بسم الله الرحمن الرحيم
أمير منطقة الشرق الجزائري لجيش الانقاذ مصطفي كبير لـ (الزمان
أمير منطقة الشرق الجزائري لجيش الانقاذ مصطفي كبير
مصطفي كبير 46 سنة أب تسعة أبناء درس الشريعة الاسلامية بجامعة الجزائر وبعد تخرجه أصبح أستاذاً لمادة العلوم الاسلامية باحدي ثانويات ولاية القل شرق الجزائر.
وهو شقيق أحد القيادات السياسية للجبهة الاسلامية للانقاذ رابح كبير الذي يرأس الهيئة التنفيذية للجبهة بالخارج ويقيم بمدينة بون بألمانيا.
بعد الغاء الانتخابات التشريعية وحظر نشاط الجبهة الاسلامية للانقاذ التحق مصطفي كبير بالجبال وكان أحد مؤسسي الجيش الاسلامي للانقاذ عام 1993 الذي عين مدني مزراق أميراً وطنياً له ومصطفي كبير أميراً لمنطقة الشرق الجزائري وأحمد بن عايشة أميراً لمنطقة الغرب ومصطفي كرطالي أميراً لمنطقة الوسط.
(الزمان) التقت مصطفي كبير وحاورته حول تجربة الحرب التي قادها تنظيمه ضد الحكم في الجزائر التي يؤكد انه خاضها عن قناعة ولكنه لن يعود ا ليها مهما كانت الظروف، وانتهت باصدار الرئيس عبد العزيز بوتفليقة عفواً شاملاً عن كل عناصر الجيش الاسلامي للانقاذ وحل هذا الأخير لنفسه.
وفي ما يلي نص هذه المقابلة:
ما هي الدوافع التي أدت بك الي حمل السلاح والالتحاق بالجبال وكيف غادرتها، وهل كانت عودتك الي المجتمع مثلما كنت تتوقع؟
ــ أولاً نحن لم نختر طريق الجبال، انما فرضت علينا الحرب كما فرضت علي المجتمع والشعب ككل، لأنه فرض علينا واقعاً وكان علينا الاختيار بين القتل (الموت) والسجن والدفاع عن حق الوجود، فاخترنا الدفاع عن حقنا في الوجود واتخذنا موقفنا عن قناعة وبعد دراسة لايجابياته وسلبياته وكنا مرتاحين له كما كنا دائماً اثناء عيشنا في الجبال كما هو الأمر بعد نزولنا لأن هذا الموقف الأخير تم اتخاذه هو أيضاً عن قناعة ونحن مطمئنين أكثر.
صحيح هناك تغيرات كثيرة عرفها المجتمع الجزائري بين عامي 1992 و2000 لكن تفاعل الميدان معنا والاستقبال الشعبي الحار الذي حظينا به كان جيداً.
رابح كبير
اتصالاتك مع أخيك رابح كبير لم تنقطع منذ خروجه من الجزائر في عام 1992 تنظيمياً وعائلياً فهل سيحل هو الآخر الهيئة التنفيذية لجبهة الانقاذ في الخارج كما فعلتم مع جيش الانقاذ، وحتي يعود الي الجزائر خاصة بعد انتشار حديث اعادة محاكمته في قضية تفجير مطار هواري بومدين (آب/ اغسطس 1992)؟
ــ اتصالاتنا لم تنقطع طوال فترة الحرب وكانت تتم بكل الأساليب وهي شخصية بحكم القرابة وصلة الرحم وتنظيمية، أما الكلام الذي يروج عن عودته واعادة محاكمته فهو مجرد كلام حتي الآن، هو نفسه سمع به عن طريق الصحف، ومن الطبيعي انه بانتفاء مبررات وجوده في الخارج سيعود الي وطنه ولم يكن خروجه بسبب قضية شخصية كان عكس ذلك لكنه سيبقي في المنفي الي غاية انتهاء أسباب وجوده هناك (ألمانيا)، علي كل هو لن يعود في المستقبل القريب.
هل كنت أميراً لمنطقة الشرق الجزائري لجيش الانقاذ لأن شقيقك رابح كبير كان قيادياً في الجبهة الاسلامية للانقاذ؟
ــ لا أبداً فليس لعلاقة القرابة بيني وبين الشيخ رابح أي سبب في كوني قيادياً، وكان عامل الثقة من جميع أفراد الجيش الاسلامي للانقاذ والقدرة والتنظيم هما العاملان الرئيسيان في كوني أميراً في الجيش الاسلامي للانقاذ.
الجناح السياسي والعسكري
هناك حديث كثير عن وجود خلافات عميقة بين الجناح السياسي والجناح العسكري لجبهة الانقاذ، والبعض يقول ان اجتماعاً عقد بمقر قيادة مدني مزراق بأم الحوت بأعالي تكسانة عام 1997 عرف تصعيداً بين السياسيين والعسكريين؟
ــ لم يحدث اللقاء الذي تحدثت عنه في حضوري ولا علي حد علمي لكن المسألة تحتاج الي نظرة عامة وشاملة، صحيح ان مشكلتنا الأصلية كانت سياسية وان العمل المسلح كان طارئاً فقط، لأن الأصل في الاشياء السلم، ومع التطورات التي عرفتها الأحداث بصعودنا الي الجبال وقرارنا باعلان الحرب،، كان لا بد ان يكون هناك تنسيق بين السياسي ــ والعسكري، لأن الذين صعدوا الي الجبال كانوا سياسيين أيضاً ودفعتهم الي ذلك أسباب سياسية، ولكني لا أسمح لنفسي ان أقول ان القيادة التاريخية للحزب فقدت كل سلطة كما يشاع انما الحقيقة هي ان امكانية حل المشكلة والسيطرة علي الأفراد يؤهل رجل الميدان أكثر من غيره بحكم بقاء تعامله مع الجماعة مستمراً طيلة السنوات التي كان فيها السياسيون غائبون أو مغيبون.
عودة الانقاذ
حسب بعض التصريحات فان مسألة عودة الحزب الي العمل السياسي ليست سوي مسألة وقت أليس كذلك فمن ترونه جديراً بقيادة الحزب الجديد الذي سيخلف جبهة الانقاذ في المستقبل؟
ــ لا شك في ذلك لأن عودتنا الي الحياة المدنية بكامل حقوقنا يعني ان حقنا في النشاط السياسي لم يسقط وقرار العفو الصادر في حق عناصر الجيش الاسلامي للانقاذ يقضي باستعادتهم كافة حقوقهم فالمسألة مسألة وقت لا أكثر والسياسة عندنا ليست هدفاً في حد ذاتها انما هي وسيلة وحالياً نفضل العمل علي تحسين الوضع أكثر مما يدفعنا الي التريث في مسألة عودة النشاط السياسي، وحتي عودة الحزب أمر سابق لأوانه ذلك انه عندما تنتفي الموانع الطبيعية مع واقع البلاد المتأزم ستدرس القيادة مصلحتها لتقرير ما اذا كانت العودة ممكنة بأي شكل والأمر كله لا يزال مجرد أفكار تراود الأذهان.
هل يفهم من كلامكم ان عودة الحزب سيقودها أمراء الجيش الاسلامي للانقاذ؟
ــ انا واقعي وموضوعي ورفضت الاجابة عن بعض الأسئلة لأنني مع رأي الفقهاء القائلين بعدم جواز الفتوي حتي تحدث الواقعة، فاذا كانت مصلحة الأمة والبلاد وأصحاب الجهة المعنية تقتضي تغيير الاسم فليتغير وكذلك القيادة.
حتي الهيئة التنفيذية في الخارج (التي يرأسها رابح كبير في بون بألمانيا) ستحل نفسها وتحذو حذونا عندما تذهب مبررات انشائها ودوافع خروج رئيسها الذي يريد ان يعود الي بلده ككل الجزائريين وهذه المبررات بدأت تزول تدريجياً وبعضها لا زال قائماً ونأمل ازالتها وعلي رأسها اطلاق سراح الشيوخ المساجين وايجاد حل للمفقودين والفصل في كيفية العودة الي الحياة السياسية.
اتفاق الهدنة
هناك حديث عن ضمانات منحت لكم للعودة الي الحياة العادية، لكن الاتفاق بين السلطة وجيش الانقاذ لا يزال مجهولاً وتفاصيله غامضة؟
ــ أعتقد ان البعض من اتفاقيات ايفيان (مفاوضات جبهة التحرير الجزائرية مع فرنسا الاستعمارية) لا زال مجهولاً حتي الآن وكن مطمئناً فلن تعرف تفاصيل اتفاقنا مع السلطة قبل مرور وقت طويل والحديث عن منح رتب عسكرية يضحكني، لأن العفو يقضي باستعادة كل الحقوق المدنية والسياسية وجميع عناصر الجيش الاسلامي للانقاذ سويت وضعيتهم من هذا الجانب برغم ان قانون الوئام المدني لا يعنيهم بصورة مباشرة، فما يحكمنا نحن اتفاق خاص بيننا وبين السلطة، بينما قانون الوئام يتحدث عن كل الذين يحملون السلاح من جهة ومن جهة اخري اتفاقنا كان اتفاق رجال لا أقول لك ان كان مكتوباً أو شفوياً أو انه غير موجود أصلاً، فقط أقول ان اتصالاتنا مع السلطة لم تنقطع منذ صعودنا الي الجبال ربما نكون قد غيرنا بعض قنوات الاتصال لكن التواصل في حد ذاته بقي مستمراً لأننا في الجيش الاسلامي للانقاذ كان لدينا هدف واضح من البداية وعندما قررنا وضع السلاح كان ذلك من الجانبين وباتفاق بين الرجال، والهدنة لم تكن من جانب واحد كما يتردد، وبمجيئ بوتفليقة الي الرئاسة حاول تفعيل الهدنة التي كانت موجودة قبله وأصدر قانون الوئام المدني الذي أراه نقلة نوعية في التعامل مع الوضعية ومع ذلك فلا تزال بعض القضايا العالقة بيننا وبين السلطة متروك أمرها للمعنيين بها من السلطة ومن جيش الانقاذ ومن الأمور التي اتفقنا عليها انه غير مسموح لنا بالحديث عن شكل الاتفاق ونحن نلتزم بتعهداتنا.
لم تعد مشاركة التائبين من عناصر جيش الانقاذ في محاربة الجماعة الاسلامية المسلحة (الجيا) مطروحة، لماذا وهل تغيرت المواقف السابقة أم حدث شيء آخر؟
ــ حالياً لا وجود لأي عنصر من الجيش الاسلامي للانقاذ في الجبال ولم يعد أمر مشاركتنا في محاربة (الجيا) مطروحاً لأن السلطة قررت انها ستتولي المهمة في سياق مساعيها لايجاد حل للأزمة الأمنية وبالمناسبة نحن لسنا تائبين لأن التوبة تكون مع الله وليس مع البشر والتوبة تكون لمن أخطأ أما من فرض عليه الخطأ فليس مخطئا والقلم مرفوع عنه بحديث الرسول ــ صلي الله عليه وسلم ــ رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه نحن اكرهنا علي خوض الحرب بعد التعسف الذي لحق بنا اثر الغاء انتخابات عام 1991 ونوجه اهتمامنا حالياً لتحقيق أكبر قدر من الاندماج الاجتماعي والمهني لعناصر الجيش الاسلامي وطبيعة المفاوضات تفرض أحياناً حدوث بعض الخلل في التزامات أحد الأطراف ويمكن مع ذلك تحمله وقد حصلت عدة تجاوزات وتم تجاوزها الآن ولدينا متضررون من الحرب ينبغي تسوية أوضاعهم بغرض الوصول الي التطبيع الشامل واشاعة الاستقرار.
الجماعات المسلحة
حسب عدة مؤشرات سيكون التعامل مع الجماعة المسلحة مختلفاً عن التعامل معكم، سيكون استئصالياً؟
ــ نحن لن نبخل بتقديم المساعدة في محاربة (الجيا) ولايجاد حلول لهذه المشكلة عندما تطرح القضية علينا بجد وصدق واخلاص وما دامت السلطة تحملت مسؤولية حل المشكلة فعليها ان تجد مخرجاً لمسألة (الجيا) وأقول لك اذا جاءك مجنون بيده سكين يشهره في وجهك فانه ينبغي عليك ان تعامله بلين ورفق أكثر وبحكمة.
هل معني هذا ان عناصر الجماعة المسلحة (الجيا) مجانين وكيف تكون برأيك ليناً مع من يريد قتلك؟
ــ هل تعلم ان الذين فروا من سجن لامبيز (ولاية باتنة) لجأوا الينا ولم نقبلهم في صفوفنا فذهبوا الي (الجيا) (الجماعة الاسلامية المسلحة)، لسبب بسيط هو اننا ننتقي عناصرنا ولا نقبل كل من دفعته الظروف الينا، ومما يجعل التعامل مع (الجيا) صعباً هو افتقادها الي القيادة وتعدد مصالح امرائها وأهوائهم والعلاقة واضحة بين مكان حدوث المجازر ومكان تواجد (عنتر زوابري) وعناصره، في ناحيتنا لم يحدث شيء مما حدث في مثلث الموت قرب (الجزائر) العاصمة اينما كان (عنتر زوابري) ومن معه.
هذا لا يعني انكم كنت في جولة سياحية أو كنتم جميعكم تجلبون الماء، لأن معظم العائدين من الجبال قالوا كانت مهمتنا جلب الماء فقط لم نقتل ولم نغتصب ولم ننهب ولم نضع المتفجرات؟
ــ كنا نخوض حرباً لا أقول لك انني لم أقتل لقد قتلت ولكن في اطار ما تفرضه الحرب التي تحكمها الشريعة خلال سنوات الجبل كان الناس عندنا ثلاثة أصناف: ضدي مباشرة من الذين يحاربونني وأحاربهم وهؤلاء تعاملت معهم بالوسيلة المتاحة (السلاح)، والذين معي مباشرة لهم حقوقهم وعليهم واجباتهم والذين لاهم معي ولا هم ضدي، لدي الحرية في معاملتهم كمسلمين جزائريين.
قلت الذين حملوا السلاح لقتلي ولم أندم علي أي موقف اتخذته ما دمت مقتنعاً به لحظة اتخاذه، ولكن الحرب عندنا تحكمها أخلاقها التي أوصي به النبي ــ صلي الله عليه وسلم ــ: لا تقتلوا شيخاً ولا امرأة ولا طفلاً ولا تقطعوا شجرة... الخ أيضاً نحن لم تكن معنا النساء في الجبال، تركنا نساءنا في بيوتنا وتعرضن لمضايقات ومتاعب بسبب وجودنا في الجبل ونحن خضنا الحرب بما لا يسيئ الي سمعتنا وعندما أصبحنا مظلة يختفي تحتها الذين يرتكبون المجازر قررنا نزع المظلة عنهم وحللنا تنظيمنا (الجيش الاسلامي للانقاذ) ونزلنا من الجبال لنخوض معركة السلم بنفس الشجاعة التي دخلنا بها الحرب، عندما كنا في الجبال كنا نطلب الزكاة ونأخذها برضي الناس، أخذنا ما زاد عن حاجة الناس من أموال تماماً مثلما أخذنا أسلحة الناس الذين لا يحتاجونها بينما كانت ضرورية لنا للحفاظ علي وجودنا.
أعلنتم الحرب بما في الحرب من فظاعة ووحشية وتقول اننا كنا في حرب نظيفة، اذا كانت الحرب النظيفة موجودة أصلاً فقد تسبب فعلكم في مآسي كثيرة؟
ــ كان يحكمنا قانون الحرب الذي يختلف كلية عن وضعية السلم واذا أردنا الخروج من الدوامة فينبغي ان نترك الماضي برمته ونتجاوزه، فنحن أيضاً ضحايا ارهاب ولدينا مفقودون كثيرون والجيش الاسلامي للانقاذ منذ ظهوره وهو يدعو الي الحوار والتفاوض وترك السلاح.
ولم تكن لنا علاقة بأية دولة اجنبية ولم يمولنا أحد هناك من يتعاطف مع قضيتنا مثلما نتعاطف نحن مع آخرين وما يقوله (حسن الترابي) عن تمويله لاسلاميين مسؤول عنه (حسن الترابي) وحده، وانما أؤكد لكم ان عملنا كان بنا ولمصلحتنا كأمة وهنا أشير اننا لم ننزل من الجبال بفتاوي لأننا لم نصعد الي الجبال بفتاوي وهذا ليس موقفاً دينياً من الفتاوي انما الدين نفسه يسمح لنا بأن نختار من الفتاوي ما يناسبنا.
معادلة البداية والنهاية
لو عدت الي نقطة البداية هل ستختار مرة اخري العودة الي الجبال وحمل السلاح؟
ــ اتخذنا كل احتياطاتنا في عملية العودة الي السلم واللاعودة الي الحرب، فقد قررنا نهائياً التخلي عن أسلوب الحرب بعد انتفاء أسبابها ونتمني ان هذا الانتفاء سيطول.
لكن هناك حديث عن نشوب خلافات بين أمراء جيش الانقاذ بعد قرار النزول من الجبال وحل التنظيم وسمعنا أخباراً عن صراع بين مدني مزراق الأمير الوطني وشلي أمير ولاية جيجل فهل هي بداية الانشقاق؟
ــ لم تحدث الانشقاقات في صفوفنا أبداً لأننا كنا مقتنعين، صحيح ان عملية الاقناع والاقتناع لم تكن سهلة ولم تكن بسيطة في الصعود الي الجبال كما في النزول منها، وتطلب ذلك مني بذل مجهودات كبيرة استخدمت خلالها ما منحني الله من قوة في الحجة والبيان لصالح القضية، أما خلاف شلي مع مزراق فلا وجود له علي الاطلاق، هل تدري اننا كنا نتضاحك بما تورده بعض الصحف عن أخبار مثل هذه، لم يحدث أبداً ان وقعت مواجهة بين الرجلين فأنا أعرفهما جيداً.
أمير منطقة الشرق الجزائري لجيش الانقاذ مصطفي كبير لـ (الزمان
أمير منطقة الشرق الجزائري لجيش الانقاذ مصطفي كبير
مصطفي كبير 46 سنة أب تسعة أبناء درس الشريعة الاسلامية بجامعة الجزائر وبعد تخرجه أصبح أستاذاً لمادة العلوم الاسلامية باحدي ثانويات ولاية القل شرق الجزائر.
وهو شقيق أحد القيادات السياسية للجبهة الاسلامية للانقاذ رابح كبير الذي يرأس الهيئة التنفيذية للجبهة بالخارج ويقيم بمدينة بون بألمانيا.
بعد الغاء الانتخابات التشريعية وحظر نشاط الجبهة الاسلامية للانقاذ التحق مصطفي كبير بالجبال وكان أحد مؤسسي الجيش الاسلامي للانقاذ عام 1993 الذي عين مدني مزراق أميراً وطنياً له ومصطفي كبير أميراً لمنطقة الشرق الجزائري وأحمد بن عايشة أميراً لمنطقة الغرب ومصطفي كرطالي أميراً لمنطقة الوسط.
(الزمان) التقت مصطفي كبير وحاورته حول تجربة الحرب التي قادها تنظيمه ضد الحكم في الجزائر التي يؤكد انه خاضها عن قناعة ولكنه لن يعود ا ليها مهما كانت الظروف، وانتهت باصدار الرئيس عبد العزيز بوتفليقة عفواً شاملاً عن كل عناصر الجيش الاسلامي للانقاذ وحل هذا الأخير لنفسه.
وفي ما يلي نص هذه المقابلة:
ما هي الدوافع التي أدت بك الي حمل السلاح والالتحاق بالجبال وكيف غادرتها، وهل كانت عودتك الي المجتمع مثلما كنت تتوقع؟
ــ أولاً نحن لم نختر طريق الجبال، انما فرضت علينا الحرب كما فرضت علي المجتمع والشعب ككل، لأنه فرض علينا واقعاً وكان علينا الاختيار بين القتل (الموت) والسجن والدفاع عن حق الوجود، فاخترنا الدفاع عن حقنا في الوجود واتخذنا موقفنا عن قناعة وبعد دراسة لايجابياته وسلبياته وكنا مرتاحين له كما كنا دائماً اثناء عيشنا في الجبال كما هو الأمر بعد نزولنا لأن هذا الموقف الأخير تم اتخاذه هو أيضاً عن قناعة ونحن مطمئنين أكثر.
صحيح هناك تغيرات كثيرة عرفها المجتمع الجزائري بين عامي 1992 و2000 لكن تفاعل الميدان معنا والاستقبال الشعبي الحار الذي حظينا به كان جيداً.
رابح كبير
اتصالاتك مع أخيك رابح كبير لم تنقطع منذ خروجه من الجزائر في عام 1992 تنظيمياً وعائلياً فهل سيحل هو الآخر الهيئة التنفيذية لجبهة الانقاذ في الخارج كما فعلتم مع جيش الانقاذ، وحتي يعود الي الجزائر خاصة بعد انتشار حديث اعادة محاكمته في قضية تفجير مطار هواري بومدين (آب/ اغسطس 1992)؟
ــ اتصالاتنا لم تنقطع طوال فترة الحرب وكانت تتم بكل الأساليب وهي شخصية بحكم القرابة وصلة الرحم وتنظيمية، أما الكلام الذي يروج عن عودته واعادة محاكمته فهو مجرد كلام حتي الآن، هو نفسه سمع به عن طريق الصحف، ومن الطبيعي انه بانتفاء مبررات وجوده في الخارج سيعود الي وطنه ولم يكن خروجه بسبب قضية شخصية كان عكس ذلك لكنه سيبقي في المنفي الي غاية انتهاء أسباب وجوده هناك (ألمانيا)، علي كل هو لن يعود في المستقبل القريب.
هل كنت أميراً لمنطقة الشرق الجزائري لجيش الانقاذ لأن شقيقك رابح كبير كان قيادياً في الجبهة الاسلامية للانقاذ؟
ــ لا أبداً فليس لعلاقة القرابة بيني وبين الشيخ رابح أي سبب في كوني قيادياً، وكان عامل الثقة من جميع أفراد الجيش الاسلامي للانقاذ والقدرة والتنظيم هما العاملان الرئيسيان في كوني أميراً في الجيش الاسلامي للانقاذ.
الجناح السياسي والعسكري
هناك حديث كثير عن وجود خلافات عميقة بين الجناح السياسي والجناح العسكري لجبهة الانقاذ، والبعض يقول ان اجتماعاً عقد بمقر قيادة مدني مزراق بأم الحوت بأعالي تكسانة عام 1997 عرف تصعيداً بين السياسيين والعسكريين؟
ــ لم يحدث اللقاء الذي تحدثت عنه في حضوري ولا علي حد علمي لكن المسألة تحتاج الي نظرة عامة وشاملة، صحيح ان مشكلتنا الأصلية كانت سياسية وان العمل المسلح كان طارئاً فقط، لأن الأصل في الاشياء السلم، ومع التطورات التي عرفتها الأحداث بصعودنا الي الجبال وقرارنا باعلان الحرب،، كان لا بد ان يكون هناك تنسيق بين السياسي ــ والعسكري، لأن الذين صعدوا الي الجبال كانوا سياسيين أيضاً ودفعتهم الي ذلك أسباب سياسية، ولكني لا أسمح لنفسي ان أقول ان القيادة التاريخية للحزب فقدت كل سلطة كما يشاع انما الحقيقة هي ان امكانية حل المشكلة والسيطرة علي الأفراد يؤهل رجل الميدان أكثر من غيره بحكم بقاء تعامله مع الجماعة مستمراً طيلة السنوات التي كان فيها السياسيون غائبون أو مغيبون.
عودة الانقاذ
حسب بعض التصريحات فان مسألة عودة الحزب الي العمل السياسي ليست سوي مسألة وقت أليس كذلك فمن ترونه جديراً بقيادة الحزب الجديد الذي سيخلف جبهة الانقاذ في المستقبل؟
ــ لا شك في ذلك لأن عودتنا الي الحياة المدنية بكامل حقوقنا يعني ان حقنا في النشاط السياسي لم يسقط وقرار العفو الصادر في حق عناصر الجيش الاسلامي للانقاذ يقضي باستعادتهم كافة حقوقهم فالمسألة مسألة وقت لا أكثر والسياسة عندنا ليست هدفاً في حد ذاتها انما هي وسيلة وحالياً نفضل العمل علي تحسين الوضع أكثر مما يدفعنا الي التريث في مسألة عودة النشاط السياسي، وحتي عودة الحزب أمر سابق لأوانه ذلك انه عندما تنتفي الموانع الطبيعية مع واقع البلاد المتأزم ستدرس القيادة مصلحتها لتقرير ما اذا كانت العودة ممكنة بأي شكل والأمر كله لا يزال مجرد أفكار تراود الأذهان.
هل يفهم من كلامكم ان عودة الحزب سيقودها أمراء الجيش الاسلامي للانقاذ؟
ــ انا واقعي وموضوعي ورفضت الاجابة عن بعض الأسئلة لأنني مع رأي الفقهاء القائلين بعدم جواز الفتوي حتي تحدث الواقعة، فاذا كانت مصلحة الأمة والبلاد وأصحاب الجهة المعنية تقتضي تغيير الاسم فليتغير وكذلك القيادة.
حتي الهيئة التنفيذية في الخارج (التي يرأسها رابح كبير في بون بألمانيا) ستحل نفسها وتحذو حذونا عندما تذهب مبررات انشائها ودوافع خروج رئيسها الذي يريد ان يعود الي بلده ككل الجزائريين وهذه المبررات بدأت تزول تدريجياً وبعضها لا زال قائماً ونأمل ازالتها وعلي رأسها اطلاق سراح الشيوخ المساجين وايجاد حل للمفقودين والفصل في كيفية العودة الي الحياة السياسية.
اتفاق الهدنة
هناك حديث عن ضمانات منحت لكم للعودة الي الحياة العادية، لكن الاتفاق بين السلطة وجيش الانقاذ لا يزال مجهولاً وتفاصيله غامضة؟
ــ أعتقد ان البعض من اتفاقيات ايفيان (مفاوضات جبهة التحرير الجزائرية مع فرنسا الاستعمارية) لا زال مجهولاً حتي الآن وكن مطمئناً فلن تعرف تفاصيل اتفاقنا مع السلطة قبل مرور وقت طويل والحديث عن منح رتب عسكرية يضحكني، لأن العفو يقضي باستعادة كل الحقوق المدنية والسياسية وجميع عناصر الجيش الاسلامي للانقاذ سويت وضعيتهم من هذا الجانب برغم ان قانون الوئام المدني لا يعنيهم بصورة مباشرة، فما يحكمنا نحن اتفاق خاص بيننا وبين السلطة، بينما قانون الوئام يتحدث عن كل الذين يحملون السلاح من جهة ومن جهة اخري اتفاقنا كان اتفاق رجال لا أقول لك ان كان مكتوباً أو شفوياً أو انه غير موجود أصلاً، فقط أقول ان اتصالاتنا مع السلطة لم تنقطع منذ صعودنا الي الجبال ربما نكون قد غيرنا بعض قنوات الاتصال لكن التواصل في حد ذاته بقي مستمراً لأننا في الجيش الاسلامي للانقاذ كان لدينا هدف واضح من البداية وعندما قررنا وضع السلاح كان ذلك من الجانبين وباتفاق بين الرجال، والهدنة لم تكن من جانب واحد كما يتردد، وبمجيئ بوتفليقة الي الرئاسة حاول تفعيل الهدنة التي كانت موجودة قبله وأصدر قانون الوئام المدني الذي أراه نقلة نوعية في التعامل مع الوضعية ومع ذلك فلا تزال بعض القضايا العالقة بيننا وبين السلطة متروك أمرها للمعنيين بها من السلطة ومن جيش الانقاذ ومن الأمور التي اتفقنا عليها انه غير مسموح لنا بالحديث عن شكل الاتفاق ونحن نلتزم بتعهداتنا.
لم تعد مشاركة التائبين من عناصر جيش الانقاذ في محاربة الجماعة الاسلامية المسلحة (الجيا) مطروحة، لماذا وهل تغيرت المواقف السابقة أم حدث شيء آخر؟
ــ حالياً لا وجود لأي عنصر من الجيش الاسلامي للانقاذ في الجبال ولم يعد أمر مشاركتنا في محاربة (الجيا) مطروحاً لأن السلطة قررت انها ستتولي المهمة في سياق مساعيها لايجاد حل للأزمة الأمنية وبالمناسبة نحن لسنا تائبين لأن التوبة تكون مع الله وليس مع البشر والتوبة تكون لمن أخطأ أما من فرض عليه الخطأ فليس مخطئا والقلم مرفوع عنه بحديث الرسول ــ صلي الله عليه وسلم ــ رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه نحن اكرهنا علي خوض الحرب بعد التعسف الذي لحق بنا اثر الغاء انتخابات عام 1991 ونوجه اهتمامنا حالياً لتحقيق أكبر قدر من الاندماج الاجتماعي والمهني لعناصر الجيش الاسلامي وطبيعة المفاوضات تفرض أحياناً حدوث بعض الخلل في التزامات أحد الأطراف ويمكن مع ذلك تحمله وقد حصلت عدة تجاوزات وتم تجاوزها الآن ولدينا متضررون من الحرب ينبغي تسوية أوضاعهم بغرض الوصول الي التطبيع الشامل واشاعة الاستقرار.
الجماعات المسلحة
حسب عدة مؤشرات سيكون التعامل مع الجماعة المسلحة مختلفاً عن التعامل معكم، سيكون استئصالياً؟
ــ نحن لن نبخل بتقديم المساعدة في محاربة (الجيا) ولايجاد حلول لهذه المشكلة عندما تطرح القضية علينا بجد وصدق واخلاص وما دامت السلطة تحملت مسؤولية حل المشكلة فعليها ان تجد مخرجاً لمسألة (الجيا) وأقول لك اذا جاءك مجنون بيده سكين يشهره في وجهك فانه ينبغي عليك ان تعامله بلين ورفق أكثر وبحكمة.
هل معني هذا ان عناصر الجماعة المسلحة (الجيا) مجانين وكيف تكون برأيك ليناً مع من يريد قتلك؟
ــ هل تعلم ان الذين فروا من سجن لامبيز (ولاية باتنة) لجأوا الينا ولم نقبلهم في صفوفنا فذهبوا الي (الجيا) (الجماعة الاسلامية المسلحة)، لسبب بسيط هو اننا ننتقي عناصرنا ولا نقبل كل من دفعته الظروف الينا، ومما يجعل التعامل مع (الجيا) صعباً هو افتقادها الي القيادة وتعدد مصالح امرائها وأهوائهم والعلاقة واضحة بين مكان حدوث المجازر ومكان تواجد (عنتر زوابري) وعناصره، في ناحيتنا لم يحدث شيء مما حدث في مثلث الموت قرب (الجزائر) العاصمة اينما كان (عنتر زوابري) ومن معه.
هذا لا يعني انكم كنت في جولة سياحية أو كنتم جميعكم تجلبون الماء، لأن معظم العائدين من الجبال قالوا كانت مهمتنا جلب الماء فقط لم نقتل ولم نغتصب ولم ننهب ولم نضع المتفجرات؟
ــ كنا نخوض حرباً لا أقول لك انني لم أقتل لقد قتلت ولكن في اطار ما تفرضه الحرب التي تحكمها الشريعة خلال سنوات الجبل كان الناس عندنا ثلاثة أصناف: ضدي مباشرة من الذين يحاربونني وأحاربهم وهؤلاء تعاملت معهم بالوسيلة المتاحة (السلاح)، والذين معي مباشرة لهم حقوقهم وعليهم واجباتهم والذين لاهم معي ولا هم ضدي، لدي الحرية في معاملتهم كمسلمين جزائريين.
قلت الذين حملوا السلاح لقتلي ولم أندم علي أي موقف اتخذته ما دمت مقتنعاً به لحظة اتخاذه، ولكن الحرب عندنا تحكمها أخلاقها التي أوصي به النبي ــ صلي الله عليه وسلم ــ: لا تقتلوا شيخاً ولا امرأة ولا طفلاً ولا تقطعوا شجرة... الخ أيضاً نحن لم تكن معنا النساء في الجبال، تركنا نساءنا في بيوتنا وتعرضن لمضايقات ومتاعب بسبب وجودنا في الجبل ونحن خضنا الحرب بما لا يسيئ الي سمعتنا وعندما أصبحنا مظلة يختفي تحتها الذين يرتكبون المجازر قررنا نزع المظلة عنهم وحللنا تنظيمنا (الجيش الاسلامي للانقاذ) ونزلنا من الجبال لنخوض معركة السلم بنفس الشجاعة التي دخلنا بها الحرب، عندما كنا في الجبال كنا نطلب الزكاة ونأخذها برضي الناس، أخذنا ما زاد عن حاجة الناس من أموال تماماً مثلما أخذنا أسلحة الناس الذين لا يحتاجونها بينما كانت ضرورية لنا للحفاظ علي وجودنا.
أعلنتم الحرب بما في الحرب من فظاعة ووحشية وتقول اننا كنا في حرب نظيفة، اذا كانت الحرب النظيفة موجودة أصلاً فقد تسبب فعلكم في مآسي كثيرة؟
ــ كان يحكمنا قانون الحرب الذي يختلف كلية عن وضعية السلم واذا أردنا الخروج من الدوامة فينبغي ان نترك الماضي برمته ونتجاوزه، فنحن أيضاً ضحايا ارهاب ولدينا مفقودون كثيرون والجيش الاسلامي للانقاذ منذ ظهوره وهو يدعو الي الحوار والتفاوض وترك السلاح.
ولم تكن لنا علاقة بأية دولة اجنبية ولم يمولنا أحد هناك من يتعاطف مع قضيتنا مثلما نتعاطف نحن مع آخرين وما يقوله (حسن الترابي) عن تمويله لاسلاميين مسؤول عنه (حسن الترابي) وحده، وانما أؤكد لكم ان عملنا كان بنا ولمصلحتنا كأمة وهنا أشير اننا لم ننزل من الجبال بفتاوي لأننا لم نصعد الي الجبال بفتاوي وهذا ليس موقفاً دينياً من الفتاوي انما الدين نفسه يسمح لنا بأن نختار من الفتاوي ما يناسبنا.
معادلة البداية والنهاية
لو عدت الي نقطة البداية هل ستختار مرة اخري العودة الي الجبال وحمل السلاح؟
ــ اتخذنا كل احتياطاتنا في عملية العودة الي السلم واللاعودة الي الحرب، فقد قررنا نهائياً التخلي عن أسلوب الحرب بعد انتفاء أسبابها ونتمني ان هذا الانتفاء سيطول.
لكن هناك حديث عن نشوب خلافات بين أمراء جيش الانقاذ بعد قرار النزول من الجبال وحل التنظيم وسمعنا أخباراً عن صراع بين مدني مزراق الأمير الوطني وشلي أمير ولاية جيجل فهل هي بداية الانشقاق؟
ــ لم تحدث الانشقاقات في صفوفنا أبداً لأننا كنا مقتنعين، صحيح ان عملية الاقناع والاقتناع لم تكن سهلة ولم تكن بسيطة في الصعود الي الجبال كما في النزول منها، وتطلب ذلك مني بذل مجهودات كبيرة استخدمت خلالها ما منحني الله من قوة في الحجة والبيان لصالح القضية، أما خلاف شلي مع مزراق فلا وجود له علي الاطلاق، هل تدري اننا كنا نتضاحك بما تورده بعض الصحف عن أخبار مثل هذه، لم يحدث أبداً ان وقعت مواجهة بين الرجلين فأنا أعرفهما جيداً.