- إنضم
- 14 جويلية 2008
- المشاركات
- 2,433
- نقاط التفاعل
- 8
- النقاط
- 157
- الجنس
- ذكر
عنترة بن شداد
**********
جفون العذارى من خلال البراقع * أحد من البيض الرقاق القواطع
إذا جردت ذل الشجاع وأصبحت * محاجره قرحى بفيض المدامع
سقى الله عمي من يد الموت جرعة * وشلت يداه بعد قطع الأصابع
كما قاد مثلي بالمحال إلى الردى * وعلق آمالي بذيل المطامع
لقد ودعتني عبلة يوم بينها * وداع يقين أنني غير راجع
وناحت وقالت كيف تصبح بعدنا * إذا غبت عنا في القفار الشواسع
وحقك لا حاولت في الدهر سلوة * ولا غيرتني عن هواك مطامعي
فكن واثقا مني بحسن مودة * وعش ناعما في غبطة غير جازع
فقلت لها يا عبل إني مسافر * ولو عرضت دوني حدود القواطع
خلقنا لهذا الحب من قبل يومنا * فما يدخل التفنيد فيه مسامعي
أيا علم السعدى هل أنا راجع * وانظر في قطريك زهر الأراجع
وتبصر عيني الربوتين وحاجرا * وسكان ذاك الجرع بين المراتع
وتجمعنا أرض الشربة واللوى * ونرتع في أكناف تلك المرابع
فيا نسمات البان بالله خبري * عبيلة عن رحلي بأي المواضع
ويا برق بلغها الغداة تحيتي * وحي دياري في الحمى ومضاجعي
وحقك أشجاني التباعد بعدكم * فهل أنتم أشجاكم البعد من بعدي
**********
رَمَتِ الفُؤَادَ مَلِيحَةٌ عَذْرَاءُ * بِسِهَامِ لَحْظٍ ما لَهُنَّ دَوَاءُ
مَرَّتْ أوَانَ العِيدِ بَيْنَ نَوَاهِدٍ * مِثْلِ الشُّمُوسِ لِحَاظُهُنَّ ظِبَاءُ
فاغْتَالَني سَقَمِي الَّذِي في بَاطِني * أخْفَيْتُهُ فأَذَاعَهُ الإخْفَاءُ
خَطَرَتْ فَقُلْتُ قَضِيبُ بَانٍ حَرّكَتْ * أعْطَافَهعُ بَعْدَ الجَنُوبِ صَبَاءُ
وَرَنَتْ فَقُلْتُ غَزَالةٌ مَذْعُورَةٌ * قَدْ رَاعَهَا وَسْطَ الفلاَةِ بلاَءُ
وَبَدَتْ فَقُلْتُ البَدْرُ ليْلَةَ تِمِّهِ * قدْ قلَّدَتْهُ نُجُومَهَا الجَوْزَاءُ
بسَمَتْ فلاَحَ ضياءُ لؤلؤ ثَغْرِها * فِيهِ لِدَاءِ العَاشِقِينَ شِفَاءُ
سَجَدَتْ تُعَظِّمُ رَبَّها فَتَمايلَتْ * لِجَلاَلِها أَرْبابُنا العُظَمَاءُ
يَا عَبْلَ مِثْلُ هَواكِ أَوْ أَضْعَافُهُ * عِنْدي إذَا وَقَعَ الإيَاسُ رَجَاءُ
إن كَانَ يُسْعِدُنِي الزَّمَانُ فإنَّني * في هِمَّتي لِصُرُوفِهِ أزراءُ
**********
إذا الريحُ هبَّتْ منْ ربى العلم السعدي * طَفا برْدُها حرَّ الصبابةِ والوَجدِ
وذكَّرني قوْماً حَفِظتُ عهُودَهُمْ * فما عَرفُوا قَدري ولاَ حَفِظُوا عهدي
ولولاَ فتاةٌ في الخيامِ مُقيمَةٌ * لما اختَرْتُ قربَ الدَّار يوماً على البعدِ
مُهفْهَفةٌ والسِّحرُ من لَحظاتها * إذا كلَّمتْ ميْتاً يقُوم منَ اللَّحْدِ
أشارتْ إليها الشَّمْسُ عِنْد غرُوبها * تقُول: إذا اسودَّ الدُّجى فاطْلعي بعدي
وقال لـها البدْرُ المنير ألاَ اسْفري * فإنَّك مثْلي في الكَمال وفي السَّعْدِ
فوَلّتْ حياءً ثم أَرْخَتْ لِثامَها * وقد نثرَتْ منْ خَدِّها رطِبَ الورْد
وَسَلَّتْ حُساماً من سَواجي جفُونها * كسيْفِ أبيها القاطع المرهفِ الحدّ
تُقاتلُ عيناها به وَهْوَ مُغمدٌ * ومنْ عَجبٍ أنْ يَقْطع السَّيْفُ في الغِمْدِ
مُرنِّحةُ الـأَعطاف مَهْضومةُ الحَشا * منَعَّمة الـأَطْرافِ مائسة القَدِّ
يبيتُ فُتاتُ المسْكِ تحتَ لثامها * فيزدادُ منْ أنْفاسها أرَجُ النَّدِّ
ويطْلُع ضَوءُ الصبْح تَحتَ جَبينها * فيغْشاهُ ليلٌ منْ دجى شَعرها الجَعد
وبين ثناياها إذا ما تَبسَّمتْ * مديرُ مُدامٍ يَمزجُ الرَّاحَ بالشَّهد
شكا نَحْرُها منْ عِقدها متظلِّماً * فَواحَربا منْ ذلكَ النَّحْر والعقْدِ
فهلْ تسمَحُ الـأَيامُ يا ابْنةَ مالكٍ * بوَصْلٍ يُدَاوي القَلْبَ منْ ألم الصَّدِّ
سأَحْلُم عنْ قومي ولو سَفكوا دمي * وأجرعُ فيكِ الصَّبرَ دونَ الملا وحدي
وحَقّكِ أَشْجاني التَّباعدُ بعدكم * فهل أنتمُ أشْجاكُم البُعدُ منْ بعدي
حَذِرْتُ من البيْن المفرِّق بيْننا * وقد كانَ ظنِّي لا أُفارقكمْ جَهدي
فإنْ عاينت عيني المَطايا وركْبها * فرشتُ لدَى أخْفافها صَفحةَ الخدّ
**********
لعُوبٌ بأَلْبابِ الرّجال كأَنَّها * إذا أَسْفَرَتْ بَدْرٌ بدا في المَحَاشِدِ
شَكَتْ سَقَماً كيْما تُعَادَ وما بها * سِوَى فَتْرةِ العيْنَين سقْمٌ لِعائِدِ
منَ البيض لا تلْقاكَ إلاَّ مَصونَةً * وتمْشي كَغُصْنِ البانِ بينَ الولائِدِ
كأَنَّ الثُّريَّا حينَ لاحَتْ عَشيَّةً * على نَحْرِها مَنْظُومَةٌ في القَلائِدِ
منَعَّمةُ الـأَطْرافِ خَوْدٌ كأَنَّها * هِلالٌ على غُصْنٍ من البانِ مائِدِ
حَوَى كلَّ حُسْنٍ في الكَوَاعِبِ شَخْصُها * فليْسَ بها إلاَّ عُيوبُ الحَواسد
إذا كانَ دمْعي شاهدي كيفَ أجْحَدُ * ونارُ اشْتياقي في الحَشا تَتَوَقَّد
وهيْهاتَ يَخْفى ما أُكِنُّ مِنَ الـهَوَى * وثَوْبُ سَقامي كلَّ يوْمٍ يُجدَّدُ
أُقاتِلُ أشواقي بصبْري تجلّداً * وقَلبيَ في قَيْدِ الغَرامِ مُقَيَّد
إلى اللـه أشكُو جَوْرَ قَوْمي وظُلْمَهُمْ * إذا لم أجِدْ خِلاً على البُعد يَعْضُدُ
خَليلَيَّ أمسى حُبُّ عبلةَ قاتِلي * وبأْسِي شديدٌ والحُسامُ مُهَنَّدُ
حَرامٌ عليّ النَّوْمُ يا ابنَةَ مالكِ * ومَنْ فَرْشُهُ جمْرُ الغَضا كيْف يَرْقُدُ
سأَنْدبُ حتى يَعْلَم الطَّيْرُ أنني * حَزينٌ ويَرْثي لي الحمامُ المغَرِّدُ
وأَلثِمُ أرْضاً أنْتِ فيها مقيمَةٌ * لَعَلَّ لَهيبي مِنْ ثرى الـأَرضِ يَبْرُدُ
رَحَلْتِ وقلْبي يا ابْنَةَ العمِّ تائهٌ * على أثَرِ الـأَظْعَانِ للرِّكْب يَنْشدُ
لئنْ تَشْمَتِ الـأَعداءُ يا بنْتَ مالكٍ * فإن ودادي مثْلما كانَ يُعهَدُ
**********
ذَنبي لِعبْلةَ ذنبٌ غير مغتفرِ * لمّا تَبلَّجَ صبُح الشَّيبِ في شعري
رَمتْ عُبيلةُ قلْبي من لواحِظِها * بكُلِّ سهْم غريق النَّزعْ في الحَوَرِ
فاعْجب لـهنّ سهاماً غيْرَ طائِشَةٍ * من الجفُونِ بلا قوْسٍ ولا وَتَرِ
كم قد حفِظْتُ ذمامَ القوم من ولَهٍ * يَعْتادني لبناتِ الدَّلِّ والخَفَرِ
مُهفْهفاتٍ يَغارُ الغُصنُ حين يَرَى * قدودَها بيْنَ مَيَّادٍ ومنْهصر
يا منْزلاً أدْمعي تجري عليهِ إذا * ضَنَّ السَّحابُ على الـأَطْلال بالمطر
أرضُ الشَّربَّةِ كم قضَّيت مُبتهجاً * فيها مَعَ الغيدِ والـأَتْرابِ من وَطَرِ
أيّامَ غُصْنُ شَبابي في نعُومتِهِ * ألْهُو بما فيهه من زهرٍ ومن أَثرِ
في كلِّ يومٍ لنا من نَشْرها سَحَراً * ريحٌ شَذَاها كنَشْر الزّهر في السَّحر
وكلُّ غصنٍ قويمٍ راق منْظرهُ * ما حَظُّ عاشِقها مِنْه سوى النَّظرِ
أخْشى عليها ولَوْلا ذاكَ ما وَقَفَتْ * ركائبي بينَ وِرْدِ العَزْمِ والصَّدَرِ
كلاّ ولاَ كُنْتُ بَعد القُرْبِ مُقْتنِعاً * منها على طولِ بُعْدِ الدَّار بالخبر
هُمُ الـأَحبَّةُ إنْ خانُوا وإنْ نَقَضوا * عَهدي فما حُلْتُ عَنْ وَجْدي ولا فِكري
أَشكُو منَ الـهَجر في سِرٍّ وفي عَلَنٍ * شكْوَى تُؤَثرُ في صلْدِ منَ الحجر
**********
زارَ الخيالُ خيالُ عَبلَةَ في الكَرى * لمُتيِّم نشوانَ محلولِ العُرى
فنهضتُ أشكُو ما لَقيتُ لبُعدها * فتنفَّسَتْ مِسكاً يخالطُ عَنْبَرا
فضَممتُها كيما أقبِّلَ ثغرَها * والدَّمعُ منْ جَفنيَّ قد بلَّ الثرى
وكشفتُ بُرقُعَها فأَشرَقَ وجهُها * حتى أعادَ اللَّيلَ صُبحاً مُسفِراً
عربيَّةٌ يهْتزُّ لِينُ قوَامِها * فيخالُه العشَّاقُ رُمحاً أسمرا
محجوبةٌ بصَوارمٍ وَذَوابلٍ * سمرٌ ودُونَ خبائها أسدُ الشَّرى
يا عَبلَ إنَّ هَواكِ قد جازَ المَدى * وأنا المُعنَّى فيكِ منْ دُون الورى
يا عَبلَ حبُّكِ في عِظامي مَعَ دَمي * لمَّا جرت روحي بجمسي قدْ جرَى
وَلقد عَلِقْتُ بذَيلِ مَنْ فَخُرتْ به * عَبْسٌ وَسيْفُ أبيهِ أفنى حِمْيَرا
يا شأْسُ جرْني منْ غرامٍ قاتلٍ * أبداً أزيدُ بهِ غراماً مُسْعرا
يا شأسُ لولاَ أنّ سلْطانَ الـهوى * ماضي العَزِيمةِ ما تملّكَ عنتَرا
**********
سأُضْمِرُ وجدي في فؤَادي وأكْتُم * وأَسْهرُ ليلي والعواذلُ نوَّمُ
وأطْمعُ من دَهري بما لا أنالـهُ * وألزمُ منه ذُلَّ منْ ليسَ يرْحمُ
وأَرجو التَّداني منكِ يا ابنةَ مالكٍ * ودونَ التَّداني نارُ حَرْبٍ تُضَرَّمُ
فَمُنِّي بطيْفٍ من خيالِكِ واسأَلي * إذا عادَ عني كيفَ باتَ المتيَّمُ
ولا تَجْزَعي إنْ لَجَّ قوْمُكِ في دَمي * فما لي بعْدَ الـهجرِ لَحمٌ ولا دَمُ
ألم تسْمعي نَوْحَ الحمائِم في الدجى * فمنْ بَعضِ أشْجاني وَنَوْحي تعلّموا
ولم يبْقَ لي يا عبلَ شخْصٌ معَرَّفٌ * سوى كبدٍ حَرَّى تذوبُ فأَسقمُ
وتلكَ عِظامٌ بالياتٌ وأَضْلعٌ * على جلدِها جيْشُ الصُّدودِ مخيِّمُ
وإنْ عشْتُ منْ بَعد الفراقِ فما أنا * كما أدَّعي أني بعبلةَ مُغْرَمُ
وإنْ نامَ جفني كانَ نوْمي عُلاَلةً * أقولُ: لعلَّ الطَّيْفَ يأْتي يُسلِّمُ
أَحِنُّ إلى تلكَ المنازلِ كلّما * غدَا طائرٌ في أيكَةٍ يترَنَّمُ
بكيتُ من البيْنِ المُشِتِّ وإنني * صبُورٌ على طعْن القَنا لو عَلمتُمُ
**********
لمن الشُّمُوسُ عزيزَةُ الـأَحداج * يَطْلُعنَ بينَ الوشْيِ والدِّيباج
مِنْ كلّ فائِقةِ الجمال كَدُميَةٍ * من لؤْلُؤٍ قدْ صُوِّرَتْ في عاج
تمشي وَتُرفِلُ في الثِّيابِ كأَنَّها * غُصْنٌ تَرَنَّحَ في نَقاً رجَّراج
حفَّتْ بهن مَناصلٌ وذَوابلٌ * ومَشَتْ بهنَّ ذَواملٌ وَنواجي
فيهن هَيفاءُ القَوامِ كأَنها * فُلكٌ مُشرَّعةٌ على الـأَمواج
خطَفَ الظَّلامُ كسارقٍ من شعرها * فكأَنَّما قرَنَ الدُّجى بدَياجي
أبْصَرْتُ ثمَّ هَويتُ ثمَّ كَتَمْتُ ما * أَلقى وَلمْ يَعْلَمْ بذَاكَ مُناجي
فوَصلْتُ ثمَّ قَدَرْتُ ثمَّ عَفَفْتُ من * شرَفٍ تناهى بي إلى الإنضاج
**********
لِمَنْ طَللٌ بوَادِي الرَّمْلِ بالي * مَحتْ آثارَهُ ريحُ الشمالِ
وَقَفتُ به وَدَمْعي مِنْ جُفُوني * يَفيضُ على مَغانيهِ الخَوالي
أُسائِلُ عَنْ فَتاةِ بني قُرادٍ * وعنْ أتْرابها ذَاتِ الجمال
وكَيفَ يُجيبني رَسْمٌ مُحيلٌ * بعيدٌ لا يَرُدُّ على سُؤَالي
إذا صاحَ الغُرابُ به شجاني * وأجرى أدْمُعي مِثلَ اللآلي
وأخبرني بأَصْنافِ الرَّزايا * وبالـهِجْرانِ منْ بعد الوصال
غُرابَ البيْنِ ما لكَ كلَّ يوْمٍ * تُعاندُني وقد أشغلْتَ بالي
كأَنِّي قد ذَبحتُ بحدِّ سيْفي * فراخَكَ أوْ قَنَصْتُكَ بالحبال
وخبّرْ عنْ عُبيْلةَ أَيْنَ حلّت * وما فعلتْ بها أيدِي اللَّيالي
أنا دَمْعي يَفيضُ وأَنْتَ باكٍ * بلاَ دَمْعٍ فذَاكَ بُكاءُ سالِ
لَحى اللـه الفِراقَ ولاَ رَعاهُ * فَكَمْ قدْ شَكَّ قلبي بالنّبال
أُقاتِلُ كلَّ جبَّارٍ عَنيدٍ * ويَقْتُلْني الفِراقُ بلا قِتالِ
**********
سلا القلب عما كان يهوى ويطلب * وأصبح لا يشكو ولا يتعتب
صحا بعد سكر وانتخى بعد ذلة * وقلب الذي يهوى العلا يتقلب
إلى كم أداري من تريد مذلتي * وأبذل جهدي في رضاها وتغضب
عبيلة أيام الجمال قليلة * لها دولة معلومة ثم تذهب
فلا تحسبي أني على البعد نادم * ولا القلب في نار الغرام معذب
وقد قلت إني قد سلوت عن الهوى * ومن كان مثلي لا يقول ويكذب
هجرتك فامضي حيث شئت وجربي * من الناس غيري فاللبيب يجرب
لقد ذل من أمسي على ربع منزل * ينوح على رسم الديار ويندب
وقد فاز من في الحرب أصبح جائل * يطاعن قرنا والغبار مطنب
نديمي رعاك الله قم عن لي على * كؤوس المنايا من دم حين أشرب
ولا تسقني كأس المدام فإنها * يضل بها عقل الشجاع ويذهب
**********
قيس بن الخطيم
رَدَّ الخَلِيطُ الجِمَالَ فانْصَرَفُوا * ماذَا عَلَيْهِمْ لَوَ انّهُمْ وَقَفُوا
لَوْ وَقَفُوا ساعةً نُسَائلُهُمْ * رَيْثَ يُضَحّي جِمَالَهُ السَّلَفُ
فِيهِمْ لَعُوبُ العِشاء آنِسَهُ الـ * ـدَّلّ، عَرُوبٌ يَسُوءُها الخُلُفُ
بَيْنَ شُكولِ النّساء خِلْقَتُها * قَصْدٌ، فَلا جَبْلَةٌ وَلا قَضَفُ
تَنامُ عَنْ كُبْرِ شَأنِها فإذا * قَامَتْ رُوَيْداً تَكادُ تَنْغَرِفُ
حَوْراءُ جَيْداءُ يُسْتَضاء بها * كأنّها خُوطُ بَانَةٍ قَصِفُ
تَمْشي كمَشْيِ الزَّهراء في دَمَثِ الـ * ـرَّمْلِ إلى السّهْلِ دونَهُ الجُرُفُ
ولا يَغِثُّ الحَدِيثُ ما نَطَقَتْ * وَهْوَ بِفِيها ذُو لَذَّةٍ طَرِفُ
تَخْزُنُهُ وَهْوَ مُشْتَهًى حَسَنٌ * وَهْوَ إذا ما تَكَلّمَتْ أُنُفُ
يا عبلَ لولا الخيالُ يطرقُني * قضيْتُ لَيلي بالنوحِ والسَّهَرِ
يا عبلَ كَمْ فِتْنةٍ بَليتُ بها * وخُضتُها بالمُهنَّدِ الذَّكر
والخيلُ سُودُ الوجوه كالحةٌ * تخوضُ بحْرَ الـهلاَكِ والخطَر
أُدَافعُ الحادثاتِ فيكِ ولاَ * أُطيق دفعَ القَضاءِ والقَدَرِ
بَلْ لَيْتَ أهْلي وأهْلَ أَثْلَةَ في * دارٍ قَرِيبٍ مِنْ حَيْثُ تَخْتَلِفُ
أَيْهاتَ مَنْ أهْلُهُ بِيَثْرِبَ قَدْ * أمْسَى وَمَنْ دُونَ أهْلِهِ سَرِفُ
يا رَبِّ لا تُبْعِدَنْ دِيارَ بَني * عُذْرَة حَيْثُ انصرَفْتُ وانصرَفوا
أبْلِغْ بَني جَحْجَبَى وَقَوْمَهُمُ * خَطْمَةَ أنّا وَرَاءهُمْ أُنُفُ
وأنّنا دُونَ ما يَسومُهُمُ الـأعـ * ـداءُ مِنْ ضَيْمِ خُطّةٍ نُكُفُ
نَفْلي بِحَدّ الصَّفِيحِ هامَهُمُ * وَفَلْيُنا هَامَهُمْ بِنا عُنُفُ
**********
قيس بن الملوح
تذكرت ليلى والسنين الخواليا * وأيام لا تخشى على اللهو ناهيا
ويوم كظل الرمح قصرت ظله * بليلى فلهاني وما كنت ناسيا
" بتمدين " لاحت نار ليلى وصحبتي * " بذات الغضى " نزجي المطي النواجيا
فقال بصير القوم ألمحت كوكبا * بدا في سواد الليل فردا يمانيا
فقلت له : بل نار ليلى توقدت * " بعليا " تسامى ضوؤها فبدا ليا
فليت ركاب القوم لم تقطع الغضى * وليت " الغضى " ما شى الركاب لياليا
فيا ليل كم من حاجة لي مهمة * إذا جئتكم بالليل لم أدر ما هيا
خليلي إن لا تباكياني ألتمس * خليلا إذا أنزفت دمعي بكي ليا
فما أشرف الأيفاع إلا صبابة * ولا أنشد الأشعار إلا تداويا
وقد يجمع الله الشتيتين بعدما * يظنان كل الظن أن لا تلاقيا
**********
قيس بن ذريح
عفا سرف من أهله فسراوع * فجنبا أريك فالتلاع الدوافع
لعل لبيني أن يحم لقاؤها * ببعض البلاد إن ما حم واقع
بجزع من الوادي خلا عن أنيسه * عفا وتخطته العيون الخوادع
ولما بدا منها الفراق كما بدا * بظهر الصفا الصلد الشقوق الشوائع
تمنيت أن تلقي لبيناك والمنى * تعاصيك أحيانا وحينا تطاوع
وما من حبيب وامق لحبيبه * ولا ذي هوى إلا له الدهر فاجمع
وطار غراب البين وانشقت العصا * ببين كما شق الأديم الصوانع
ألا يا غراب البين قد طرت بالذي * أحاذر من لبني فهل أنت واقع!
وإنك لو أبلغتها قليلك : اسلمي * طوت حزنا وارفض منها المدامع
أتبكي على لبني وأنت تركتها * وكنت كآت غيه وهو طائع
فلا تبكين في إثر شئ ندامة * إذا نزعته من يديك النوازع
فليس لأمر حاول الله جمعه * مشت ولا ما فرق الله جامع
طمعت بلبني أن تريع وإنما * تقطع أعناق الرجال المطامع
كأنك لم تقنع إذا لم تلاقها * وإن تلقها فالقلب راض وقانع
فيا قلب خبرني إذا شطت النوى * بلبني وصدت عنك ما أنت صانع
أتصبر للبين المشت مع الجوى * أم أنت امرؤ ناسي الحياء فجازع
فما أنا إن بانت لبيني بهاجع * إذا ما استقلت بالنيام المضاجع
وكيف ينام المرء مستشعر الجوى * ضجيع الأسى فيها نكاس روادع
فلا خير في الدنيا إذا لم تواتنا * لبيني ولم يجمع لنا الشمل جامع
أليست لبين تحت سقف يكنها * وإياي هذا إن نأت لي نافع
ويلبسنا الليل البهيم إذا دجا * ونبصر ضوء الصبح والفجر ساطع
تطاتحت رجليها بساطا وبعضه * أطاه برجلي ليس يطويه مانع
وأفرح إن أمست بخير وإن يكن * بها الحدث العادي توعني الروائع
كأنك بدع لم تر الناس قبلها * ولم يطلعك الدهر فيمن يطالع
فقد كنت أبكي والنوى مطمئنة * بنا وبكم من علم ما البين صانع
وأهجركم هجر البغيض وحبكم * على كبدي منه كلوم صوادع
فواكبدي من شدة الشوق والأسى * وواكبدي إني إلى الله راجع
وأعجل للإشفاق حتى يشفني * مخافة وشك البين والشمل جامع
وأعمد للأرض التي من ورائكم * لترجعني يوما إليك الرواجع
فيا قلب صبرا واعترافا لما ترى * ويا حبها قع بالذي أنت واقع
لعمري لمن أمسى وأنت ضجيعة * من الناس ما اختيرت عليه المضاجع
ألا تلك لبنى قد تراخى مزارها * وللبين غم ما يزال ينازع
إذا لم يكن إلا الجوى فكفى به * جوى خزق قد ضمنتها الأضالع
أبائنة لبنى ولم تقطع المدى * بوصل ولا صرم فييأس طامع
يظل نهار الوالهين نهاره * وتهدنه في النائمين المضاجع
سواء فليلي من نهاري وإنما * تقسم بين الهالكين المصارع
ولولا رجاء القلب أن تسعف النوى * لما حملته بينهن الأضالع
له وجبات إثر لبنى كأنها * شقائق برق في السحاب لوامع
نهاري نهار الناس حتى إذا دجا * لي الليل هزتني إليك المضاجع
أقضي نهاري بالحديث وبالمنى * ويجمعني والهم بالليل جامع
لقد ثبتت في القلب منك مودة * كما تثبتت في الراحتين الأصابع
أبى الله أن يلقى الرشاد متيم * ألا كل أمر حم لابد واقع
هما برحا بي معولين كلاهما * فؤاد وعين جفنها - الدهر - دامع
إذا نحن أنفدنا البكاء عشية * فموعدنا قرن من الشمس طالع
وللحب آيات تبين بالفتى * شحوب وتعرى من يديه الأشاجع
وما كل ما منتك نفسك خاليا * تلاقي ولا كل الهوى أنت تابع
تداعت له الأحزان من كل وجهة * فحن كما حن الظؤار السواجع
وجانب قرب الناس يخلو بهمه * وعاوده فيها هيام مراجع
أراك اجتنبت الحي من غير بغضة * ولو شئت لم تجنح إليك الأصابع
كأن بلاد الله ما لم تكن بها * وإن كان فيها الخلق قفر بلاقع
ألا إنما أبكي لما هو واقع * وهل جزع من وشك بينك نافع
أحال على الدهر من كل جانب * ودامت فلم تبرح على الفجائع
فمن كان محزونا غدا لفراقنا * فملآن فليبك لما هو واقع
**********
جفون العذارى من خلال البراقع * أحد من البيض الرقاق القواطع
إذا جردت ذل الشجاع وأصبحت * محاجره قرحى بفيض المدامع
سقى الله عمي من يد الموت جرعة * وشلت يداه بعد قطع الأصابع
كما قاد مثلي بالمحال إلى الردى * وعلق آمالي بذيل المطامع
لقد ودعتني عبلة يوم بينها * وداع يقين أنني غير راجع
وناحت وقالت كيف تصبح بعدنا * إذا غبت عنا في القفار الشواسع
وحقك لا حاولت في الدهر سلوة * ولا غيرتني عن هواك مطامعي
فكن واثقا مني بحسن مودة * وعش ناعما في غبطة غير جازع
فقلت لها يا عبل إني مسافر * ولو عرضت دوني حدود القواطع
خلقنا لهذا الحب من قبل يومنا * فما يدخل التفنيد فيه مسامعي
أيا علم السعدى هل أنا راجع * وانظر في قطريك زهر الأراجع
وتبصر عيني الربوتين وحاجرا * وسكان ذاك الجرع بين المراتع
وتجمعنا أرض الشربة واللوى * ونرتع في أكناف تلك المرابع
فيا نسمات البان بالله خبري * عبيلة عن رحلي بأي المواضع
ويا برق بلغها الغداة تحيتي * وحي دياري في الحمى ومضاجعي
وحقك أشجاني التباعد بعدكم * فهل أنتم أشجاكم البعد من بعدي
**********
رَمَتِ الفُؤَادَ مَلِيحَةٌ عَذْرَاءُ * بِسِهَامِ لَحْظٍ ما لَهُنَّ دَوَاءُ
مَرَّتْ أوَانَ العِيدِ بَيْنَ نَوَاهِدٍ * مِثْلِ الشُّمُوسِ لِحَاظُهُنَّ ظِبَاءُ
فاغْتَالَني سَقَمِي الَّذِي في بَاطِني * أخْفَيْتُهُ فأَذَاعَهُ الإخْفَاءُ
خَطَرَتْ فَقُلْتُ قَضِيبُ بَانٍ حَرّكَتْ * أعْطَافَهعُ بَعْدَ الجَنُوبِ صَبَاءُ
وَرَنَتْ فَقُلْتُ غَزَالةٌ مَذْعُورَةٌ * قَدْ رَاعَهَا وَسْطَ الفلاَةِ بلاَءُ
وَبَدَتْ فَقُلْتُ البَدْرُ ليْلَةَ تِمِّهِ * قدْ قلَّدَتْهُ نُجُومَهَا الجَوْزَاءُ
بسَمَتْ فلاَحَ ضياءُ لؤلؤ ثَغْرِها * فِيهِ لِدَاءِ العَاشِقِينَ شِفَاءُ
سَجَدَتْ تُعَظِّمُ رَبَّها فَتَمايلَتْ * لِجَلاَلِها أَرْبابُنا العُظَمَاءُ
يَا عَبْلَ مِثْلُ هَواكِ أَوْ أَضْعَافُهُ * عِنْدي إذَا وَقَعَ الإيَاسُ رَجَاءُ
إن كَانَ يُسْعِدُنِي الزَّمَانُ فإنَّني * في هِمَّتي لِصُرُوفِهِ أزراءُ
**********
إذا الريحُ هبَّتْ منْ ربى العلم السعدي * طَفا برْدُها حرَّ الصبابةِ والوَجدِ
وذكَّرني قوْماً حَفِظتُ عهُودَهُمْ * فما عَرفُوا قَدري ولاَ حَفِظُوا عهدي
ولولاَ فتاةٌ في الخيامِ مُقيمَةٌ * لما اختَرْتُ قربَ الدَّار يوماً على البعدِ
مُهفْهَفةٌ والسِّحرُ من لَحظاتها * إذا كلَّمتْ ميْتاً يقُوم منَ اللَّحْدِ
أشارتْ إليها الشَّمْسُ عِنْد غرُوبها * تقُول: إذا اسودَّ الدُّجى فاطْلعي بعدي
وقال لـها البدْرُ المنير ألاَ اسْفري * فإنَّك مثْلي في الكَمال وفي السَّعْدِ
فوَلّتْ حياءً ثم أَرْخَتْ لِثامَها * وقد نثرَتْ منْ خَدِّها رطِبَ الورْد
وَسَلَّتْ حُساماً من سَواجي جفُونها * كسيْفِ أبيها القاطع المرهفِ الحدّ
تُقاتلُ عيناها به وَهْوَ مُغمدٌ * ومنْ عَجبٍ أنْ يَقْطع السَّيْفُ في الغِمْدِ
مُرنِّحةُ الـأَعطاف مَهْضومةُ الحَشا * منَعَّمة الـأَطْرافِ مائسة القَدِّ
يبيتُ فُتاتُ المسْكِ تحتَ لثامها * فيزدادُ منْ أنْفاسها أرَجُ النَّدِّ
ويطْلُع ضَوءُ الصبْح تَحتَ جَبينها * فيغْشاهُ ليلٌ منْ دجى شَعرها الجَعد
وبين ثناياها إذا ما تَبسَّمتْ * مديرُ مُدامٍ يَمزجُ الرَّاحَ بالشَّهد
شكا نَحْرُها منْ عِقدها متظلِّماً * فَواحَربا منْ ذلكَ النَّحْر والعقْدِ
فهلْ تسمَحُ الـأَيامُ يا ابْنةَ مالكٍ * بوَصْلٍ يُدَاوي القَلْبَ منْ ألم الصَّدِّ
سأَحْلُم عنْ قومي ولو سَفكوا دمي * وأجرعُ فيكِ الصَّبرَ دونَ الملا وحدي
وحَقّكِ أَشْجاني التَّباعدُ بعدكم * فهل أنتمُ أشْجاكُم البُعدُ منْ بعدي
حَذِرْتُ من البيْن المفرِّق بيْننا * وقد كانَ ظنِّي لا أُفارقكمْ جَهدي
فإنْ عاينت عيني المَطايا وركْبها * فرشتُ لدَى أخْفافها صَفحةَ الخدّ
**********
لعُوبٌ بأَلْبابِ الرّجال كأَنَّها * إذا أَسْفَرَتْ بَدْرٌ بدا في المَحَاشِدِ
شَكَتْ سَقَماً كيْما تُعَادَ وما بها * سِوَى فَتْرةِ العيْنَين سقْمٌ لِعائِدِ
منَ البيض لا تلْقاكَ إلاَّ مَصونَةً * وتمْشي كَغُصْنِ البانِ بينَ الولائِدِ
كأَنَّ الثُّريَّا حينَ لاحَتْ عَشيَّةً * على نَحْرِها مَنْظُومَةٌ في القَلائِدِ
منَعَّمةُ الـأَطْرافِ خَوْدٌ كأَنَّها * هِلالٌ على غُصْنٍ من البانِ مائِدِ
حَوَى كلَّ حُسْنٍ في الكَوَاعِبِ شَخْصُها * فليْسَ بها إلاَّ عُيوبُ الحَواسد
إذا كانَ دمْعي شاهدي كيفَ أجْحَدُ * ونارُ اشْتياقي في الحَشا تَتَوَقَّد
وهيْهاتَ يَخْفى ما أُكِنُّ مِنَ الـهَوَى * وثَوْبُ سَقامي كلَّ يوْمٍ يُجدَّدُ
أُقاتِلُ أشواقي بصبْري تجلّداً * وقَلبيَ في قَيْدِ الغَرامِ مُقَيَّد
إلى اللـه أشكُو جَوْرَ قَوْمي وظُلْمَهُمْ * إذا لم أجِدْ خِلاً على البُعد يَعْضُدُ
خَليلَيَّ أمسى حُبُّ عبلةَ قاتِلي * وبأْسِي شديدٌ والحُسامُ مُهَنَّدُ
حَرامٌ عليّ النَّوْمُ يا ابنَةَ مالكِ * ومَنْ فَرْشُهُ جمْرُ الغَضا كيْف يَرْقُدُ
سأَنْدبُ حتى يَعْلَم الطَّيْرُ أنني * حَزينٌ ويَرْثي لي الحمامُ المغَرِّدُ
وأَلثِمُ أرْضاً أنْتِ فيها مقيمَةٌ * لَعَلَّ لَهيبي مِنْ ثرى الـأَرضِ يَبْرُدُ
رَحَلْتِ وقلْبي يا ابْنَةَ العمِّ تائهٌ * على أثَرِ الـأَظْعَانِ للرِّكْب يَنْشدُ
لئنْ تَشْمَتِ الـأَعداءُ يا بنْتَ مالكٍ * فإن ودادي مثْلما كانَ يُعهَدُ
**********
ذَنبي لِعبْلةَ ذنبٌ غير مغتفرِ * لمّا تَبلَّجَ صبُح الشَّيبِ في شعري
رَمتْ عُبيلةُ قلْبي من لواحِظِها * بكُلِّ سهْم غريق النَّزعْ في الحَوَرِ
فاعْجب لـهنّ سهاماً غيْرَ طائِشَةٍ * من الجفُونِ بلا قوْسٍ ولا وَتَرِ
كم قد حفِظْتُ ذمامَ القوم من ولَهٍ * يَعْتادني لبناتِ الدَّلِّ والخَفَرِ
مُهفْهفاتٍ يَغارُ الغُصنُ حين يَرَى * قدودَها بيْنَ مَيَّادٍ ومنْهصر
يا منْزلاً أدْمعي تجري عليهِ إذا * ضَنَّ السَّحابُ على الـأَطْلال بالمطر
أرضُ الشَّربَّةِ كم قضَّيت مُبتهجاً * فيها مَعَ الغيدِ والـأَتْرابِ من وَطَرِ
أيّامَ غُصْنُ شَبابي في نعُومتِهِ * ألْهُو بما فيهه من زهرٍ ومن أَثرِ
في كلِّ يومٍ لنا من نَشْرها سَحَراً * ريحٌ شَذَاها كنَشْر الزّهر في السَّحر
وكلُّ غصنٍ قويمٍ راق منْظرهُ * ما حَظُّ عاشِقها مِنْه سوى النَّظرِ
أخْشى عليها ولَوْلا ذاكَ ما وَقَفَتْ * ركائبي بينَ وِرْدِ العَزْمِ والصَّدَرِ
كلاّ ولاَ كُنْتُ بَعد القُرْبِ مُقْتنِعاً * منها على طولِ بُعْدِ الدَّار بالخبر
هُمُ الـأَحبَّةُ إنْ خانُوا وإنْ نَقَضوا * عَهدي فما حُلْتُ عَنْ وَجْدي ولا فِكري
أَشكُو منَ الـهَجر في سِرٍّ وفي عَلَنٍ * شكْوَى تُؤَثرُ في صلْدِ منَ الحجر
**********
زارَ الخيالُ خيالُ عَبلَةَ في الكَرى * لمُتيِّم نشوانَ محلولِ العُرى
فنهضتُ أشكُو ما لَقيتُ لبُعدها * فتنفَّسَتْ مِسكاً يخالطُ عَنْبَرا
فضَممتُها كيما أقبِّلَ ثغرَها * والدَّمعُ منْ جَفنيَّ قد بلَّ الثرى
وكشفتُ بُرقُعَها فأَشرَقَ وجهُها * حتى أعادَ اللَّيلَ صُبحاً مُسفِراً
عربيَّةٌ يهْتزُّ لِينُ قوَامِها * فيخالُه العشَّاقُ رُمحاً أسمرا
محجوبةٌ بصَوارمٍ وَذَوابلٍ * سمرٌ ودُونَ خبائها أسدُ الشَّرى
يا عَبلَ إنَّ هَواكِ قد جازَ المَدى * وأنا المُعنَّى فيكِ منْ دُون الورى
يا عَبلَ حبُّكِ في عِظامي مَعَ دَمي * لمَّا جرت روحي بجمسي قدْ جرَى
وَلقد عَلِقْتُ بذَيلِ مَنْ فَخُرتْ به * عَبْسٌ وَسيْفُ أبيهِ أفنى حِمْيَرا
يا شأْسُ جرْني منْ غرامٍ قاتلٍ * أبداً أزيدُ بهِ غراماً مُسْعرا
يا شأسُ لولاَ أنّ سلْطانَ الـهوى * ماضي العَزِيمةِ ما تملّكَ عنتَرا
**********
سأُضْمِرُ وجدي في فؤَادي وأكْتُم * وأَسْهرُ ليلي والعواذلُ نوَّمُ
وأطْمعُ من دَهري بما لا أنالـهُ * وألزمُ منه ذُلَّ منْ ليسَ يرْحمُ
وأَرجو التَّداني منكِ يا ابنةَ مالكٍ * ودونَ التَّداني نارُ حَرْبٍ تُضَرَّمُ
فَمُنِّي بطيْفٍ من خيالِكِ واسأَلي * إذا عادَ عني كيفَ باتَ المتيَّمُ
ولا تَجْزَعي إنْ لَجَّ قوْمُكِ في دَمي * فما لي بعْدَ الـهجرِ لَحمٌ ولا دَمُ
ألم تسْمعي نَوْحَ الحمائِم في الدجى * فمنْ بَعضِ أشْجاني وَنَوْحي تعلّموا
ولم يبْقَ لي يا عبلَ شخْصٌ معَرَّفٌ * سوى كبدٍ حَرَّى تذوبُ فأَسقمُ
وتلكَ عِظامٌ بالياتٌ وأَضْلعٌ * على جلدِها جيْشُ الصُّدودِ مخيِّمُ
وإنْ عشْتُ منْ بَعد الفراقِ فما أنا * كما أدَّعي أني بعبلةَ مُغْرَمُ
وإنْ نامَ جفني كانَ نوْمي عُلاَلةً * أقولُ: لعلَّ الطَّيْفَ يأْتي يُسلِّمُ
أَحِنُّ إلى تلكَ المنازلِ كلّما * غدَا طائرٌ في أيكَةٍ يترَنَّمُ
بكيتُ من البيْنِ المُشِتِّ وإنني * صبُورٌ على طعْن القَنا لو عَلمتُمُ
**********
لمن الشُّمُوسُ عزيزَةُ الـأَحداج * يَطْلُعنَ بينَ الوشْيِ والدِّيباج
مِنْ كلّ فائِقةِ الجمال كَدُميَةٍ * من لؤْلُؤٍ قدْ صُوِّرَتْ في عاج
تمشي وَتُرفِلُ في الثِّيابِ كأَنَّها * غُصْنٌ تَرَنَّحَ في نَقاً رجَّراج
حفَّتْ بهن مَناصلٌ وذَوابلٌ * ومَشَتْ بهنَّ ذَواملٌ وَنواجي
فيهن هَيفاءُ القَوامِ كأَنها * فُلكٌ مُشرَّعةٌ على الـأَمواج
خطَفَ الظَّلامُ كسارقٍ من شعرها * فكأَنَّما قرَنَ الدُّجى بدَياجي
أبْصَرْتُ ثمَّ هَويتُ ثمَّ كَتَمْتُ ما * أَلقى وَلمْ يَعْلَمْ بذَاكَ مُناجي
فوَصلْتُ ثمَّ قَدَرْتُ ثمَّ عَفَفْتُ من * شرَفٍ تناهى بي إلى الإنضاج
**********
لِمَنْ طَللٌ بوَادِي الرَّمْلِ بالي * مَحتْ آثارَهُ ريحُ الشمالِ
وَقَفتُ به وَدَمْعي مِنْ جُفُوني * يَفيضُ على مَغانيهِ الخَوالي
أُسائِلُ عَنْ فَتاةِ بني قُرادٍ * وعنْ أتْرابها ذَاتِ الجمال
وكَيفَ يُجيبني رَسْمٌ مُحيلٌ * بعيدٌ لا يَرُدُّ على سُؤَالي
إذا صاحَ الغُرابُ به شجاني * وأجرى أدْمُعي مِثلَ اللآلي
وأخبرني بأَصْنافِ الرَّزايا * وبالـهِجْرانِ منْ بعد الوصال
غُرابَ البيْنِ ما لكَ كلَّ يوْمٍ * تُعاندُني وقد أشغلْتَ بالي
كأَنِّي قد ذَبحتُ بحدِّ سيْفي * فراخَكَ أوْ قَنَصْتُكَ بالحبال
وخبّرْ عنْ عُبيْلةَ أَيْنَ حلّت * وما فعلتْ بها أيدِي اللَّيالي
أنا دَمْعي يَفيضُ وأَنْتَ باكٍ * بلاَ دَمْعٍ فذَاكَ بُكاءُ سالِ
لَحى اللـه الفِراقَ ولاَ رَعاهُ * فَكَمْ قدْ شَكَّ قلبي بالنّبال
أُقاتِلُ كلَّ جبَّارٍ عَنيدٍ * ويَقْتُلْني الفِراقُ بلا قِتالِ
**********
سلا القلب عما كان يهوى ويطلب * وأصبح لا يشكو ولا يتعتب
صحا بعد سكر وانتخى بعد ذلة * وقلب الذي يهوى العلا يتقلب
إلى كم أداري من تريد مذلتي * وأبذل جهدي في رضاها وتغضب
عبيلة أيام الجمال قليلة * لها دولة معلومة ثم تذهب
فلا تحسبي أني على البعد نادم * ولا القلب في نار الغرام معذب
وقد قلت إني قد سلوت عن الهوى * ومن كان مثلي لا يقول ويكذب
هجرتك فامضي حيث شئت وجربي * من الناس غيري فاللبيب يجرب
لقد ذل من أمسي على ربع منزل * ينوح على رسم الديار ويندب
وقد فاز من في الحرب أصبح جائل * يطاعن قرنا والغبار مطنب
نديمي رعاك الله قم عن لي على * كؤوس المنايا من دم حين أشرب
ولا تسقني كأس المدام فإنها * يضل بها عقل الشجاع ويذهب
**********
قيس بن الخطيم
رَدَّ الخَلِيطُ الجِمَالَ فانْصَرَفُوا * ماذَا عَلَيْهِمْ لَوَ انّهُمْ وَقَفُوا
لَوْ وَقَفُوا ساعةً نُسَائلُهُمْ * رَيْثَ يُضَحّي جِمَالَهُ السَّلَفُ
فِيهِمْ لَعُوبُ العِشاء آنِسَهُ الـ * ـدَّلّ، عَرُوبٌ يَسُوءُها الخُلُفُ
بَيْنَ شُكولِ النّساء خِلْقَتُها * قَصْدٌ، فَلا جَبْلَةٌ وَلا قَضَفُ
تَنامُ عَنْ كُبْرِ شَأنِها فإذا * قَامَتْ رُوَيْداً تَكادُ تَنْغَرِفُ
حَوْراءُ جَيْداءُ يُسْتَضاء بها * كأنّها خُوطُ بَانَةٍ قَصِفُ
تَمْشي كمَشْيِ الزَّهراء في دَمَثِ الـ * ـرَّمْلِ إلى السّهْلِ دونَهُ الجُرُفُ
ولا يَغِثُّ الحَدِيثُ ما نَطَقَتْ * وَهْوَ بِفِيها ذُو لَذَّةٍ طَرِفُ
تَخْزُنُهُ وَهْوَ مُشْتَهًى حَسَنٌ * وَهْوَ إذا ما تَكَلّمَتْ أُنُفُ
يا عبلَ لولا الخيالُ يطرقُني * قضيْتُ لَيلي بالنوحِ والسَّهَرِ
يا عبلَ كَمْ فِتْنةٍ بَليتُ بها * وخُضتُها بالمُهنَّدِ الذَّكر
والخيلُ سُودُ الوجوه كالحةٌ * تخوضُ بحْرَ الـهلاَكِ والخطَر
أُدَافعُ الحادثاتِ فيكِ ولاَ * أُطيق دفعَ القَضاءِ والقَدَرِ
بَلْ لَيْتَ أهْلي وأهْلَ أَثْلَةَ في * دارٍ قَرِيبٍ مِنْ حَيْثُ تَخْتَلِفُ
أَيْهاتَ مَنْ أهْلُهُ بِيَثْرِبَ قَدْ * أمْسَى وَمَنْ دُونَ أهْلِهِ سَرِفُ
يا رَبِّ لا تُبْعِدَنْ دِيارَ بَني * عُذْرَة حَيْثُ انصرَفْتُ وانصرَفوا
أبْلِغْ بَني جَحْجَبَى وَقَوْمَهُمُ * خَطْمَةَ أنّا وَرَاءهُمْ أُنُفُ
وأنّنا دُونَ ما يَسومُهُمُ الـأعـ * ـداءُ مِنْ ضَيْمِ خُطّةٍ نُكُفُ
نَفْلي بِحَدّ الصَّفِيحِ هامَهُمُ * وَفَلْيُنا هَامَهُمْ بِنا عُنُفُ
**********
قيس بن الملوح
تذكرت ليلى والسنين الخواليا * وأيام لا تخشى على اللهو ناهيا
ويوم كظل الرمح قصرت ظله * بليلى فلهاني وما كنت ناسيا
" بتمدين " لاحت نار ليلى وصحبتي * " بذات الغضى " نزجي المطي النواجيا
فقال بصير القوم ألمحت كوكبا * بدا في سواد الليل فردا يمانيا
فقلت له : بل نار ليلى توقدت * " بعليا " تسامى ضوؤها فبدا ليا
فليت ركاب القوم لم تقطع الغضى * وليت " الغضى " ما شى الركاب لياليا
فيا ليل كم من حاجة لي مهمة * إذا جئتكم بالليل لم أدر ما هيا
خليلي إن لا تباكياني ألتمس * خليلا إذا أنزفت دمعي بكي ليا
فما أشرف الأيفاع إلا صبابة * ولا أنشد الأشعار إلا تداويا
وقد يجمع الله الشتيتين بعدما * يظنان كل الظن أن لا تلاقيا
**********
قيس بن ذريح
عفا سرف من أهله فسراوع * فجنبا أريك فالتلاع الدوافع
لعل لبيني أن يحم لقاؤها * ببعض البلاد إن ما حم واقع
بجزع من الوادي خلا عن أنيسه * عفا وتخطته العيون الخوادع
ولما بدا منها الفراق كما بدا * بظهر الصفا الصلد الشقوق الشوائع
تمنيت أن تلقي لبيناك والمنى * تعاصيك أحيانا وحينا تطاوع
وما من حبيب وامق لحبيبه * ولا ذي هوى إلا له الدهر فاجمع
وطار غراب البين وانشقت العصا * ببين كما شق الأديم الصوانع
ألا يا غراب البين قد طرت بالذي * أحاذر من لبني فهل أنت واقع!
وإنك لو أبلغتها قليلك : اسلمي * طوت حزنا وارفض منها المدامع
أتبكي على لبني وأنت تركتها * وكنت كآت غيه وهو طائع
فلا تبكين في إثر شئ ندامة * إذا نزعته من يديك النوازع
فليس لأمر حاول الله جمعه * مشت ولا ما فرق الله جامع
طمعت بلبني أن تريع وإنما * تقطع أعناق الرجال المطامع
كأنك لم تقنع إذا لم تلاقها * وإن تلقها فالقلب راض وقانع
فيا قلب خبرني إذا شطت النوى * بلبني وصدت عنك ما أنت صانع
أتصبر للبين المشت مع الجوى * أم أنت امرؤ ناسي الحياء فجازع
فما أنا إن بانت لبيني بهاجع * إذا ما استقلت بالنيام المضاجع
وكيف ينام المرء مستشعر الجوى * ضجيع الأسى فيها نكاس روادع
فلا خير في الدنيا إذا لم تواتنا * لبيني ولم يجمع لنا الشمل جامع
أليست لبين تحت سقف يكنها * وإياي هذا إن نأت لي نافع
ويلبسنا الليل البهيم إذا دجا * ونبصر ضوء الصبح والفجر ساطع
تطاتحت رجليها بساطا وبعضه * أطاه برجلي ليس يطويه مانع
وأفرح إن أمست بخير وإن يكن * بها الحدث العادي توعني الروائع
كأنك بدع لم تر الناس قبلها * ولم يطلعك الدهر فيمن يطالع
فقد كنت أبكي والنوى مطمئنة * بنا وبكم من علم ما البين صانع
وأهجركم هجر البغيض وحبكم * على كبدي منه كلوم صوادع
فواكبدي من شدة الشوق والأسى * وواكبدي إني إلى الله راجع
وأعجل للإشفاق حتى يشفني * مخافة وشك البين والشمل جامع
وأعمد للأرض التي من ورائكم * لترجعني يوما إليك الرواجع
فيا قلب صبرا واعترافا لما ترى * ويا حبها قع بالذي أنت واقع
لعمري لمن أمسى وأنت ضجيعة * من الناس ما اختيرت عليه المضاجع
ألا تلك لبنى قد تراخى مزارها * وللبين غم ما يزال ينازع
إذا لم يكن إلا الجوى فكفى به * جوى خزق قد ضمنتها الأضالع
أبائنة لبنى ولم تقطع المدى * بوصل ولا صرم فييأس طامع
يظل نهار الوالهين نهاره * وتهدنه في النائمين المضاجع
سواء فليلي من نهاري وإنما * تقسم بين الهالكين المصارع
ولولا رجاء القلب أن تسعف النوى * لما حملته بينهن الأضالع
له وجبات إثر لبنى كأنها * شقائق برق في السحاب لوامع
نهاري نهار الناس حتى إذا دجا * لي الليل هزتني إليك المضاجع
أقضي نهاري بالحديث وبالمنى * ويجمعني والهم بالليل جامع
لقد ثبتت في القلب منك مودة * كما تثبتت في الراحتين الأصابع
أبى الله أن يلقى الرشاد متيم * ألا كل أمر حم لابد واقع
هما برحا بي معولين كلاهما * فؤاد وعين جفنها - الدهر - دامع
إذا نحن أنفدنا البكاء عشية * فموعدنا قرن من الشمس طالع
وللحب آيات تبين بالفتى * شحوب وتعرى من يديه الأشاجع
وما كل ما منتك نفسك خاليا * تلاقي ولا كل الهوى أنت تابع
تداعت له الأحزان من كل وجهة * فحن كما حن الظؤار السواجع
وجانب قرب الناس يخلو بهمه * وعاوده فيها هيام مراجع
أراك اجتنبت الحي من غير بغضة * ولو شئت لم تجنح إليك الأصابع
كأن بلاد الله ما لم تكن بها * وإن كان فيها الخلق قفر بلاقع
ألا إنما أبكي لما هو واقع * وهل جزع من وشك بينك نافع
أحال على الدهر من كل جانب * ودامت فلم تبرح على الفجائع
فمن كان محزونا غدا لفراقنا * فملآن فليبك لما هو واقع