- إنضم
- 28 جانفي 2008
- المشاركات
- 3,616
- نقاط التفاعل
- 18
- النقاط
- 157
- الجنس
- ذكر
وجه سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبدالله بن محمد آل الشيخ المفتي العام للمملكة ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء كلمة لعموم المسلمين بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك فيما يلي نصها:
بسم الله الرحمن الرحيم .. مِن عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد آل الشيخ إلى عموم إخوانِه المسلمين - وفقني الله وإياهم لكل خير وسلك بنا جميعا سبيل مرضاته وباعدنا عن سبل سخطه وعقابه ..آمين -،
سلامٌ عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنا نحبُّ أن نهنئَ إخوانَنا ونُبشرَهم بمَقدمِ هذا الشهر الكريم {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}، شهرِ الصيامِ والقيامِ وتلاوةِ القرآن، شهر العِتقِ والغُفران، شهرِ الصدقاتِ والإحسان، شهرٍ تُفتح فيه أبوابُ الجِنان فلا يُغلق منها باب، وتغلق أبوابُ النيران فلا يُفتح منها باب، شهرٍ تضاعَفُ فيه الحسناتُ، وتُرفع الدرجات، وتُحطُّ الخطايا والسيئات، وتُجاب الدَّعَوات، ولله فيه عُتَقاءُ مِن النار كلَّ ليلة. صامه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وأمرَ بصيامه؛ فهو أحدُ أركان الإسلام، وهو فرضٌ بنصِّ القرآن: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}. كان النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يبشرُ أصحابَه بقدومِه، ويخبرُهم بفضائله؛ فمن ذلك قولُه - صلى الله عليه وسلم -: «إذا كانت أولُ ليلةٍ مِن رمضان فُتحتْ أبوابُ الجنة لم يغلق منها باب، وغلقت أبوابُ جهنم فلم يُفتح منها باب، وصُفدت الشياطينُ، وينادي منادٍ: يا باغي الخير أقبِلْ، ويا باغي الشرِّ أقصِرْ، ولله عتقاءُ مِن النارِ وذلك كلَّ ليلة»، ويقول - صلى الله عليه وسلم -: «جاءكُم شهرُ رمضانَ، شهرُ بركةٍ يغشاكم الله فيه، فينزلُ الرحمةَ، ويحطُّ الخطايا، ويستجيبُ الدعاء، ينظر اللهُ إلى تنافسِكم فيه، فيباهي بكم ملائكتَه، فأَرُوا اللهَ مِن أنفسِكم خيرًا؛ فإن الشقيَّ مَن حُرِمَ فيه رحمةَ الله»، ويقول - صلى الله عليه وسلم -: «أعطيَتْْ أمتي في رمضانَ خمسَ خِصالٍ - لم تُعْطَها أمة قبلها -: خلوف فمِ الصائم أطيبُ عند الله مِن ريح المِسك، وتستغفرُ لهم الملائكة حتى يفطروا، وتصَفّدُ فيه مَرَدة الجن فلا يَخلُصون فيه إلى ما كانوا يخلصون إليه في غيره، ويزيّن اللهُ كلّ يوم جنتَه فيقول: يوشك عبادي الصالحون أنْ يُلقوا عنهم المئونةَ والأذى ويصيروا إليك، ويغفر لهم في آخرِ ليلة»، قيل: أهي ليلة القدر؟ قال: «لا، ولكن العاملَ إنما يوفّى أجرَه إذا قَضى عملَه». وفي الصحيحين أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَن صام رمضانَ إيمانًا واحتسابًا؛ غُفِرَ له ما تقدّم مِن ذنبِه، ومَن قام ليلةَ القدر إيمانًا واحتسابًا؛ غُفِرَ له ما تقدّم مِن ذنبه»، وفيهما -أيضا- أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَن قام رمضانَ إيمانًا واحتسابًا؛ غُفر له ما تقدم مِن ذنبه»، ويقول - صلى الله عليه وسلم -: «كلُّ عملِ ابن آدم يُضاعف؛ الحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضِعف، قال الله عز وجل: إلا الصوم؛ فإنه لي وأنا أجزِي به؛ يَدع شهوتَه وطعامَه مِن أجلي، للصائمِ فرحتان: فرحةٌ عند فِطره، وفرحة عند لقاءِ ربّه، ولَخلوفُ فمِ الصائم أطيبُ عند الله مِن ريح المسك» [أخرجه مسلم]. {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)}.
كل هذا الفضلِ العظيم - وغيرُه كثير- قد جاءتْ به النصوص، وصحّت بها الأخبارُ عن النبيِّ المصطفى المختار - صلى الله عليه وسلم -؛ فحَرِيّ بكل مسلم ومسلمة الاستبشار والفرح بهذا الشهرِ الكريم، والاستعدادُ له بالتوبة النصوح، {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} {أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا}؛ فمَن كان مُفرِّطا في جنبِ الله، مُسرِفا على نفسِه بمعاصي الله بأنواعها، مُتهاونًا بفرائضِ الله؛ فقبيحٌ به أنْ يشهدَ هذا الشهرَ الكريم بهذه الحال، والله سبحانه قدْ فتح له أبوابَ الرحمة والرضوان، والتوبة والجِنان، وسهّل له طريقَ الطاعة، وصَرَفَ عنه أسبابَ العصيان بتصفيده لمَرَدَةِ الجانّ؛ فهي فرصةٌ عظيمة الواجبُ اغتنامُها بصالح الأعمال.
والصوم -أيها المسلمون-: هو الإمساكُ عن الطعام والشراب والجماع مِن طلوع الفجرِ الصادق إلى غروب الشمس؛ تقرّبًا إلى الله تعالى. يقولُ سبحانه: {فَالْآَنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}. وهذا الصوم إنّما شُرع لتحقيقِ تقوى الله عز وجل: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}. فيجب على المسلم أن يراعيَ صومَه باجتنابِ المُفطرات، وكذلك -أيضا- باجتنابِ المحرّمات؛ فإنه لَمّا ترك ما أحلّ اللهُ له في غيرِ وقت الصيام؛ طاعةً لله وابتغاءً لِمرضاته؛ فحقيقٌ به أن يتركَ ما حرّم اللهُ عليه كلّ وقت مِن أنواعِ المعاصي؛ وأعظمُها دعوةُ غيرِ الله وهي شركٌ بالله فما دونه من المعاصي والآثام. يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مَن لمْ يدعْ قولَ الزورِ والعَمَلَ به والجهلَ؛ فليس للهِ حاجةٌ أنْ يدعَ طعامَه وشرابه» [أخرجه البخاري في صحيحه]؛ فلْيكفّ المسلمُ يدَه ولسانَه عن إيذاءِ الناس، ولْيحرصْ على صَوْنِ صيامِه مِن المُنقصاتِ مِن غِيبةٍ ونميمةٍ وكذِبٍ أو فُحْشٍ في القول والعمل.
كما يجبُ على المسلمين الاهتمامُ بأمر الصلاة والمحافظة عليها كلّ وقت في رمضان وغيره، وكذلك العنايةُ بأمرِ الزكاة وإخراجِها في وقتها ودفعِها لِمُستحقّيها طاعةً لله. ويشرعُ للمسلم الحرصُ على بذل الخير، وتفطيرِ الصُّوّام، والإكثارُ مِن ذكرِ الله وشكرِه واستغفارِه وتلاوةِ كتابه، وصلاة التراويح، ولتكن له في هذا الشهرِ ختماتٌ لكتابِ الله عن تدبّرٍ وفهمٍ وضراعةٍ إلى الله بأنْ يُعلِّمَه مِن تأويلِه ويرزقَه العمل به؛ فإنَّ رمضانَ زمنٌ فاضل يُرجى فيه قبولُ الأعمال، واستجابةُ الدعاء. ولْيدْعُ اللهَ عند فِطره بأن يُعِزّ الإسلامَ وأهله، ويذِلّ الشركَ وأهله، وبأن يتقبلَ الله منه ومِن سائرِ إخوانِه المسلمين، ويجعلَهم مِن عتقائِه مِن النار الفائزين برضا الرب الغفار، ويدعو لنفسِه ولوالديه وذريّتِه وسائر إخوانه المسلمين بما أحبّ.
هذا وإني - في ختام هذه الكلمة - لأدعو إخواني المسلمين - ونحن في هذا الشهر الكريم - إلى نبذِ الغِلِّ والحسَدِ والحقدِ مِن قلوبنا على إخوانِنا المسلمين، وأنْ نكونَ إخوةً متحابّين متصافِين، وأن نحرصَ كَّل الحرص على اتحادِ صفوفِنا، وجَمْعِ كلمتِنا، وألا ننخدعَ بما يُروِّجُه أعداؤنا مِن أكاذيبَ وإرجافاتٍ لِشَقِّ صفوفِ الأمة، وصدعِ كلماتِها، وتفريقِ شملِها؛ فلْيحذرِ الواحدُ منا أنْ يكونَ مطيةً لهم مِن حيث يشعر أو لا يشعر، ولنحذر جميعًا أنْ يُؤتَى الإسلامُ مِن قِبَلِنا، ولنكنْ أحرصَ ما نكونُ على هذا الدين بالعقل والحزم والحكمة، ولنكنْ أبعدَ ما نكون عن الطيشِ والتهور؛ فإن هذه هي أمنيةُ أعداءِ الله؛ ليَنْفُذُوا منها إلى أمّتِنا ، ولنْ يتحقق هذا لهم باذن الله.
فالحرص.. الحرص على وحدةِ الصف، واجتماع الكلمة؛ طاعةً لله، وإغاظةً لأعداء الله.
أسالُ الله العظيمَ أنْ يجعلَ هذا الشهر هالًّا علينا بالإيمانِ والأمن والعزِّ والتمكين والنصر لأمة الإسلام، كما أسأله سبحانه أنْ يَكبِتَ عدوَّنا، وأنْ يَكفيَنا إياهم بما يشاء.
اللهم عليك بأعدائِكَ أعداءِ الدين الذين يصدون عن سبيلِك، ويقاتلون أولياءَك، ويُؤذون عبادَك المسلمين، اللهم فرِّق جمعَهم، وشتِّتْ شملَهم، وخالِف بين قلوبِهم ووجوههم وكلمتهم، واجْعلْ بأسَهم بينهم شديدًا، اللهم إنا ندرأ بك في نحورِهم، ونعوذ بك مِن شرورهم، اللهم رُدّنا إليك ردًّا جميلًا، اللهم ألهِمْنا رُشدَنا، وقِنا شرَّ أنفسِنا، اللهم حَبِّبْ إلينا الإيمانَ وزيِّنْه في قلوبِنا، وكرِّهْ إلينا الكفرَ والفسوقَ والعِصيان، واجعلنا مِن الراشدين، اللهم وَلّ على المسلمين خيارَهم، واجعلْ ولايتهم فيمَنْ خافك واتّقاك واتّبع رضاك يا رب العالمين، اللهم وأصلِح لهم البطانةَ واجْعلهم رحمةً على رعاياهم نصرةً للإسلام وأهله
{وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (182)}، وصلى الله وسلّم على نبيّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(( المفتي العام للمملكة العربية السعودية، ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء ))
بسم الله الرحمن الرحيم .. مِن عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد آل الشيخ إلى عموم إخوانِه المسلمين - وفقني الله وإياهم لكل خير وسلك بنا جميعا سبيل مرضاته وباعدنا عن سبل سخطه وعقابه ..آمين -،
سلامٌ عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنا نحبُّ أن نهنئَ إخوانَنا ونُبشرَهم بمَقدمِ هذا الشهر الكريم {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}، شهرِ الصيامِ والقيامِ وتلاوةِ القرآن، شهر العِتقِ والغُفران، شهرِ الصدقاتِ والإحسان، شهرٍ تُفتح فيه أبوابُ الجِنان فلا يُغلق منها باب، وتغلق أبوابُ النيران فلا يُفتح منها باب، شهرٍ تضاعَفُ فيه الحسناتُ، وتُرفع الدرجات، وتُحطُّ الخطايا والسيئات، وتُجاب الدَّعَوات، ولله فيه عُتَقاءُ مِن النار كلَّ ليلة. صامه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وأمرَ بصيامه؛ فهو أحدُ أركان الإسلام، وهو فرضٌ بنصِّ القرآن: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}. كان النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يبشرُ أصحابَه بقدومِه، ويخبرُهم بفضائله؛ فمن ذلك قولُه - صلى الله عليه وسلم -: «إذا كانت أولُ ليلةٍ مِن رمضان فُتحتْ أبوابُ الجنة لم يغلق منها باب، وغلقت أبوابُ جهنم فلم يُفتح منها باب، وصُفدت الشياطينُ، وينادي منادٍ: يا باغي الخير أقبِلْ، ويا باغي الشرِّ أقصِرْ، ولله عتقاءُ مِن النارِ وذلك كلَّ ليلة»، ويقول - صلى الله عليه وسلم -: «جاءكُم شهرُ رمضانَ، شهرُ بركةٍ يغشاكم الله فيه، فينزلُ الرحمةَ، ويحطُّ الخطايا، ويستجيبُ الدعاء، ينظر اللهُ إلى تنافسِكم فيه، فيباهي بكم ملائكتَه، فأَرُوا اللهَ مِن أنفسِكم خيرًا؛ فإن الشقيَّ مَن حُرِمَ فيه رحمةَ الله»، ويقول - صلى الله عليه وسلم -: «أعطيَتْْ أمتي في رمضانَ خمسَ خِصالٍ - لم تُعْطَها أمة قبلها -: خلوف فمِ الصائم أطيبُ عند الله مِن ريح المِسك، وتستغفرُ لهم الملائكة حتى يفطروا، وتصَفّدُ فيه مَرَدة الجن فلا يَخلُصون فيه إلى ما كانوا يخلصون إليه في غيره، ويزيّن اللهُ كلّ يوم جنتَه فيقول: يوشك عبادي الصالحون أنْ يُلقوا عنهم المئونةَ والأذى ويصيروا إليك، ويغفر لهم في آخرِ ليلة»، قيل: أهي ليلة القدر؟ قال: «لا، ولكن العاملَ إنما يوفّى أجرَه إذا قَضى عملَه». وفي الصحيحين أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَن صام رمضانَ إيمانًا واحتسابًا؛ غُفِرَ له ما تقدّم مِن ذنبِه، ومَن قام ليلةَ القدر إيمانًا واحتسابًا؛ غُفِرَ له ما تقدّم مِن ذنبه»، وفيهما -أيضا- أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَن قام رمضانَ إيمانًا واحتسابًا؛ غُفر له ما تقدم مِن ذنبه»، ويقول - صلى الله عليه وسلم -: «كلُّ عملِ ابن آدم يُضاعف؛ الحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضِعف، قال الله عز وجل: إلا الصوم؛ فإنه لي وأنا أجزِي به؛ يَدع شهوتَه وطعامَه مِن أجلي، للصائمِ فرحتان: فرحةٌ عند فِطره، وفرحة عند لقاءِ ربّه، ولَخلوفُ فمِ الصائم أطيبُ عند الله مِن ريح المسك» [أخرجه مسلم]. {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)}.
كل هذا الفضلِ العظيم - وغيرُه كثير- قد جاءتْ به النصوص، وصحّت بها الأخبارُ عن النبيِّ المصطفى المختار - صلى الله عليه وسلم -؛ فحَرِيّ بكل مسلم ومسلمة الاستبشار والفرح بهذا الشهرِ الكريم، والاستعدادُ له بالتوبة النصوح، {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} {أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا}؛ فمَن كان مُفرِّطا في جنبِ الله، مُسرِفا على نفسِه بمعاصي الله بأنواعها، مُتهاونًا بفرائضِ الله؛ فقبيحٌ به أنْ يشهدَ هذا الشهرَ الكريم بهذه الحال، والله سبحانه قدْ فتح له أبوابَ الرحمة والرضوان، والتوبة والجِنان، وسهّل له طريقَ الطاعة، وصَرَفَ عنه أسبابَ العصيان بتصفيده لمَرَدَةِ الجانّ؛ فهي فرصةٌ عظيمة الواجبُ اغتنامُها بصالح الأعمال.
والصوم -أيها المسلمون-: هو الإمساكُ عن الطعام والشراب والجماع مِن طلوع الفجرِ الصادق إلى غروب الشمس؛ تقرّبًا إلى الله تعالى. يقولُ سبحانه: {فَالْآَنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}. وهذا الصوم إنّما شُرع لتحقيقِ تقوى الله عز وجل: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}. فيجب على المسلم أن يراعيَ صومَه باجتنابِ المُفطرات، وكذلك -أيضا- باجتنابِ المحرّمات؛ فإنه لَمّا ترك ما أحلّ اللهُ له في غيرِ وقت الصيام؛ طاعةً لله وابتغاءً لِمرضاته؛ فحقيقٌ به أن يتركَ ما حرّم اللهُ عليه كلّ وقت مِن أنواعِ المعاصي؛ وأعظمُها دعوةُ غيرِ الله وهي شركٌ بالله فما دونه من المعاصي والآثام. يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مَن لمْ يدعْ قولَ الزورِ والعَمَلَ به والجهلَ؛ فليس للهِ حاجةٌ أنْ يدعَ طعامَه وشرابه» [أخرجه البخاري في صحيحه]؛ فلْيكفّ المسلمُ يدَه ولسانَه عن إيذاءِ الناس، ولْيحرصْ على صَوْنِ صيامِه مِن المُنقصاتِ مِن غِيبةٍ ونميمةٍ وكذِبٍ أو فُحْشٍ في القول والعمل.
كما يجبُ على المسلمين الاهتمامُ بأمر الصلاة والمحافظة عليها كلّ وقت في رمضان وغيره، وكذلك العنايةُ بأمرِ الزكاة وإخراجِها في وقتها ودفعِها لِمُستحقّيها طاعةً لله. ويشرعُ للمسلم الحرصُ على بذل الخير، وتفطيرِ الصُّوّام، والإكثارُ مِن ذكرِ الله وشكرِه واستغفارِه وتلاوةِ كتابه، وصلاة التراويح، ولتكن له في هذا الشهرِ ختماتٌ لكتابِ الله عن تدبّرٍ وفهمٍ وضراعةٍ إلى الله بأنْ يُعلِّمَه مِن تأويلِه ويرزقَه العمل به؛ فإنَّ رمضانَ زمنٌ فاضل يُرجى فيه قبولُ الأعمال، واستجابةُ الدعاء. ولْيدْعُ اللهَ عند فِطره بأن يُعِزّ الإسلامَ وأهله، ويذِلّ الشركَ وأهله، وبأن يتقبلَ الله منه ومِن سائرِ إخوانِه المسلمين، ويجعلَهم مِن عتقائِه مِن النار الفائزين برضا الرب الغفار، ويدعو لنفسِه ولوالديه وذريّتِه وسائر إخوانه المسلمين بما أحبّ.
هذا وإني - في ختام هذه الكلمة - لأدعو إخواني المسلمين - ونحن في هذا الشهر الكريم - إلى نبذِ الغِلِّ والحسَدِ والحقدِ مِن قلوبنا على إخوانِنا المسلمين، وأنْ نكونَ إخوةً متحابّين متصافِين، وأن نحرصَ كَّل الحرص على اتحادِ صفوفِنا، وجَمْعِ كلمتِنا، وألا ننخدعَ بما يُروِّجُه أعداؤنا مِن أكاذيبَ وإرجافاتٍ لِشَقِّ صفوفِ الأمة، وصدعِ كلماتِها، وتفريقِ شملِها؛ فلْيحذرِ الواحدُ منا أنْ يكونَ مطيةً لهم مِن حيث يشعر أو لا يشعر، ولنحذر جميعًا أنْ يُؤتَى الإسلامُ مِن قِبَلِنا، ولنكنْ أحرصَ ما نكونُ على هذا الدين بالعقل والحزم والحكمة، ولنكنْ أبعدَ ما نكون عن الطيشِ والتهور؛ فإن هذه هي أمنيةُ أعداءِ الله؛ ليَنْفُذُوا منها إلى أمّتِنا ، ولنْ يتحقق هذا لهم باذن الله.
فالحرص.. الحرص على وحدةِ الصف، واجتماع الكلمة؛ طاعةً لله، وإغاظةً لأعداء الله.
أسالُ الله العظيمَ أنْ يجعلَ هذا الشهر هالًّا علينا بالإيمانِ والأمن والعزِّ والتمكين والنصر لأمة الإسلام، كما أسأله سبحانه أنْ يَكبِتَ عدوَّنا، وأنْ يَكفيَنا إياهم بما يشاء.
اللهم عليك بأعدائِكَ أعداءِ الدين الذين يصدون عن سبيلِك، ويقاتلون أولياءَك، ويُؤذون عبادَك المسلمين، اللهم فرِّق جمعَهم، وشتِّتْ شملَهم، وخالِف بين قلوبِهم ووجوههم وكلمتهم، واجْعلْ بأسَهم بينهم شديدًا، اللهم إنا ندرأ بك في نحورِهم، ونعوذ بك مِن شرورهم، اللهم رُدّنا إليك ردًّا جميلًا، اللهم ألهِمْنا رُشدَنا، وقِنا شرَّ أنفسِنا، اللهم حَبِّبْ إلينا الإيمانَ وزيِّنْه في قلوبِنا، وكرِّهْ إلينا الكفرَ والفسوقَ والعِصيان، واجعلنا مِن الراشدين، اللهم وَلّ على المسلمين خيارَهم، واجعلْ ولايتهم فيمَنْ خافك واتّقاك واتّبع رضاك يا رب العالمين، اللهم وأصلِح لهم البطانةَ واجْعلهم رحمةً على رعاياهم نصرةً للإسلام وأهله
{وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (182)}، وصلى الله وسلّم على نبيّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(( المفتي العام للمملكة العربية السعودية، ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء ))