لبيك اللهم لبَّيكَ !
الحمدُ للهِ ذِي الجَلالِ والإِكرامْ ، والفَضْلِ والطَّوْلِ والمِنَنِ العِظَامْ ، الذي هَدَانا للإِسْلامْ ، وأَسْبَغَ علينا جَزِيلَ نِعَمِهِ وأَلْطَافِهِ الجِسَامْ ، وكَرَّمَ الآدميينَ وفَضَّلَهُمْ على غيرهم مِنَ الأَنَامْ ، ودَعَاهُمْ بِرَأْفَتِهِ ورَحْمَتِهِ إلى دَارِ السَّلامْ ، وأَكْرَمَهُمْ بما شَرَعَهُ لهم مِنْ حَجِّ بَيْتِهِ الحَرَامْ، ويَسَّرَ ذلكَ على تَكَرُّرِ الدُّهُورِ والأَعْوَامْ ، وَفَرَضَ حَجَّهُ على مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سبيلاً مِنَ أَهْلِ الإيمانِ والإِسْلامْ .
أَحْمَدُهُ أَبْلَغَ الحَمْدِ وأَكْمَلَهْ، وأعْظَمَهُ وأَتَمَّهُ وَأَشْمَلَهْ، وأشهَدُ أنْ لا إلهَ إلاّ الله وحدهُ لا شريك له إقراراً بِوَحْدَانِيَّتِهْ، وإِذْعَاناً لِجَلاَلِهِ وعَظَمَتِهْ ، وأشهَدُ أنَّ سيدنا ونبينا محمداً عبدُهُ ورَسُولُهُ : أفضَلُ مَنْ حجَّ واعْتَمَرَ مِنَ الأَنْبِياءِ الكِرَامْ، اللهمَّ صَلِّ وسَلِّمْ على عَبْدِكَ ورَسُولِكَ محمدْ ، وعلى آلِهِ وأصْحَابِهِ هُدَاةِ الأَنَامْ .
أما بعد :
فإنَّ الحَجَّ أَحَدُ أَرْكَانِ الدين ، ومِنْ أَعْظَمِ الطَّاعَاتِ لِرَبِّ العالَمِينْ، وهوَ شِعَارُ أنبِيَاءِ الله وسائرِ عباد اللهِ الصالحين صَلَوَاتُ اللهِ وسَلاَمُهُ عليهم أَجْمَعِينِ . قال الله جلَّ وعلا ) وللهِ على النَّاسِ حِجُّ البَيتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ومن كفرَ فإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عنِ العالَمِين ) .
وبِهِ أَمَرَ اللهُ خَلِيلَهُ إِبْرَاهيم في قوله : ( وَأَذِّنْ في النَّاسِ بِالحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقْ . لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ في أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ ( .
وقد روى البخاري ومسلم عن ابن عمرَ رضي الله عنه وعن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( بُنِيَ الإِسْلاَمُ على خَمْسٍ : شَهَادَةِ أنْ لا إلهَ إِلاَّ اللهُ وأَنَّ محمَّداً رَسُولُ اللهِ، وَإِقَامِ الصَّلاةِ ، وإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ البَيْتِ، وصَوْمِ رَمَضَانَ )) ، وفي حديث جبريل الطويل لَمَّا سَأَلَهُ عن الإِسْلام قال صلى الله عليه وسلم : (( وَتَحُجَّ البَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلاً )) ومعلوم بالضّرورةِ مِنْ دينِ الإسلامِ أن الحجَّ واجِبْ ولا يجْحَدُهُ إلاَّ كافر .
وللحَجِّ - مَعَ كَوْنِهِ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الإِسْلام - فَضْلٌ عَظِيمٌ ، وَأَجْرٌ كَبيرٌ ، مَا لَوْ ذَكَرْنَاه لطالَ المقام ولكنْ سَنُورِدُ بعضَ ما جَاءَ عن الحَبيبِ المصطفى صلى الله عليه وسلم مِنَ الأَحَاديثِ في ذلك فمنها :
ما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : سُئلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : أيُّ العَمَلِ أَفْضَلُ ؟ قال : (( إِيمَانٌ بِاللهِ وَرَسُولِهِ )) . قيل ثمَّ مَاذا ؟ قال : (( الجِهَادُ في سَبِيلِ اللهِ )) . قيلَ : ثُمَّ مَاذا ؟ قال : (( حَجٌّ مَبْرُورٌ )) .
ولهما عنه -رضي الله عنه- قال : سمعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول : (( مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ ، وَلَمْ يَفْسُقْ ، رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ )) .
قال الإمام الأزهري : الرَّفَثُ كَلِمَةٌ جَامِعَةٌ لِكُلِّ مَا يُرِيدُهُ الرَّجُلُ مِنَ المَرْأَةِ .
وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أيضاً أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال : (( الحَجٌّ المبرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلاَّ الجَنَّهْ )) .
وعن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( أَمَا عَلِمْتَ يَا عمرُو ! أَنَّ الحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ )) رواه مسلم .
وعن أم المؤمنينَ عَائِشَةُ رضي الله عنها قالت : قلتُ يا رسول الله ! نَرَى الجِهَادَ أَفْضَلَ العَمَلِ ، أَفَلاَ نُجَاهِدُ ؟ فقالَ : (( لَكِنَّ أَفْضَلَ الجِهَادِ حَجٌّ مَبْرُورٌ )) رواه البخاري . وفي لفظٍ قالت : يا رسولَ الله هَلْ عَلَى النِّسَاءِ جِهَادٌ ؟ قال : (( عَلَيْهُنَّ جِهَادٌ لا قِتَالَ فيهِ ؛ الحَجُّ والعُمْرَةُ )) [ صححه ابن خزيمة (3074) والألباني ] .
وعن عبدِاللهِ بن مسعودٍ رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( تَابِعُوا بَيْنَ الحَجِّ والعُمْرَةِ ، فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الفَقْرَ والذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الكِيرُ خَبَثَ الحَدِيدِ والذَّهَبِ والفِضَّةِ ، وَلَيْسَ لِلْحَجَّةِ المَبْرُورَةِ ثَوَابٌ إلاَّ الجَنَّةَ )) رواه الترمذي وابن خزيمة وابن حبان وصحّحوه رحمهم الله .
وعن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه قال : سمعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول : (( مَا تَرْفَعُ إِبِلُ الحَّاجِّ رِجْلاً ، وَلاَ تَضَعُ يَداً ، إِلاَّ كَتَبَ اللهُ لَهُ بهَا حَسَنَةً ، أَوْ مَحَا عَنْهُ سَيِّئَةً ، أَوْ رَفَعَهُ بها دَرَجَةً )) رواه ابن حبان والبيهقي وحسّنه الألباني .
وعن جابِرٍ رضي الله عنه قال : قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : (( الحَاجُّ وَالمُعْتَمِرُ وَفْدُ اللهِ ، دَعَاهُمْ فَأَجَابُوهُ ، وَسَأَلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ )) رواه ابن ماجه وابن حبان وهو حديث حسن . ولا شكَّ – أيُّها المؤمِنون- أنَّ الحُجَّاجَ سَيَسْأَلُونَ اللهَ الجَنَّةَ والمَغْفِرَةِ والعَفْوَ ونَحْوَهَا من وُجُوهِ الخَيْرِ فهذا وَعْدٌ مِنَ اللهِ بِاسْتِجَابَةِ دَعْوَتِهِمْ وَلاَ يُخْلِفُ اللهُ المِيعَاد .
ومنها يا عِبادَ الله : حديثُ عُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال - لِرَجُلٍ مِنَ الأَنْصار سألهُ عن فضل الحجِّ - : «فَإِنَّ لَكَ مِنَ الأَجْرِ إِذَا أَمَمْتَ البَيْتَ العَتِيقَ أَنْ لاَ تَرْفَعَ قَدَماً أَوْ تَضَعَهَا أَنْتَ وَدَابَّتُكَ إِلاَّ كُتِبَتْ لَكَ حَسَنَةٌ ، وَرُفِعَتْ لَكَ دَرَجَةٌ».
وَأَمَّا وُقُوفُكَ بِعَرَفَةَ فَإِنَّ اللهَ عز وجل يقولُ لِمَلاَئِكَتِهِ : يَا مَلاَئِكَتي ! مَا جَاءَ بِعِبَادِي ؟ قَالوا : جَاءُوا يَلْتَمِسُونَ رِضْوَانَكَ وَالجَنَّةَ . فَيَقُولُ اللهُ عز وجل : فَإِنِّي أُشْهِدُ نَفْسِي وخَلْقِي أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لهم ، وَلَوْ كَانَتْ ذُنُوبُهُمْ عَدَدَ أَيَّامِ الدَّهْرِ، وَعَدَدَ القَطْرِ، وَعَدَدَ رَمْلِ عَالِجٍ .
وَأَمَّا رَمْيُكَ الجِمَارَ ، فإنَّ اللهَ عز وجل يقُولُ : ( فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ( .
وَأَمَّا حَلْقُكَ رَأْسَكَ ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَعْرِكَ شَعْرَةٌ تَقَعُ في الأَرْضِ ، إِلاَّ كَانَتْ لَكَ نُوراً يَوْمَ القِيَامَةِ .
وَأَمَّا طَوَافُكَ بِالبيتِ إِذَا وَدَّعْتَ ، فَإِنَّكَ تَخْرُجُ مِنْ ذُنُوبِكَ كَيَوْمِ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ )) [ رواه الطبراني في المعجم الأوسط (2320) وَحَسَّنَهُ الألباني لغيره ].
هذا في الحجِّ عموماً ؛ وقَدْ جَاءَ في أَعْمَالِهِ عَلَى أَفْرَادِهَا فضلٌ كبيرٌ ، ورَتَّبَ اللهُ على كُلِّ عَمَلٍ أجراً عظيماً :
فمنها ما جَاءَ في فَضْلِ التَّلْبِيَةِ : قال صلى الله عليه وسلم : (( مَا أَهَلَّ مُهِلٌّ قَطْ إِلاَّ بُشِّرَ ، وَلاَ كَبَّرَ مُكَبِّرٌ إِلاَّ بُشِّرَ )) قيلَ : يا رَسُولَ اللهِ ! بِالجَنَّةِ ؟ قال ((نَعَمْ )) رواه الطبراني في الأوسط بإسناد رجاله رجال الصحيح كما قال المُنْذِرِيُّ .
ومنها الطَّوَافُ بالبيتِ قال صلى الله عليه وسلم : (( مَنْ طَافَ بِالبَيْتِ لَمْ يَرْفَعْ قَدَماً ، وَلَمْ يَضَعْ قَدَماً إِلاَّ كَتَبَ اللهُ لَهُ حَسَنَةً ، وَحَطَّ عَنْهُ خَطِيئَةً ، وَرَفَعَ لَهُ دَرَجَةً )) . وقال صلى الله عليه وسلم : (( مَنْ طَافَ بِالبَيْتِ ، وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَ كَعِتْقِ رَقَبَةٍ )) رواه ابن ماجه وصححه الألباني .
ومنها اسْتِلاَمُ الحَجَرِ الأَسْوَدِ والرُّكْنِ اليَمَاني : فَعَنِ ابنِ عُمَرَ قال : قال صلى الله عليه وسلم : (( إِنَّ اسْتِلاَمَهُمَا يَحُطُّ الخَطَايَا )) رواه أحمد وصححه الألباني.
ومِنَ الأُجُورِ العَظِيمةِ ما جاءَ في فَضْلِ الوُقُوفِ بِعَرَفَةَ : عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو قائِمٌ بِعَرَفَةَ - : ((مَعَاشِرَ النَّاسِ ! أَتَاني جِبْرِيلُ آنِفاً ، فَأَقْرَأَني مِنْ رَبِّي السَّلاَمَ ، وقال: إِنَّ اللهَ غَفَرَ لأَهْلِ عَرَفَاتٍ، وَأَهْلِ المَشْعَرِ وَضَمِنَ عَنْهُمْ التَّبِعَاتِ )) فَقَامَ عُمَرُ بنُ الخَطَّاب رضي الله عنه فقال : يا رسول الله ! هذا لَنَا خَاصَّة ؟ قال : (( هَذَا لَكُمْ ، وَلِمَنْ أَتَى مِنْ بَعْدِكُمْ إِلى يَوْمِ القِيَامَةِ )). فقال عُمَرُ: كَثُرَ خَيْرُ اللهِ وَطَابَ . [ رواه ابن المبارك بإسْنادٍ رجالهُ ثقاتْ وصححه الألباني ] .
ومنها رَمْيُ الجِمَارِ فقد قال صلى الله عليه وسلم : (( وأَمَّا رَمْيُكَ الجِمَارَ ، فَلَكَ بِكُلِّ حَصَاةٍ رَمَيْتَهَا تَكْفِيرُ كَبِيرَةٍ مِنَ المُوبِقَاتِ )) رواه ابن حبان وصحّحه (حسنه الألباني) .
وحلق الرأس بعدَ النسك الذي دعاء فيه النبيُّ صلى الله عليه وسلم للمحلقين بقوله : (( اللهم اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ )) قالها ثلاث مرات ومنها الصلاةُ في المسجدِ الحرام : فعن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( صَلاَةٌ في المَسْجِدِ الحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِئَةِ أَلْفِ صَلاةٍ فِيمَا سِوَاهُ )) رواه أحمد وابن ماجه وَأَصْلُهُ في الصَّحِيحِ
الحمدُ للهِ ذِي الجَلالِ والإِكرامْ ، والفَضْلِ والطَّوْلِ والمِنَنِ العِظَامْ ، الذي هَدَانا للإِسْلامْ ، وأَسْبَغَ علينا جَزِيلَ نِعَمِهِ وأَلْطَافِهِ الجِسَامْ ، وكَرَّمَ الآدميينَ وفَضَّلَهُمْ على غيرهم مِنَ الأَنَامْ ، ودَعَاهُمْ بِرَأْفَتِهِ ورَحْمَتِهِ إلى دَارِ السَّلامْ ، وأَكْرَمَهُمْ بما شَرَعَهُ لهم مِنْ حَجِّ بَيْتِهِ الحَرَامْ، ويَسَّرَ ذلكَ على تَكَرُّرِ الدُّهُورِ والأَعْوَامْ ، وَفَرَضَ حَجَّهُ على مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سبيلاً مِنَ أَهْلِ الإيمانِ والإِسْلامْ .
أَحْمَدُهُ أَبْلَغَ الحَمْدِ وأَكْمَلَهْ، وأعْظَمَهُ وأَتَمَّهُ وَأَشْمَلَهْ، وأشهَدُ أنْ لا إلهَ إلاّ الله وحدهُ لا شريك له إقراراً بِوَحْدَانِيَّتِهْ، وإِذْعَاناً لِجَلاَلِهِ وعَظَمَتِهْ ، وأشهَدُ أنَّ سيدنا ونبينا محمداً عبدُهُ ورَسُولُهُ : أفضَلُ مَنْ حجَّ واعْتَمَرَ مِنَ الأَنْبِياءِ الكِرَامْ، اللهمَّ صَلِّ وسَلِّمْ على عَبْدِكَ ورَسُولِكَ محمدْ ، وعلى آلِهِ وأصْحَابِهِ هُدَاةِ الأَنَامْ .
أما بعد :
فإنَّ الحَجَّ أَحَدُ أَرْكَانِ الدين ، ومِنْ أَعْظَمِ الطَّاعَاتِ لِرَبِّ العالَمِينْ، وهوَ شِعَارُ أنبِيَاءِ الله وسائرِ عباد اللهِ الصالحين صَلَوَاتُ اللهِ وسَلاَمُهُ عليهم أَجْمَعِينِ . قال الله جلَّ وعلا ) وللهِ على النَّاسِ حِجُّ البَيتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ومن كفرَ فإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عنِ العالَمِين ) .
وبِهِ أَمَرَ اللهُ خَلِيلَهُ إِبْرَاهيم في قوله : ( وَأَذِّنْ في النَّاسِ بِالحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقْ . لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ في أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ ( .
وقد روى البخاري ومسلم عن ابن عمرَ رضي الله عنه وعن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( بُنِيَ الإِسْلاَمُ على خَمْسٍ : شَهَادَةِ أنْ لا إلهَ إِلاَّ اللهُ وأَنَّ محمَّداً رَسُولُ اللهِ، وَإِقَامِ الصَّلاةِ ، وإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ البَيْتِ، وصَوْمِ رَمَضَانَ )) ، وفي حديث جبريل الطويل لَمَّا سَأَلَهُ عن الإِسْلام قال صلى الله عليه وسلم : (( وَتَحُجَّ البَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلاً )) ومعلوم بالضّرورةِ مِنْ دينِ الإسلامِ أن الحجَّ واجِبْ ولا يجْحَدُهُ إلاَّ كافر .
وللحَجِّ - مَعَ كَوْنِهِ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الإِسْلام - فَضْلٌ عَظِيمٌ ، وَأَجْرٌ كَبيرٌ ، مَا لَوْ ذَكَرْنَاه لطالَ المقام ولكنْ سَنُورِدُ بعضَ ما جَاءَ عن الحَبيبِ المصطفى صلى الله عليه وسلم مِنَ الأَحَاديثِ في ذلك فمنها :
ما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : سُئلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : أيُّ العَمَلِ أَفْضَلُ ؟ قال : (( إِيمَانٌ بِاللهِ وَرَسُولِهِ )) . قيل ثمَّ مَاذا ؟ قال : (( الجِهَادُ في سَبِيلِ اللهِ )) . قيلَ : ثُمَّ مَاذا ؟ قال : (( حَجٌّ مَبْرُورٌ )) .
ولهما عنه -رضي الله عنه- قال : سمعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول : (( مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ ، وَلَمْ يَفْسُقْ ، رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ )) .
قال الإمام الأزهري : الرَّفَثُ كَلِمَةٌ جَامِعَةٌ لِكُلِّ مَا يُرِيدُهُ الرَّجُلُ مِنَ المَرْأَةِ .
وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أيضاً أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال : (( الحَجٌّ المبرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلاَّ الجَنَّهْ )) .
وعن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( أَمَا عَلِمْتَ يَا عمرُو ! أَنَّ الحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ )) رواه مسلم .
وعن أم المؤمنينَ عَائِشَةُ رضي الله عنها قالت : قلتُ يا رسول الله ! نَرَى الجِهَادَ أَفْضَلَ العَمَلِ ، أَفَلاَ نُجَاهِدُ ؟ فقالَ : (( لَكِنَّ أَفْضَلَ الجِهَادِ حَجٌّ مَبْرُورٌ )) رواه البخاري . وفي لفظٍ قالت : يا رسولَ الله هَلْ عَلَى النِّسَاءِ جِهَادٌ ؟ قال : (( عَلَيْهُنَّ جِهَادٌ لا قِتَالَ فيهِ ؛ الحَجُّ والعُمْرَةُ )) [ صححه ابن خزيمة (3074) والألباني ] .
وعن عبدِاللهِ بن مسعودٍ رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( تَابِعُوا بَيْنَ الحَجِّ والعُمْرَةِ ، فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الفَقْرَ والذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الكِيرُ خَبَثَ الحَدِيدِ والذَّهَبِ والفِضَّةِ ، وَلَيْسَ لِلْحَجَّةِ المَبْرُورَةِ ثَوَابٌ إلاَّ الجَنَّةَ )) رواه الترمذي وابن خزيمة وابن حبان وصحّحوه رحمهم الله .
وعن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه قال : سمعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول : (( مَا تَرْفَعُ إِبِلُ الحَّاجِّ رِجْلاً ، وَلاَ تَضَعُ يَداً ، إِلاَّ كَتَبَ اللهُ لَهُ بهَا حَسَنَةً ، أَوْ مَحَا عَنْهُ سَيِّئَةً ، أَوْ رَفَعَهُ بها دَرَجَةً )) رواه ابن حبان والبيهقي وحسّنه الألباني .
وعن جابِرٍ رضي الله عنه قال : قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : (( الحَاجُّ وَالمُعْتَمِرُ وَفْدُ اللهِ ، دَعَاهُمْ فَأَجَابُوهُ ، وَسَأَلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ )) رواه ابن ماجه وابن حبان وهو حديث حسن . ولا شكَّ – أيُّها المؤمِنون- أنَّ الحُجَّاجَ سَيَسْأَلُونَ اللهَ الجَنَّةَ والمَغْفِرَةِ والعَفْوَ ونَحْوَهَا من وُجُوهِ الخَيْرِ فهذا وَعْدٌ مِنَ اللهِ بِاسْتِجَابَةِ دَعْوَتِهِمْ وَلاَ يُخْلِفُ اللهُ المِيعَاد .
ومنها يا عِبادَ الله : حديثُ عُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال - لِرَجُلٍ مِنَ الأَنْصار سألهُ عن فضل الحجِّ - : «فَإِنَّ لَكَ مِنَ الأَجْرِ إِذَا أَمَمْتَ البَيْتَ العَتِيقَ أَنْ لاَ تَرْفَعَ قَدَماً أَوْ تَضَعَهَا أَنْتَ وَدَابَّتُكَ إِلاَّ كُتِبَتْ لَكَ حَسَنَةٌ ، وَرُفِعَتْ لَكَ دَرَجَةٌ».
وَأَمَّا وُقُوفُكَ بِعَرَفَةَ فَإِنَّ اللهَ عز وجل يقولُ لِمَلاَئِكَتِهِ : يَا مَلاَئِكَتي ! مَا جَاءَ بِعِبَادِي ؟ قَالوا : جَاءُوا يَلْتَمِسُونَ رِضْوَانَكَ وَالجَنَّةَ . فَيَقُولُ اللهُ عز وجل : فَإِنِّي أُشْهِدُ نَفْسِي وخَلْقِي أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لهم ، وَلَوْ كَانَتْ ذُنُوبُهُمْ عَدَدَ أَيَّامِ الدَّهْرِ، وَعَدَدَ القَطْرِ، وَعَدَدَ رَمْلِ عَالِجٍ .
وَأَمَّا رَمْيُكَ الجِمَارَ ، فإنَّ اللهَ عز وجل يقُولُ : ( فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ( .
وَأَمَّا حَلْقُكَ رَأْسَكَ ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَعْرِكَ شَعْرَةٌ تَقَعُ في الأَرْضِ ، إِلاَّ كَانَتْ لَكَ نُوراً يَوْمَ القِيَامَةِ .
وَأَمَّا طَوَافُكَ بِالبيتِ إِذَا وَدَّعْتَ ، فَإِنَّكَ تَخْرُجُ مِنْ ذُنُوبِكَ كَيَوْمِ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ )) [ رواه الطبراني في المعجم الأوسط (2320) وَحَسَّنَهُ الألباني لغيره ].
هذا في الحجِّ عموماً ؛ وقَدْ جَاءَ في أَعْمَالِهِ عَلَى أَفْرَادِهَا فضلٌ كبيرٌ ، ورَتَّبَ اللهُ على كُلِّ عَمَلٍ أجراً عظيماً :
فمنها ما جَاءَ في فَضْلِ التَّلْبِيَةِ : قال صلى الله عليه وسلم : (( مَا أَهَلَّ مُهِلٌّ قَطْ إِلاَّ بُشِّرَ ، وَلاَ كَبَّرَ مُكَبِّرٌ إِلاَّ بُشِّرَ )) قيلَ : يا رَسُولَ اللهِ ! بِالجَنَّةِ ؟ قال ((نَعَمْ )) رواه الطبراني في الأوسط بإسناد رجاله رجال الصحيح كما قال المُنْذِرِيُّ .
ومنها الطَّوَافُ بالبيتِ قال صلى الله عليه وسلم : (( مَنْ طَافَ بِالبَيْتِ لَمْ يَرْفَعْ قَدَماً ، وَلَمْ يَضَعْ قَدَماً إِلاَّ كَتَبَ اللهُ لَهُ حَسَنَةً ، وَحَطَّ عَنْهُ خَطِيئَةً ، وَرَفَعَ لَهُ دَرَجَةً )) . وقال صلى الله عليه وسلم : (( مَنْ طَافَ بِالبَيْتِ ، وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَ كَعِتْقِ رَقَبَةٍ )) رواه ابن ماجه وصححه الألباني .
ومنها اسْتِلاَمُ الحَجَرِ الأَسْوَدِ والرُّكْنِ اليَمَاني : فَعَنِ ابنِ عُمَرَ قال : قال صلى الله عليه وسلم : (( إِنَّ اسْتِلاَمَهُمَا يَحُطُّ الخَطَايَا )) رواه أحمد وصححه الألباني.
ومِنَ الأُجُورِ العَظِيمةِ ما جاءَ في فَضْلِ الوُقُوفِ بِعَرَفَةَ : عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو قائِمٌ بِعَرَفَةَ - : ((مَعَاشِرَ النَّاسِ ! أَتَاني جِبْرِيلُ آنِفاً ، فَأَقْرَأَني مِنْ رَبِّي السَّلاَمَ ، وقال: إِنَّ اللهَ غَفَرَ لأَهْلِ عَرَفَاتٍ، وَأَهْلِ المَشْعَرِ وَضَمِنَ عَنْهُمْ التَّبِعَاتِ )) فَقَامَ عُمَرُ بنُ الخَطَّاب رضي الله عنه فقال : يا رسول الله ! هذا لَنَا خَاصَّة ؟ قال : (( هَذَا لَكُمْ ، وَلِمَنْ أَتَى مِنْ بَعْدِكُمْ إِلى يَوْمِ القِيَامَةِ )). فقال عُمَرُ: كَثُرَ خَيْرُ اللهِ وَطَابَ . [ رواه ابن المبارك بإسْنادٍ رجالهُ ثقاتْ وصححه الألباني ] .
ومنها رَمْيُ الجِمَارِ فقد قال صلى الله عليه وسلم : (( وأَمَّا رَمْيُكَ الجِمَارَ ، فَلَكَ بِكُلِّ حَصَاةٍ رَمَيْتَهَا تَكْفِيرُ كَبِيرَةٍ مِنَ المُوبِقَاتِ )) رواه ابن حبان وصحّحه (حسنه الألباني) .
وحلق الرأس بعدَ النسك الذي دعاء فيه النبيُّ صلى الله عليه وسلم للمحلقين بقوله : (( اللهم اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ )) قالها ثلاث مرات ومنها الصلاةُ في المسجدِ الحرام : فعن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( صَلاَةٌ في المَسْجِدِ الحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِئَةِ أَلْفِ صَلاةٍ فِيمَا سِوَاهُ )) رواه أحمد وابن ماجه وَأَصْلُهُ في الصَّحِيحِ