شروط " لا إله إلا الله "

الحالة
مغلق ولا يسمح بالمزيد من الردود.

صهيب الرومي

:: عضو بارز ::
أحباب اللمة
إنضم
28 جانفي 2008
المشاركات
3,616
نقاط التفاعل
18
النقاط
157
الجنس
ذكر
بسم الله الرحمان الرحيم

معنى لا إله إلا الله

عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

( من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , وأن محمدا عبده ورسوله , وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم , وروح منه , والجنة حق , والنار حق , أدخله الله الجنة على ماكان من العمل ) أخرجاه .

عبادة بن الصامت بن قيس الأنصاري الخزرجي أبو الوليد , أحد النقباء , بدري مشهور . مات بالرملة سنة أربع وثلاثين , وله اثنتان وسبعون . وقيل عاش إلى خلافة معاوية رضي الله عنه .

قوله :
(
من شهد أن لا إله إلا الله )

أي : من تكلم بها عارفا لمعناها , عاملا بمقتضاها , باطنا وظاهرا , فلا بد في الشهادتين من
العلم واليقين والعمل بمدلولهما , كما قال الله تعالى :( فاعلم أنه لا إله إلا الله ) ـ محمد ـ 19 ـ .
وقوله :( إلا من شهد بالحق وهم يعلمون ) ـ الزخرف ـ 86 ـ . أما النطق بها من غير معرفة لمعناها ولا يقين ولا عمل بما تقتضيه :
من البراءة من الشرك , وإخلاص القول والعمل : قول القلب واللسان , وعمل القلب والجوارح , فغير نافع بالإجماع . .

قال القرطبي في المفهم على صحيح مسلم : ( باب لا يكفي مجرد التلفظ بالشهادتين , بل لا بد من استيقان القلب ) : " هذه الترجمة تنبيه على فساد مذهب غلاة المرجئة , القائلين بأن التلفظ بالشهادتين كاف في الإيمان , وأحاديث هذا الباب تدل على فساده , بل هو مذهب معلوم الفساد من الشريعة لمن وقف عليها , ولأنه يلزم منه تسويغ النفاق , والحكم للمنافق بالإيمان الصحيح , وهو باطل قطعا " ا هـ .

وفي هذا الحديث ما يدل على هذا , وهو قوله : ( من شهد ) , فإن الشهادة لا تصح إلا إذا كانت عن
علم ويقين وإخلاص وصدق .

قال النووي :" هذا حديث عظيم جليل الموقع , وهو أجمع ـ أو من أجمع ـ الأحاديث المشتملة على العقائد ؛ فإنه صلى الله عليه وسلم جمع فيه ما يخرج من ملل الكفر على اختلاف عقائدهم وتباعدها , فاقتصر صلى الله عليه وسلم في هذه الأحرف على ما يباين جميعهم " . ا هـ .

ومعنى" لا إله إلا الله " لا معبود بحق إلا الله , وهو في غير موضع من القرآن . ويأتيك في قول البقاعي صريحا .

قوله : ( وحده ) تأكيد الإثبات , " لا شريك له " تأكيد للنفي . قاله الحافظ . كما قال تعالى :( وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمان الرحيم ) ـ البقرة ـ 163 ـ . وقال ( وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون ) ـ الأنبياء ـ 25 ـ . وقال : ( وإلى عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ) ـ الأعراف ـ 65 ـ . فأجابوه ردا عليه بقولهم : ( أجئتنا لنعبد الله وحده , ونذر ما كان يعبد آباؤنا ) ؟ ـ الأعراف ـ 70 ـ . وقال تعالى : ( ذلك بأن الله هو الحق , وأن ما يدعون من دونه هو الباطل وأن الله هو العلي الكبير ) ـ الحج ـ 62 ـ .

فتضمن نفي الإلهية عما سوى الله . وهي العبادة , وإثباتها لله وحده لا شريك له , والقرآن من أوله إلى آخره يبين هذا ويقرره ويرشد إليه .

فالعبادة بجميع أنواعها إنما تصدر عن تأله القلب
بالحب والخضوع والتذلل . رغبا ورهبا , وهذا كله لا يستحقه إلا الله تعالى , كما تقدم في أدلة هذا الباب وما قبله . فمن صرف من ذلك شيئا لغير الله فقد جعله لله ندا , فلا ينفعه مع ذلك قول ولا عمل .

ذكر كلام العلماء في معنى " لا إله إلا الله " :

قد تقدم كلام ابن عباس . وقال الوزير أبو المظفر في الإفصاح : " قوله : شهادة أن لا إله إلا الله يقتضي أن يكون الشاهد
عالما بأنه لا إله إلا الله , كما قال تعالى ( فاعلم أنه لا إله إلا الله ) ـ محمد ـ 19 ـ قال : وإسم " الله " مرتفع بعد " إلا " من حيث أنه الواجب له الإلهية , فلا يستحقها غيره سبحانه " . قال : " وجملة الفائدة في ذلك : أن تعلم أن هذه الكلمة مشتملة على الكفر بالطاغوت والإيمان بالله , فإنك لما نفيت الإلهية وأثبت الإيجاب لله سبحانه كنت ممن كفر بالطاغوت وآمن بالله " .

وقال ابن القيم في البدائع ردا لقول من قال : إن المستثنى مخرج من المستثنى منه . قال ابن القيم :" بل هو مخرج من المستثنى منه وحكمه , فلا يكون داخلا في المستثنى ؛ إذ لو كان كذلك لم يدخل الرجل في الإسلام بقوله :" لا إله إلا الله " لأنه لم يثبت الإلهية لله تعالى . وهذه أعظم كلمة تضمنت بالوضع نفي الإلهية عما سوى الله , وإثباتها له بوصف الإختصاص . فدلالتها على إثبات إلهية أعظم من دلا لة قولنا : " الله إله " ولا يستريب أحد في هذا البتة " . انتهى بمعناه .

وقال أبو عبد الله القرطبي في تفسيره لا إله إلا الله " أي لا معبود إلا هو "
وقال الزمخشري : " الإله : من أسماء الأجناس , كالرجل والفرس , يقع على كل معبود بحق أو باطل , ثم غلب على المعبود بحق "

وقال شيخ الإسلام :" الإله : هو المعبود المطاع ؛ فإن الإله هو المألوه . والمألوه هو الذي يستحق أن يعبد , وكونه يستحق أن يعبد هو بما اتصف به من الصفات التي تستلزم ان يكون هو المحبوب غاية الحب , المخضوع له غاية الخضوع , قال : فإن الإله هو المحبوب المعبود الذي تألهه القلوب بحبها , وتخضع له وتذل له , وتخافه وترجوه . وتنيب إليه في شدائدها , وتدعوه في مهماتها , وتتوكل عليه في مصالحها , وتلجأ إليه وتطمئن بذكره وتسكن الى حبه , وليس ذلك إلا لله وحده , ولهذا كانت " لا إله إلا الله " أصدق الكلام , وكان أهلها أهل الله وحزبه , والمنكرون لها أعداؤه وأهل غضبه ونقمته , فإذا صحت صح بها كل مسألة وحال وذوق , وإذا لم يصححها العبد , فالفساد لازم في علومه وأعماله .

وقال ابن القيم : " الإله : هو الذي تألهه القلوب محبة وإجلالا وإنابة , وإكراما وتعظيما , وذلا وخضوعا ,وخوفا ورجاءا وتوكلا " .

وقال ابن رجب :" الإله " هو الذي يطاع فلا يعصى , هيبة له وإجلالا , ومحبة وخوفا ورجاء وتوكلا عليه , وسؤالا منه ودعاء له , ولا يصلح هذا كله إلا لله عز وجل . فمن أشرك مخلوقا في شيء من هذه الأمور التي هي من خصائص الإلهية , كان ذلك قدحا في اخلاصه في قول :" لا إله إلا الله " [ ونقصا في توحيده ] , وكان فيه من عبودية المخلوق , بحسب ما فيه من ذلك "

وقال البقاعي : " لا إله إلا الله " أي انتفاء عظيما أن يكون معبود بحق غير الملك الأعظم , فان هذا العلم هو أعظم الذكرى المنجية من أهوال الساعة , وإنما يكون علما إذا كان نافعا , وانما يكون نافعاإذا كان مع الإذعان والعمل بما تقتضيه , وإلا فهو جهل صرف "

وقال الطيبي : " الإله فعال بمعنى مفعول , كالكتاب بمعنى المكتوب , من إله إلهة : أي عبد عبادة " .
قال الشارح :" وهذا كثير في كلام العلماء , وإجماع منهم " .
فدلت " لا إله إلا الله " على نفي الإلهية عن كل ما سوى الله تعالى كائنا ما كان , وإثبات الإلهية لله وحده دون كل ما سواه . وهذا هو التوحيد الذي دعت اليه الرسل ودل عليه القرآن من أوله الى آخره , كما قال تعالى عن الجن ( قل أوحي الي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا , يهدي الى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا ) ـ الجن ـ 1 ـ 2 ـ فلا إله إلا الله , لا تنفع إلا من عرف مدلولها نفيا وإثباتا , واعتقد ذلك و
قبله وعمل به . وأما من قالها من غير علم واعتقاد وعمل , فقد تقدم كلام العلماء : أن هذا جهل صرف , فهي حجة عليه بلا ريب .

فقوله في الحديث ( وحده لا شريك له ) تأكيد وبيان لمضمون معناها . وقد أوضح الله ذلك وبينه في قصص الأنبياء والمرسلين في كتابه المبين , فما أجهل عباد القبور بحالهم ! وما أعظم ما وقعوا فيه من الشرك المنافي لكلمة الإخلاص " لا إله إلا الله " , فإن مشركي العرب ونحوهم جحدوا " لا إله إلا الله " لفظا ومعنى . وهؤلاء المشركون أقروا بها لفظا وجحدوها معنى , فتجد أحدهم يقولها وهو يأله غير الله بأنواع العبادة , كالحب والتعظيم , والخوف والرجاء , والتوكل والدعاء , وغير ذلك من أنواع العبادة . بل زاد شركهم على شرك العرب بمراتب , فإن أحدهم إذا وقع في شدة أخلص الدعاء لغير الله تعالى , ويعتقدون أنه أسرع فرجا لهم من الله , بخلاف حال المشركين الأولين , فإنهم كانوا يشركون في الرخاء , وأما في الشدائد فإنما يخلصون لله وحده , كما قال تعالى : ( فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم الى البر إذا هم يشركون ) الآية ـ العنكبوت ـ 65 ـ . فبهذا يتبين أن مشركي أهل هذه الأزمان أجهل بالله وبتوحيده من مشركي العرب ومن قبلهم .

وقوله : ( وأن محمدا عبده ورسوله ) أي : وشهد بذلك , وهو معطوف على ما قبله على نية تكرار العامل , ومعنى " العبد " هنا : المملوك العابد , أي : إنه مملوك لله تعالى . والعبودية الخاصة وصفه , كما قال تعالى : ( أليس الله بكاف عبده ) ـ الزمر 36 ـ فأعلى مراتب العبد العبودية الخاصة والرسالة , فالنبي صلى الله عليه وسلم أكمل الخلق في هاتين الصفتين الشريفتين . وأما الربوبية والإلهية , فهما حق الله تعالى , لا يشركه في شيء منهما ملك مقرب , ولا نبي مرسل .

وقوله : ( عبده ورسوله ) أتى بهاتين الصفتين وجمعهما دفعا للإفراط والتفريط ؛ فإن كثيرا ممن يدعي أنه من أمته أفرط بالغلو قولا وفعلا , وفرط بترك متابعته , واعتمد على الآراء المخالفة لما جاء به , وتعسف في تأويل أخباره وأحكامه , بصرفها عن مدلولها , والصدوف عن
الإنقياد لها مع إطراحها , فإن شهادة أن محمدا رسول الله تقتضي الإيمان به , وتصديقه فيما أخبر , وطاعته فيما أمر , والإنتهاء عما عنه نهى وزجر , وأن يعظم أمره ونهيه , ولا يقدم عليه قول أحد كائنا من كان . والواقع اليوم وقبله ـ ممن ينتسب إلى العلم من القضاة والمفتين ـ خلاف ذلك , والله المستعان .
ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــ
المصدر : فتح المجيد شرح كتاب التوحيد ـ ص ـ 49 ـ
للشيخ عبد الرحمان بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب النجدي الحنبلي رحمه الله .
 
بسم الله الرحمن الرحيم



مقدمة

الحمد لله الذي رضي لنا الإسلام ديناً، وأشهد أن لا إله إلا الله، إقراراً به حقًَّا يقينًا، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، الداعي إلى توحيده في العالمينَ، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين.
أما بعد:
فإن: ( لا إله إلا الله ) هي كلمة التقوى، والعروة الوثقى، وأساس الإسلام، ومفتاح دار السلام، وبها قامت الأرض والسماوات، ولأجلها خُلِقت المخلوقات، وأرسل الله رسله، وأنزل عليهم كتبه؛ فانقسم الخلق إلى مؤمنين وكفار، وقام سوق الجنة والنار، فعنها يكون السؤال والجواب، وعليها يقع العقاب والثواب، فنُصِبت الموازين، ووُضِعت الدَّواوين، وضُرِب الصِّراط؛ فمُسلَّمٌ في أعلى الجنان، ومكردسٌ في قعر النِّيران.
فالواجب على كل مسلم ومسلمة: أن يعلم معنى (لا إله إلا الله)، ويعلم ركنيها (نفيًا وإثباتًا)، وهكذا شروطها، وعليه أن يحذر من نواقضها (عياذًا بالله)؛ فالناس يتفاوتون في الإسلام بحسب تفاوتهم في (لا إله إلا الله)؛ علمًا، وعملًا، بما تدلُّ عليه مطابقةً، وتضمُّنًا، والتزامًا، واقتضاءً؛ فإن هناك من يقولها اليوم، وإنما حاله كقوله تعالى: {إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ}، ولم يُخالط الإيمان بشاشة قلبه، والله المستعان.
ولا ريب في معتقد أهل السُنَّة والجماعة أن التوحيد يكون بالقلب، واللسان، والجوارح، يزيد بالطاعة والعلم، وينقص بالمعصية والجهل، على خِلاف ما يعتقده أهل البدع والأهواء، كالمرجئة الذين يعتقدون أنه لا يضرُّ مع الإيمان ذنب؛ فيرجئون العمل عن مسمَّى الإيمان، وهكذا الخوارج فهم يعتقدون كُفر صاحب الكبيرة، وأنه مخلَّدٌ في النار- وإن كان موحِّدًا في الأصل-.
فكلٌّ من هاتين الفرقتين في طرف، وأهل السُّنَّة وسَطٌ بينهما، فلا إفراطٌ، ولا تفريط.
فنسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يجعلنا ممَّن يقول: (لا إله إلا الله) خالصًا من قلبه، ويعمل بمدلولها في الدنيا؛ فيحذر من البدعة، ويلزم السُّنَّة؛ وينجو من النَّار، ويفوز بالجنة.
كما أسأله تعالى أن يجعل هذا المؤلَّف المتواضع - الذي يحمل في طيَّاته بعضًا من معاني كلمة التوحيد: (لا إله إلا الله) - خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفعني به، وإخواني المسلمين، وأن يجعله في ميزان حسناتي يوم الدين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


أبو إبراهيم


محمد بن عبد الوهاب الوصابي العبدلي


الحديدة - مسجد السنة




 
الحالة
مغلق ولا يسمح بالمزيد من الردود.
العودة
Top