بقايا قلب تائه - الفصل الأول -

ملهمة 🎀🌺

:: عضو منتسِب ::
إنضم
18 جانفي 2025
المشاركات
7
نقاط التفاعل
45
النقاط
3
الجنس
أنثى
كان الوقت يقترب من منتصف الليل عندما دخلت سليمة وجيني الحانة. رائحة دخان السجائر والعطور الثقيلة والكحول كانت تملأ الهواء، مخلوطة برائحة الخشب العتيق الذي يكسو الجدران. الحانة كانت من تلك الأماكن التي تحتفظ بذكريات زبائنها على مر السنين، بجدران خشبية داكنة وإضاءة خافتة تتدلى من مصابيح نحاسية قديمة. الطاولات المستديرة المبعثرة هنا وهناك كانت محاطة برجال ونساء، بعضهم يتهامسون بصوت خافت، والبعض الآخر يحتسي مشروبه في صمت.

سليمة كانت تشعر بعدم الارتياح. لم تكن معتادة على مثل هذه الأماكن، لكن جيني، صديقتها المقدامة، أقنعتها بتجربة شيء جديد. "لا تقلقي، ستكونين بخير " قالت جيني وهي تضحك، تلمع عيناها بلمسة من التحدي. سليمة ابتسمت بشكل متكلف، لكنها كانت تشعر بالتوتر. الضوء الخافت والدخان الذي يملأ الغرفة ورائحة الكحول كانت كلها أشياء غير مألوفة لها.

جلستا على طاولة صغيرة بالقرب من البار. جيني رفعت يدها لطلب المشروبات، بينما كانت سليمة تتفحص المكان بعيون حذرة. خلف البار، كان الساقي يخلط المشروبات ببراعة، وجهه يعكس خبرة سنوات في التعامل مع زبائن الليل المتعبين. الزجاجات المصفوفة بعناية على الرفوف الخشبية كانت تلمع تحت الضوء الخافت، وكأنها كنوز مخبأة في مكان ما بين الواقع والخيال.

جيني قدمت لسليمة كأسًا من النبيذ. "جربيه، هيا !" قالت وهي تضحك. سليمة أخذت رشفة صغيرة، لكن الطعم المر جعلها تتجهم. شعرت بحرارة تنتشر في جسدها، وبدأ قلبها يخفق بسرعة. لم تعجبها التجربة، لكنها لم ترغب في إفساد أمسية صديقتها. حاولت أن تبدو مرتاحة، لكن شيئًا ما كان يشعرها بعدم الأمان.

وفي غفلة منها، لاحظت رجلاً يجلس في زاوية مظلمة ينظر إليها. نظراته كانت ثقيلة، وكأنها تخترقها. شعرت سليمة بموجة من القلق تجتاحها، لكنها حاولت تجاهله. الرجل نهض من مكانه ببطء واقترب منها. كان يرتدي سترة جلدية داكنة، ووجهه يحمل تعبيرًا غامضًا. دون أن يقول كلمة، جلس بجانبها ونظر إليها مباشرة.

"ما رأيك بقضاء ليلة ممتعة معي؟" قال بصوت منخفض، لكنه كان واضحًا بما يكفي لتسمعه.

سليمة شعرت بقلبها يتسارع، لكنها حاولت أن تبدو هادئة. نظرت إليه ببرود وقالت: "المال أولاً."

الرجل أخرج رزمة من النقود ووضعها على الطاولة. ابتسمت سليمة بشكل متكلف وقالت: "هل تريد الذهاب إلى مكان أكثر خصوصية؟"

كان هناك زقاق خلف الحانة، مظلم وضيق، مع بضعة مصابيح خافتة تلقي ظلالًا طويلة على الجدران المتسخة. سليمة مشيت بخطوات ثابتة، لكنها كانت تشعر بموجة من الخوف تتسلل إليها. عندما وصلا إلى الزقاق، ناولته كأس النبيذ الذي كانت تحمله. أخذ الرجل رشفة، وبعد لحظات بدأ يشعر بالدوار. نظرت إليه سليمة بابتسامة ساخرة وغادرت بسرعة، تاركة إياه يتمايل على قدميه.

---

### اليوم التالي:

عندما عادت سليمة إلى الحانة في اليوم التالي، كانت تشعر بشعور غريب من الانتصار. لكن هذا الشعور لم يدم طويلاً. الزقاق الضيق كان أكثر قتامة من الليلة السابقة، مع بضعة مصابيح مكسورة تلقي ضوءًا أصفر باهتًا على الأرضية الرطبة. جدران الطوب القديمة كانت مغطاة بالكتابات والرطوبة، ورائحة القمامة كانت تملأ الهواء.

فجأة، شعرت سليمة بيد قوية تمسك بذراعها. "لقد دفعت لك أيتها العاهرة، ليس بإمكانك الهرب!" صرخ الرجل في وجهها، عيناه تحملان غضبًا مجنونًا. سليمة حاولت أن تتحرر، لكن قبضته كانت قوية. شعرت ببرودة الجدار خلفها والخرسانة المبللة تحت قدميها. بدأت نبضات قلبها تتسارع، وحاولت أن تصرخ، لكن صوتها كان محاصرًا في حلقها.

في تلك اللحظة، سمعت صوت محرك سيارة يقترب. أضواء السيارة أنارت الزقاق المظلم، وصوت أبواقها الحادة جعل الرجل يتراجع قليلاً. سليمة استغلت الفرصة وصرخت بأعلى صوتها: "النجدة!"

جاك، الرجل الذي كان يقود السيارة، نزل بسرعة واندفع نحو الرجل. كانت المعركة سريعة وحاسمة. جاك، بجسده القوي وحركاته المدروسة، ضرب الرجل بقوة في بطنه، مما جعله يتمايل ويسقط على ظهره بالقرب من حاوية القمامة. الرجل حاول النهوض، لكن جاك كان أسرع. بلكمة أخيرة في الفك، انهار الرجل على الأرض.

سليمة وقفت مذهولة، تتنفس بصعوبة. نظرت إلى جاك، الذي بدا كبطل خرج من الظلام لإنقاذها. "هل أنت بخير؟" سألها بصوت هادئ لكنه حازم. سليمة لم تستطع الكلام، لكنها أومأت برأسها. نظرت إليه بعيون ممتنة، ثم انسحبت بسرعة، تاركة إياه واقفًا في الزقاق المظلم.

جاك لم يستطع نسيان النظرة التي رأها في عينيها. كانت نظرة امتنان، لكنها أيضًا كانت تحمل شيئًا من الحزن. تساءل عما كانت تخفيه تلك العيون، لكنه لم يكن لديه الوقت للتفكير. السيارة كانت لا تزال تعمل، والليل كان طويلاً.
أنتظر أرائكم

 
مبدعة في كتابتك ، و مميزة ربي يبارك واصلي على هذا المنوال
 
ابداع في تصوير كل شيء والقصة لابد انها اعمق من مجرد نزوة في حانة.
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top