كتاب الاختلاط بين الرجال والنساء تعريفه انواعه حكمه

أم أُنٌَيسة

:: عضو بارز ::
أحباب اللمة
إنضم
27 جويلية 2013
المشاركات
12,522
نقاط التفاعل
34,510
النقاط
2,256
الجنس
أنثى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كتاب الاختلاط بين الرجال والنساء - مفهومه، وأنواعه، وأقسامه، وأحكامه، وأضراره في ضوء الكتاب والسنة وآثار الصحابة - رضي الله عنهم -
المؤلف: د. سعيد بن على بن وهف القحطاني
قام بتقديمه معالي العلامة الشيخ الدكتور صالح بن فوزان الفوزان
وقال فيه:

الحمد للَّه، وبعد: فقد تصفحت الكتاب الذي هو بعنوان: (الاختلاط بين الرجال والنساء) لفضيلة الشيخ الدكتور: سعيد بن علي بن وهف القحطاني، فوجدته كتاباً وافياً في موضوعه، جيداً في صياغته، وتقاسيمه، وعناوينه، شاملاً لكل أطراف الموضوع، شاملاً لبيان الأدلة، وأقوال العلماء، مما لا يدع مجالاً للتشكيك في هذه المسألة الخطرة التي تنكرها الفطر السليمة، والأخلاق القويمة، لولا ما تلوَّثَتْ به بعض الأفكار من آثار الحضارة الغربية، التي أقحمت المرأة في كل ميدان، مما يحوجها إلى خلع الحجاب؛ لتجاري الوضع السائد؛ لأنها خرجت عن محيط تخصصها إلى مشاركة الرجال، فكان لا بد من بيان الحق، فجزى اللَّه الشيخ سعيداً على ما قام به من مجهود علمي مفيد، قاطعاً لكل لسان يهرف بما لايعرف. وهدى اللَّه المسلمين إلى التمسك بدينهم، وآدابهم، وأخلاقهم، وصلى اللَّه وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

كتبه
صالح بن فوزان الفوزان
عضو هيئة كبار العلماء
في 16/ 10/ 1432هـ
 

المرفقات

  • الاختلاط_بين_الرجال_والنساء (1).pdf
    1.8 MB · المشاهدات: 0
[المقدمة]

إن الحمد للَّه، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ باللَّه من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده اللَّه فلا مضلَّ له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى اللَّه عليه، وعلى آله، وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلّم تسليماً كثيراً. أما بعد:

فهذه رسالة في «الاختلاط بين الرجال والنساء: مفهومه، وأنواعه، وأقسامه، وأحكامه، وأضراره في ضوء الكتاب والسنة وآثار الصحابة» (١)، وقد قسمتها إلى مباحث على النحو الآتي:

المبحث الأول: تعريف الاختلاط: لغة واصطلاحاً.

المبحث الثاني: أنواع الاختلاط وأقسامه، وبداياته.

المبحث الثالث: حكم الاختلاط وتحريم الأسباب الموصلة إليه وبيان عادة الإباحية.

المبحث الرابع: الأدلة على تحريم اختلاط النساء بالرجال الأجانب عنهن.

المبحث الخامس: أضرار الاختلاط ومفاسده.

المبحث السادس: شبهات دعاة الاختلاط والرد عليها.

(١) أفردت هذه الرسالة من كتابي: «إظهار الحق والصواب في حكم الحجاب»؛ ليسهل الانتفاع بها.

المبحث السابع: الفتاوى المحققة المعتمدة في تحريم اختلاط النساء بالرجال الأجانب.

واللَّه أسأل أن يجعل هذا العمل مباركاً نافعًا، خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفعني به في حياتي، وبعد مماتي، وينفع به من انتهى إليه، وأن يجعله حجةً لنا، لا حجةً علينا؛ فإنه - عز وجل - خير مسؤول، وأكرم مأمول، وهو حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا باللَّه العلي العظيم، وصلى اللَّه وسلّم، على نبيِّنا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا كثيرًا.

المؤلف أبو عبد الرحمن

سعيد بن علي بن وهف القحطاني

حرر في عصر يوم السبت الموافق

٢٢/ ٨/١٤٣٢هـ
 
المبحث الأول: تعريف الاختلاط: لغة واصطلاحاً

أولاً: الاختلاط لغة: يقال: خَلَطَ الشيء بالشيء يَخْلِطُه خَلْطاً، وخَلَّطَه فاخْتَلَطَ: مَزَجَه، واخْتَلَطا وخالطَ الشيءَ مُخالَطة وخِلاطاً: مازَجَه.

والخِلاط: اخْتِلاطُ الإِبِل، والناسِ، والمَواشي، ويقال: ... أَخْلاطٌ من الناس، وخَلِيطٌ، وخُلَيْطى، وخُلَّيْطى: أَي أَوْباشٌ مُجْتَمِعُون مُخْتَلِطُون.

وخلَط القومَ خَلْطاً، وخالَطَهم: داخَلَهم.

والخَلِطُ: المختلط بالناس المُتَحَبِّبُ، يكون للذي يَتَمَلَّقُهم، ويتحَبَّبُ إِليهم، ويكون للذي يُلْقي نساءَه ومتاعَه بين الناس (١).

وقال العلامة الفيُّومي - رحمه الله -: «خلطت الشيء بغيره خَلْطًا من باب ضرب: ضممته إليه فَاخْتَلَطَ هو، وقد يمكن التمييز بعد ذلك كما في خلط الحيوانات، وقد لا يمكن كَخَلْطِ المائعات فيكون مزجاً ... وقد توسع فيه حتى قيل: رجل خَلِيطٌ إذا اخْتَلَطَ بالناس كثيراً، والجمع: الخُلَطَاءُ» (٢).

وقال ابن فارس - رحمه الله -: «(خلط): الخاء، واللام، والطاء أصل

(١) لسان العرب، لابن منظور، مادة (خلط)، ٧/ ٢٩١ - ٢٩٥ بتصرف.
(٢) المصباح المنير، ١/ ١٧٧

واحد ... تقول: خلطت الشيء بغيره فاختلط» (١).

ويقال: خلط الشيء بالشيء: ضمه إليه، قال اللَّه تعالى: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (٢).

والخليط: المجاور، والشريك، ومنه قول اللَّه تعالى: {وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} (٣) (٤).

فالاختلاط في اللغة: يطلق على الامتزاج، والاجتماع، والمداخلة بالأبدان، والانضمام والضم، والمجاورة، والاشتراك من الشريك، واللَّه تعالى أعلم.

ثانياً: تعريف الاختلاط المحرم في الاصطلاح:

١ - هو اجتماع الرجل بالمرأة التي ليست بمحرم له اجتماعاً يؤدي إلى ريبة (٥).

٢ - وقيل: هو اجتماع الرجال بالنساء غير المحارم في مكان واحد

(١) معجم مقاييس اللغة، ص ٣٢٧، وانظر: النهاية في غريب الحديث لابن الأثير، ٢/ ٦٢.
(٢) سورة التوبة، الآية: ١٠٢.
(٣) سورة ص، الآية: ٢٤.
(٤) القاموس الفقهي: لغة واصطلاحاً، لسعدي أبو جيب، ص ١١٩.
(٥) عودة الحجاب، لمحمد بن إسماعيل المقدم، ٣/ ٥٢، وانظر: التبرج لعكاشة الطيبي، ص ٦٨، وتحريم الاختلاط للبداح، ص ٩.

يمكنهم فيه الاتصال فيما بينهم: بالنظر، أو الإشارة، أو الكلام، أو البدن من غير حائل، أو مانع يدفع الريبة والفساد (١).

٣ - وقيل: الاختلاط هو اجتماع الرجال بالنساء الأجنبيات في مكان واحد، بحكم العمل، أو البيع، أو الشراء، أو النزهة، أو السفر، أو نحو ذلك (٢).

٤ - وقيل: «هو اختلاط جنسي الذكور والإناث اختلاطاً منظماً، ومقنّناً في مجال العلم، أو العمل، أو نحوهما، بمختلف الوجوه، كالاختلاط في الدراسة الجامعية، أو في ميدان العمل بالدوائر الرسمية، والمحلات التجارية، والشركات، والمعامل وغير ذلك» (٣).

٥ - وقيل: هو: «اجتماع الرجال بالنساء في التعليم، والعمل، والمؤتمرات، والندوات، والاجتماعات العامة، والخاصة، وغيرها» (٤).

٦ - وقيل: «هو اختلاط جنسي الذكور والإناث بمختلف الوجوه،

(١) المرجع السابق، ٣/ ٥٢، والتبرج لعكاشة الطيبي، ص ٦٨، وتحريم الاختلاط للبداح، ص ٩.
(٢) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، لابن باز، ١/ ٤٢٠، وعنوان هذا المبحث: «خطر مشاركة المرأة للرجل في ميدان عمله».
(٣) العلاقات الجنسية غير الشرعية، عبد الملك السعدي، ص ٣١٢، وانظر: تحريم الاختلاط والرد على من أباحه، للدكتور عبد العزيز البداح، ص ١٠.
(٤) حراسة الفضيلة، بكر أبو زيد، ص ٨١، وانظر: تحريم الاختلاط والرد على من أباحه، لعبد العزيز البداح، ص ٩.

كالاختلاط في الدراسة الجامعية، أو في ميدان العمل بالدوائر الرسمية، والمحلات التجارية، والشركات، والمعامل، وغير ذلك» (١).

٧ - وقيل: الاختلاط: هو اجتماع الرجل بالمرأة التي ليست بمحرم اجتماعاً يؤدي إلى ريبة، والأمر بالقرار في البيت وتحريم الخلوة يعتبران نهياً عنه» (٢).

٨ - وقيل: الاختلاط المحرم: هو اجتماع النساء بالرجال الأجانب اجتماعاً خاصاً أو عاماً يحدث بسببه الافتتان» (٣).

٩ - والتعريف الاصطلاحي المختار للاختلاط المحرم هو: انضمام واجتماع ومداخلة الرجال بالنساء غير المحارم في مكان واحد يمكنهم فيه الاتصال فيما بينهم: بالنظر، أو الإشارة، أو الكلام، أو البدن، من غير حائل أو مانع يدفع الريبة والفساد. واللَّه تعالى أعلم.

ويؤخذ من هذا التعريف الاصطلاحي للاختلاط المحرم: أنه كل اجتماع بين الرجال الأجانب والنساء غير المحارم، يحصل به انضمام، أو اجتماع، أو مداخلة بالنظر، أو الإشارة، أو الابتسامة والضحك، أو الكلام المحرم، أو ملامسة الأبدان بالاحتكاك أو

(١) التبرج والاختلاط، عثمان بن ناعورة، ص ٤٢، وتحريم الاختلاط، للبداح، ص٩.
(٢) المرأة والشريعة الإسلامية، لمحمد الأباصيري، ص ٤٧، وانظر: الاختلاط أصل الشر في دمار الأمم والأسر، لأبي محمد بن عبد اللَّه الإمام، ص٢٩.
(٣) انظر: الاختلاط أصل الشر في دمار الأمم والأسر، لأبي محمد بن عبد اللَّه الإمام، ص٢٩.

المصافحة، أو غير ذلك، مثل ما يحصل: في الدراسة الجماعية في الجامعات المختلطة، أو المدارس المختلطة بين الجنسين، وكذا ما يحصل في ميدان العمل بالدوائر الرسمية، أو البيع أو الشراء، أو النزهة أو السفر، أو العمل بالشركات أو المحلات التجارية، أو المستشفيات: والاختلاط بين الأطباء والطبيبات، وبالممرضين والممرضات، ومن ذلك كل طبيب عنده ممرضة، أو طبيبة عندها ممرض، يخلو بها في بعض الأوقات، أو السكرتيرة للطبيب، والسكرتير للطبيبة، أو الاختلاط في المؤتمرات، أو الندوات، أو المحاضرات، أو الاجتماعات، أو الأكل الجماعي في المطاعم، سواء كانت عامة أو خاصة، أو خدمة النساء للرجال الأجانب، وتقديم الأطعمة أو المشروبات مباشرة بدون حجاب، ولا حائل، كما يحصل في الطائرات وغيرها.

فهذا هو الاختلاط المحرم الذي لا شك في تحريمه، نسأل اللَّه السلامة والعافية.
 
أولاً: أنواع الاختلاط المحرم، وصوره على النحو الآتي:

١ - اختلاط الأولاد: الذكور والإناث - ولو كانوا إخوة- في المضاجع بعد التمييز، فقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالتفريق بينهم في المضاجع، فعن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص - رضي الله عنه -، قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «مُرُوا أَوْلاَدَكُمْ بِالصَّلاَةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرِ سِنِينَ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِى الْمَضَاجِعِ» (١).

٢ - اتخاذ الخدم الرجال، واختلاطهم بالنساء، وحصول الخلوة بهن، رُوِي في بعض الآثار أن فاطمة عليها السلام لما ناوَلَت أحَدَ ابنَيْها بلالًا أو أنسًا قال: «رأيت كفًا» يعني أنه لم يَرَ وجهًا (٢)، وقد كان أنس - رضي الله عنه - خادمًا خاصّاً للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وكان يعيش عنده كأحد أهله.

٣ - اتخاذ الخادمات اللائي يبقين بدون محارم، وقد تحصل بهن الخلوة.

٤ - السماح للخطيبين بالمصاحبة والمخالطة التي تجر إلى الخلوة، ثم

(١) سنن أبي داود، كتاب الصلاة، باب متى يؤمر الغلام بالصلاة، برقم ٤٩٥، وأحمد،
١١/ ٣٦٩، برقم ٦٧٥٧، والمستدرك، ١/ ١٩٧، والدارقطني، ١/ ٢٣٠، ومصنف ابن أبي شيبة، ١/ ٣٠٤، برقم ٣٤٨٢، والسنن الكبرى للبيهقي، ٢/ ٢٢٨، ومسند البزار،
١٧/ ١٨٩، وحسنه النووي في رياض الصالحين، ص ٣٧٨، وحسن إسناده الألباني، في صحيح أبي داود، ٢/ ٤٠١، برقم ٥٠٩.
(٢) تكملة فتح القدير، ٨/ ٩٨.

إلى ما لا تحمد عقباه، فيقع العبث بأعراض الناس بحجة التعارف ومدارسة بعضهم بعضًا.

٥ - استقبال المرأة أقارب زوجها الأجانب، وأصدقاءه- في حال غيابه ومجالستهم.

٦ - الاختلاط في دور التعليم كالمدارس، والجامعات، والمعاهد، والدروس الخصوصية.

٧ - الاختلاط في الوظائف، والأندية، والمواصلات، والأسواق، والمستشفيات، والزيارات بين الجيران، والأعراس، والحفلات.

٨ - الخلوة في أي مكان ولو بصفة مؤقتة كالمصاعد، والمكاتب، والعيادات، وغيرها (١).

ثانياً: أقسام الاختلاط: المباح، والمحرم: له ثلاث حالات:

قال العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ - رحمه الله -: «اختلاط الرجال بالنساء له ثلاث حالات:

الأولى: اختلاط النساء بمحارمهن من الرجال، وهذا لا إشكال في جوازه.

الثانية: اختلاط النساء بالأجانب لغرض الفساد، وهذا لا إشكال في تحريمه.

(١) انظر: عودة الحجاب، لمحمد أحمد المقدم، ٣/ ٥٦ - ٥٧.

الثالثة: اختلاط النساء بالأجانب في: دور العلم، والحوانيت، والمكاتب، والمستشفيات، والحفلات، ونحو ذلك، فهذا في الحقيقة قد يظن السائل في بادئ الأمر أنه لا يؤدي إلى افتتان كل واحد من النوعين بالآخر؛ ولكشف حقيقة هذا القسم فإنَّا نجيب عنه من طريق: مجمل، ومفصل:

أما المجمل: فهو أن اللَّه تعالى جبل الرجال على القوة والميل إلى النساء، وجبل النساء على الميل إلى الرجال مع وجود ضعف ولين، فإذا حصل الاختلاط نشأ على ذلك آثار تؤدي إلى حصول الغرض السيئ؛ لأن النفوس أمارة بالسوء، والهوى يعمي ويصم، والشيطان يأمر بالفحشاء والمنكر.

وأما المفصَّل: فالشريعة مبنية على المقاصد ووسائلها، ووسائل المقصود الموصلة إليه لها حكمه، فالنساء مواضع قضاء وطر الرجال، وقد سدَّ الشارع الأبواب المفضية إلى تعلق كل فرد من أفراد النوعين بالآخر، وينجلي ذلك بما نسوقه لك من الأدلة من الكتاب والسنة.

أما الأدلة من الكتاب فستة: ... ». ثم ذكرها - رحمه الله - (١)، ثم قال: «وأما

(١) الأدلة التي ذكرها: قوله تعالى: {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا ... } [سورة يوسف، الآية: ٢٣]، والثاني قوله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْضَارِهِمْ ... } [سورة النور، الآيتان: ٣٠ - ٣١]، قال: والثالث: الأدلة التي سبقت في أن المرأة عورة ... ، والرابع: {وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ ... } [سورة النور، الآية: ٣١]، والخامس: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [سورة غافر، الآية: ١٩]، والدليل السادس: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ... } [سورة الأحزاب، الاية: ٣٣].

الأدلة من السنة، فإننا نكتفي بعشرة أدلة»، ثم ساقها - رحمه الله - (١) (٢).

ثالثاً: بدايات الاختلاط في أماكن العمل والتعليم في بلاد المسلمين:

لم يكن اختلاط الرجال بالنساء في أماكن العمل والتعليم معروفاً في مجتمعات المسلمين، ولم يعرف قبل تمكن الاحتلال الفرنسي والإنجليزي من أرض الإسلام، وقد ذكر صاحب كتاب تاريخ التعليم في العراق ١٩٢١ م- ١٩٣٢ أن أعيان البصرة كتبوا لرئيس مجلس الوزراء في العراق كتاباً يتضمن استنكاراً لما قام به مدير المعارف في وقته من زيارة مدرسة للبنات، واعتبروا ذلك تغريباً وسبيلاً للسفور (٣).

وقد دخل الاختلاط في أماكن التعليم بلاد الإسلام في أول الأمر عن طريق المدارس الأجنبية التي أنشأها المحتل الأجنبي (٤)، حيث إن أول مدرسة للبنات فتحها المنصرون في الدولة العثمانية في بيروت عام ١٨٣٠ م، تبع ذلك افتتاح مدارس كثيرة للبنات في مصر والسودان وسوريا والعراق وفلسطين والهند والأفغان، التي بدأت في أول أمرها للبنات، ثم تحولت مختلطة بين الجنسين (٥).

(١) وسأذكرها إن شاء اللَّه في الأدلة على تحريم الاختلاط المحرّم.
(٢) فتاوى ورسائل العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ، مفتي المملكة العربية السعودية في زمنه، ورئيس القضاة والشؤون الإسلامية، ١٠/ ٣٥.
(٣) تاريخ التعليم في العراق، ص ١٢١.
(٤) المدارس الأجنبية، بكر أبو زيد، ص ٣٤، والمدارس الأجنبية في الخليج، عبد العزيز البداح، ص ٣٤١.
(٥) المخططات الاستعمارية لمكافحة الإسلام، محمد الصواف، ص ٢٢٠.

وظهر التيار التغريبي في مصر - أنموذجاً- وجرى على يديه الاختلاط في أماكن العمل والتعليم عن طريق ثلاثة مسارات:

المسار الأول: عن طريق المستغربين [كأحمد لطفي السيد الهالك سنة ١٣٨٢هـ]، وهو أول من أدخل الفتيات المصريات في الجامعات مختلطات بالطلاب سافرات الوجوه، لأوَّل مرة في تاريخ مصر، يناصره في ذلك طه حسين الهالك سنة ١٣٩٣هـ] (١)، الذين أمسكوا بأزمة الجامعة المصرية، فأدخلوا البنات فيها بشكل تدريجي حتى صارت مختلطة بين الطالبات والطلاب، ولما ثار عليهم علماء الأزهر، قال طه حسين قولته الماكرة: «لاأعلم نصاً في كتاب اللَّه أو سنة نبيه يمنع اختلاط الشبان بالشابات لطلب العلم»!!! (٢).

ولما وقعت بعض جرائم الزنا إبان افتتاح الجامعة المصرية قال بكل صراحة: «لا بد من ضحايا» لكنه لم يذكر هذه الضحايا في سبيل ماذا؟!! (٣).

المسار الثاني: كتابات بعض المنتسبين للعلم الذين دعوا إلى الاختلاط بين الرجال والنساء، فكانوا سنداً للمستغربين، وعوناً لهم، كرفاعة الطهطاوي في كتابه «تلخيص الإبريز في تاريخ باريز»، وخير

(١) انظر: حراسة الفضيلة، للعلامة بكر أبو زيد، ص ١٣٩.
(٢) انظر: طه حسين في ميزان الإسلام، أنور الجندي، ص ٦١ - ٦٢.
(٣) المرأة المسلمة، وهبي غاوجي، ص ٢٤٢.

الدين التونسي في كتابه «أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك» (١)، ومحمد عبده الذي كتب بعض فصول كتاب «تحرير المرأة» لقاسم أمين (٢)، وعبد العزيز جاويش الذي أنشأ مجلة «الهداية»، وهي تستهدف تقريب الدين من الثقافة الغربية الحديثة، وقد نشرت مقالاً لعبد القادر المغربي عن حجاب المرأة دعا فيه إلى السفور والاختلاط، واستشهد فيه - على زعمه - بأحاديث وآثار شرعية!! (٣).

المسار الثالث: نشطت الصحافة في نشر الأفكار المنحرفة المتعلقة بعمل المرأة وتعليمها واختلاطها بالرجال، مستهدفة ذلك الحاجز القوي الذي أقامه الإسلام على أساس المحافظة على العِرض والشرف والخلق، حين دعا إلى حماية كرامة المرأة بالفصل بينها وبين الرجل في المجتمعات ودوائر الأعمال، وفي لقاء البيوت والأسر (٤).

وهكذا انتشر وباء الاختلاط في مجتمعات المسلمين بعد تآزر قوى الظلام (المستغربون، أدعياء العلم، أقلام الصحافة المسمومة) وحسبنا اللَّه ونعم الوكيل (٥).

(١) الإسلام والحضارة الغربية، محمد حسين، ص ١٨.
(٢) مؤامرات على الحجاب، البرازي، ص ٥٧.
(٣) الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر، محمد حسين، ص ٣٥٧ - ٣٦٠.
(٤) الصحافة والأقلام المسمومة، أنور الجندي، ص ٣٢ - ٣٣.
(٥) تحريم الاختلاط والرد على من أنكره، لعبد العزيز البداح، ص ٥٢ - ٥٤.
 
[المبحث الثالث: حكم الاختلاط وتحريم الأسباب الموصلة إليه وبيان عادة الإباحية]

أولاً: الاختلاط بين النساء والرجال الأجانب محرّم تحريماً مؤكداً؛ لأن العِفَّة حجاب يُمَزِّقه الاختلاط، ولهذا صار طريق الإسلام التفريق والمباعدة بين المرأة والرجل الأجنبي عنها، فالمجتمع الإسلامي مجتمع فردي لا زوجي، فللرجال مجتمعاتهم، وللنساء مجتمعاتهن، ولا تخرج المرأة إلى مجتمع الرجال إلا لضرورة أو حاجة بضوابط الخروج الشرعية.

كل هذا لحفظ الأعراض، والأنساب، وحراسة الفضائل، والبعد عن الرِّيب والرذائل، وعدم إشغال المرأة عن وظائفها الأساسية في بيتها؛ ولذا حُرِّم الاختلاط، سواء في التعليم، أم العمل، والمؤتمرات، والندوات، والاجتماعات العامة، والخاصة، وغيرها؛ لما يترتب عليه من هتك الأعراض ومرض القلوب، وخطرات النفس، وخنوثة الرجال، واسترجال النساء، وزوال الحياء، وتقلص العفة والحشمة، وانعدام الغيرة.

ولهذا فإن أهل الإسلام لا عهد لهم باختلاط نسائهم بالرجال الأجانب عنهن، وإنما حصلت أول شرارة قدحت للاختلاط على أرض الإسلام من خلال: «المدارس الاستعمارية الأجنبية العالمية»، التي فتحت أول ما فتحت في بلاد الإسلام في: (لبنان) كما بينه العلامة بكر أبو زيد - رحمه الله - في كتابه: «المدارس الاستعمارية -الأجنبية العالمية- تاريخها ومخاطرها على الأمة الإسلامية» (١).

وقد عُلِم تاريخيّاً أن ذلك من أقوى الوسائل لإذلال الرعايا وإخضاعها؛ بتضييع مقومات كرامتها، وتجريدها من الفضائل، ولا حول ولا قوة إلا باللَّه العلي الحكيم.

كما عُلِمَ تاريخياً أن التبذل والاختلاط من أعظم أسباب انهيار الحضارات، وزوال الدول، كما كان ذلك لحضارة (٢) اليونان والرومان، وهكذا عواقب الأهواء والمذاهب المضلة، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: «إن دولة بني أمية كان انقراضها بسبب هذا الجَعْدِ المعطِّل وغيره من الأسباب» (٣).

وقال ابن القيم - رحمه الله - ما مختصره: «فصل: ومن ذلك أن وليّ الأمر يجب عليه أن يمنع اختلاط الرجال بالنساء في الأسواق، والفُرَج، ومجامع الرجال ...

فالإمام مسؤول عن ذلك، والفتنة به عظيمة قال - صلى الله عليه وسلم -: «ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء» (٤)، ... وفي حديث آخر أنه قال للنساء: «علَيْكُنَّ حافات الطريق» (٥).

(١) انظر: حراسة الفضيلة، لبكر أبو زيد، ص ٨٢.
(٢) المرجع السابق، ص ٨١ - ٨٢.
(٣) مجموع الفتاوى، ١٣/ ١٨٢.
(٤) البخاري، كتاب النكاح، باب ما يتقى من شؤم المرأة، برقم ٥٠٩٦، ومسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب استحباب حمد اللَّه تعالى بعد الأكل والشرب، برقم ٢٧٤٠.
(٥) أخرجه البيهقي في الشعب، ١٠/ ٢٤٠، وفي الآداب له، برقم ٦٦٨.

ويجب عليه منع النساء من الخروج متزينات متجملات، ومنعهن من الثياب التي يكنَّ بها كاسيات عاريات، كالثياب الواسعة، والرقاق، ومنعهنّ من حديث الرجال في الطرقات، ومنع الرجال من ذلك.

وإن رأى وليّ الأمر أن يفسد على المرأة - إذا تجملت وتزينت وخرجت - ثيابها بحبر ونحوه، فقد رخّص في ذلك بعض الفقهاء وأصاب، وهذا من أدنى عقوبتهن المالية.

وله أن يحبس المرأة إذا أكثرت الخروج من منزلها، ولا سيما إذا خرجت متجملة؛ بل إقرار النساء على ذلك إعانة لهن على الإثم والمعصية، واللَّه سائلٌ وليّ الأمر عن ذلك.

وقد منع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - النساء من المشي في طريق الرجال، والاختلاط بهم في الطريق.

فعلى وليِّ الأمر أن يقتدي به في ذلك.

وقال الخلال في جامعه: أخبرني محمد بن يحيى الكحال: أنه قال لأبي عبد اللَّه: أرى الرجل السوء مع المرأة؟ قال: صِحْ به، وقد أخبر النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: «أن المرأة إذا تطيَّبت وخرجت من بيتها فهي زانية» (١).

(١) لم أجد هذا اللفظ، وإنما ما ورد قوله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا اسْتَعْطَرَتِ الْمَرْأَةُ فَمَرَّتْ على القوم لِيَجِدُوا رِيحَهَا فهي زَانِيَةٌ». أخرجه أبو داود، برقم ٤١٧٣، والترمذي، برقم ٢٧٨٦، وقال: «حسن صحيح»، والنسائي، برقم ٥١٢٦، والحاكم، ٢/ ٣٩٧، وأخرجه أيضًا: أحمد، برقم ١٩٧١١، وقال محققو المسند: «إسناده جيد»، وحسّنه الشيخ الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، ٢/ ٢١٦، برقم ٢٠١٩، وفي غيره من كتبه.

يمنع المرأة إذا أصابت بخوراً أن تشهدَ عشاء الآخرة في المسجد، فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «المرأة إذا خرجت استشرفها الشيطان» (١).

ولا ريب أن تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال، أصل كل بلية وشرّ، وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة، كما أنه من أسباب فساد أمور العامة والخاصة، واختلاط الرجال بالنساء سبب لكثرة الفواحش والزنا، وهو من أسباب الموت العام والطواعين المتصلة (٢).

ولما اختلط البغايا بعسكر موسى، وفشت فيهم الفاحشة، أرسل اللَّه عليهم الطاعون، فمات في يوم واحد سبعون ألفاً، والقصة مشهورة في كتب التفاسير.

فمن أعظم أسباب الموت العام: كثرة الزنا، بسبب تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال، والمشي بينهم متبرجات متجملات، ولو علم أولياء الأمر ما في ذلك من فساد الدنيا والرعية -قبل الدين - لكانوا أشد شيء منعاً لذلك» انتهى كلامه - رحمه الله - (٣).

(١) أخرجه الترمذي، كتاب الرضاع، باب حدثنا محمد بن بشار، ٣/ ٤٧٦، برقم ١١٧٣، وابن خزيمة، ١/ ٩٣، ١٦٨٥، مسند البزار، ٥/ ٤٢٧، برقم ٤٢٧، والطبراني في المعجم الكبير، ٩/ ٢٩٥، برقم ٩٤٨١، والمعجم الأوسط، ٣/ ١٨٩، برقم ٢٨٩٠، ومصنف ابن أبي شيبة ٢/ ٣٨٤، برقم ٧٦٩٨، وصححه العلامة الألباني في إرواء الغليل ١/ ٣٠٣.
(٢) مثل: الإيدز وغيره.
(٣) الطرق الحكمية، لابن القيم، ص ٣٢٤ - ٣٢٦، بتصرف، وانظر: حراسة الفضيلة، لبكر أبو زيد، ص ٨١ - ٨٤.
 
ثانياً: تحريم الأسباب الموصلة إلى الاختلاط بين النساء والرجال غير المحارم؛ ولهذا قال العلامة بكر أبو زيد - رحمه الله - بعد أن ساق كلام ابن القيم - رحمه الله - آنف الذكر: «ولهذا حرمت الأسباب المفضية إلى الاختلاط، وهتك سنة المباعدة بين الرجال والنساء ... » (١)، ثم ذكر - رحمه الله - الأسباب التي توصل إلى الاختلاط على النحو الآتي:

١ - تحريم الدخول على الأجنبية والخلوة بها، للأحاديث المستفيضة كثرة وصحة، ومنها: خلوة السائق، والخادم، والطبيب وغيرهم بالمرأة، وقد تنتقل من خلوة إلى أخرى، فيخلو بها الخادم في البيت، والسائق في السيارة، والطبيب في العيادة، وهكذا!!.

٢ - تحريم سفر المرأة بلا محرم، والأحاديث فيه متواترة معلومة.

٣ - تحريم النظر العمد من أيٍّ منهما إلى الآخر، بنص القرآن والسنة.

٤ - تحريم دخول الرجال على النساء، حتى الأحماء -وهم أقارب الزوج- فكيف بالجلسات العائلية المختلطة، مع ما هن عليه من الزينة، وإبراز المفاتن، والخضوع بالقول، والضحك .. ؟.

٥ - تحريم مسّ الرجل بدن الأجنبية، حتى المصافحة للسلام.

٦ - تحريم تشبه أحدهما بالآخر (٢).

(١) حراسة الفضيلة، ص ٨٤.
(٢) المرجع السابق، ص ٨٥.

ثم قال - رحمه الله -: «وشرع لها صلاتها في بيتها، فهي من شعائر البيوت الإسلامية، وصلاة المرأة في بيتها خير لها من صلاتها في مسجد قومها، وصلاتها في مسجد قومها خير من صلاتها في مسجد رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، كما ثبت الحديث بذلك.

ولهذا سقط عنها وجوب الجمعة، وأُذِنَ لها بالخروج للمسجد وفق الأحكام الآتية:

الأول: أن تؤمن الفتنة بها وعليها.

الثاني: أن لا يترتب على حضورها محذور شرعي.

الثالث: أن لا تزاحم الرجال في الطريق ولا في الجامع.

الرابع: أن تخرج تَفِلةً غير متطيبة.

الخامس: أن تخرج متحجبة غير متبرجة بزينة.

السادس: إفراد باب خاص للنساء في المساجد، يكون دخولها وخروجها معه، كما ثبت الحديث بذلك في سنن أبي داود وغيره.

السابع: تكون صفوف النساء خلف الرجال.

الثامن: خير صفوف النساء آخرها بخلاف الرجال.

التاسع: إذا نابَ الإمامَ شيء في صلاته سَبَّح رجل، وصفقت امرأة.

العاشرة: تخرج النساء من المسجد قبل الرجال، وعلى الرجال الانتظار حتى انصرافهن إلى دُورهن، كما في حديث أم سلمة - رضي الله عنها -، في صحيح البخاري وغيره.

إلى غير ذلك من الأحكام التي تباعد بين أنفاس النساء والرجال، واللَّه أعلم». (١)

ثالثاً: عادة الإباحية للاختلاط بين الرجال والنساء الأجانب، قال العلامة بكر أبو زيد - رحمه الله -: «ولا بد من التنبيه إلى أن دعاة الإباحية، لهم بدايات تبدو خفيفة، وهي تَحْمِلُ مكايد عظيمة، منها في وضع لبنة الاختلاط، يبدؤون بها من رياض الأطفال، وفي برامج الإعلام، وركن التعارف الصحفي بين الأطفال، وتقديم طاقات -وليس باقات- الزهور من الجنسين في الاحتفالات».

ثم قال - رحمه الله -: «إذا كان الاختلاط بين الجنسين في رياض الأطفال مرفوضاً؛ لأنه ليس من عمل المسلمين على مدى تاريخهم الطويل في تعليم أولادهم في الكتاتيب وغيرها؛ ولأنه ذريعة إلى الاختلاط فيما فوقها من مراحل التعليم، فالدعوة إلى الاختلاط في الصفوف الأولى من الدراسة الابتدائية مرفوضة من باب أولى، فاحذروا أن تخدعوا أيها المسلمون!!.

وهكذا .. من دواعي كسر حاجز النفرة من الاختلاط، بمثل هذه البدايات، التي يستسهلها كثير من الناس.

(١) حراسة الفضيلة، ص ٨٥ - ٨٦، ببعض التصرف.

فليتق اللَّه أهلُ الإسلام في مواليهم، وليحسبوا خطوات السير في حياتهم، وليحفظوا ما استرعاهم اللَّه عليه من رعاياهم، والحذر الحذر من التفريط والاستجابة لفتنة: الاستدراج إلى مدارج الضلالة، وكل امرئٍ حسيب نفسه» (١).

(١) حراسة الفضيلة، ص ٨٦ - ٨٧.
 
ثانياً: شبه دعاة الفساد والاختلاط والرد عليها:

الشبهة الأولى: استدلالهم بما جاء عن سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: «لَمَّا عَرَّسَ أَبُو أُسَيْدٍ السَّاعِدِيُّ دَعَا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحَابَهُ، فَمَا صَنَعَ لَهُمْ طَعَامًا، وَلَا قَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ إِلَّا امْرَأَتُهُ أُمُّ أُسَيْدٍ، بَلَّتْ تَمَرَاتٍ فِي تَوْرٍ مِنْ حِجَارَةٍ مِنَ اللَّيْلِ، فَلَمَّا فَرَغَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الطَّعَامِ أَمَاثَتْهُ لَهُ، فَسَقَتْهُ تُتْحِفُهُ بِذَلِكَ» (١)، ثم عَقب بقوله: ومن لوازم ذلك نظر المرأة للرجال ومخالطتهم.

فهذا قبل منع الاختلاط وفرض الحجاب؛ فإن الحجاب ولوازمه فرض في قريب السنة الخامسة، وهذا العرس كان قبل ذلك، فزوجة أبي أسيد هي سلامة بنت وهب وأولادها ثلاثة: أسيد وهو الأكبر، والمنذر وحمزة، كما نص عليه خليفة بن خياط في «طبقاته» (٢)، وَعُمْرُ أبي أسيد الساعدي حينما فرض الحجاب كان سبعاً وستين سنة، وابنه الأكبر الذي أمه سلامة المتزوجة كما في هذا الحديث ذكره عبدان المروزي في الصحابة، وكذلك ابن الأثير وغيرهم، ورسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - توفي سنة إحدى عشرة للهجرة، والحجاب فرض سنة خمس للهجرة، يعني قبل وفاته بخمس سنين، فمتى تزوج أسيد وسلامة - رضي الله عنه -؟ ومتى ولد لهما؟ ومتى أمكن أن يكون ابنهما أسيد، وأن يعد صحابياً في خمس سنين.

وقال النووي - رحمه الله - عن هذا العرس: «هذا محمول على أنه كان قبل الحجاب» (٣).

وقال العيني - رحمه الله -: «وكان ذلك قبل نزول الحجاب» (٤).

(١) البخاري، كتاب النكاح، باب قيام المرأة على الرجال في العرس وخدمتهم بالنفس، برقم ٥١٨٢، ومسلم، كتاب الأشربة، باب إباحة النبيذ الذي لم يشتد ولم يصر مسكراً، برقم ٢٠٠٦.
(٢) طبقات خليفة، ص ٢٥٤ ط العمري.
(٣) شرح النووي على صحيح مسلم، ١٣/ ١٧٧.
(٤) عمدة القاري، ٦/ ٣٣٢.

وبهذا قال القرطبي في «تفسيره» (١).

وقد أشار غير واحد من الشراح إلى قدم حادثة زواج أبي أسيد أيضاً، كابن بطال بقوله: «وفيه: شرب الشراب الذي لا يسكر في العرس، وأن ذلك من الأمر المعروف القديم» (٢).

(١) الجامع لأحكام القرآن، ٩/ ٩٨.
(٢) شرح صحيح البخاري، لابن بطال، ٧/ ٢٩٤.
 
أولاً: يجب أن يعلم أن الحجاب فرض على مراحل، ومنه الاختلاط، وقد عاش الصحابة زمناً قبل فرضه في المدينة ومكة نحواً من سبعة عشر عاماً، وأما بعد فرضه فخمسة أعوام نبوية فقط، ولهم في ذلك مرويات وقصص في كتب السنة والسير، وكان فرضه سنة خمس من الهجرة، فعن أنس - رضي الله عنه - قال: نزل الحجاب مبتنى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - بزينب بنت جحش - رضي الله عنها - (١).

وذلك قريب سنة خمس من الهجرة، قال صالح بن كيسان قال: نزل حجاب رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - على نسائه في ذي القعدة سنة خمس من الهجرة. رواه ابن سعد (٢).

بل جزم ابن العربي في «أحكام القرآن» (٣) أنه سنة ست، وعلى هذا فيكون النبي - صلى الله عليه وسلم - عاش بعد فرضه أربع سنين وشيئاً.

(١) البخاري، كتاب النكاح، باب الوليمة حق، برقم ٥١٦٦.
(٢) الطبقات الكبرى لابن سعد، ٨/ ٧٥.
(٣) ٦/ ٣٣٢.
 
سلمت يمناك على الطرح القيم
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top