[font="]ربط الجزائر بالدولة العثمانية[/font][font="] 1919م[/font]
[font="]كان اتصال الإخوة بربروسة أول مرة بالباب الـعالي عام 1518 م ، بعد عودتهما من الغزو في البحر غانمين ، فبعثا رسالة إلى سليم الأول ومعها هدية عظيمة ، ورد عليهم السلطان بإرسال قوة عسكرية مكافأة لهما على هديتهما ، وتعتبر القوة أول فرقة عسكرية تدخل الجزائر رسميا من طرف آل عثمان ، تشجيعا منهم لبربروسة على الغزو في البحر لا كممثلين لهم بالجزائر .[/font]
[font="]لقد رأى خير الدين بادئ الأمر أن الإسـبان سوف يتوجهون إلى الجزائر ولم تكن له القوة الكافية لمواجهتهم ، خاصة أن قبيلة الثعالبة في المتيجة التي كان بإمكانها أن تجند آلاف الفرسان ، قبل أن يشتتها الترك ، كانت تتحين الفرصة للانقضاض عليه ، غير أن لا هذه ولا تلك لم يقوموا بأي تسرع أو هجوم على المدينة ، لقد عبر خضر عن نية الرحيل و العودة من حيث جاء بعد أن فقد جميع إخوانه ،وهو نشاط القرصنة أو النزوح إلى مدينة ساحلية أخرى ، لكنه لما رأى النصارى يعودون إلى وهران بعد أن نصبو عاملهم أبا حمو على عرش تلمسان، وأرسلوا أجزاء من قواتهم إلى غسبانيا ، عدل عن رأيه وأخذ برأي رفاقه ورأي أغلبية العلماء رأي جميع من أحبه بالبقاء في المدينة لحمايتها ورد العدوان عنها .[/font]
[font="]كانت الأوضاع في الجزائر مضطربة ومتدهورة ، خاصة بعد معركة تلمسان ، خاصة أن سلطان بني حفص طلب من خير الدين الاعتراف به وبحكمه ، وقيام ثورات في عدة مناطق في زواوة و تنس، وشرشال، كما أن الإسبان المنتصرين سيندفعون لا محالة بقوة نحو الجزائر للقضاء على خير الدين الرامي إلى السيطرة على الشمال الإفريقي ، إن هذه الحالة المتردية التي وجد خير الدين نفسه فيها ، وأوضاع خارجية طامعة ، فلم يكن له إلا إظهار الولاء إلى السلطان سليم الأول الذي كان في أوج قوته ، حيث أصبح يسيطر على جزء مهم من العالم الإسـلامي – مصر و الشام - .[/font]
[font="]وفي الحقيقة أن خير الدين قرر الاستعانة بالإمبراطورية العثمانية حتى يتمكن من الحصول على المال و القوة العسكرية اللازمة لمواجهة الخطر المحدق به ، خاصة أن إسبانيا كانت تتزعم العالم المسيحي وتعتبر القوة المهيمنة في شمال إفريقيا وجنوب أوربا ، وتحقيقا لهذا الهدف قام الخضر ببناء أسطول حربي مجهز بوحدات بحرية خفيفة وسريعة الحركة ، كما أن خوف القيادات الداخلية من فقدان سلطانها قد عجلت بتحرك خير الدين لكي يقوم بتوثيق هذه العلاقة مع آل عثمان .[/font]
[font="]لقد عزم خير الدين قبل هذه التجهيزات على السفر إلى الروم لأجل الغزو ومواجهة هذه الأخطار من هناك ، وجمع أهل البلاد وقال لهم :« إني عزمت السفر إلى حضرة السلطان ، وأمنت بلادكم من العدو بما تركت فيكم من جهاد ، ومن وصلب إليكم من أهل الأندلس ، وما تركت عندكم من عدة ، لقد تركت أكثر من 400 مدفع ولم يكن في بلادكم مدفع واحد» ، وما خاطبه به الناس أنهم قالوا له : « أيها الأمير لا تطيب أنفسنا بفراقك ولا نسمح لك بذلك ، فالله الله أمة سيدنا محمد فإن الله يسألك عنهم» ، ومن جملة ما خاطبه به العلماء أن قالوا : « أيها الأمير يتعين جلوسك في هذه المدينة لأجل حراستها و الذب عن ضعفاء أهلها ، ولا رخصة لك في الذهاب عنهم وتركهم عرضة للعدو » ، فعند ذلك قال لهم خير الدين : " أنتم رأيتم ما وقع من اللاعبين الكفار ولا يؤمن عواملهم وقد ظهر لي من الرأي أن نصل بيدنا بطاعة السلطان الأعظم مولانا سليم ".[/font]
[font="]رضي أهل المدينة باقتراح خير الدين ،وكتبوا كتابا كما أمرهم وكتب هو كتابا آخر ،وعين أربعة أجفان برسم السفر إلى السلطان ،وقدم عيهم رجلا من خواص أصحابه اسمه الحاج حسين ، ووجه صحبتهم هدية عظيمة من جملتها أربعة رؤساء من النصارى العظام ، فوصلت أجفان المسلمين الجزائريين إلى السلطان سليم ، فلما رسوا بالقسطنطينية وقابلوا قصر السلطان رموا على حسب ما جرت عليه العادة مدافع كثيرة ونزلوا بتلك الهدية إلى الوزير الأعظم فأعلم السلطان بقدومهم وأوصل إليه ما جلبوه معهم .[/font]
[font="]وقد نشر الدكتور عبد الجليل التميمي ترجمة عربية لوثيقة تركية محفوظة في دار المحفوظات التاريخية بإسطنبول تحت رقم 6456 ، وهي رسالة أهالي الجزائر على اختلاف مستوياتهم بتاريخ 26 أكتوبر إلى 3 نوفمبر 1519 م ، وكان هدف خير الدين ربط مصير الجزائر رسميا بالدولة العثمانية ، رسالة موجهة باسم جميع الطبقات من القضاة والخطباء و الأئمة و التجار والأعيان وكافة السكان ، ،وهذا دليل على رغبتهم الجامحة في التخلص من الذل وهيمنة النصارى التي بدأت تتلاشى من موانئ المغرب .[/font]
[font="]وجاء في نص الرسالة ما يلي : « ...إن أهل مدينة الجزائر هم عبيد السلطان العثماني ، ليس لهم أحد سواه ، يلجأون إليه في موقفهم الحرج استفادوا بأفضال بابا عروج في مدافعة الكفار ، لأنه كان ناصر الدين و الحامي المجاهد في سبيل الله ، إلى أ، سقط شهيدا في حصار الإسبان لمدينة تلمسان ، وخلفه أخوه المجاهد في سبيل الله خير الدين ، وكان له خير خلف ، فقد دافع عنا ولم نعرف منه إلا العدل و الإنصاف ، وإتباع الشرع النبوي الشريف ، وهو ينظر إلى مقامكم العالي بالتعظيم و الإجلال ،وكرس نفسه وماله للجهاد لإرضاء رب العباد ، وإعلاء كلمة الله ،ومناط آمال سلطتهم العالية ...ونحن معه ثابتون ونحن وأمير خدام أعقابكم العالية وأهالي إقليم بجاية و الغرب و الشرق خدمة مقامكم العالي ،وأنا المذكور حامل الرسالة سوف يعرض على جلالتكم في هذه البلاد من الحوادث و السلام .».[/font]
[font="]وعند الدراسة التحليلية لهذه الرسالة تتبين لنا اتجاهات خير الدين اتجاه الدولة العثمانية ، وهي أن خير الدين وهو حاكم المسلمين رسميا في شمال إفريقيا ، معتمدا على القرآن والسنة ، ونشاطه يتركز في قيادة العمليات البحرية وولاء خير الدين للدولة الرسمية وسلطانها سليم ،وكذلك تبين لنا تفاهم وتماسك الأطراف الداخلية، والجزائريين ككل .[/font]
[font="]أعطى السلطان سليم منصب بيلربك لخير الدين ،وأصبح القائد الأعلى للقوات البحرية و العسكرية في إقليمه ممثلا للسلطان ، وبذلك أصبحت الجزائر تحت حكم آل عثمان ، وأصبح أي اعتداء خارجي على أراضيها يعتبر اعتداءا على الدولة العثمانية ،ودعم السلطان هذا القرار بقرارات تنفيذية ، إذ أرسل إلى الجزائر قوة من سلاح المدفعية وألفي من جندي انكشاري ، ومنذ 1519 م ، بدأ الانكشارية يظهرون على الحياة السياسية و العسكرية في الأقاليم العثمانية لشمال إفريقيا ، وأصدر السلطان بموجبها قرارات أخرى منها أن تدخل الجزائر رسميا تحت لواء الدولة العظمى منذ 1519م ، ودُعِي السلطان سليم من على منابر المساجد ويسك العملة باسمه ،وتم بهذا كل الإجراءات لتصبح الدولة إقليما لا يتجزأ من اسطنبول ، فلم يكن بذلك دخول الأتراك إلى الجزائر غزوا أو فتحا إنما هو لرغبة أهل البلد واعتبروا منقذين ، فكانت الجزائر أول أقاليم المغرب العربي التي تدخل تحت الدولة العثمانية ، وأصبحت ركيزة للجهاد في المتوسط ، وكانت حريصة على امتداد نفوذها بعد ذلك إلى كل أقاليم الشمال الإفريقي لتوحيده تحت راية الإسلام والعمل على تخليص مسلمي الأندلس من الأعمال الوحشية التي كان يقوم بها الإسبان اتجاههم .[/font]
[font="]لقد كان خير الدين سبب سعادة الترك وانتشار صيتهم بالمغرب ، فكان وجهه للصباحة و لسانه للفصاحة ويده للسماحة ، وعقله للرجاحة ، وكان بالغاية القصوى في الزهد و الورع و الإنابة و التقوى ، ولم يقبل الملك حتى قيل له واجب عليك ، وكان يرى النبي [/font][font="]–[/font][font="]صلى الله عليه وسلم [/font][font="]-[/font][font="] في المنام كثيرا ، وكانت له مكاشفة كثيرة ، حتى أن البعض من الناس أراد اغتياله بمداخلة غلام لهم ، اضطراب كثير في شبوات الجزائر – حكام الأقاليم الصغيرة – ما بين مقلل ومكثر ومقدم ومؤخر .[/font]
[font="]وقبل خير الدين حكم البلاد على شرط قتل المفسدين وكتب منهم جماعة ، وأرادوا قتلهم فقال : لا تقتلوا منهم إلا من عظم شره وكثر فساده ، واحرصوا على ذلك ، واحرصوا أمر الفتنة في نفر منهم فقال لهم :« تحروا الفساد ولا تزر وازرة وزر أخرى » ، وذلك كله احتياطا منه رحمه الله ، وحذر سفك الدماء من غير وجه شرعي وأقبل سكان الأناضول على السفر إلى الجزائر سواء بدافع نزعة الدين أو الرغبة في الحصول على الغنائم ، وأدت هذه الهجرة إلى نتائج عدة .[/font]
[font="][/font]