- إنضم
- 18 أفريل 2008
- المشاركات
- 5,811
- نقاط التفاعل
- 205
- النقاط
- 319
- العمر
- 34
- محل الإقامة
- بلاد النمامشه لحرار.
- الجنس
- ذكر
هذه قصه حقيقيه حدثت والبطل مجنون ساره
كنت مابين التاسعة عشرة والعشرين عندما فتح الحب عيني بأشعته السحرية ولمس نفسي لأول مرة بأصابعه النارية وكانت سارة الفتاة الأولى التي أيقظت روحي بمحاسنها ومشت أمامي إلى جنة العواطف العلوية حيث تمر الأيام كالأحلام وتنقضي الليالي كالاعراس.
سارة هي التي علمتني أعرف قيمة الجمال بجمالها وأرتني خفايا الحب بانعطافها وهي التي أنشدت على مسمعي أول بيت من قصيدة الحياة المعنوية أي فتى لا يذكر الفتاة الأولى التي أبدلت غفلة شبيبته بيقظة هائلة بلطفها جارحة بعذوبتها فتاكة بحلاوتها ؟ من منا لا يذوب حنياً إلى تلك الساعة الغريبة التي إذا انتبه فيها فجأة رأى كليته قد انقلبت وتحولت وأعماقه قد اتسعت وانبسطت وتبطنت بانفعالات لذيذة بكل مافيها من مرارة الكتمان مستحبة بكل ما يكتنفها من الدموع والشوق والسهاد.لكل فتى سارة تظهر على حين غفلتة في ربيع حياته وتجعل لانفراده معنى شعرياً وتبدل وحشة ايامه بالأنس وسكينة لياليه بالأنغام.
كنت حائراً بين تأثيرات الطبيعة وموحيات الكتب عندما سمعت الحب يهمس بشفتي سارة في آذان نفسي وكانت حياتي خالية مقفرة باردة وعندما رأيت سارة منصبة أمامي كعمود النور فسارة هي حواء هذا القلب المملوء بالأسرار والعجائب هي التي أفهمته كنه هذا الوجود وأوقفته كالمرآة أمام هذه الأشباح حواء أخرجت آدم من الفردوس بإرادتها وانقياده آما سارة فأدخلتني إلى جنة الحب والطهر بحلاوتها واستعدادي ولكن ما أصاب الإنسان الأول أصابني والسيف الناري الذي طرده من الفردوس هو كالسيف الذي أخافني بلمعان حده وأبعدني كرهاً عن جنة المحبة قبل أن أخالف وصية وقبل أن أذوق طعم ثمار الخير والشر.
واليوم قد مرت الايام المظلمة طامسة بأقدامها رسوم تلك الأيام لم يبق لي من ذلك الحلم الجميل سوى الذكريات موجعة ترفرف كالأجنحة غير المنظورة حول رأسي مثيرة تنهدات الأسى في أعماق صدري مستقطرة دموع اليأس والأسف من أجفاني .. وسارة وسارة الجميلة العذبة قد ذهبت ورحلت عني ولم يبق من آثارها في العالم سوى الغصات أليمة في قلبي وقبراً في قلبي وذلك القبر وهذا القلب هما كل مابقي ليحدث الوجود غير أن السكينة التي تحفر القبور لاتفشي ذلك السر المصون الذي أخفته والأغصاب التي امتصت عناصر الجسد لاتبيح بحفيفها مكنونات الحفرة وأوجاع هذا القلب فهي التي تتكلم وهي التي تنسكب الآن مع قطرات الحبر السوداء معلنة للنور أشباح تلك المأساة التي مثلها الحب والجمال والفراق.
فيا أصدقاء شبيبتي في مصر والكويت إذا مررتم بتلك المقبرة القريبة من غابة الصنوبر ادخلوها صامتين وسيروا ببطء كيلا تزعج أقدامكم الراقدين وقفوا متهيبين بجانب سارة وحيوها ثم اذكروني بتنهدة قائلين في نفوسكم ههنا دفنت آمال ذلك الفتى الذي نفته صروف الدهر إلى ما وراء الحبار وههنا توارت أمانيه وانزوت افراحه وغادرت دموعه واضمحلت ابتساماته وهنا تنمو كآبته مع أشجار السرو والصفصاف وفوق هذا القبر ترفرف روحه كل ليلة مستأنسة بالذكرى مرددة مع أشباح الوحشة ندابات الحزن ولأسى نائحة مع الغصون على فتاة كانت بالأمس نقمة شجية بين شفتي الحياة فأصبحت اليوم ذكرى.
استحلفكم يارفاق الصبا بالنساء اللواتي أحبتهن قلوبكم أن تضعوا أكاليل الازهار على ذكرى الفتاة التي أحبها قلبي فرب زهرة تلقونها على ضريح منسي تكون كقطرة الندى التي تسكبها أجفان الصباح بين أوراق الوردة الذابلة.
كل الناس يتذكرون فجر العشق الحب فرحين باسترجاع رسومه متأسفين على انقضائه أما أنا فأذكره مثلما يذكر الحر جدران سجنه وثقل قيوده. أنتم تدعون تلك السنين التي تجئ بين الطفولة والشباب عهداً ذهبياً يهزأ بمتاعب الدهر وهواجسه ويطي مرفرفاً فوق رؤوس المشاعل والهموم مثلما تجتاز النحلة فوق المستنقعات الخبيثة سائرة نحو البساتين المزهرة أما أنا فلا أستطيع أن أدعو سني الصبا سوى عهد آلام خفية خرساء كانت تقطن قلبي ونثور كالعواصف في جوانبه وتتاكثر نامية بنموه ولم تجد منفذاً تنصرف منه إلى عالم المعرفة حتى دخل إليه الحب وفتح أبوابه وأنار زواياه فالحب قد عتق لساني تكلمت ومزق أجفاني فبكيت وفتح حنجرتي فتنهدت وشكوت.
أنتم أيها الناس تذكرون الحقول والبساتين والساحات وجوانب الشوارع التى رأت ألعابكم وسمعت همس طهركم وأنا ايضاً أذكر تلك البقية الجميلة من جنوب المنامة فما أغمضت عيني عن هذا البحر إلا ورأيت تلك الأودية المملوءة سحراً وهيبة هذه المحاسن التي أذكرها الآن وأشوف إليها شوق الرضيع إلى ذراعي أمه هي هي التي كانت تعذب روحي المسجونة في ظلمة الحداثة مثلما يتعذب البازي بين قضبان قفصه فلم أذهب إلى البرية إلا وعدت منها كئيباً جاهلاً أسباب الكآبة. ولانظرت مساء إلى الغيوم المتلونة بأشعة الشمس إلا وشعرت بانقباض متلف ينمو لجهلي معاني الانقباض ولاسمعت تغريدة الشحرور أو أغنية الغدير إلا وقفت حزيناً لجهلي موجبات الحزن.
يقولون إن الغباوة مهد الخلود والخلود مرقد الراحة وقد يكون ذلك صحيحاً عند الذين يولدون أمواتاً ويعيشون كالأجساد الهامدة الباردة فوق التراب ولكن إذا كانت الغباوة العمياء قاطنة في جوار العواطف المستيقظة تكون الغباوة أقصى من الهاوية وأمر من الموت. والفتى الحساس الذي يشعر كثيراً ويعرف قليلاً هو أتعس المخلوقات أمام وجه الشمس لأن نفسه تظل واقفة بين قوتين هائلتين منباينتين قوة خفية تحلق به السحاب وتريه محاسن الكائنات من وراء ضباب الأحلام وقوة ظاهرة تقيده بالأرض وتغمره بصيرته بالغبار وتتركه ضائعاً خائفاً في ظلمة حالكة.
للكآبة أياد حريرية الملمس قوية الأعصاب تقبض على القلوب وتؤلمها بالوحدة. فالوحدة حليفة الكآبة كما أنها أليفة كل حركة روحية. ونفس الصبي المنتصبة أمام عوامل الوحدة وتأثيرات الكآبة شبيهة بالزنبقة البيضاء عند خروجها من الكمام ترتعش أمام النسيم. وتفتح قلبها لأشعة الفجر وضم أوراقها بمرور خيالات المساء. فإن لم يكن للصبي من الملاهي مايشغل فكرته ومن الرفاق يشاركه في العناكب ولايسمع من زواياه سوى دبيب الحشرات.
أما تلك الكآبة التي اتعت ايام حداثتي فلم تكن ناتجة عن حاجتي إلى الملاهي لأنها متوفرة لدي. ولا عن افتقاري إلى الرفاق لأنني كنت أجدهم أينما ذهبت بل هي أعرض علة طبيعية في النفس كانت تحبب إلي الوحدة والانفراد وتميت في روحي الأميال إلى الملاهي والالعاب وتخلع عن كتفي أجنحة الصبا وتجعلني امام الوجود كحوض مياه بين الجبال بعكس بهدوئه المحزن رسوم الأشباح وألوان الغيوم وخطوط الأغصان ولكنه لا يجد ممراً يسير فيه جدولاً مترنماً الى البحر.
هكذا كانت حياتي قبل أن أبلغ التاسعة عشرة فتلك السنة هي من ماضي بمقام القمة من الجبل لانها أوقفتني متأملا تجاه هذا العالم وأرتني سبل البشر ومروج أميالهم وعقبات متاعبهم وكهوف شرائعهم وتقاليدهم.
في تلك السنة ولدت ثانية والمرء إن تحبل به الكآبة ويتمخض به اليأس وتضعه المحبة في مهد الأحلام تظل حياته كصفحة خالية بيضاء في كتاب الكيان.في تلك السنة شاهدت ملائكة السماء تنظر إلي من وراء أجفان امرأة جميلة وفيها رأيت أبالسة الجحيم يضجون ويتراكضون في صدر رجل مجرم ومن لايشاهد الملائكة والشياطين في محاسن الحياة وكروهاتها يظل قلبه بعيداً عن المعرفة ونفسه فارغة من العواطف.
كنت في قريتي في ربيع تلك السنة المملوءة بالغرائب وكان فبراير وقد أنبتت الأزهار والأعشاب في بساتين قريتي كأنها أسرار تعلنها الأرض للسماء وكانت أشجار اللوز والتوت واليمون والعنب قد أكتست بحلل بيضاء معطرة فبانت بين المنازل كأنها حوريات بملابس ناصعة قد بعثت بهن الطبيعة عرائس وزوجات لأنباء الشعر والخيال.
الربيع جميل في كل مكان الربيع روح تسير ببطء متلفتة إلى الوراء مستأنسه بأرواح الملوك والأنبياء الحائمة في الفضاء مترنمة مع جداول المسيحية بأناشيد خالدة. الربيع أجمل الفصول لانه فيه يخلو من أحوال الشتاء وغبار الصيف وتصبح بين أمطار وحرارة ثانية كصبية اغتسلت بمياه الغدير ثم جلست على ضفته تجفف جسدها بأشعة الشمس.
ففي يوم من تلك الأيام المفعمة بأنفاس فبراير المسكرة وابتساماتة المحيية ذهبت لزيارة صديق يسكن بيتاً بعيداً عن ضجة الاجتماع وبينما نحن نتحدث دخل علينا شيخ جليل في الخامسة والستين من عمره وتدل ملابسه البسيطة وملامحه المتجعدة على الهيبة والوقار فوقفت احتراماً وقبيل أن أصافحه مسلماً تقدم صديقي وقال (( حضرتة عبدالوهاب محمد )) ثم لفظ اسمي مشفوعاً بكلمة ثناء فأحدق بي الشيخ هنيهة لامساً بأطراف أصابعه جبهته العالية المكللة بشعر أبيض كالثلج كأنه يريد أن يسترجع إلى ذاكرته صورة شي قديم مفقود ثم ابتسم ابتسامة سرور وانعطاف واقترب مني قائلاً (( أنت ابن صديق حبيب قديم صرفت ربيع العمر برفقته فما أعظم فرحي بمرآك وكم أنا مشتاق إلى لقاء أبيك بشخصك))وبعد ساعة مرت بين الأحاديث والتذكارات وقف ((عبدالوهاب محمد)) للأنصراف قائلاً أنا لم أر والدك منذ فترة طويلة ولكنني أرجو أن أستعيض عن بعاده الطويل بزياراتك الكثيرة. فانحنيت شاكراً واعداً بتتميم مايجب على الابن نحو صديق أبيه.
ولم خرج عبدالوهاب محمد استزدت صاحبي من أخباره فقال بلهجة يساورها التحذر لا أعرف سواه فقد جعلته الثروة فاضلاً مثرياً وهو أحد القليلين الذين يجيئون هذا العالم ويغادرونه. ولعبدالوهاب محمد ابنة وحيدة تسكن معه في منزلاً فخماً في ضاحية المدينة وهي تشابهه بالأخلاق وليس بين النساء من يماثلها جمالاً.
وكان هناك رجل طمع وخبيث وداهيه وهذا الرجل هو أحمد صلاح وهو من تخافه الأرواح والأجساد مثلما تنحني رقاب النعام أمام الجزار ولهذا الاحمد أبن أخ مكار وليس بعيداً اليوم الذي ينتصب فيه أحمد صلاح جاعلاً ابن أخيه عن يمينه وابنة عبدالوهاب محمد عن شماله رافعاً إكليل الزواج فوق رأسيهما مقيداً بسلاسل التكهين والعزيم واضعاً في صدر الليل هذا كل ما استطيع ان اقوله لك الآن عن أحمد صلاح.
وبعد ايام وقد مللت الوحدة وتعبت أجفاني من النظر إلى أوجه الكتب العابسة علوت مركبة طالباً منزل عبدالوهاب محمد حتى إذا بلغت بي غابة الصنوبر حيث يذهب القوم للتنزه حول السائق وجهة فرسيه عن الطريق العمومية فسارا خبباً على ممر تظلله أشجار الصفصاف وتتمايل على جانبيه الأعشاب والدوالي المتعرشة وأزاهر فبرايرالمبتسمة بثغور حمراء كالياقوت وزرقاء كالزمرد وصفراء كالذهب وبعد دقيقة وقفت المركبة أمام منزل منفرد تحيط به حديقة مترامية الأطراف تتعانق في جوانبها الأغصان وتعطر فضاءها برائحة الورد والياسمين.
ماسرت بضع خطوات في تلك الحديقة حتى ظهر عبدالوهاب محمد من باب المنزل خارجا للقائي كأن هدير المركبة في تلك البقعة المنفردة قد أعلن له قدومي فهش متأهلا وقادني مترحبا إلى داخل الدار ونظير والد مشتاق أجلسني بقربه يحدثني مستفسراً عن ماضي مستطلعاً مقاصدي في مستقبلي فكنت أجيبه بتلك اللهجه المفعمة بنغمة الأحلام والأماني التي يترنم بها الفتيان قبل أن تقذفهم أمواج الخيال إلى شاطئ العمل حيث الجهاد والنزاع.
وفي تلك الدقيقة ظهرت من ستائر الباب المخملية صبية ترتدي ثوباً من الحرير الأبيض الناعم ومشت نحوي ببطء فوقفت ووقف الشيخ قائلاً (( هذه ابنتي سارة )) وبعد أن لفظ اسمي شفعه بقوله (( ان ذاك الصديق القديم الذي حجبته عني الأيام قد عادت وأبانته لي بشخص ابنه )) فتقدمت الصبية إلي وأحدقت بعيني هنيهة كانها تريد أن تستنطقهما عن حقيقة أمري وتعلم منهما أسباب مجيئي ثم أخذت يدي بيد تضارع زنبقة الحقل بياضاً ونعومة فأحسست عند ملامسة الأكف بعاطفة غريبة جديدة اشبه شئ بالفكر الشعري عند ابتداء تكوينه في مخيلة الكاتب.
جلسنا جميعا ساكتين كأن سارة قد أدخلت معها إلى تلك الغرفة روحاً علوية وكأنها شعرت بذلك فالتفتت نحوي وقالت مبسمة كثيراً ماحدثني والدي عن أبيك فسر الشيخ بكلمات ابنته وانبسطت ملامحه ثم قال إن سارة روحية الأميال والمذاهب فهي ترى جميع الأشياء سابحة في عالم النفس وكان الشيخ يحدق بي مسترجعاً أشباح شبابه وأنا أتأمله حالماً بمستقبلي أما سارة فكانت ساكته تنظر إلي تارة وطوراً الى ابيها كأنها تقرأ في وجهينا أول قصل من رواية الحياة وأخر فصل منها.
قضى ذلك النهار متنهداً أنفاسه بين تلك الحدائق والبساتين وغابت الشمس تاركه خيال قبلة صفراء قبالة ذلك المنزل وعبدالوهاب محمد يتلو علي اخباره وسارة جالسة بقرب تلك النافذة تنظر إليها بعينيها الحزينتين ولاتتحرك وتسمع أحاديثنا ولا تتكلم كأنها عرفت أن للجمال لغة سماوية تترفع عن الأصوات والمقاطيع التي تحدثها الشفاء والألسنة لغة خالدة تضم إليها جميع أنغام البشر وتجعلها شعوراً صامتاً مثلما تجتذب البحيرة الهادئة أغاني البشر وتجعلها شعوراً صامتاً مثلما تجتذب البحيرة الهادئة أغاني السواقي إلى أعماقها وتجعلها سكوتاً ابدياً إن الجمال سر تفهمه أرواحنا وتفرح به وتنمو بتأثيراته أما أفكارنا فتقف أمامه محتارة محاولة تحديده وتجسيده بالألفاظ ولكنها لاتستطيع هو سيال خاف عن العين يتموج بين عواطف الناظر وحقيقة المنظور الجمال الحقيقي هو أشعة تنبعث من قدس اقداس النفس وتنير خارج الجسد مثلما تنبثق الحياة من أعماق النواة وتكسب الزهرة لوناً وعطراً هو تفاهم كلي بين الرجل والمرأة يتم بلحظة وبلحظة يولد ذلك الميل المرتفع عن جميع الأميال وذلك الانعطاف الروحي ندعوه حباً.
فهل فهمت روحي وروح سارة في عشية النهار فجعلني التفاهم أن أراها أجمل امرأة أمام الشمس أم هي سكرة الشبيبة التي تجعلنا نتخيل رسوماً واشباحاً لاحقيقة لها هل أعمتني الفتوة فتوهمت الاشعة في عيني سارة حلاوة في ثغرها والرقة في قدها أم هي تلك الأشعة وتلك الحلاوة وتلك الرقة التي فتحت عيني لتريني افراح الحب وأحزانه لا ادر ولكني اعلم بأنني شعرت بعاطفة لم اشعر بها قبل تلك الساعة عاطفة جديدة تمايلت حول قلبي بهدوء يشابه رفرفة الروح على وجه الغمر قبل أن تبتدئ الدهور ومن تلك العاطفة قد تولدت سعادتي وتعاستي مثلما ظهرت وتناسخت الكائنات بإرادة الروح.
هكذا انقضت تلك الساعة التي جمعتني بسارة للمرة الأولى وهكذا شاءت السماء وعتقتني على حين غفة من عبودية الحيرة والحداثة لأسير حراً في موكب المحبة فالمحبة هي الحرية الوحيدة في هذا العالم لأنها ترفع النفس إلى مقام سام لاتبلغه شرائع البشر وتقاليدهم ولاتسود عليه نواميس الطبيعية وأحكامها.
ولما وقفت للأنصراف اقترب مني عبدالوهاب محمد وقال بصوت تعانقه رنة الإخلاص الان وقد عرفت الطريق إلى هذا المنزل يجب أن تأتي إليه شاعراً بالثقة التي تقودك إلى بيت أبيك وأن تحتسبني وسارة كوالد وأخت لك؟
فأنحت سارة رأسها إيجاباً ثم نظرت إلي نظرة غريبة ضائع وجد رفيقاً يعرفه ان تلك الكلمات التي قالها لي عبدالوهاب محمد هي النغمة الأولى التي أوقفتني بجانب ابنته أمام عرش المحبة هي استهلال الأغنية السماوية التي أنتهت بالندب والرثاء هي القوة التي شجعت روحينا فاقتربنا من النور والنار هي الإناء الذي شربنا فيه الكوثر والعلقم وخرجت فشيعني الشيخ إلى أطراق الحديقة فودعتهما وقلبي يخفق في داخلي مثلما ترتعش شفتا العطشان بملامسة حافة الكأس.