبغي فارغة وصدق ريبو حين قال: " مهما كان الإبداع
فرديا فانه يحتوي على نصيب اجتماعي".
حل المشكلة: وصفوة القول ومجمله إن الإنسان هو من يصنع الإبداع، والإبداع لا يحصل إلا في جو
من الحرية، ل كن المسالة صعبة من حيث التساؤل عن العوامل التي تصنع ظاهرة الإبداع مسالة حاولنا
تفكيك رموزها في هذه المقالة بداية من ال كشف عن دور العوامل الذاتية وصولا إلى البيئة الاجتماعية وتأسيسا على ما سبق نستنتج أن الإنسان مدني بطبعه ومنه قد تتحكم في الإبداع العوامل
الذاتية والموضوعية في الوقت نفسه.
**************


مقالات فلسفية


الاستاذ رحموني عمر



 
مقالة تستحق القراءة، شكرا لمشاركتها
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top