بسم الله الرحمن الرحيم
رفع الأثقال في الميزان من الأعمال
إنّ الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
أما بعد:
فقد دل مجموع من نصوص الكتاب والسنة أن الميزان حق يوزن به الأعمال والعامل والصحف يوم القيامة، والحصيف من يحرص على الاستكثار من الأعمال وخاصة الثقيل منها.
وقد قيل:
وكذلك الأعمال يومئذ ترى ::: موضوعة في كفة الميزان
وهذا ذكر لجملة من الأعمال هي أثقلها في الميزان، جمعتها تذكرة للناسي وتنبيهًا للغافل وتعليمًا للجاهل وترغيبًا لأهل الخير والصلاح، فما كان من صواب فمن الله وحده، وما من خطأ فمني ومن الشيطان وأستغفر الله.أوّلًا: كلمة التوحيد لا إله إلا الله.
قال عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله سيخلص رجلا من أمتي على رءوس الخلائق يوم القيامة فينشر عليه تسعة وتسعين سجلا كل سجل مثل مد البصر، ثم يقول: أتنكر من هذا شيئا؟ أظلمك كتبتي الحافظون؟ فيقول: لا يا رب، فيقول: أفلك عذر؟ فيقول: لا يا رب، فيقول: بلى إن لك عندنا حسنة، فإنه لا ظلم عليك اليوم، فتخرج بطاقة فيها: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، فيقول: احضر وزنك، فيقول: يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات، فقال: إنك لا تظلم، قال: فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة، فطاشت السجلات وثقلت البطاقة، فلا يثقل مع اسم الله شيء)). أخرجه الترمذي في ((الجامع)) وابن ماجه في ((السنن)) وأحمد في ((المسند)) وابن حبان في ((صحيحه)) والحاكم في ((المستدرك)) والطبراني في ((الكبير)) وفي ((الأوسط)) وفي ((الدعاء))؛ وصححه الألباني.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله عنهما، قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء رجل من أهل البادية، عليه جبة سيجان مزرورة بالديباج، فقال: ألا إن صاحبكم هذا قد وضع كل فارس ابن فارس قال: يريد أن يضع كل فارس ابن فارس، ويرفع كل راع ابن راع قال: فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمجامع جبته، وقال: ((ألا أرى عليك لباس من لا يعقل)) ثم قال: ((إن نبي الله نوحا صلى الله عليه وسلم لما حضرته الوفاة قال لابنه: إني قاص عليك الوصية: آمرك باثنتين، وأنهاك عن اثنتين، آمرك بلا إله إلا الله، فإن السموات السبع، والأرضين السبع، لو وضعت في كفة، ووضعت لا إله إلا الله في كفة، رجحت بهن لا إله إلا الله، ولو أن السموات السبع، والأرضين السبع، كن حلقة مبهمة، قصمتهن لا إله إلا الله، وسبحان الله وبحمده، فإنها صلاة كل شيء، وبها يرزق الخلق، وأنهاك عن الشرك والكبر)).
قال: قلت أو قيل يا رسول الله: هذا الشرك قد عرفناه، فما الكبر؟ قال: الكبر أن يكون لأحدنا نعلان حسنتان لهما شراكان حسنان.
قال: ((لا)).
قال: هو أن يكون لأحدنا حلة يلبسها؟
قال: ((لا)).
قال: الكبر هو أن يكون لأحدنا دابة يركبها؟
قال: ((لا)).
قال: أفهو أن يكون لأحدنا أصحاب يجلسون إليه؟
قال: ((لا)).
قيل: يا رسول الله، فما الكبر؟
قال: ((سفه الحق، وغمص الناس)).
أخرجه أحمد في ((المسند)) والبخاري في ((الأدب المفرد)) والحاكم في ((المستدرك)) والطبراني في ((الكبير)) وفي ((الأوسط)) وفي ((الدعاء))؛ وصححه الألباني.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((قال موسى: يا رب علمني شيئا أذكرك به، وأدعوك به، قال: قل يا موسى: لا إله إلا الله، قال: يا رب كل عبادك يقول هذا، قال: قل لا إله إلا الله، قال: إنما أريد شيئا تخصني به، قال: يا موسى لو أن أهل السماوات السبع والأرضين السبع في كفة، ولا إله إلا الله في كفة، مالت بهم لا إله إلا الله). أخرجه ابن حبان في ((صحيحه)) والحاكم في ((المستدرك)) وأبو يعلى في ((المسند)) وأبو نعيم في ((حلية الأولياء)) والطبراني في ((الدعاء))؛ وضعفه الألباني.
ثانيًا: حمد الله تعالى.
عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الطهور شطر الإيمان والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن -أو تملأ- ما بين السّماوات والأرض، والصّلاة نور، والصّدقة برهان والصّبر ضياء، والقرآن حجّة لك أو عليك، كلّ النّاس يغدو فبايع نفسه فمعتقها أو موبقها)). أخرجه مسلم.
ثالثًا: تسبيح الله العظيم.
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم)). متفق عليه.
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((التسبيح نصف الميزان، والحمد لله يملؤه، ولا إله إلا الله ليس لها دون الله حجاب حتى تخلص إليه)). أخرجه الترمذي في ((الجامع)) والطبراني في ((الكبير))؛ وضعفه الألباني.
رابعًا: تكبير الله.
عن رجل، من بني سليم، قال: عدهن رسول الله صلى الله عليه وسلم في يدي أو في يده: ((التسبيح نصف الميزان، والحمد يملؤه، والتكبير يملأ ما بين السماء والأرض، والصوم نصف الصبر، والطهور نصف الإيمان)). أخرجه الترمذي في ((الجامع)) وأحمد في ((المسند)) والدارمي في ((المسند)). قال محقّق الدّارمي: إسناده جيد؛ وضعّفه الألباني.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((التسبيح نصف الميزان، والتكبير يملأ السموات والأرض ولا إله إلا الله ليس دونها ستر ولا حجاب حتى تخلص إلى ربها)). أخرجه إسحاق بن راهويه في ((المسند)).
وصحّ في التكبير الحديث التالي.
خامسًا: احتساب الولد إذا مات.
عن أبي سلام، عن مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((بخ بخ، لخمس ما أثقلهن في الميزان: لا إله إلا الله والله أكبر وسبحان الله، والحمد لله، والولد الصالح يتوفى فيحتسبه، والداه)). أخرجه أحمد في ((المسند)) وابن حبان في ((صحيحه)) والحاكم في ((المستدرك)) والطبراني في ((الكبير)) وفي ((مسند الشاميين)) وفي ((الدعاء))؛ صححه الألباني.
سادسًا: صلاة الجنازة واتباعها حتى تدفن.
أنّ أبا هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من شهد الجنازة حتى يصلي، فله قيراط، ومن شهد حتى تدفن كان له قيراطان)).
قيل: وما القيراطان؟ قال: ((مثل الجبلين العظيمين)). متفق عليه.
سابعًا: حسن الخلق.
عن أبي الدرداء رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق)). أخرجه أبو داود في ((السنن)) والترمذي في ((الجامع)) وأحمد في ((المسند)) والبخاري في ((الأدب المفرد)) وابن حبان في ((صحيحه)) وابن أبي شيبة في ((المسند)) والطيالسي في ((المسند)) والحميدي في ((المسند)) والطبراني في ((الكبير)) وفي ((الصغير)) وفي ((مسند الشاميين)) والبيهقي في ((السنن الكبرى))؛ صححه الألباني.
فهذه أعمال صالحات تثقل الميزان وترفع الدرجات وتقرب من رب الأرض والسموات، ينبغي الإكثار منها والتزود به ليوم لا ينفع فيه مال ولا ينون إلا من أتى الله بقلب سليم.
ولأهمية ذكر أعمال ثقيلة في الميزان بوب بعض أهل العلم في كتبهم أبوابًا للموضوع منهم:
النسائي في كتاب ((السنن الكبرى)) قال: باب ما يثقل الميزان.
ابن بلبان في ترتيبه لصحيح ابن حبان قال: ذكر الأمر بتقرين التعظيم لله جل وعلا إلى التسبيح إذ هو مما يثقل الميزان في القيامة.
فهذه سبعة أعمال لرفع الأثقال في الميزان.
هذا والله أعلم، وبالله التوفيق، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.
✍ كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: يوم الثلاثاء 20 ذي القعدة سنة 1445 هـ
الموافق لـ: 28 مايو سنة 2024 ف
المصدر موقع الابانة السلفية