المنهج النبوي في تطبيق الزكاة
كان النبي صلى اللّه عليه وسلم يقوم بتصريف شؤون الزكاة
الأمر الذي يستوجب أن يقوم ولي أمر المسلمين بهذه المهمة
الأمر الذي يستوجب أن يقوم ولي أمر المسلمين بهذه المهمة
كان يختار العمال على الصدقات من خيرة الصحابة
ويوجيهم بالرفق والاعتدال في التعامل مع أصحاب الأموال
ويوجيهم بالرفق والاعتدال في التعامل مع أصحاب الأموال
حياة الرسول كانت مثالاً حيا لتطبيق الإسلام ولأهمية الصلاة والزكاة أوصى بهما وهو على فراش الموت
د. مروان قباني
نظر الاسلام الى موضوع التكافل الاجتماعي باهتمام منذ الفترة الاولى للدعوة، وربطه بأبعاده الخلقية والمادية، لان الاسلام وهو يعمل على تصحيح عقيدة الانسان يهتم بأن يقوم اخلاقه ويحاول التخفيف من تمسكه بماديات الحياة، فوجهه الى ان يتخلى عن قسم من ماله وهو راض، بل راغب في هذا الانفاق، وعوده على العمل في مجال النفع العام دون انتظار مردود مادي. والاسلام في محاولته التغلب على الفقر يعين المحتاج لينهض من كبوته ويتحول الى طاقة في مجتمعه بدل ان يكون عالة عليه.. وفريضة الزكاة هي اهم مثال للتكافل الاجتماعي الذي سعى الاسلام الى تحقيقه، فبعد ان نظرت الرسالات السماوية والشرائع الوضعية بعين القلق الى مشكلة الفقر، لم تستطع ان تجد السبيل القويم الى حل المشكلة.. والاسلام وحده وبواسطة مجموع الاحكام المنظمة للزكاة والصدقات والامور المرتبطة بتنظيم المجتمع المسلم يملك ان يكسر الطوق الشديد الذي وضع على مجتمعات البشر ويملك ان يضع اسس الحياة الكريمة لبني الانسان.
الزكاة في الفترة المكية
ومن مراجعة لآيات الوحي القرآني في مكة وحسب ترتيب نزول الآيات، يمكن لنا ان نلحظ عناية بالانفاق وان عدداً من الآيات المتضمنة الحث على الانفاق ترافق - ومنذ البداية - مع التوجيهات الاساسية للدين وارتبط بها. وقد تنوعت التعبيرات القرآنية في تلك الفترة، شاملة الحث على رعاية ذوي القربى والفقراء، وبالاخص اليتيم والمسكين، حيث تمثل مساعدة هذه الشريحة الاجتماعية دليلاً على حرص المؤمن بالقيام بواجب التكافل الاجتماعي.
ففي بداية الوحي تذكر سورة القلم، وهي السورة الثانية في ترتيب النزول، قصة اصحاب البستان الذين اتفقوا على حرمان المساكين من حصتهم المعتادة عند الحصاد، فكان عقابهم ان احرق اللّه بستانهم. اما في سورة المدثر، وهي الرابعة في ترتيب النزول، فتبين ان عدم اطعام المسكين سبب للعذاب الاخروي (قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين).
وهذا المعنى تؤكده مرة اخرى سورة الماعون، ورقمها في ترتيب النزول السابعة عشرة (أرءيت الذي يكذب بالدين فذلك الذي يدع اليتيم ولا يحض على طعام المسكين) ويلفت الامام محمد عبده النظر الى مسألة هامة وهي ان القرآن ذكر كلمة التحاض على الطعام ولم يكتف بالاطعام، ليصرح ان افراد الامة بالمعروف والنهي عن المنكر. اما سورة الاسراء وترتيبها الخمسين في التنزيل، فتوجه المسلم الى مجموعة من الضوابط العقيدية والاخلاقية منها (وءات ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيراً).
ثم تتوالى الآيات القرآنية المكية تحيط الموضوع باهتمام كلي، فتنتقل الى نقطة جديدة بتباهى بها هذا الدين العظيم، لكونه يؤكد على ان الانفاق على المحتاجين ليس هبة ولا تفضلا من المنفق، بل هو حق للمسكين في المال، باعتبار ان الصاحب الاصلي للمال ليس المستخلف عليه، بل هو اللّه سبحانه وتعالى، فيجب على وكيل هذا المال، الذي يملك حق التصرف به، ان يؤدي الحقوق المترتبة على المال دون الاعتماد على اريحيته، فتعلن سورة الذاريات، ورقمها 67 في ترتيب النزول، ان من صفات المتقين واعمالهم المحمودة (وفي أموالهم حق للسائل والمحروم).
بعد ذلك يبدأ الوحي الالهي في استعمال مصطلح جديد هو الزكاة، فتقرأ في سورة (المؤمنون) هذا التعبير التكافلي في مجال تعداد صفات المؤمنين التي منها (والذين هم للزكاوة فعلون) ومما نلاحظ في هذه الآية ان ايتاء الزكاة لم يرد بصيغة الامر بل بصيغة الوصف الخيري الذي يقوم به المؤمنون، مما يعني بالتالي ان التحلي بأوصاف المؤمنين والخروج من خصائص المشركين امر واجب لا نزال فيه بل هو بديهي، مما يمكن القول: ان الزكاة قد وجبت في الفترة المكية كما يؤكد على ذلك المفسر ابن كثير بقوله (الاكثرون على المراد بالزكاة هنا زكاة الاموال مع ان هذه الآية مكية، وانما فرضت الزكاة بالمدينة سنة اثنتين للهجرة، والظاهر ان التي فرضت بالمدينة انما هي ذات النصب والمقادير الخاصة والا فالظاهر ان اصل الزكاة كان واجباً بمكة).
ثم تأتي سورة الحاقة، ورقمها 78 في ترتيب النزول، لتذكر مرة اخري حال الذي يعذب بالآخرة عذاباً شديداً بسبب (إنه كان لا يؤمن باللّه العظيم ولا يحض على طعام المسكين) كما تعود السورة رقم 79 في النزول وهي المعارج لتبين ان حق الفقير في المال هو ملعوم (والذين في اموالهم حق معلوم للسائل والمحروم).
الا ان الزكاة في اهميتها ودورها ليست عبئاً على من بيده المال بل ان اداءها كما يعد اللّه سبحانه وتعالى سبب للبركة والنماء ومضاعفة الثواب، عكس الربا تماماً، فتقرأ في سورة الروم قوله عز وجل (وما ءاتيتم من ربا ليربوا في اموال الناس فلا يربوا عند اللّه وما ءاتيتم من زكوة تريدون وجه اللّه فأولئك هم المضعفون)، والمضعفون: من اضعف اذا صار ذا ضعف وهو ثواب المؤدين للزكاة.
وعلى اي حال فيمكن لنا القول: ان الزكاة كانت واجبة يومئذ، لكنها لم تبلغ درجة الفرض باعتبار ان المسلمين كانوا في الفترة المكية يشكلون اقلية مضطهدة، لا سلطة لديهم تمكنهم من تنظيم الفريضة جباية وانفاقاً، فالظروف المحيطة بهم لم تكن لتسمح بذلك، وكان لا بد ان يتغير حكم الزكاة بتغير وضع الدعوة الاسلامية وتغير حال المسلمين.
الزكاة في الفترة المدنية
تنقل لنا الآثار ان الصلوات الخمس فرضت على المسلمين بمكة.. اما الصيام ففرض في السنة الثانية بالمدينة ومعه زكاة الفطر، ونزلت بعد ذلك فريضة الزكاة في قوله تعالى: (وأقيموا الصلوة وءاتوا الزكوة) والراجح من الاخبار يؤكد ان ذلك كان في السنة الثانية للهجرة ايضاً.
واعلن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم منذ ذلك الوقت ان الزكاة احد الاركان الاساسية للدين، والدعامة الثالثة له، فرغب المسلمين بأدائها ورهبهم من منعها فقال: «بني الاسلام على خمس: شهادة ان لا إله إلا اللّه، وان محمداً رسول اللّه واقام الصلاة وايتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان».
ومن النادر ان تذكر الصلاة الا والزكاة مقرونة بها وذلك في آيات الوحي واحاديث النبي عليه الصلاة والسلام.
عندما بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم معاذ بن جبل الى اهل اليمن قال له: «انك تأتي قوماً من اهل الكتاب فادعهم الى شهادة أن لا إله إلا اللّه، واني رسول اللّه فإن هم اطاعوك فأعلمهم ان اللّه افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم اطاعوك فأعلمهم ان اللّه افترض عليهم صدقة تؤخذ من اغنيائهم فترد على فقرائهم...».
وهكذا ارتبطب الدعوة الى الاسلام بأداء هذه الفريضة وانزل اللّه بشأن بعض المشركين (فإن تابوا وأقاموا الصلاوة وءاتوا الزكاة فإخوانكم في الدين).
وباتت فرضيتها مما علم من الدين بالضرورة. قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: «من فارق الدنيا على الاخلاص للّه وعبادته لا يشرك به واقام الصلاة واتى الزكاة فارقها واللّه عنه راض».
وتوالت أقوال النبي صلى اللّه عليه وسلم في وصف قيمة الزكاة والتحذير من منعها وكذلك في بيان انصبتها وكيفية جمعها وانفاقها في مصارفها.
ونتيجة لكل هذا اقبل المسلمون زمن النبي عليه الصلاة والسلام على التطبيق الكامل لهذا الركن الهام، فأخرجوا زكاة اموالهم وفق ما قرره الشارع الحكيم، وتحقق في عهده صلى اللّه عليه وسلم أرقى تطبيق لمبادئ العدالة والمساواة والترفع عن الارتباط بالمال في سبيل تطهيره، ولانفاقه في مصارفه الشرعية، وبلغ التكافل الاجتماعي حداً يصعب تصوره من اهل منطقة كانت الى سنوات قليلة قبل الدعوة مرتعاً للسلب والنهب والغزو والتعدي والانانية المفرطة، فانقلبوا بنعمة من اللّه وفضل، خلال فترة قصيرة الى مجتمع وصف اللّه اهله بأنهم (خير امة اخرجت للناس) والزكاة كانت اساسياً في هذا الانقلاب، الى جانب تعاليم الاسلام في عقيدته وفقهه وخلقه.
هدي النبي في تطبيق الزكاة
اهتمامه شخصياً بالزكاة
بعث العمال على الصدقات
فبعث المهاجر بن ابي امية الى صنعاء.
وبعث زياد بن لبيد الى حضر موت.
وبعث عدي بن حاتم الى طيء وبني اسد.
وبعث مالك بن نويرة على صدقات بني حنظلة.
وبعث الزبرقان بن بدر وقيس بن عاصم الى بني سعد.
وبعث العلاء بن الحظرمي الى البحرين.
كما ذكرت انه عليه الصلاة والسلام بعث عيينة بن حصن الى بني تميم، وبريدة بن الحصيب الى اسلم وغفار.
وعباد بن بشر الى سليم ومزينة.
ورافع بن كيث الى جهينة.
وعمرو بن العاص الى بني فزارة.
والضحاك بن سفيان الى بني كلاب.
وبشر بن سفيان الى بني كلاب
وبشر بن سفيان الى بني كلاب.
وبشر بن سفيان الى بني كعب.
وابن اللتيبة الى بني ذبيان.
وغيرهم كثير كان النبي يوجههم الى هذا الامر ويقومون به.
وصيته لعمال الزكاة
محاسبة العمال على الزكاة
وكان يحاسب العمال وينظر في ما فعلون وبالذات في شأن الهدايا التي تشدد عليه الصلاة والسلام في منعها على عمال الصدقات، فقد روى ان احدهم قال بعد عودته: هذا لكم اهدي لي، فقام النبي عليه الصلاة والسلام خطيباً يقول: «ما بال العامل نبعثه فيجيء هذا لكم وهذا اهدي لي الا جلس في بيت ابيه وامه فينظر ايهدى له أم لا».
وقد كان عليه الصلاة والسلام قدوة في تطبيق هذا المبدأ، وضرب بذلك مثلاً في العفة عن اموال الناس، والحرص على ايصاله الى مستحقيه، فقد كان يقول: «ان هذه الصدقات لا تحل لمحمد ولا لآل محمد».
فضل العامل على الزكاة
كان النبي صلى اللّه عليه وسلم ينظر الى جميع الزكاة بأهمية بالغة، باعتباره، تطبيقاً لركن عظيم من اركان الاسلام فكان يقول: «العامل على الصدقة بالحق كالغازي في سبيل اللّه حتى يرجع».
الدعاء لأصحاب المال
توزيع الزكاة
ادرك النبي عليه الصلاة والسلام ان توزيع الاموال امر لا يمكن لبشر ان يبلغ به السبيل الصحيح، الا بتوجيه من رب العباد، فقال لرجال جاءه بشأن الصدقات: «ان اللّه لم يرض من الصدقات بحكم نبي ولا غيره حتى جزأها ثمانية اجزاء فإن كنت من اهل ذلك الاجزاء اعطيتك».
واكد ان الاصل في الزكاة ان تصرف الى الفقراء فقال: «تؤخذ من اغنيائهم وترد على فقرائهم» وقال «لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي» وبذلك لا يسيطر حب المسألة على الناس، فطالما كان المرء قادراً على الكسب لا يستحق الزكاة، سوى في حالات تبحث في مظانها في احكام مصارف الزكاة.
وكان النبي صلى اللّه عليه وسلم يعطي السائل من الزكاة ان علم احتياجه، وان لم يعلم اعطاه واخبره انه لاحظ بالزكاة لمن كان غنياً أو قادراً علي الكسب، كل ذلك والنبي عليه الصلاة والسلام يضع الزكاة في حقها وفي مصارفها التي حددها اللّه.
كما كان من هديه في الزكاة ان تصرف على اهل المنطقة التي تمت الجبابة منها ويوصي عماله بذلك بآستثناء ان يفيض المال عن حاجة مستحقي البلد، فينقل الى بلد آخر.
ومن هديه اذا جاءه من الصدقة شيء وضعه بين يديه في المسجد امام اصحابه، فلا يقوم من مكانه حتى يفرغ من توزيعه على المستحقين، واضعاً بذلك قاعدة سرعة التوزيع وعدم سرية العمل.
وصية النبي عليه الصلاة والسلام
وهكذا كانت حياة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مثالاً حياً لتطبيق الاسلام ومبادئه بحرص ودأب على كل ما يحقق سعادة الناس في الدنيا والآخرة، ولا شك ان للزكاة آثاراً عظيمة في حياة الافراد والامم في الخلق وفي المال، في الدنيا وفي الآخرة فلا غرابة ان تكون ثالثة اركان الاسلام، والطريق الموصول الى رضوان اللّه عز وجل.
منقول بدون أي تغيير