- إنضم
- 4 أوت 2008
- المشاركات
- 1,387
- نقاط التفاعل
- 4
- النقاط
- 37
مفسدات القلب الخمسة</span> </span>
</span>
قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: وأما مفسدات </span>القلب الخمسة فهي التي أشار إليها من كثرة الخلطة، والتمني، والتعلق بغير الله،</span> </span>والشبع، والمنام. فهذه الخمسة من أكبر مفسدات القلب</span> </span></span>.
المفسد الأول:</span> كثرة </span>المخالطة</span> </span></span>:
</span>فأما ما تؤثره كثرة الخلطة: فامتلاء القلب من دخان أنفاس بني </span>آدم حتى يسود، ويوجب له تشتتا وتفرقا وهما وغما، وضعفا، وحملا لما يعجز عن حمله من</span> </span>مؤنة قرناء السوء، وإضاعة مصالحه، والاشتغال عنها بهم وبأمورهم، وتقسم فكره في</span> </span>أودية مطالبهم وإراداتهم. فماذا يبقى منه لله والدار الآخرة؟</span>
</span>هذا، وكم جلبت </span>خلطة الناس من نقمة، ودفعت من نعمة، وأنزلت من محنة، وعطلت من منحة، وأحلت من رزية،</span> </span>وأوقعت في بلية. وهل آفة الناس إلا الناس؟</span>
</span>وهذه الخلطة التي تكون على نوع </span>مودة في الدنيا، وقضاء وطر بعضهم من بعض، تنقلب إذا حقت الحقائق عداوة، ويعض المخلط</span> </span>عليها يديه ندما، كما قال تعالى</span> </span>: { </span>وَيَوْمَ يَعَضُّ </span>الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ</span> </span>سَبِيلاً ، يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَاناً خَلِيلاً ، لَقَدْ</span> </span>أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي</span> </span></span>} [الفرقان:27-29] وقال</span> </span>تعالى</span> </span>: { </span>الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ </span>إِلَّا الْمُتَّقِينَ</span> </span></span>} [الزخرف:67]، وقال خليله إبراهيم لقومه</span> </span>: { </span>إِنَّمَا اتَّخَذْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً مَّوَدَّةَ </span>بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ</span> </span>بَعْضُكُم بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُم بَعْضاً وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا</span> </span>لَكُم مِّن نَّاصِرِينَ</span> </span></span>} [العنكبوت:25]، وهذا شأن كل مشتركين في غرضك</span> </span>يتوادون ما داموا متساعدين على حصوله، فإذا انقطع ذلك الغرض، أعقب ندامة وحزناً</span> </span>وألماً وانقلبت تلك المودة بغضاً ولعنة، وذماً من بعضهم لبعض</span> </span></span>.
</span>والضابط </span>النافع في أمر الخلطة: أن يخالط الناس في الخير كالجمعة والجماعة، والأعياد والحج،</span> </span>وتعلم العلم، والجهاد، والنصيحة، ويعتزلهم في الشر وفضول المباحات</span> </span></span>.
</span>فإن دعت </span>الحاجة إلى خلطتهم في الشر، ولم يمكنه اعتزالهم: فالحذر الحذر أن يوافقهم، وليصبر</span> </span>على أذاهم، فإنهم لابد أن يؤذوه إن لم يكن له قوة ولا ناصر. ولكن أذى يعقبه عز</span> </span>ومحبة له، وتعظيم وثناء عليه منهم، ومن المؤمنين، ومن رب العالمين، وموافقتهم</span> </span>يعقبها ذل وبغض له، ومقت، وذم منهم، ومن المؤمنين، ومن رب العالمين. فالصبر على</span> </span>أذاهم خير وأحسن عاقبة، وأحمد مالا</span> </span></span>.
</span>وإن دعت الحاجة إلى خلطتهم في فضول </span>المباحات، فليجتهد أن يقلب ذلك المجلس طاعة لله إن أمكنه</span> </span></span>.
المفسد الثاني</span> </span>من مفسدات القلب</span> : ركوبه بحر التمني</span> </span>:
</span>وهو بحر لا ساحل له. وهو البحر الذي </span>يركبه مفاليس العالم، كما قيل: إن المنى رأس أموال المفاليس. فلا تزال أمواج</span> </span>الأماني الكاذبة، والخيالات الباطلة، تتلاعب براكبه كما تتلاعب الكلاب بالجيفة، وهي</span> </span>بضاعة كل نفس مهينة خسيسة سفلية، ليست لها همة تنال بها الحقائق الخارجية، بل</span> </span>اعتاضت عنها بالأماني الذهنية. وكل بحسب حاله: من متمن للقدوة والسلطان، وللضرب في</span> </span>الأرض والتطواف في البلدان، أو للأموال والأثمان، أو للنسوان والمردان، فيمثل</span> </span>المتمني صورة مطلوبة في نفسه وقد فاز بوصولها والتذ بالظفر بها، فبينا هو على هذا</span> </span>الحال، إذ استيقظ فإذا يده والحصير</span> </span></span>!!
</span>وصاحب الهمة العلية أمانيه حائمة حول </span>العلم والإيمان، والعمل الذي يقربه إلى الله، ويدنيه من جواره. فأماني هذا إيمان</span> </span>ونور وحكمة، وأماني أولئك خداع وغرور</span> </span></span>.
</span>وقد مدح النبي متمني الخير، وربما جعل </span>أجره في بعض الأشياء كأجر فاعله</span> </span></span>.
المفسد الثالث من مفسدات القلب</span> : التعلق </span>بغير الله تبارك وتعالى</span> </span></span>:
</span>وهذا أعظم مفسداته على الإطلاق</span> </span>.
</span>فليس </span>عليه أضر من ذلك، ولا أقطع له عن مصالحه وسعادته منه، فإنه إذا تعلق بغير الله وكله</span> </span>الله إلى ما تعلق به. وخذله من جهة ما تعلق به، وفاته تحصيل مقصوده من الله عز وجل</span> </span>بتعلقه بغيره، والتفاته إلى سواه. فلا على نصيبه من الله حصل، ولا إلى ما أمله ممن</span> </span>تعلق به وصل. قال الله تعالى</span> </span></span>: { </span>وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ</span> </span>اللَّهِ آلِهَةً لِّيَكُونُوا لَهُمْ عِزّاً ، كَلَّا سَيَكْفُرُونَ</span> </span>بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً</span> </span></span>} [مريم:82،81]، وقال</span> </span>تعالى</span> </span>: { </span>وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ </span>يُنصَرُونَ ، لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُندٌ مُّحْضَرُونَ</span> </span></span>} [يس:75،74</span> </span></span>].
</span>فأعظم الناس خذلانا من تعلق بغير الله. فإن ما فاته من </span>مصالحه وسعادته وفلاحه أعظم مما حصل له ممن تعلق به، وهو معرض للزوال والفوات. ومثل</span> </span>المتعلق بغير الله: كمثل المستظل من الحر والبرد ببيت العنكبوت، أوهن</span> </span>البيوت</span> </span></span>.
</span>وبالجملة: فأساس الشرك وقاعدته التي بني عليها: التعلق بغير الله </span>. ولصاحبه الذم والخذلان، كما قال تعالى</span> </span>: { </span>لاَّ تَجْعَل مَعَ </span>اللّهِ إِلَـهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَّخْذُولاً</span> </span>} [</span> الإسراء:22 </span>] مذموما لا حامد لك، مخذولا لا ناصر لك. إذ قد يكون بعض الناس مقهوراً محموداً كالذي</span> </span>قهر بباطل، وقد يكون مذموماً منصوراً كالذي قهر وتسلط بباطل، وقد يكون محموداً</span> </span>منصوراً كالذي تمكن وملك بحق. والمشرك المتعلق بغير الله قسمه أردأ الأقسام</span> </span>الأربعة، لا محمود ولا منصور</span> </span></span>.
المفسد الرابع من مفسدات القلب</span> </span>: </span>الطعام</span> </span>:
</span>والمفسد له من ذلك نوعان</span> </span>:
</span>أحدهما: ما يفسده لعينه وذاته </span>كالمحرمات. وهي نوعان</span> </span></span>:
</span>محرمات لحق الله: كالميتة والدم، ولحم الخنزير، وذي </span>الناب من السباع والمخلب من الطير</span> </span></span>.
</span>ومحرمات لحق العباد: كالمسروق والمغصوب </span>والمنهوب، وما أخذ بغير رضا صاحبه، إما قهرا وإما حياء وتذمما</span> </span></span>.
</span>والثاني: ما </span>يفسده بقدره وتعدي حده، كالإسراف في الحلال، والشبع المفرط، فإنه يثقله عن الطاعات،</span> </span>ويشغله بمزاولة مؤنة البطنة ومحاولتها حتى يظفر بها، فإذا ظفر بها شغله بمزاولة</span> </span>تصرفها ووقاية ضررها، والتأذي بثقلها، وقوى عليه مواد الشهوة، وطرق مجاري الشيطان</span> </span>ووسعها، فإنه يجري من ابن آدم مجرى الدم. فالصوم يضيق مجاريه ويسد طرقه، والشبع</span> </span>يطرقها ويوسعها. ومن أكل كثيرا شرب كثيرا فنام كثيرا فخسر كثيرا. وفي الحديث</span> </span>المشهور</span> </span>: « </span>ما </span>ملأ آدمي وعاء شرا من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه. فإن كان لابد فاعلا</span> </span>فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه</span> </span></span>» [رواه الترمذي وأحمد والحاكم وصححه ا لألبا</span> </span>ني</span> </span></span>].
</span>المفسد الخامس: كثرة النوم</span> </span>:
</span>فإنه يميت القلب، ويثقل </span>البدن، ويضيع الوقت، ويورث كثرة الغفلة والكسل. ومنه المكروه جدا، ومنه الضار</span> </span>غيرالنافع للبدن. وأنفع النوم: ما كان عند شدة الحاجة إليه. ونوم أول الليل أحمد</span> </span>وأنفع من آخره، ونوم وسط النهار أنفع من طرفيه. وكلما قرب النوم من الطرفين قل</span> </span>نفعه، وكثر ضرره، ولاسيما نوم العصر. والنوم أول النهار إلا لسهران</span> </span></span>.
</span>ومن </span>المكروه عندهم: النوم بين صلاة الصبح وطلوع الشمس؟ فإنه وقت غنيمة، وللسير ذلك</span> </span>الوقت عند السالكين مزية عظيمة حتى لو ساروا طول ليلهم لم يسمحوا بالقعود عن السير</span> </span>ذلك الوقت حتى تطلع الشمس، فإنه أول النهار ومفتاحه، ووقت نزول ا لأرزاق، وحصول</span> </span>القسم، وحلول البركة. ومنه ينشأ النهار، وينسحب حكم جميعه علي حكم تلك الحصة</span> </span>. فينبغي أن يكون نومها كنوم المضطر</span> </span></span>.
</span>بالجملة فأعدل النوم وأنفعه: نوم نصف </span>الليل الأول، وسدسه الأخير، وهو مقدار ثماني ساعات. وهذا أعدل النوم عند الأطباء،</span> </span>وما زاد عليه أو نقص منه أثر عندهم في الطبيعة انحرافا بحسبه</span> </span></span>.
</span>ومن النوم </span>الذي لا ينفع أيضا: النوم أول الليل، عقيب غروب الشمس حتى تذهب فحمة العشاء. وكان</span> </span>رسول الله يكرهه. فهو مكروه شرعا وطبعا. والله المستعان</span> </span></span>.
أسباب شرح</span> </span>الصدور
</span>وقال الإمام ابن القيم أيضا</span> </span>:
</span>فأعظم أسباب شرح </span>الصدر</span> </span></span>:
1- </span>التوحيد،</span> وعلى حسب كماله وقوته وزيادته يكون انشراح صدر صاحبه </span>. قال الله تعالى</span> </span>: { </span>أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ </span>لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ</span> </span></span>} [الزمر:22]. وقال تعالى</span> </span>: { </span>فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ </span>لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً</span> </span>كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء</span> </span></span>} [الأنعام:125</span> </span></span>].
</span>فالهدى </span>والتوحيد من أعظم أسباب شرح الصدر، والشرك والضلال من أعظم أسباب ضيق الصدر</span> </span>وانحراجه</span> </span></span>.
2- ومنها: النور</span> الذي يقذفه الله في قلب العبد- وهو نور الإيمان</span> </span>- </span>فإنه يشرح الصدر ويوسعه، ويفرح القلب. فإذا فقد هذا النور من قلب العبد ضاق وحرج، </span>وصار في أضيق سجن وأصعبه</span> </span></span>.
</span>وقد روى الترمذي في "جامعه" عن النبي صلى الله </span>عليه وسلم أنه قال</span> </span>: «</span> إذا دخل النور القلب انفسح وانشرح. قالوا: وما علامة ذلك يا رسول</span> </span>الله؟ قال: الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل</span> </span>نزوله</span> </span></span>» </span>، فيصيب العبد من</span> </span>انشراح صدره بحسب نصيبه من هذا النور، وكذلك النور الحسي والظلمة الحسية، هذه تشرح</span> </span>الصدر، وهذه تضيقه</span> </span></span>.
3- ومنها : العلم،</span> فإنه يشرح الصدر ويوسعه حتى يكون أوسع</span> </span></span>من الدنيا، والجهل يورثه الضيق والحصر والحبس، فكلما اتسع علم العبد انشرح صدره </span>واتسع، وليس هذا لكل علم، بل للعلم الموروث عن الرسول وهو العلم النافع، فأهله أشرح</span> </span>الناس صدرا، وأوسعهم قلوبا، وأحسنهم أخلاقا، وأطيبهم عيشا</span> </span></span>.
4- </span>ومنها </span>: </span>الإنابة</span> إلى الله سبحانه وتعالى ومحبته بكل القلب، والإقبال عليه، والتنعم بعبادته، </span>فلا شيء أشرح لصدر العبد من ذلك، حتى إنه ليقول أحيانا: إن كنت في الجنة في مثل هذه</span> </span>الحالة، فإني إذا في عيش طيب. وللمحبة تأثير عجيب في انشراح الصدر، وطيب النفس،</span> </span>ونعيم القلب، لا يعرفه إلا من له حس به، وكلما كانت المحبة أقوى وأشد، كان الصدر</span> </span>أفسح وأشرح، ولا يضيق إلا عند رؤية البطالين الفارغين من هذا الشأن، فرؤيتهم قذى</span> </span>عينه، ومخالطتهم حمى روحه</span> </span></span>.
</span>ومن أعظم أسباب ضيق الصدر الأعراض عن الله تعالى، </span>وتعلق القلب بغيره، والغفلة عن ذكره، ومحبة سواه، فإن من أحب شيئا غير الله عذب به،</span> </span>وسجن قلبه في محبة ذلك الغير، فما في الأرض أشقى منه، ولا أكسف بالا، ولا أنكد</span> </span>عيشا، ولا أتعب قلبا. فهما محبتان: محبة هي جنة الدنيا، وسرور النفس، ولذة القلب،</span> </span>ونعيم الروح وغذاؤها ودواؤها، بل حياتها وقرة عينها، وهي محبة الله وحده بكل القلب،</span> </span>وانجذاب قوى الميل والإرادة والمحبة كلها إليه</span> </span></span>.
</span>ومحبة هي عذاب الروح، و هم </span>النفس، وسجن القلب، وضيق الصدر، وهي سبب الألم والنكد والعناء، وهي محبة ما سواه</span> </span>سبحانه</span> </span></span>.
5- ومن أسباب شرح الصدر</span>: دوام ذكره على كل حال، وفي كل موطن. فللذكر</span> </span></span>تأثير عجيب في انشراح الصدر ونعيم القلب، وللغفلة تأثير عجيب في ضيقه وحبسه </span>وعذابه</span> </span></span>.
6- ومنها: الإحسان</span> إلى الخلق ونفعهم بما يمكنه من المال والجاه،</span> </span></span>والنفع بالبدن، وأنواع الإحسان. فإن الكريم المحسن أشرح الناس صدرا، وأطيبهم نفسا، </span>وأنعمهم قلبا، والبخيل الذي ليس فيه إحسان أضيق الناس صدرا، وأنكدهم عيشا، وأعظمهم</span> </span>هما وكما، وقد ضرب رسول الله في الصحيح مثلا للبخيل والمتصدق، كمثل رجلين عليهما</span> </span>جنتان من حديد، كلما هم المتصدق بصدقة اتسعت عليه وانبسطت، حتى يجر ثيابه ويعفى</span> </span>أثره، وكلما هم البخيل بالصدقة لزمت كل حلقة مكانها، ولم تتسع عليه. فهذا مثل</span> </span>انشراح صدر المؤمن المتصدق وانفساح قلبه، ومثل ضيق صدر البخيل وانحصار</span> </span>قلبه</span> </span></span>.
7- ومنها: الشجاعة،</span> فإن الشجاع منشرح الصدر، واسع البطان، متسع القلب</span> </span>. </span>والجبان: أضيق الناس صدرا، وأحصرهم قلبا، لا فرحة له ولا سرور، ولا لذة له ولا نعيم </span>إلا من جنس ما للحيوان البهيمي، وأما سرور الروح ولذتها ونعيمها وابتهاجها فمحرم</span> </span>على كل جبان، كما هو محرم على كل بخيل، وعلى كل معرض عن الله سبحانه، غافل عن ذكره،</span> </span>جاهل به وبأسمائه تعالى وصفاته ودينه، متعلق القلب بغيره. وأن هذا النعيم والسرور</span> </span>يصير في القبر رياضا وجنة، وذلك الضيق والحصر ينقلب في القبر عذابا وسجنا، فحال</span> </span>العبد في القبر كحال القلب في الصدر، نعيما وعذابا، وسجنا وانطلاقا، ولا عبرة</span> </span>بانشراح صدر هذا لعارض، ولا بضيق صدر هذا لعارض، فإن العوارض تزول بزوال أسبابها،</span> </span>وإنما المعول على الصفة التي قامت بالقلب توجب انشراحه وحبسه، فهي الميزان. والله</span> </span>المستعان</span> </span></span>.
8- </span>ومنها: بل من أعظمها: إخراج دغل القلب وهو من الصفات المذمومة </span>التي توجب ضيقه وعذابه، وتحول بينه وبين حصول البرء، فإن الإنسان إذا أتى الأسباب</span> </span>التي تشرح صدره، ولم يخرج تلك الأوصاف المذمومة من قلبه، لم يحظ من انشراح صدره</span> </span>بطائل، وغايته أن يكون له مادتان تعتوران على قلبه، وهو للمادة الغالبة عليه</span> </span>منهما</span> </span></span>.
9- ومنها: ترك فضول النظر، والكلام، والاستماع، والمخالطة، والأكل،</span></span> </span>والنوم</span> ، فإن هذه الفضول تستحيل آلاما وغموما، وهموما في القلب، تحصره، وتحبسه، </span>وتضيقه، ويتعذب بها، بل غالب عذاب الدنيا والآخرة منها، فلا إله إلا الله، ما أضيق</span> </span>صدر من ضرب في كل آفة من هذه الآفات بسهم، وما أنكد عيشه، وما أسوأ حاله، وما أشد</span> </span>حصر قلبه ولا إله إلا الله، ما أنعم عيش من ضرب في كل خصلة من تلك الخصال المحمودة</span> </span>بسهم، وكانت همته دائرة عليها، حائمة حولها! فلهذا نصيب وافر من قوله تعالى</span> </span></span>: { </span>إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ</span> </span></span>} [الانفطار:13]، ولذلك</span> </span>نصيب وافر من قوله تعالى</span> </span>: { </span>وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ </span></span>} [الانفطار:14]، وبينهما مراتب متفاوتة لا يحصيها إلا الله تبارك</span> </span>وتعالى</span> </span></span>.
</span>والمقصود: أن رسول الله كان أكمل الخلق في كل صفة يحصل بها انشراح </span>الصدر، واتساع القلب، وقرة العين، وحياة الروح، فهو أكمل الخلق في هذا الشرح</span> </span>والحياة، وقرة العين مع ما خص به من الشرح الحسي</span> </span></span>.
</span>وأكمل الخلق متابعة له؟ </span>أكملهم انشراحا ولذة وقرة عين، وعلى حسب متابعته ينال العبد من انشراح صدره وقرة</span> </span>عينه ولذة روحه ما ينال، فهو في ذروة الكمال من شرح الصدر، ورفع الذكر، ووضع الوزر،</span> </span>ولأتباعه من ذلك بحسب نصيبهم من إتباعه. والله المستعان</span> </span></span>.
</span>وهكذا لأتباعه نصيب </span>من حفظ الله لهم، وعصمته إياهم، ودفاعه عنهم، وإعزازه لهم، ونصره لهم، بحسب نصيبهم</span> </span>من المتابعة، فمستقل، ومستكثر، فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا</span> </span>يلومن إلا نفسه</span> </span></span>.
</span>وصلى الله على رسوله محمد وعلى آله وصحبه وسلم </span>.</span>
المفسد الأول:</span> كثرة </span>المخالطة</span> </span></span>:
</span>فأما ما تؤثره كثرة الخلطة: فامتلاء القلب من دخان أنفاس بني </span>آدم حتى يسود، ويوجب له تشتتا وتفرقا وهما وغما، وضعفا، وحملا لما يعجز عن حمله من</span> </span>مؤنة قرناء السوء، وإضاعة مصالحه، والاشتغال عنها بهم وبأمورهم، وتقسم فكره في</span> </span>أودية مطالبهم وإراداتهم. فماذا يبقى منه لله والدار الآخرة؟</span>
</span>هذا، وكم جلبت </span>خلطة الناس من نقمة، ودفعت من نعمة، وأنزلت من محنة، وعطلت من منحة، وأحلت من رزية،</span> </span>وأوقعت في بلية. وهل آفة الناس إلا الناس؟</span>
</span>وهذه الخلطة التي تكون على نوع </span>مودة في الدنيا، وقضاء وطر بعضهم من بعض، تنقلب إذا حقت الحقائق عداوة، ويعض المخلط</span> </span>عليها يديه ندما، كما قال تعالى</span> </span>: { </span>وَيَوْمَ يَعَضُّ </span>الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ</span> </span>سَبِيلاً ، يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَاناً خَلِيلاً ، لَقَدْ</span> </span>أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي</span> </span></span>} [الفرقان:27-29] وقال</span> </span>تعالى</span> </span>: { </span>الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ </span>إِلَّا الْمُتَّقِينَ</span> </span></span>} [الزخرف:67]، وقال خليله إبراهيم لقومه</span> </span>: { </span>إِنَّمَا اتَّخَذْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً مَّوَدَّةَ </span>بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ</span> </span>بَعْضُكُم بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُم بَعْضاً وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا</span> </span>لَكُم مِّن نَّاصِرِينَ</span> </span></span>} [العنكبوت:25]، وهذا شأن كل مشتركين في غرضك</span> </span>يتوادون ما داموا متساعدين على حصوله، فإذا انقطع ذلك الغرض، أعقب ندامة وحزناً</span> </span>وألماً وانقلبت تلك المودة بغضاً ولعنة، وذماً من بعضهم لبعض</span> </span></span>.
</span>والضابط </span>النافع في أمر الخلطة: أن يخالط الناس في الخير كالجمعة والجماعة، والأعياد والحج،</span> </span>وتعلم العلم، والجهاد، والنصيحة، ويعتزلهم في الشر وفضول المباحات</span> </span></span>.
</span>فإن دعت </span>الحاجة إلى خلطتهم في الشر، ولم يمكنه اعتزالهم: فالحذر الحذر أن يوافقهم، وليصبر</span> </span>على أذاهم، فإنهم لابد أن يؤذوه إن لم يكن له قوة ولا ناصر. ولكن أذى يعقبه عز</span> </span>ومحبة له، وتعظيم وثناء عليه منهم، ومن المؤمنين، ومن رب العالمين، وموافقتهم</span> </span>يعقبها ذل وبغض له، ومقت، وذم منهم، ومن المؤمنين، ومن رب العالمين. فالصبر على</span> </span>أذاهم خير وأحسن عاقبة، وأحمد مالا</span> </span></span>.
</span>وإن دعت الحاجة إلى خلطتهم في فضول </span>المباحات، فليجتهد أن يقلب ذلك المجلس طاعة لله إن أمكنه</span> </span></span>.
المفسد الثاني</span> </span>من مفسدات القلب</span> : ركوبه بحر التمني</span> </span>:
</span>وهو بحر لا ساحل له. وهو البحر الذي </span>يركبه مفاليس العالم، كما قيل: إن المنى رأس أموال المفاليس. فلا تزال أمواج</span> </span>الأماني الكاذبة، والخيالات الباطلة، تتلاعب براكبه كما تتلاعب الكلاب بالجيفة، وهي</span> </span>بضاعة كل نفس مهينة خسيسة سفلية، ليست لها همة تنال بها الحقائق الخارجية، بل</span> </span>اعتاضت عنها بالأماني الذهنية. وكل بحسب حاله: من متمن للقدوة والسلطان، وللضرب في</span> </span>الأرض والتطواف في البلدان، أو للأموال والأثمان، أو للنسوان والمردان، فيمثل</span> </span>المتمني صورة مطلوبة في نفسه وقد فاز بوصولها والتذ بالظفر بها، فبينا هو على هذا</span> </span>الحال، إذ استيقظ فإذا يده والحصير</span> </span></span>!!
</span>وصاحب الهمة العلية أمانيه حائمة حول </span>العلم والإيمان، والعمل الذي يقربه إلى الله، ويدنيه من جواره. فأماني هذا إيمان</span> </span>ونور وحكمة، وأماني أولئك خداع وغرور</span> </span></span>.
</span>وقد مدح النبي متمني الخير، وربما جعل </span>أجره في بعض الأشياء كأجر فاعله</span> </span></span>.
المفسد الثالث من مفسدات القلب</span> : التعلق </span>بغير الله تبارك وتعالى</span> </span></span>:
</span>وهذا أعظم مفسداته على الإطلاق</span> </span>.
</span>فليس </span>عليه أضر من ذلك، ولا أقطع له عن مصالحه وسعادته منه، فإنه إذا تعلق بغير الله وكله</span> </span>الله إلى ما تعلق به. وخذله من جهة ما تعلق به، وفاته تحصيل مقصوده من الله عز وجل</span> </span>بتعلقه بغيره، والتفاته إلى سواه. فلا على نصيبه من الله حصل، ولا إلى ما أمله ممن</span> </span>تعلق به وصل. قال الله تعالى</span> </span></span>: { </span>وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ</span> </span>اللَّهِ آلِهَةً لِّيَكُونُوا لَهُمْ عِزّاً ، كَلَّا سَيَكْفُرُونَ</span> </span>بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً</span> </span></span>} [مريم:82،81]، وقال</span> </span>تعالى</span> </span>: { </span>وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ </span>يُنصَرُونَ ، لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُندٌ مُّحْضَرُونَ</span> </span></span>} [يس:75،74</span> </span></span>].
</span>فأعظم الناس خذلانا من تعلق بغير الله. فإن ما فاته من </span>مصالحه وسعادته وفلاحه أعظم مما حصل له ممن تعلق به، وهو معرض للزوال والفوات. ومثل</span> </span>المتعلق بغير الله: كمثل المستظل من الحر والبرد ببيت العنكبوت، أوهن</span> </span>البيوت</span> </span></span>.
</span>وبالجملة: فأساس الشرك وقاعدته التي بني عليها: التعلق بغير الله </span>. ولصاحبه الذم والخذلان، كما قال تعالى</span> </span>: { </span>لاَّ تَجْعَل مَعَ </span>اللّهِ إِلَـهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَّخْذُولاً</span> </span>} [</span> الإسراء:22 </span>] مذموما لا حامد لك، مخذولا لا ناصر لك. إذ قد يكون بعض الناس مقهوراً محموداً كالذي</span> </span>قهر بباطل، وقد يكون مذموماً منصوراً كالذي قهر وتسلط بباطل، وقد يكون محموداً</span> </span>منصوراً كالذي تمكن وملك بحق. والمشرك المتعلق بغير الله قسمه أردأ الأقسام</span> </span>الأربعة، لا محمود ولا منصور</span> </span></span>.
المفسد الرابع من مفسدات القلب</span> </span>: </span>الطعام</span> </span>:
</span>والمفسد له من ذلك نوعان</span> </span>:
</span>أحدهما: ما يفسده لعينه وذاته </span>كالمحرمات. وهي نوعان</span> </span></span>:
</span>محرمات لحق الله: كالميتة والدم، ولحم الخنزير، وذي </span>الناب من السباع والمخلب من الطير</span> </span></span>.
</span>ومحرمات لحق العباد: كالمسروق والمغصوب </span>والمنهوب، وما أخذ بغير رضا صاحبه، إما قهرا وإما حياء وتذمما</span> </span></span>.
</span>والثاني: ما </span>يفسده بقدره وتعدي حده، كالإسراف في الحلال، والشبع المفرط، فإنه يثقله عن الطاعات،</span> </span>ويشغله بمزاولة مؤنة البطنة ومحاولتها حتى يظفر بها، فإذا ظفر بها شغله بمزاولة</span> </span>تصرفها ووقاية ضررها، والتأذي بثقلها، وقوى عليه مواد الشهوة، وطرق مجاري الشيطان</span> </span>ووسعها، فإنه يجري من ابن آدم مجرى الدم. فالصوم يضيق مجاريه ويسد طرقه، والشبع</span> </span>يطرقها ويوسعها. ومن أكل كثيرا شرب كثيرا فنام كثيرا فخسر كثيرا. وفي الحديث</span> </span>المشهور</span> </span>: « </span>ما </span>ملأ آدمي وعاء شرا من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه. فإن كان لابد فاعلا</span> </span>فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه</span> </span></span>» [رواه الترمذي وأحمد والحاكم وصححه ا لألبا</span> </span>ني</span> </span></span>].
</span>المفسد الخامس: كثرة النوم</span> </span>:
</span>فإنه يميت القلب، ويثقل </span>البدن، ويضيع الوقت، ويورث كثرة الغفلة والكسل. ومنه المكروه جدا، ومنه الضار</span> </span>غيرالنافع للبدن. وأنفع النوم: ما كان عند شدة الحاجة إليه. ونوم أول الليل أحمد</span> </span>وأنفع من آخره، ونوم وسط النهار أنفع من طرفيه. وكلما قرب النوم من الطرفين قل</span> </span>نفعه، وكثر ضرره، ولاسيما نوم العصر. والنوم أول النهار إلا لسهران</span> </span></span>.
</span>ومن </span>المكروه عندهم: النوم بين صلاة الصبح وطلوع الشمس؟ فإنه وقت غنيمة، وللسير ذلك</span> </span>الوقت عند السالكين مزية عظيمة حتى لو ساروا طول ليلهم لم يسمحوا بالقعود عن السير</span> </span>ذلك الوقت حتى تطلع الشمس، فإنه أول النهار ومفتاحه، ووقت نزول ا لأرزاق، وحصول</span> </span>القسم، وحلول البركة. ومنه ينشأ النهار، وينسحب حكم جميعه علي حكم تلك الحصة</span> </span>. فينبغي أن يكون نومها كنوم المضطر</span> </span></span>.
</span>بالجملة فأعدل النوم وأنفعه: نوم نصف </span>الليل الأول، وسدسه الأخير، وهو مقدار ثماني ساعات. وهذا أعدل النوم عند الأطباء،</span> </span>وما زاد عليه أو نقص منه أثر عندهم في الطبيعة انحرافا بحسبه</span> </span></span>.
</span>ومن النوم </span>الذي لا ينفع أيضا: النوم أول الليل، عقيب غروب الشمس حتى تذهب فحمة العشاء. وكان</span> </span>رسول الله يكرهه. فهو مكروه شرعا وطبعا. والله المستعان</span> </span></span>.
أسباب شرح</span> </span>الصدور
</span>وقال الإمام ابن القيم أيضا</span> </span>:
</span>فأعظم أسباب شرح </span>الصدر</span> </span></span>:
1- </span>التوحيد،</span> وعلى حسب كماله وقوته وزيادته يكون انشراح صدر صاحبه </span>. قال الله تعالى</span> </span>: { </span>أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ </span>لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ</span> </span></span>} [الزمر:22]. وقال تعالى</span> </span>: { </span>فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ </span>لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً</span> </span>كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء</span> </span></span>} [الأنعام:125</span> </span></span>].
</span>فالهدى </span>والتوحيد من أعظم أسباب شرح الصدر، والشرك والضلال من أعظم أسباب ضيق الصدر</span> </span>وانحراجه</span> </span></span>.
2- ومنها: النور</span> الذي يقذفه الله في قلب العبد- وهو نور الإيمان</span> </span>- </span>فإنه يشرح الصدر ويوسعه، ويفرح القلب. فإذا فقد هذا النور من قلب العبد ضاق وحرج، </span>وصار في أضيق سجن وأصعبه</span> </span></span>.
</span>وقد روى الترمذي في "جامعه" عن النبي صلى الله </span>عليه وسلم أنه قال</span> </span>: «</span> إذا دخل النور القلب انفسح وانشرح. قالوا: وما علامة ذلك يا رسول</span> </span>الله؟ قال: الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل</span> </span>نزوله</span> </span></span>» </span>، فيصيب العبد من</span> </span>انشراح صدره بحسب نصيبه من هذا النور، وكذلك النور الحسي والظلمة الحسية، هذه تشرح</span> </span>الصدر، وهذه تضيقه</span> </span></span>.
3- ومنها : العلم،</span> فإنه يشرح الصدر ويوسعه حتى يكون أوسع</span> </span></span>من الدنيا، والجهل يورثه الضيق والحصر والحبس، فكلما اتسع علم العبد انشرح صدره </span>واتسع، وليس هذا لكل علم، بل للعلم الموروث عن الرسول وهو العلم النافع، فأهله أشرح</span> </span>الناس صدرا، وأوسعهم قلوبا، وأحسنهم أخلاقا، وأطيبهم عيشا</span> </span></span>.
4- </span>ومنها </span>: </span>الإنابة</span> إلى الله سبحانه وتعالى ومحبته بكل القلب، والإقبال عليه، والتنعم بعبادته، </span>فلا شيء أشرح لصدر العبد من ذلك، حتى إنه ليقول أحيانا: إن كنت في الجنة في مثل هذه</span> </span>الحالة، فإني إذا في عيش طيب. وللمحبة تأثير عجيب في انشراح الصدر، وطيب النفس،</span> </span>ونعيم القلب، لا يعرفه إلا من له حس به، وكلما كانت المحبة أقوى وأشد، كان الصدر</span> </span>أفسح وأشرح، ولا يضيق إلا عند رؤية البطالين الفارغين من هذا الشأن، فرؤيتهم قذى</span> </span>عينه، ومخالطتهم حمى روحه</span> </span></span>.
</span>ومن أعظم أسباب ضيق الصدر الأعراض عن الله تعالى، </span>وتعلق القلب بغيره، والغفلة عن ذكره، ومحبة سواه، فإن من أحب شيئا غير الله عذب به،</span> </span>وسجن قلبه في محبة ذلك الغير، فما في الأرض أشقى منه، ولا أكسف بالا، ولا أنكد</span> </span>عيشا، ولا أتعب قلبا. فهما محبتان: محبة هي جنة الدنيا، وسرور النفس، ولذة القلب،</span> </span>ونعيم الروح وغذاؤها ودواؤها، بل حياتها وقرة عينها، وهي محبة الله وحده بكل القلب،</span> </span>وانجذاب قوى الميل والإرادة والمحبة كلها إليه</span> </span></span>.
</span>ومحبة هي عذاب الروح، و هم </span>النفس، وسجن القلب، وضيق الصدر، وهي سبب الألم والنكد والعناء، وهي محبة ما سواه</span> </span>سبحانه</span> </span></span>.
5- ومن أسباب شرح الصدر</span>: دوام ذكره على كل حال، وفي كل موطن. فللذكر</span> </span></span>تأثير عجيب في انشراح الصدر ونعيم القلب، وللغفلة تأثير عجيب في ضيقه وحبسه </span>وعذابه</span> </span></span>.
6- ومنها: الإحسان</span> إلى الخلق ونفعهم بما يمكنه من المال والجاه،</span> </span></span>والنفع بالبدن، وأنواع الإحسان. فإن الكريم المحسن أشرح الناس صدرا، وأطيبهم نفسا، </span>وأنعمهم قلبا، والبخيل الذي ليس فيه إحسان أضيق الناس صدرا، وأنكدهم عيشا، وأعظمهم</span> </span>هما وكما، وقد ضرب رسول الله في الصحيح مثلا للبخيل والمتصدق، كمثل رجلين عليهما</span> </span>جنتان من حديد، كلما هم المتصدق بصدقة اتسعت عليه وانبسطت، حتى يجر ثيابه ويعفى</span> </span>أثره، وكلما هم البخيل بالصدقة لزمت كل حلقة مكانها، ولم تتسع عليه. فهذا مثل</span> </span>انشراح صدر المؤمن المتصدق وانفساح قلبه، ومثل ضيق صدر البخيل وانحصار</span> </span>قلبه</span> </span></span>.
7- ومنها: الشجاعة،</span> فإن الشجاع منشرح الصدر، واسع البطان، متسع القلب</span> </span>. </span>والجبان: أضيق الناس صدرا، وأحصرهم قلبا، لا فرحة له ولا سرور، ولا لذة له ولا نعيم </span>إلا من جنس ما للحيوان البهيمي، وأما سرور الروح ولذتها ونعيمها وابتهاجها فمحرم</span> </span>على كل جبان، كما هو محرم على كل بخيل، وعلى كل معرض عن الله سبحانه، غافل عن ذكره،</span> </span>جاهل به وبأسمائه تعالى وصفاته ودينه، متعلق القلب بغيره. وأن هذا النعيم والسرور</span> </span>يصير في القبر رياضا وجنة، وذلك الضيق والحصر ينقلب في القبر عذابا وسجنا، فحال</span> </span>العبد في القبر كحال القلب في الصدر، نعيما وعذابا، وسجنا وانطلاقا، ولا عبرة</span> </span>بانشراح صدر هذا لعارض، ولا بضيق صدر هذا لعارض، فإن العوارض تزول بزوال أسبابها،</span> </span>وإنما المعول على الصفة التي قامت بالقلب توجب انشراحه وحبسه، فهي الميزان. والله</span> </span>المستعان</span> </span></span>.
8- </span>ومنها: بل من أعظمها: إخراج دغل القلب وهو من الصفات المذمومة </span>التي توجب ضيقه وعذابه، وتحول بينه وبين حصول البرء، فإن الإنسان إذا أتى الأسباب</span> </span>التي تشرح صدره، ولم يخرج تلك الأوصاف المذمومة من قلبه، لم يحظ من انشراح صدره</span> </span>بطائل، وغايته أن يكون له مادتان تعتوران على قلبه، وهو للمادة الغالبة عليه</span> </span>منهما</span> </span></span>.
9- ومنها: ترك فضول النظر، والكلام، والاستماع، والمخالطة، والأكل،</span></span> </span>والنوم</span> ، فإن هذه الفضول تستحيل آلاما وغموما، وهموما في القلب، تحصره، وتحبسه، </span>وتضيقه، ويتعذب بها، بل غالب عذاب الدنيا والآخرة منها، فلا إله إلا الله، ما أضيق</span> </span>صدر من ضرب في كل آفة من هذه الآفات بسهم، وما أنكد عيشه، وما أسوأ حاله، وما أشد</span> </span>حصر قلبه ولا إله إلا الله، ما أنعم عيش من ضرب في كل خصلة من تلك الخصال المحمودة</span> </span>بسهم، وكانت همته دائرة عليها، حائمة حولها! فلهذا نصيب وافر من قوله تعالى</span> </span></span>: { </span>إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ</span> </span></span>} [الانفطار:13]، ولذلك</span> </span>نصيب وافر من قوله تعالى</span> </span>: { </span>وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ </span></span>} [الانفطار:14]، وبينهما مراتب متفاوتة لا يحصيها إلا الله تبارك</span> </span>وتعالى</span> </span></span>.
</span>والمقصود: أن رسول الله كان أكمل الخلق في كل صفة يحصل بها انشراح </span>الصدر، واتساع القلب، وقرة العين، وحياة الروح، فهو أكمل الخلق في هذا الشرح</span> </span>والحياة، وقرة العين مع ما خص به من الشرح الحسي</span> </span></span>.
</span>وأكمل الخلق متابعة له؟ </span>أكملهم انشراحا ولذة وقرة عين، وعلى حسب متابعته ينال العبد من انشراح صدره وقرة</span> </span>عينه ولذة روحه ما ينال، فهو في ذروة الكمال من شرح الصدر، ورفع الذكر، ووضع الوزر،</span> </span>ولأتباعه من ذلك بحسب نصيبهم من إتباعه. والله المستعان</span> </span></span>.
</span>وهكذا لأتباعه نصيب </span>من حفظ الله لهم، وعصمته إياهم، ودفاعه عنهم، وإعزازه لهم، ونصره لهم، بحسب نصيبهم</span> </span>من المتابعة، فمستقل، ومستكثر، فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا</span> </span>يلومن إلا نفسه</span> </span></span>.
</span>وصلى الله على رسوله محمد وعلى آله وصحبه وسلم </span>.</span>