- إنضم
- 24 ديسمبر 2011
- المشاركات
- 24,516
- نقاط التفاعل
- 27,912
- النقاط
- 976
- محل الإقامة
- فار إلى الله
- الجنس
- ذكر
الخط العربي:
1-الخط الكوفي
2-خط الرقعة
3-خط النسخ
4-خط الثلث
5-الخط الفارسي
6-خط الإجازة
7-خط الديواني
8-خط الطغراء
9-خط التاج
10-الخط المغربي
سار الخط العربي في رحلة حياته مسيرة طويلة، فقد نشأ نشأة عادية وبسيطة، ثم تطور مع تطور الحياة. وإذا ما حاولنا دراسة هذه الرحلة تبين لنا أن مسيرته قبل الإسلام كانت بطيئة جداً بينما نجده يقفز قفزات سريعة بعد الإسلام ويصل إلى درجة الإبداع، حيث تناوله الخطاطون بالتحسين والتزويق، وأضفوا عليه من إبداعهم جماليات لم تخطر على بال فنان سابق، لِما صبُّوا في الحرف العربي من قواعد ثابتة، وأصول يجب على الخطاط أن يلتزم بها ليكون خطاطاً ناجحاً.
وقد استطاع الخطاط العربي أن يبتكر خطوطاً جديدة من خطوط أخرى فهذا ابن مقلة يبتكر خط الثلث، لقد اشتقه من خطّي الجليل والطومار، وسمّاه في أول الأمر (خط البديع)( ) وقد استطاع أن يحسّنه ويجوّده حتى فاق فيه غيره، واشتهر بنيل قصب السبق فيه إلى عصرنا هذا، ولم يتجرّأ خطّاط أن يتقدمه، فاعتبره الخطاطون فيما بعد مهندساً للحروف العربية، لأنه قدّر مقاييسها وأبعادها بالنقط، فلكل حرف أبعاده الثابتة، ولكل بُعد نقطه المحدّدة التي لا يجوز تجاوزها.
ثم جاء ابن البواب فزاده جودة وجمالاً، وأسبغ عليه من ذوقه.
واستطاع الخطاط التركي ممتاز بك أن يبتكر خط الرقعة من الخط (الديواني) وخط (سياقت) حيث كان خط الرقعة خليطاً بينهما.
وقام الخطاط مير علي سلطان بتطوير وتحسين خط الإجازة.
وبرع الخطاط عثمان في الخط الديواني وفاق مبتكريه أيام السلطان محمد الفاتح.
وهكذا استمرت رحلة الخط جودة وتطويراً، وابتكاراً حتى كان الخط الحديث الذي ظهرت له الآن نماذج كثيرة خالية من القواعد والضوابط.
وقد سميت الخطوط العربية بأسماء المدن أو الأشخاص أو الأقلام التي كتبت بها، وقد تداخلت هذه الخطوط في بعضها، واشتق بعضها من الآخر، وتعددت رسوم الخط الواحد، فكانت لكثرتها تشكل فناً من الفنون التي أبدعها الخطاطون العظام كالخط الكوفي مثلاً، وقد تطورت هذه الخطوط نتيجة إبداع المهتمين بها والمتخصّصين بكل خط منها، فبلغت ذروتها لدى المتأخرين، وإن كان الأوائل قد نالوا قصب السبق فيها على جدران بغداد ودمشق والقاهرة والأندلس.
1- الخط الكوفي:
يعتبر الخط الكوفي من أقدم الخطوط، وهو مشتق من الخط النبطي (نسبة للأنباط) الذي كان متداولاً في شمال الجزيرة العربية وجبال حوران، وقد اشتقه أهل الحيرة والأنبار عن أهل العراق، وسمي فيما بعد بـ(الخط الكوفي) حيث انتشر منها إلى سائر أنحاء الوطن العربي، ولأن الكوفة قد تبنّته ورعته في البدء. وقد كتبت به المصاحف خمسة قرون حتى القرن الخامس الهجري، حين نافسته الخطوط الأخرى كالثلث والنسخ وغيرهما.
(وأقدم الأمثلة المعروفة من هذا الخط من القرآن نسخة سجلت عليه وقفية مؤرخة في سنة (168هـ= 784-785م) وهي محفوظة في دار الكتب المصرية بالقاهرة)( ).
كان الخطاطون والوراقون يزخرفون المصاحف وعناوين السور زخرفة جميلة، وبعضهم يزخرفون بداية المصحف ونهايته أيضاً بزخارف جد بديعة، من مربعات ومستطيلات، وزخارف متعاشقة، وصور مقرنصات نازله وطالعة. وأشجار مروحية أو نخيل، مما يزيد جمال الخط جمالاً أخّاذاً.
تمتاز حروف الخط الكوفي بالاستقامة، وتكتب غالباً باستعمال المسطرة طولاً وعرضاً، وقد اشتهر هذا الخط في العصر العباسي حتى لا نكاد نجد مئذنة أو مسجداً أو مدرسة أو خاناً يخلو من زخارف هذا الخط. (ويعتمد هذا الخط على قواعد هندسية تخفف من جمودها زخرفة متصلة أو منفصلة تشكّل خلفية الكتابة)( ).
وقد تطور هذا الخط تطوراً مذهلاً، حتى زادت أنواعه على سبعين نوعاً، كلها ترسم بالقلم العادي على المسطرة، ولم يعد وقفاً على الخطاطين، فقد برع فيه فنّانون ونقاشون ورسامون، وغير مهتمين بالخط، بل برع فيه كثير من هواة الرسم والذوق، وابتكروا خطوطاً كثيرة لها منها (الكوفي البسيط، والكوفي المسطّر- ويسمى: المربع، أو الهندسي التربيعي- والخط الكوفي المسطّر المتأثر بالرسم، والخط الكوفي المسطّر المتأثر بالفلسفة، والخط الكوفي المتشابك، والكوفي المتلاصق، والكوفي المورّق. الذي قال عنه الخطاط كامل البابا: (لقد نفخ العربي في الحرف الحياة، وحوّله من جماد إلى نبات، تنبثق عنه أغصان وأوراق وأزهار)( ). والخط الكوفي المزخرف، والمزيّن، والمظفور، والكوفي الأندلسي والخط الكوفي الفاطمي، والكوفي الأيوبي، والكوفي المملوكي. (وكان كتّاب الوحي يكتبون به آيات القرآن الكريم على سعف النخيل والجلود ورقائق العظام، وكان الناس في العصر الجاهلي والراشدي يكتبونه بشكل بدائي وبسيط، خالياً من النقط والهمزات والتشكيل)( ).
ويعتبر الخط الكوفي أفضل أنواع الخطوط العربية للفن والزخرفة، وهذا ما دعا غوستاف لوبون في كتابه (حضارة العرب) لأن يقول: (إن للخط العربي شأن كبير في الزخرفة، ولا غرو فهو ذو انسجام عجيب مع النقوش العربية، ولم يستعمل في الزخرفة حتى القرن التاسع الميلادي غير الخط الكوفي ومشتقاته كالقرمطي والكوفي القائم الزوايا)( ).
ولا يعتبر من يتقن هذا الخط خطاطاً بارعاً، بل يعتبرونه فناناً، لأنه لم يعد وقفاً على الخطاطين، بل برع فيه النحاتون على الرخام أيضاً، والمزخرفون على جدران الجص وغيره.
وقد تراجع الخط الكوفي من واجهات الأبنية، وكتابات الخطاطين منذ القرن السادس الهجري، إذ راح الخط النسخي يحلّ محله شيئاً فشيئاً (ثم حل محل الخط الكوفي القديم بالمنطقة المغربية الإسلامية خط جديد مازال يستعمل في المغرب وطرابلس وما بينهما، وعرف باسم الخط العربي)( ).
وراح هذا الخط يملأ عناوين الكتب وخطوطها، ورؤوس الفصول والأبواب والحواشي في سائر الكتب التي تنسخ من طرابلس إلى أقصى المغرب، ومن ثم إلى الأندلس، حتى أننا نجد هذا الخط في زخارف ونقوش على الحجر والجبس في الجدران والقصور والحصون والقلاع والمساجد، وعلى أبواب ونوافذ المنشآت الضخمة، وفي بيوت وقصور الأمراء والأثرياء.
وأشهر من كان يكتبه من الخطاطين المعاصرين المرحوم الأستاذ يوسف أحمد بمصر، وله به تخصص وإتقان)( ).
يستعمل هذا الخط بأنواعه المختلفة والكثيرة للزخارف والزينة، وأحياناً يغوص الخطاطون فيه في التعقيد والإبهام، حتى ليصعب على القارئ العادي أن يقرأ كلمة منه. وكتبت به المصاحف على الرق حتى القرن التاسع الميلادي حيث ظهرت الخطوط الكوفية فيها غليظة ومستديرة، وذات مدّات قصيرة. وقد (استخدم الخط الكوفي في مصر والشام والعراق خلال القرن التاسع وشطراً من القرن العاشر الميلادي)( ). واستمر استعماله حتى القرن الحادي عشر حيث قلّ استعماله في كتابة القرآن الكريم، وأصبح خط النسخ بديلاً له، حيث بقيت البسملة في المصاحف بهذا الخط.
2- خط الرقعة:
هو خط الناس الاعتيادي في كتاباتهم اليومية، وهو أصل الخطوط العربية وأسهلها، يمتاز بجماله واستقامته، وسهولة قراءته وكتابته، وبعده عن التعقيد، ويعتمد على النقطة، فهي تكتب أو ترسم بالقلم بشكل معروف.
يقول البعض: إن تسميته نسبة إلى كتابته على الرقاع القديمة، لكن هذه التسمية لم تلاق استحساناً لدى الباحثين الذين قالوا: (إن الآراء غير متفقة على بدء نشوء خط الرقعة وتسميته، التي لا علاقة لها بخط الرقاع القديم، وأنه قلم قصير الحروف، يحتمل أن يكون قد اشتق من الخط الثلثي والنسخي وما بينهما، وأن أنواعه كثيرة)( ).
وكان فضل ابتكاره للأتراك قديم، إذ ابتكروه حوالي عام 850هـ، ليكون خط المعاملات الرسمية في جميع دوائر الدولة، لامتياز حروفه بالقصر وسرعة كتابتها.
يستعمل خط الرقعة في كتابة عناوين الكتب والصحف اليومية والمجلات، واللافتات والدعاية. ومن ميزة هذا الخط أن الخطاطين حافظوا عليه، فلم يشتقوا منه خطوطاً أخرى، أو يطوِّروه إلى خطوط أخرى، تختلف عنه في القاعدة، كما هو الحال في الخط الفارسي والديواني والكوفي والثلث وغيرها.
ويعتبر خط الرقعة من الخطوط المتأخرة من حيث وضع قواعده فقد (وضع أصوله الخطاط التركي الشهير ممتاز بك المستشار في عهد السلطان عبد المجيد خان حوالي سنة 1280 هجرية، وقد ابتكره من الخط (الديواني) وخط (سياقت)
حيث كان خليطاً بينهما قبل ذلك( ).
إنَّ خط الرقعة هو الخط الذي يكتب به الناس في البلاد العربية عدا بلدان المغرب العربي عموماً، وإن كان بعض العراقيين يكتبون بالثلث والنسخ.
3 - خط النسخ:
يعتبر خط النسخ من أقرب الخطوط إلى خط الثلث، بل نستطيع أن نقول: (إنه من فروع قلم الثلث، ولكنه أكثر قاعدية وأقل صعوبة، وهو لنسخ القرآن الكريم، وأصبح خط أحرف الطباعة)( ).
وهو خط جميل، نسخت به الكتب الكثيرة من مخطوطاتنا العربية، ويحتمل التشكيل، ولكن أقلّ مما امتاز به خط الثلث. وقد امتاز هذا الخط في خطوط القرآن الكريم، إذ نجد أكثر المصاحف بهذا الخط الواضح في حروفه وقراءته، كما أن الحكم والأمثال واللوحات في المساجد والمتاحف كتبت به..
وخط النسخ الذي يكتبه الخطاطون اليوم؛ هو خط القدماء من العباسيين الذين ابتكروا وتفننوا فيه، فقد (حسَّنه ابن مقلة، وجودّه الأتابكيون وتفنن في تنميقه الأتراك، حتى وصل إلينا بحلَّته القشيبة، بالغاً حدّ الجمال والروعة).( )
وتستعمل الصحف والمجلاَّت هذا الخط في مطبوعاتها، فهو خط الكتب المطبوعة اليوم في جميع البلاد العربية. وقد طوّر المحدثون خط النسخ للمطابع والآلات الكاتبة، ولأجهزة التنضيد الضوئي في الكمبيوتر، وسمّوه (الخط الصحفي) لكتابة الصحف اليومية به.
وأشهر خطاط معاصر أبدع فيه هو هاشم محمد البغدادي، فقد ظهرت براعة قصبته في كتابه (قواعد الخط العربي) الذي يعتبر الكتاب الأول في مكتبات الخطاطين الكبار والمبتدئين.
4- خط الثلث:
يعتبر خط الثلث من أجمل الخطوط العربية، وأصعبها كتابة، كما أنه أصل الخطوط العربية، والميزان الذي يوزن به إبداع الخطاط. ولا يعتبر الخطاط فناناً مالم يتقن خط الثلث، فمن أتقنه غيره بسهولة ويسر، ومن لم يتقنه لا يُعدّ بغيره خطاطاً مهما أجاد.
وقد يتساهل الخطاطون والنقاد في قواعد كتابة أي نوع من الخطوط، إلاّ أنهم أكثر محاسبة، وأشد تركيزاً على الالتزام في القاعدة في هذا الخط، لأنه الأكثر صعوبة من حيث القاعدة والضبط.
وقد تطور خط الثلث عبر التاريخ عما كان عليه في الأصل الأموي (الطومار) فابتكر منه (خط المحقق) و(الخط الريحاني) خطاط بغداد ابن البوّاب. ثم خط (التوقيع) ثم خط (الرقاع) ثم خط (الثلثين) وهو خط أصغر من خط الطومار. وخط (المسلسل) الذي ابتدعه الخطاط (الأحول المحرر) ثم خط الثلث العادي، وخط (الثلث الجلي) وخط (الثلثي المحبوك) والخط (الثلثي المتأثر بالرسم)، والخط (الثلثي الهندسي)، والخط (الثلثي المتناظر)( ).
استعمل الخطاطون خط الثلث في تزيين المساجد، والمحاريب، والقباب، وبدايات المصاحف. وخطّ بعضهم المصحف بهذا الخط الجميل. واستعمله الأدباء والعلماء في خط عناوين الكتب، وأسماء الصحف والمجلات اليومية والأسبوعية والشهرية، وبطاقات الأفراح والتعزية، وذلك لجماله وحسنه، ولاحتماله الحركات الكثيرة في التشكيل سواء كان بقلم رقيق أو جليل، حيث تزيده في الجمال زخرفة ورونقاً.
يعتبر ابن مقلة المتوفى سنة (328هـ)، واضع قواعد هذا الخط من نقط ومقاييس وأبعاد، وله فضل السبق عن غيره، لأن كل من جاء بعده أصبح عيالاً عليه.
وجاء بعده ابن البواب علي بن هلال البغدادي المتوفى سنة (413هـ)، فأرسى قواعد هذا الخط وهذّبه، وأجاد في تراكيبه، ولكنه لم يتدخل في القواعد التي ذكرها ابن مقلة من قبله فبقيت ثابتة إلى اليوم.( )
وأشهر الخطاطين المعاصرين الذين أبدعوا في خط الثلث هو المرحوم هاشم البغدادي رحمه الله.
ورغم أن الخطاطين الإيرانيين قد سبقوا غيرهم في الخط الفارسي (النستعليق) إلا أنني رأيت عدداً من اللوحات الرائعة بهذا الخط في طهران، استطاع الخطاط الإيراني أن يكسب فيها مقدرته الفنية، ويكسر الطوق الذي يقول: (إن إبداعه اقتصر على الخط الفارسي)..
5 - الخط الفارسي:
ظهر الخط الفارسي في بلاد فارس في القرن السابع الهجري (الثالث عشر الميلادي. ويسمى (خط التعليق) وهو خط جميل تمتاز حروفه بالدقة والامتداد. كما يمتاز بسهولته ووضوحه وانعدام التعقيد فيه. ولا يتحمّل التشكيل، رغم اختلافه مع خط الرقعة.
وكان الإيرانيون قبل الإسلام يكتبون بالخط(البهلوي) فلما جاء الإسلام وآمنوا به، انقلبوا على هذا الخط فأهملوه، وكتبوا بالخط العربي، وقد (اشتق الإيرانيون خط التعليق من خط كان يكتب به القرآن آنئذ، ويسمى (خط القيراموز) ويقال : إن قواعده الأولى قد استنبطت من (خط التحرير) و(خط الرقاع) و(خط الثلث).( )
وقد طوّر الإيرانيون هذا الخط، فاقتبسوا له من جماليات خط النسخ ما جعله سلس القياد، جميل المنظر، لم يسبقهم إلى رسم حروفه أحد، وقد (وضع أصوله وأبعاده الخطاط البارع الشهير مير علي الهراوي التبريزي المتوفى سنة 919 هجرية).( ) (ويحتمل أنه كان تلميذاً لزين الدين محمود، ثم انتقل مير علي سنة 1524م من هراة إلى بلاد الأوزبك في بخارى، حيث عمل على استمرار التقاليد التي أرستها مدرسة هراة في فنون الخط).( )
ونتيجة لانهماك الإيرانيين في فن الخط الفارسي الذي احتضنوه واختصوا به، فقد مرّ بأطوار مختلفة، ازداد تجذراً وأصالة، واخترعوا منه خطوطاً أخرى مأخوذة عنه، أو هي إن صح التعبير: امتداد له، فمن تلك الخطوط:
1 ـ خط الشكستة: اخترعوه من خطي التعليق والديواني. وفي هذا الخط شيء من صعوبة القراءة، فبقي بسبب ذلك محصوراً في إيران، ولم يكتب به أحد من خطاطي العرب أو ينتشر بينهم.
2 ـ الخط الفارسي المتناظر: كتبوا به الآيات والأشعار والحكم المتناظرة في الكتابة، بحيث ينطبق آخر حرف في الكلمة الأولى مع آخر حرف في الكلمة الأخيرة، وكأنهم يطوون الصفحة من الوسط ويطبعونها على يسارها. ويسمى (خط المرآة الفارسي)..
3 ـ الخط الفارسي المختزل: كتب به الخطاطون الإيرانيون اللوحات التي تتشابه حروف كلماتها بحيث يقرأ الحرف الواحد بأكثر من كلمة، ويقوم بأكثر من دوره في كتابة الحروف الأخرى، ويكتب عوضاً عنها. وفي هذا الخط صعوبة كبيرة للخطاط والقارئ على السواء( ).
لقد رأيت إبداع الإيرانيين في هذا الخط (الفارسي)، ويظهر ذلك الإبداع في الأوابد الأثرية والمساجد والحوزات والمآذن والقباب، وقصور الشاهات الصفويين، وفي جميع المدن التي زرتها عام 1996، وهي طهران،
أصفهان، مشهد الرضا، حيث رأيت ظاهرتين قد لا توجدان في بلد من بلدان العالم هما:
أولاً : نظافة المدن وجمالها وحسن تنسيق الشوارع وتنظيمها.
ثانياً : الخطوط والزخارف التي تملأ الشارع الإيراني.
يستعمل خط التعليق (الفارسي) في كتابة عناوين الكتب والمجلات والإعلانات التجارية، والبطاقات الشخصية واللوحات النحاسية.(ومن مميزاته ميل حروفه من اليمين إلى اليسار في اتجاهها من الأعلى إلى الأسفل).( )
ومن وجوه تطور الخط الفارسي (التعليق) مع خط النسخ أن ابتدعوا منهما خط (النستعليق) وهو فارسي أيضاً. وقد برع الخطاط عماد الدين الشيرازي الحسني في هذا الخط وفاق به غيره، ووضع له قاعدة جميلة، تعرف عند الخطاطين باسمه. وهي (قاعدة عماد).
كما اشتهر هذا الخط في مدينة مشهد حتى كان من أفضل الخطوط التي انفردت بها هذه المدينة، بل اشتهر خاصة في بلاد إيران دون غيرها. (ويمتاز الخط الفارسي باختلاف عرض حروفه، وبعض الحروف تكتب بثلث عرض القَطَّة، كما يمتاز بعدم تداخل حروفه مع حروف قلم آخر)( )..
وكان أشهر من كان يكتبه بعد الخطاطين الإيرانيين محمد هاشم الخطاط البغدادي والمرحوم محمد بدوي الديراني بدمشق.( )
ويبقى قصب السبق في هذا الخط للخطاطين الإيرانيين بلا منازع.
1-الخط الكوفي
2-خط الرقعة
3-خط النسخ
4-خط الثلث
5-الخط الفارسي
6-خط الإجازة
7-خط الديواني
8-خط الطغراء
9-خط التاج
10-الخط المغربي
سار الخط العربي في رحلة حياته مسيرة طويلة، فقد نشأ نشأة عادية وبسيطة، ثم تطور مع تطور الحياة. وإذا ما حاولنا دراسة هذه الرحلة تبين لنا أن مسيرته قبل الإسلام كانت بطيئة جداً بينما نجده يقفز قفزات سريعة بعد الإسلام ويصل إلى درجة الإبداع، حيث تناوله الخطاطون بالتحسين والتزويق، وأضفوا عليه من إبداعهم جماليات لم تخطر على بال فنان سابق، لِما صبُّوا في الحرف العربي من قواعد ثابتة، وأصول يجب على الخطاط أن يلتزم بها ليكون خطاطاً ناجحاً.
وقد استطاع الخطاط العربي أن يبتكر خطوطاً جديدة من خطوط أخرى فهذا ابن مقلة يبتكر خط الثلث، لقد اشتقه من خطّي الجليل والطومار، وسمّاه في أول الأمر (خط البديع)( ) وقد استطاع أن يحسّنه ويجوّده حتى فاق فيه غيره، واشتهر بنيل قصب السبق فيه إلى عصرنا هذا، ولم يتجرّأ خطّاط أن يتقدمه، فاعتبره الخطاطون فيما بعد مهندساً للحروف العربية، لأنه قدّر مقاييسها وأبعادها بالنقط، فلكل حرف أبعاده الثابتة، ولكل بُعد نقطه المحدّدة التي لا يجوز تجاوزها.
ثم جاء ابن البواب فزاده جودة وجمالاً، وأسبغ عليه من ذوقه.
واستطاع الخطاط التركي ممتاز بك أن يبتكر خط الرقعة من الخط (الديواني) وخط (سياقت) حيث كان خط الرقعة خليطاً بينهما.
وقام الخطاط مير علي سلطان بتطوير وتحسين خط الإجازة.
وبرع الخطاط عثمان في الخط الديواني وفاق مبتكريه أيام السلطان محمد الفاتح.
وهكذا استمرت رحلة الخط جودة وتطويراً، وابتكاراً حتى كان الخط الحديث الذي ظهرت له الآن نماذج كثيرة خالية من القواعد والضوابط.
وقد سميت الخطوط العربية بأسماء المدن أو الأشخاص أو الأقلام التي كتبت بها، وقد تداخلت هذه الخطوط في بعضها، واشتق بعضها من الآخر، وتعددت رسوم الخط الواحد، فكانت لكثرتها تشكل فناً من الفنون التي أبدعها الخطاطون العظام كالخط الكوفي مثلاً، وقد تطورت هذه الخطوط نتيجة إبداع المهتمين بها والمتخصّصين بكل خط منها، فبلغت ذروتها لدى المتأخرين، وإن كان الأوائل قد نالوا قصب السبق فيها على جدران بغداد ودمشق والقاهرة والأندلس.
1- الخط الكوفي:
يعتبر الخط الكوفي من أقدم الخطوط، وهو مشتق من الخط النبطي (نسبة للأنباط) الذي كان متداولاً في شمال الجزيرة العربية وجبال حوران، وقد اشتقه أهل الحيرة والأنبار عن أهل العراق، وسمي فيما بعد بـ(الخط الكوفي) حيث انتشر منها إلى سائر أنحاء الوطن العربي، ولأن الكوفة قد تبنّته ورعته في البدء. وقد كتبت به المصاحف خمسة قرون حتى القرن الخامس الهجري، حين نافسته الخطوط الأخرى كالثلث والنسخ وغيرهما.
(وأقدم الأمثلة المعروفة من هذا الخط من القرآن نسخة سجلت عليه وقفية مؤرخة في سنة (168هـ= 784-785م) وهي محفوظة في دار الكتب المصرية بالقاهرة)( ).
كان الخطاطون والوراقون يزخرفون المصاحف وعناوين السور زخرفة جميلة، وبعضهم يزخرفون بداية المصحف ونهايته أيضاً بزخارف جد بديعة، من مربعات ومستطيلات، وزخارف متعاشقة، وصور مقرنصات نازله وطالعة. وأشجار مروحية أو نخيل، مما يزيد جمال الخط جمالاً أخّاذاً.
تمتاز حروف الخط الكوفي بالاستقامة، وتكتب غالباً باستعمال المسطرة طولاً وعرضاً، وقد اشتهر هذا الخط في العصر العباسي حتى لا نكاد نجد مئذنة أو مسجداً أو مدرسة أو خاناً يخلو من زخارف هذا الخط. (ويعتمد هذا الخط على قواعد هندسية تخفف من جمودها زخرفة متصلة أو منفصلة تشكّل خلفية الكتابة)( ).
وقد تطور هذا الخط تطوراً مذهلاً، حتى زادت أنواعه على سبعين نوعاً، كلها ترسم بالقلم العادي على المسطرة، ولم يعد وقفاً على الخطاطين، فقد برع فيه فنّانون ونقاشون ورسامون، وغير مهتمين بالخط، بل برع فيه كثير من هواة الرسم والذوق، وابتكروا خطوطاً كثيرة لها منها (الكوفي البسيط، والكوفي المسطّر- ويسمى: المربع، أو الهندسي التربيعي- والخط الكوفي المسطّر المتأثر بالرسم، والخط الكوفي المسطّر المتأثر بالفلسفة، والخط الكوفي المتشابك، والكوفي المتلاصق، والكوفي المورّق. الذي قال عنه الخطاط كامل البابا: (لقد نفخ العربي في الحرف الحياة، وحوّله من جماد إلى نبات، تنبثق عنه أغصان وأوراق وأزهار)( ). والخط الكوفي المزخرف، والمزيّن، والمظفور، والكوفي الأندلسي والخط الكوفي الفاطمي، والكوفي الأيوبي، والكوفي المملوكي. (وكان كتّاب الوحي يكتبون به آيات القرآن الكريم على سعف النخيل والجلود ورقائق العظام، وكان الناس في العصر الجاهلي والراشدي يكتبونه بشكل بدائي وبسيط، خالياً من النقط والهمزات والتشكيل)( ).
ويعتبر الخط الكوفي أفضل أنواع الخطوط العربية للفن والزخرفة، وهذا ما دعا غوستاف لوبون في كتابه (حضارة العرب) لأن يقول: (إن للخط العربي شأن كبير في الزخرفة، ولا غرو فهو ذو انسجام عجيب مع النقوش العربية، ولم يستعمل في الزخرفة حتى القرن التاسع الميلادي غير الخط الكوفي ومشتقاته كالقرمطي والكوفي القائم الزوايا)( ).
ولا يعتبر من يتقن هذا الخط خطاطاً بارعاً، بل يعتبرونه فناناً، لأنه لم يعد وقفاً على الخطاطين، بل برع فيه النحاتون على الرخام أيضاً، والمزخرفون على جدران الجص وغيره.
وقد تراجع الخط الكوفي من واجهات الأبنية، وكتابات الخطاطين منذ القرن السادس الهجري، إذ راح الخط النسخي يحلّ محله شيئاً فشيئاً (ثم حل محل الخط الكوفي القديم بالمنطقة المغربية الإسلامية خط جديد مازال يستعمل في المغرب وطرابلس وما بينهما، وعرف باسم الخط العربي)( ).
وراح هذا الخط يملأ عناوين الكتب وخطوطها، ورؤوس الفصول والأبواب والحواشي في سائر الكتب التي تنسخ من طرابلس إلى أقصى المغرب، ومن ثم إلى الأندلس، حتى أننا نجد هذا الخط في زخارف ونقوش على الحجر والجبس في الجدران والقصور والحصون والقلاع والمساجد، وعلى أبواب ونوافذ المنشآت الضخمة، وفي بيوت وقصور الأمراء والأثرياء.
وأشهر من كان يكتبه من الخطاطين المعاصرين المرحوم الأستاذ يوسف أحمد بمصر، وله به تخصص وإتقان)( ).
يستعمل هذا الخط بأنواعه المختلفة والكثيرة للزخارف والزينة، وأحياناً يغوص الخطاطون فيه في التعقيد والإبهام، حتى ليصعب على القارئ العادي أن يقرأ كلمة منه. وكتبت به المصاحف على الرق حتى القرن التاسع الميلادي حيث ظهرت الخطوط الكوفية فيها غليظة ومستديرة، وذات مدّات قصيرة. وقد (استخدم الخط الكوفي في مصر والشام والعراق خلال القرن التاسع وشطراً من القرن العاشر الميلادي)( ). واستمر استعماله حتى القرن الحادي عشر حيث قلّ استعماله في كتابة القرآن الكريم، وأصبح خط النسخ بديلاً له، حيث بقيت البسملة في المصاحف بهذا الخط.
2- خط الرقعة:
هو خط الناس الاعتيادي في كتاباتهم اليومية، وهو أصل الخطوط العربية وأسهلها، يمتاز بجماله واستقامته، وسهولة قراءته وكتابته، وبعده عن التعقيد، ويعتمد على النقطة، فهي تكتب أو ترسم بالقلم بشكل معروف.
يقول البعض: إن تسميته نسبة إلى كتابته على الرقاع القديمة، لكن هذه التسمية لم تلاق استحساناً لدى الباحثين الذين قالوا: (إن الآراء غير متفقة على بدء نشوء خط الرقعة وتسميته، التي لا علاقة لها بخط الرقاع القديم، وأنه قلم قصير الحروف، يحتمل أن يكون قد اشتق من الخط الثلثي والنسخي وما بينهما، وأن أنواعه كثيرة)( ).
وكان فضل ابتكاره للأتراك قديم، إذ ابتكروه حوالي عام 850هـ، ليكون خط المعاملات الرسمية في جميع دوائر الدولة، لامتياز حروفه بالقصر وسرعة كتابتها.
يستعمل خط الرقعة في كتابة عناوين الكتب والصحف اليومية والمجلات، واللافتات والدعاية. ومن ميزة هذا الخط أن الخطاطين حافظوا عليه، فلم يشتقوا منه خطوطاً أخرى، أو يطوِّروه إلى خطوط أخرى، تختلف عنه في القاعدة، كما هو الحال في الخط الفارسي والديواني والكوفي والثلث وغيرها.
ويعتبر خط الرقعة من الخطوط المتأخرة من حيث وضع قواعده فقد (وضع أصوله الخطاط التركي الشهير ممتاز بك المستشار في عهد السلطان عبد المجيد خان حوالي سنة 1280 هجرية، وقد ابتكره من الخط (الديواني) وخط (سياقت)
حيث كان خليطاً بينهما قبل ذلك( ).
إنَّ خط الرقعة هو الخط الذي يكتب به الناس في البلاد العربية عدا بلدان المغرب العربي عموماً، وإن كان بعض العراقيين يكتبون بالثلث والنسخ.
3 - خط النسخ:
يعتبر خط النسخ من أقرب الخطوط إلى خط الثلث، بل نستطيع أن نقول: (إنه من فروع قلم الثلث، ولكنه أكثر قاعدية وأقل صعوبة، وهو لنسخ القرآن الكريم، وأصبح خط أحرف الطباعة)( ).
وهو خط جميل، نسخت به الكتب الكثيرة من مخطوطاتنا العربية، ويحتمل التشكيل، ولكن أقلّ مما امتاز به خط الثلث. وقد امتاز هذا الخط في خطوط القرآن الكريم، إذ نجد أكثر المصاحف بهذا الخط الواضح في حروفه وقراءته، كما أن الحكم والأمثال واللوحات في المساجد والمتاحف كتبت به..
وخط النسخ الذي يكتبه الخطاطون اليوم؛ هو خط القدماء من العباسيين الذين ابتكروا وتفننوا فيه، فقد (حسَّنه ابن مقلة، وجودّه الأتابكيون وتفنن في تنميقه الأتراك، حتى وصل إلينا بحلَّته القشيبة، بالغاً حدّ الجمال والروعة).( )
وتستعمل الصحف والمجلاَّت هذا الخط في مطبوعاتها، فهو خط الكتب المطبوعة اليوم في جميع البلاد العربية. وقد طوّر المحدثون خط النسخ للمطابع والآلات الكاتبة، ولأجهزة التنضيد الضوئي في الكمبيوتر، وسمّوه (الخط الصحفي) لكتابة الصحف اليومية به.
وأشهر خطاط معاصر أبدع فيه هو هاشم محمد البغدادي، فقد ظهرت براعة قصبته في كتابه (قواعد الخط العربي) الذي يعتبر الكتاب الأول في مكتبات الخطاطين الكبار والمبتدئين.
4- خط الثلث:
يعتبر خط الثلث من أجمل الخطوط العربية، وأصعبها كتابة، كما أنه أصل الخطوط العربية، والميزان الذي يوزن به إبداع الخطاط. ولا يعتبر الخطاط فناناً مالم يتقن خط الثلث، فمن أتقنه غيره بسهولة ويسر، ومن لم يتقنه لا يُعدّ بغيره خطاطاً مهما أجاد.
وقد يتساهل الخطاطون والنقاد في قواعد كتابة أي نوع من الخطوط، إلاّ أنهم أكثر محاسبة، وأشد تركيزاً على الالتزام في القاعدة في هذا الخط، لأنه الأكثر صعوبة من حيث القاعدة والضبط.
وقد تطور خط الثلث عبر التاريخ عما كان عليه في الأصل الأموي (الطومار) فابتكر منه (خط المحقق) و(الخط الريحاني) خطاط بغداد ابن البوّاب. ثم خط (التوقيع) ثم خط (الرقاع) ثم خط (الثلثين) وهو خط أصغر من خط الطومار. وخط (المسلسل) الذي ابتدعه الخطاط (الأحول المحرر) ثم خط الثلث العادي، وخط (الثلث الجلي) وخط (الثلثي المحبوك) والخط (الثلثي المتأثر بالرسم)، والخط (الثلثي الهندسي)، والخط (الثلثي المتناظر)( ).
استعمل الخطاطون خط الثلث في تزيين المساجد، والمحاريب، والقباب، وبدايات المصاحف. وخطّ بعضهم المصحف بهذا الخط الجميل. واستعمله الأدباء والعلماء في خط عناوين الكتب، وأسماء الصحف والمجلات اليومية والأسبوعية والشهرية، وبطاقات الأفراح والتعزية، وذلك لجماله وحسنه، ولاحتماله الحركات الكثيرة في التشكيل سواء كان بقلم رقيق أو جليل، حيث تزيده في الجمال زخرفة ورونقاً.
يعتبر ابن مقلة المتوفى سنة (328هـ)، واضع قواعد هذا الخط من نقط ومقاييس وأبعاد، وله فضل السبق عن غيره، لأن كل من جاء بعده أصبح عيالاً عليه.
وجاء بعده ابن البواب علي بن هلال البغدادي المتوفى سنة (413هـ)، فأرسى قواعد هذا الخط وهذّبه، وأجاد في تراكيبه، ولكنه لم يتدخل في القواعد التي ذكرها ابن مقلة من قبله فبقيت ثابتة إلى اليوم.( )
وأشهر الخطاطين المعاصرين الذين أبدعوا في خط الثلث هو المرحوم هاشم البغدادي رحمه الله.
ورغم أن الخطاطين الإيرانيين قد سبقوا غيرهم في الخط الفارسي (النستعليق) إلا أنني رأيت عدداً من اللوحات الرائعة بهذا الخط في طهران، استطاع الخطاط الإيراني أن يكسب فيها مقدرته الفنية، ويكسر الطوق الذي يقول: (إن إبداعه اقتصر على الخط الفارسي)..
5 - الخط الفارسي:
ظهر الخط الفارسي في بلاد فارس في القرن السابع الهجري (الثالث عشر الميلادي. ويسمى (خط التعليق) وهو خط جميل تمتاز حروفه بالدقة والامتداد. كما يمتاز بسهولته ووضوحه وانعدام التعقيد فيه. ولا يتحمّل التشكيل، رغم اختلافه مع خط الرقعة.
وكان الإيرانيون قبل الإسلام يكتبون بالخط(البهلوي) فلما جاء الإسلام وآمنوا به، انقلبوا على هذا الخط فأهملوه، وكتبوا بالخط العربي، وقد (اشتق الإيرانيون خط التعليق من خط كان يكتب به القرآن آنئذ، ويسمى (خط القيراموز) ويقال : إن قواعده الأولى قد استنبطت من (خط التحرير) و(خط الرقاع) و(خط الثلث).( )
وقد طوّر الإيرانيون هذا الخط، فاقتبسوا له من جماليات خط النسخ ما جعله سلس القياد، جميل المنظر، لم يسبقهم إلى رسم حروفه أحد، وقد (وضع أصوله وأبعاده الخطاط البارع الشهير مير علي الهراوي التبريزي المتوفى سنة 919 هجرية).( ) (ويحتمل أنه كان تلميذاً لزين الدين محمود، ثم انتقل مير علي سنة 1524م من هراة إلى بلاد الأوزبك في بخارى، حيث عمل على استمرار التقاليد التي أرستها مدرسة هراة في فنون الخط).( )
ونتيجة لانهماك الإيرانيين في فن الخط الفارسي الذي احتضنوه واختصوا به، فقد مرّ بأطوار مختلفة، ازداد تجذراً وأصالة، واخترعوا منه خطوطاً أخرى مأخوذة عنه، أو هي إن صح التعبير: امتداد له، فمن تلك الخطوط:
1 ـ خط الشكستة: اخترعوه من خطي التعليق والديواني. وفي هذا الخط شيء من صعوبة القراءة، فبقي بسبب ذلك محصوراً في إيران، ولم يكتب به أحد من خطاطي العرب أو ينتشر بينهم.
2 ـ الخط الفارسي المتناظر: كتبوا به الآيات والأشعار والحكم المتناظرة في الكتابة، بحيث ينطبق آخر حرف في الكلمة الأولى مع آخر حرف في الكلمة الأخيرة، وكأنهم يطوون الصفحة من الوسط ويطبعونها على يسارها. ويسمى (خط المرآة الفارسي)..
3 ـ الخط الفارسي المختزل: كتب به الخطاطون الإيرانيون اللوحات التي تتشابه حروف كلماتها بحيث يقرأ الحرف الواحد بأكثر من كلمة، ويقوم بأكثر من دوره في كتابة الحروف الأخرى، ويكتب عوضاً عنها. وفي هذا الخط صعوبة كبيرة للخطاط والقارئ على السواء( ).
لقد رأيت إبداع الإيرانيين في هذا الخط (الفارسي)، ويظهر ذلك الإبداع في الأوابد الأثرية والمساجد والحوزات والمآذن والقباب، وقصور الشاهات الصفويين، وفي جميع المدن التي زرتها عام 1996، وهي طهران،
أصفهان، مشهد الرضا، حيث رأيت ظاهرتين قد لا توجدان في بلد من بلدان العالم هما:
أولاً : نظافة المدن وجمالها وحسن تنسيق الشوارع وتنظيمها.
ثانياً : الخطوط والزخارف التي تملأ الشارع الإيراني.
يستعمل خط التعليق (الفارسي) في كتابة عناوين الكتب والمجلات والإعلانات التجارية، والبطاقات الشخصية واللوحات النحاسية.(ومن مميزاته ميل حروفه من اليمين إلى اليسار في اتجاهها من الأعلى إلى الأسفل).( )
ومن وجوه تطور الخط الفارسي (التعليق) مع خط النسخ أن ابتدعوا منهما خط (النستعليق) وهو فارسي أيضاً. وقد برع الخطاط عماد الدين الشيرازي الحسني في هذا الخط وفاق به غيره، ووضع له قاعدة جميلة، تعرف عند الخطاطين باسمه. وهي (قاعدة عماد).
كما اشتهر هذا الخط في مدينة مشهد حتى كان من أفضل الخطوط التي انفردت بها هذه المدينة، بل اشتهر خاصة في بلاد إيران دون غيرها. (ويمتاز الخط الفارسي باختلاف عرض حروفه، وبعض الحروف تكتب بثلث عرض القَطَّة، كما يمتاز بعدم تداخل حروفه مع حروف قلم آخر)( )..
وكان أشهر من كان يكتبه بعد الخطاطين الإيرانيين محمد هاشم الخطاط البغدادي والمرحوم محمد بدوي الديراني بدمشق.( )
ويبقى قصب السبق في هذا الخط للخطاطين الإيرانيين بلا منازع.