قدور القسنطيني
:: عضو منتسِب ::
- إنضم
- 12 جوان 2023
- المشاركات
- 8
- نقاط التفاعل
- 15
- النقاط
- 8
- العمر
- 65
- محل الإقامة
- قسنطينة الجزائر
- الجنس
- ذكر
السلطان وخادمه الحرنان
ج2
ج2
ومع ارتفاع الماء قي الوادي ازداد هلع السلطان ، ومع زمجرة المياه و هي ترتطم بالصخور و بجنبات الوادي يواصل السلطان صراخه على خادمه "حرنان " : تحرك يا "حرنان" تحرك ! الماء يغمرنا يا " حرنان " فيجيبه الخادم : لا أستطيع يا سيدي ! صدقني لا أستطيع ! فيجيبه السلطان : و كيف لا تستطيع و أنت " حرّ" و لا قيد يكبلك ؟ " حرنان " سأجعلك وزيرا يا " حرنان " ! ستكون نائبي في السلطنة يا " حرنان " فلا تقتلنا و تحرم نفسك من مركز مرموق سأمنحك إياه !
لست حرا يا سيدي ! لست حرا ! لم أكن حرا و لو ليوم واحد في حياتي إلا أيام " الحرنة " التي تنتابني !
انتبه السلطان إلى نبرة رد الخادم و مدى علاقتها بكونه مملوكا لا حرا و خادما لا سيدا ، الماء يزداد ارتفاعا ، إنه يكاد يلجم الخادم " حرنان" ، لقد غمر ساقي السلطان تماما و حتى الركبتين ، شعر السلطان بدنو أجله ، فهو يعرف خادمه " حرنان " إذا " حرن " خاصة و هو وسط نهر هائج مياهه تهدر هديرا مفزعا و أيقن أن المخرج مما هو فيه ليس سهلا . ازدادت سرعة ارتفاع الماء ، وارتفعت و تعالت معها صيحات الرعية على حافة الوادي و هي تنادي و تحث " حرنان " على التحرك قبل فوات الأوان : أسرع يا " حرنان" هيّا أسرع يا " حرنان " ! أنقذ السلطان يا بطل ! أنقذ السلطان يا"حرنان " ! ستصبح بطلا يا "حرنان" ! سيكون لك شأن عظيم يا " حرنان " . لكن " حرنان " لا يجيب و لا يبدو أنه سيتجه إلى ضقة النهر حيث الرعية ، كان يمسك بيدي سيده بشدة و يضم ساقيه تحت إبطيه ليضمن ثباته على كتفيه ، فلو سقط السلطان لا قدر الله فسوف تكون الكارثة ! هكذا كان يفكر "حرنان " ، لقد كانت موجات الماء عاتية جدا فتارة تأخذهما يمنى و أخرى تأخذهما يسرى ، ازداد صراخ أفراد الرعية ، و مستوى الماء في تصاعد مستمر، و السلطان مازال يصر على أن يتحرك خادمه . نحو ضفة النجاة ، هيا يا " حرنان " حرر نفسك من " حرنتك " يا "حرنان " ! سأحررك يا " حرنان " سوف لن تكون عبدا بعد اليوم ! تحرك يا " حرنان " ! سوف تكون حرا طليقا يا "حرنان" هيا تحرك ! ، رفع حرنان رأسه إلى سيده و قال : أتعني ما تقول يا سيدي ؟ ! فقال السلطان : نعم يا " حرنان" أنا أعني ما أقول فتحرك نحو الضفة و أنت "حر" بعدها إن شئت بقيت معنا في القصر معززا مكرما و إن شئت تركتنا و ذهبت لحال سبيلك و ستبقى مكانتك عندنا رفيعة يا " حرنان " !
أحس " حرنان " بفوران كبير يهز كيانه و هو يسمع سيده يؤكد له أن سيصبح حرا هناك على الضفة ، وشعر بانتفاخ صدره كأنما يستعد لهجوم على شيء ما فقال : سيدي ! سننجو يا سيدي سننجو بإذن الله ! و اندفع نحو حافة الوادي يهاجم الأمواج المتصارعة و المتوالية كأنه في عراك معها ، هاهو الماء يلجمه لجاما و يلامس حلمتي أذنيه ، و السلطان يصرخ بأعلى صوته : هكذا يا " حرنان " نعم هكذا ! تقدم يا " حرنان " تقدم ! رائع أنت يا " حرنان" رائع ! و " حرنان " تارة يتوقف ليثبّت نفسه و لا تعيده الأمواج المتلاطمة حيث كان إذا جاءت ، فإذا توقفت اندفع إلى حيث الهتاف و الصياح و الرقص على ضفة النهر ، فلقد أصبح أفراد الرعية يتراقصون و هم يرون " حرنان " يقاوم تلك الأمواج و على كتفيه سلطانهم بعد أن زالت عنه " حرنته " ، و كانت هتافاتهم و صيحاتهم و رقصاتهم تزيده إصرارا على الثبات في وجه الأمواج الضخمة المتدفقة و تمده قوة فيندفع نحوهم ، و ما هي إلا دقائق معدودات حتى وصل إلى شاطيء الأمان ، فمد بعضهم يديه إلى السلطان ليخرج من الماء و كذلك فعلوا مع " حرنان" ، و ما إن وطأ السلطان و خادمه اليابسة حتى تعانقا ثم قبل السلطان جبين خادمه "حرنان" ليقول بعدها بأعلى صوته : " حرنان " حر ّ أيها الناس "حرنان " حرّ ! فتقدم "حرنان" إلى سيده فوضع رأسه بين يديه ثم طبع على جبينه قبلة لها معانٍ كثيرة ثم قال : سيدي : لا أملك شيئا يقابل تحريرك لي غير نفسي الضعيفة هذه التي كادت تودي بي و بك في هذا النهر فها أنذا أهبكها ثانية ! فقال السلطان : لا عليك يا " حرنان " أنت شجاع و بطل وأنت أهل للحرية و أهل للخلة و الود و أنت منذ الآن وزيري الأول ! لم يصدق "حرنان" ما سمعه من سيده فأخذ يلتفت يمنة و يسرة كأنه يبحث عن شيء ! فقال السلطان أيها الوزير "حرنان" مر الرعية بالإنطلاق نحو مدينتنا التي تركناها ! فلقد رحمنا ربنا بهذا الغيث فستحبى أرضنا بعد أن قتلها الجفاف و القحط ! و بمجرد سماع الناس ما قاله سلطانهم حتى عادوا إلى الصياح مرة أخرى : " حرنان" وزيرنا ! " حرنان " وزيرنا ! و هم يرقصون فرحين بالقرار السلطاني البهيج و انحنى " حرنان " أمام السلطان قائلا : اشكرك جزيل الشكر يا مولاي ! مرني بما تشاء فأنا رهن إشارتك ! و اعلم يا مولاي أنني لن أحرن بعد اليوم ، فحرنتي السنوية مرتبطة بعدم شعوري بالحرية ، و أما الآن و قد غمرني هذا الشعور فلن أبالي بأي مكروه وأنا أخدم سلطاني و بلدي و أسأل الله سبحانه أن يجعلني أهلا لما بوأتني عليه ! فرد السلطان أنت أهل لكل خير يا "حرنان" يا بنا إلى ديارنا هيا !.
و عاد السلطان يتقدم رعيته إلى سلطنته و الفرح يغمر الجميع ، فقد ارتوت أرضهم و امتلأت أوديتهم و شعابهم ماء ، و لم يبق لهم غير العمل و العمل و ليس إلا العمل . و ذاك ما كان برعاية السلطان و تدبير الوزير "حرنان".
..... إنها الحرية يا ناس إنها الحرية .....