مصير الطفل ابن دوار جراح باليسترو قديما ...الطفل الذي اختطف من الجزائر ... بعد قتل والديه من طرف الجيش الفرنسي....بتاريخ 1956
تعود تسمية باليسترو Palestro الى تاريخ 18-11-1869.. ثمّ تغيير التسمية الى الاخضرية بتاريخ 30-09-1965..
أنشأت كمستوطنة في 18-11-1869 بموجب مرسوم صدر من بلاط قصر الإمبراطور الفرنسي نابليون الثالث وكانت تسميتها في ذلك الوقت "باليسترو" تخليدا لذكرى معركة باليسترو وهي مدينة في شمال إيطاليا....
اما دوار جراح جنوب يقع غرب ولاية بومرداس و شمال ولاية البويرة ....وهو تابع الان لبلدية عمال دائرة الثنية ولاية بومرداس
تعود مجريات القصة المؤثرة الآتي سردها إلى أحداث واقعية عاشتها ضيعة "عمال" بولاية بومرداس إبان سنة 1956.....
يعود بنا الزمن إلى اليوم الثامن عشر من شهر ماي بقرية جراح المتموقعة باعالي جبال عمال باليسترو قديما ......على هذا الثرى بالذات ، قامت ثلة من مجاهدي الجيش التحرير الوطني الأشاوس تحت لواء الملازم علي خوجة بنصب كمين قاتل ضد وحدة من وحدات الجيش الفرنسي. تم على إثر هذه العملية القضاء على 18 جندي فرنسي.....الكمّين خطّط له #مصطفى_خوجة مع مجموعة من المجاهدين منهم الرائد المغتال في تونس بتاريخ 24-03-1959 ﺳﻌﻴﺪﻱ ﺍﻟﺠﻤﻮﻋﻲ ﺍﻟﻤﺪﻋﻮ ﻣﺼﻄﻔﻰ ﻟﻜﺤﻞ و الذي ينحدر من شاوية الاوراس ...بعدما استلموا اسلحة من عملية تهريب السلاح التي قام بها الضابط الفرنسي في الحزب الشيوعي الجزائري PCA بتاريخ 04-04-1956.. انّه الضّابط HENRI MAILOT
الحصيلة 17 قتيلا طرحوا ارضا ...و اسر 5 عسكريين ..منهم 03 جرحى تخلوا عنهم ينزفون و تم التنكيل بجثثهم من قبل سكان الدّوار .. لتصل الحصيلة 21 قتيلا .... القتلى تحصلوا على الميدالية العسكرية و احدهم على وسام الفارس ...اسماؤهم موجودة في الجريدة الرسمية الفرنسية مرفقة بالمنشور ....
في أعقاب ذلك أقدمت قوات الإستعمار الغاشم على الإنتقام من القرويين العزل بعدما وعت حجم الضربة المدوية التي تلقتها الوحدة آنفا. لم تتوقف القوات الفرنسية عند هذا الحد بل راحت تفرغ جام غيظها الدامي على كامل دوار أولاد جراح إذ محقته بالتمام بقتلها لازيد 120 مدنيا قتلوا انتقاما ... الحصيلة رهيبة حقا و المشهد تقشعر له الأبدان.. في خضم هذه المجزرة المريعة و في وسط جثث القرويين الأبرياء
بعد ان اطلق الجنرال ماسيو قائد الفرقة العاشرة للمظليين 10DP.. اطلق حملة تمشيط واسعة رفقة الفوج الاول للمظليين الاجانب 1REP . و الفوج الثاني للصيادة المظليين 2RCP للبحث عن المجموعة المهاجمة و عن الجندين المتبقّين ...
لتحصل مجزرة في حقّ المدنيين حوالي 120 مدنيا قتلوا انتقاما .. ليتم الاشتباك مع المجاهدين يوم 23-05-1956 في جبال بوزغزة..و يتم تحرير جندي واحد سالما أنّه الجندي PIERRE DUMAS..و مقتل الاسير NILLET DAVID JEAN GERMAIN... لتصل الحصيلة الى 21 قتيل ...
تم العثور على طفل #غلام لا يكاد يتعدى سنه الخامس ،كان يبدو وكأنه مطارد من أشباح. كان المسكين مستلقيا على جثة ابيه، كله اهات و انين فيما كانت والدته، التي كانت لا تزال على قيد الحياة وقتها ، مفجوعة لهول المشهد الرهيب مشهد دفعها لإطلاق زغاريد معبرة بها على صرخة يأسها الشديد بلا شك. لم تتمكن المشجونة من إكمال تعبيرها إذ جاءت رصاصات الرشاش الغادر تنغرس في بدنها لترديها قتيلة. و كأن المذبحة لم تكتمل بعد، قبض أحد الجنود الفرنسيين على الطفل بغية إزهاق روحه. لكن ، و بتدبير رباني كان هناك جندي آخر تدخل في الحين حاميا اليتيم من طعنة الردى. بعد هذه الأحداث الأليمة، وجد الولد نفسه في القاعدة الجوية 146 بالرغاية ...حيث صار تميمة المكان تحت إسم مستعار غربي: #ماكسيم. عاش الطفل وسط الجنود الفرنسيين بل و شارك أيضا في حملات عسكرية و عمليات حفظ النظام كما كانوا يسمونها وقتئذ. أمر الجنرال و قائد القوات الجوية الفرنسية في الجزائر #الان #دوماسنيل #دو #ماريكور .... أحد مرؤوسيه بالقاعدة الجوية بالرغاية الا و هو المقدم #كولي ... بالعمل على خياطة زي عسكري خاص بالمظليين للطفل #ماكسيم ... بما في ذلك القلنسوة، الحزام و كذا جراب المسدس. كما تم تكليف الملازم #جو #روني #سواتر .... بتاطيره. أضحى الولد بإسم جديد: #ماكسيم #شارل و أصبح تحت وصاية الدولة بتاريخ 01-10- 1959 .. كما تم تحويله للديانة المسيحية على مذهبها الكاثوليكي بتاريخ 25-10-1959 ... لنفس السنة على يد الاب الكاهن #لوبوتر الذي عمده على إسم: "#ماكسيم #كيلير #دو #شلاتهايم"...
تجدر الإشارة إلى أن الاب #لوبوتر" كان قسيس الناحية العسكرية الجوية الخامسة بالجزائر. لقد عاش الطفل في شهر أكتوبر من سنة 1959 أحداثا حاسمة و متعاقبة غيرت مجرى حياته كليا.
فبعد أن اُلبس الزي العسكري و عُمّد بإسم الثالوث ها هو الآن تحت السلطة الوالدية #لايفون #كيلير #شلاتهايم" التي كانت تشتغل كموظفة إجتماعية بالقاعدة الجوية في الرغاية بيد أن الحكم الرسمي للتبني لم يصدر إلا بتاريخ يوم 28-12-1959.... مكث الولد الجندي بالقاعدة الجوية ستة سنوات أو ما يزيد، تحت تصرف الجنود الفرنسيين الذين كانوا يثقلون كاهله يوميا باشغال مهينة من تنظيف و تطهير و صيانة....
فكانت أيام الطفل أشبه ما يكون بحياة قن مذلول خاضع لمن يتفنن في استحقاره. مرت الأيام و الأسابيع و ها نحن في اليوم 05-07- 1962 ... يوم مشهود جلل. إنه يوم إعلان استقلال الجزائر بعد حقبة ملؤها الدم و الدموع....
باشرت القوات العسكرية الفرنسية عملية إجلاء وحداتها من التراب الجزائري تدريجيا و جاء يوم إخلاء القاعدة الجوية بالرغاية على غرار باقي القواعد الحربية. كما هو متوقع ، أخذت السيدة #ايفون #كيلير" التي كانت عسكرية في الأصل بيد ابنها المتبنى #ماكسيم" للالتحاق بالركب المتجه نحو الأراضي الفرنسية...
لم تكن هذه الأحداث تمر مرور الكرام على الطفل اليتيم المُقتلع من جذوره بل كانت بذار لتساؤلات عديدة في كيانه الباطن... ما هي طبيعته ؟ من أين أتى ؟ أهو فرنسي أم جزائري ؟ ما هي عقيدته ؟ لقد كانت هذه التساؤلات الوجودية تقض مضجعه كلما تقدم في السنون...
ما كانت الإجابات المقدمة شافية إذ كان يقال له أن والديه قد لقيا حتفهما إبان حرب الجزائر و أنه وجد نعمة في أعين الفرنسيين الذين استحيونه و رعوه بمنحهم اياه الجنسية الفرنسية و تحويله إلى الديانة المسيحية. كبر الولد و احتلم و لم تزداد تساؤلاته إلا حدة.... لكن الأمر الأكثر إهانة له هو أن يتم وصفه بالحركي الخائن لوطنه هو الذي ما كان في واقع الأمر إلا ضحية الجند المستعمر....
تم إدراج الولد في سجلات مصالح الحالة المدنية الفرنسية تحت إسم #ماكسيم #شارل #كيلير #دو #شلاتهايم " المولود بتاريخ 18 -12-1951 بالجزائر العاصمة....لم تكن أيام الطفل اليتيم ورد و حنان في كنف أسرته الجديدة بل أضحت السيدة التي تبنته تضيق عليه و تنعته باحقر الصفات ملقبة اياه بالعربي القذر المنحط و أنه صار عبءا عليها إذ أنه يجسد بالنسبة لها جملة الضعائن و الحقود التي نجمت عن فقدان المعمرين لامل الجزائر الفرنسية.... تمكن المراهق ماكسيم كيلير" من افتكاك شهادة تأهيلية في مجال الطهو من مؤسسة تكوينية في الفندقة الأمر الذي سمح له بأن ينعم ببعض الاستقلالية في حياته الجديدة.
في عام 1972 كان ماكسيم في ريعان شبابه بالغا 21 سنة من العمر....تعرف بطل القصة وقتها على آنسة شابة التي أصبحت بعدها حرمه و أم ابنيه. مرت السنين و رغب ماكسيم كيلير في انطلاقة مهنية جديدة من خلال التسجيل في دورة دراسية متعلقة بالتكوين التجاري، لكنه حصل ما لم يكن في الحسبان. تعرض الرجل لحادث مهني خطير ما أدى إلى وأد مساره نهائيا....إنتقل بعدئذ ماكسيم مع عائلته إلى منطقة بوردو حيث لا يزال يقطن حاليا....
سعى السيد كيلير و زوجته بكل ما اوتيا من قوة و استماتة طيلة أربعين سنة بغية كشف الحق و إماطة اللثام عن أصل ماكسيم، الولد الجندي ، ابن منطقة باليسترو التاريخية.... حاول ابن جبال أولاد جراح مع زوجته استنطاق الأرشيف التاريخي من خلال مراسلات للسلطات الفرنسية كما أنهما اجتهدا للعثور على أحد جنود أو ضباط او حتى قيادة القاعدة الجوية 146 بالرغاية لكن كان الفشل مآل الجهود. لم تفلح محاولات ماكسيم المتكررة إذ لم يتلق أي رد و لا أي التفاتة إيجابية لا من الإدارة و لا من العسكريين....تجاهلت الدولة الفرنسية كل طلبات آل كيلير و لم تعرها أدنى إهتمام كما أنه يستحيل إلى يومنا هذا الوصول إلى صفحات الأرشيف.....
اصطدمت رحلة البحث عن الحقيقة بتكتم العسكريين المظليين الذين لا يزالوا على قيد الحياة و رفضهم الإدلاء بما تعج به جعباتهم ..... في وسط هذا الكفاح المستميت انبلج قبس من النور في شهر أكتوبر من سنة 2011 اذ تقدم أحد المظليين لتقديم بعض المعلومات النفيسة.
سرد العسكري جملة الأحداث التي شهدتها منطقة عمال المعروفة سابقا بباليسترو مصرحا أن : "أنا هو من أنقذ حياة الطفل الصغير عندما حاول أحد الجنود قتله." و أنه لحق به الأمر أن يتعارك مع زميله الذي " استشاط غضبا لأنني حلت دون مراده". كما أنه أضاف: " لم يكن الولد حينها يتعدى سنه الرابع".
حلت اليوم إبنة ماكسيم المسماة "كارين كيلير دو شلاتهايم" مكان والدها ، لتولي المهمة الشائكة الرامية إلى كشف النقاب عن الحقيقة الكاملة المتعلقة بالاصول الجزائرية لهذا الطفل البريء الذي كان ضحية همجية الإنسان، ذلك الإنسان الجلف الذي اهلك والديه و أحرق قريته بمنطقة عمال عن بكرة ابيها. لقد ولد من رحم هذه القصة المؤثرة كتاب صدر بتاريخ 18 -10-2012 عن دار النشر 'نات' تحت عنوان 'الطفل الجندي إبن باليسترو' و هذا بريشة "كارين كيلير"، كما أنه تم تجسيد الكتاب و تحويله إلى عمل مسرحي في خمسة فصول....
◀اليكم أسماء القتلى تحصلوا على الميدالية العسكرية و احدهم على وسام الفارس
اسماؤهم موجودة في الجريدة الرسمية الفرنسية :
القتلى الفرنسيين الاسرى نكّل بهم......
إبنة ماكسيم المسماة كارين ... تناشد أولئك الذين عاشوا خلال هذه الأحداث المأساوية أن يقدموا لنا معلومات عن والدي هذا الطفل الذي لا يزال على قيد الحياة.... اي معلومات تفيدنا .. اتصلوا على الخاص ..
منقول من صفحة المجاهد الروائي صلاح الدين محمد. جزاه الله خيرا
صفحة متميزة وثرية بالمعلومات التاريخية الموثقة