لا سياسة
وضعوا فوق فمي كلب حراسة ،
وبنوا للكبرياء في دمي سوق نخاسة ،
وعلى صحوة عقلي أمروا التخدير أن يسكب كأسة ،
ثم لما صحت: "قد أغرقني فيض النجاسة " ،
قيل لي : " لا تتدخل في السياسة " ؛
تدرج الدبابة الكسلى على رأسي إلى باب الرئاسة ،
وبتوقيعي بأوطان الجواري ،
يعقد البائع والشاري مواثيق النخاسة ،
وعلى أوتار جوعي ، يعزف الشبعان ألحان الحماسة ،
بدمي ترسم لوحات شقائي ،
فأنا الفن وأهل الفن ساسة ،
فلماذا أنا عبد، والسياسيون أصحاب قداسة ؟
قيل لي : " لا تتدخل في السياسة " ؛
شيدوا المبنى وقالوا أبعدوا عنه أساسة ،
أيها السادة عفوا، كيف لا يهتز جسم عندما يفقد رأسه ؟
الخلاصة
أنا لا أدعو
إلى غير الصراط المستقيم...
أنا لا أهجو
سوى كل عُتلٍ و زنيم...
و أنا أرفض أن
تصبح أرض الله غابة
و أرى فيها العصابة
تتمطى وسط جنات النعيم
و ضعاف الخلق في قعر الجحيم...
هكذا أبدع فنّي
غير أني
كلما أطلقت حرفاً
أطلق الوالي كلابه...
آه لو لم يحفظ الله كتابه
لتولته الرقابة
و محت كلّ كلامٍ
يغضب الوالي الرجيم...
و لأمسى مجمل الذكر الحكيم
خمسُ كلماتٍ...
كما يسمح قانون الكتابة
هي:
(قرآن كريم...صدق الله العظيم)
سلبتُكم أنهارَكم
والتينَ والزيتونَ والعنبْ .
أنا الذي اغتصبتُ أرضَكم
وعِرضَكم ، وكلَّ غالٍ عندكم
أنا الذي طردتُكم
من هضْبة الجولان والجليلِ والنقبْ .
والقدسُ ، في ضياعها ، كنتُ أنا السببْ .
نعم أنا .. أنا السببْ .
أنا الذي لمَّا أتيتُ : المسجدُ الأقصى ذهبْ .
أنا الذي أمرتُ جيشي ، في الحروب كلها
بالانسحاب فانسحبْ .
أنا الذي هزمتُكم
أنا الذي شردتُكم
وبعتكم في السوق مثل عيدان القصبْ .
أنا الذي كنتُ أقول للذي
يفتح منكم فمَهُ :
" شَتْ ابْ " !
***
نعم أنا .. أنا السببْ .
في كل ما جرى لكم يا أيها العربْ .
وكلُّ من قال لكم ، غير الذي أقولهُ ،
فقد كَذَبْ .
فمن لأرضكم سلبْ .؟!
ومن لمالكم نَهبْ .؟!
ومن سوايَ مثلما اغتصبتكم قد اغتَصبْ .؟!
أقولها صريحةً ،
بكل ما أوتيتُ من وقاحةٍ وجرأةٍ ،
وقلةٍ في الذوق والأدبْ .
أنا الذي أخذتُ منكم كل ما هبَّ ودبْ .
ولا أخاف أحداً ، ألستُ رغم أنفكم
أنا الزعيمُ المنتخَبْ .!؟
لم ينتخبني أحدٌ لكنني
إذا طلبتُ منكمو
في ذات يوم ، طلباً
هل يستطيعٌ واحدٌ
أن يرفض الطلبْ .؟!
أشنقهُ ، أقتلهُ ،
أجعلهُ يغوص في دمائه حتى الرُّكبْ .
فلتقبلوني ، هكذا كما أنا ، أو فاشربوا " بحر العربْ " .
ما دام لم يعجبْكم العجبْ .
مني ، ولا الصيامُ في رجبْ .
ولتغضبوا ، إذا استطعتم ، بعدما
قتلتُ في نفوسكم روحَ التحدي والغضبْ .
وبعدما شجَّعتكم على الفسوق والمجون والطربْ .
وبعدما أقنعتكم أن المظاهراتِ فوضى ، ليس إلا ،
وشَغَبْ .
وبعدما علَّمتكم أن السكوتَ من ذهبْ .
وبعدما حوَّلتُكم إلى جليدٍ وحديدٍ وخشبْ .
وبعدما أرهقتُكم
وبعدما أتعبتُكم
حتى قضى عليكمُ الإرهاقُ والتعبْ .
***
يا من غدوتم في يديَّ كالدُّمى وكاللعبْ .
نعم أنا .. أنا السببْ .
في كل ما جرى لكم
فلتشتموني في الفضائياتِ ، إن أردتم ،
والخطبْ .
وادعوا عليَّ في صلاتكم وردِّدوا :
" تبت يداهُ مثلما تبت يدا أبي لهبْ ".
قولوا بأني خائنٌ لكم ، وكلبٌ وابن كلبْ .
ماذا يضيرني أنا ؟!
ما دام كل واحدٍ في بيتهِ ،
يريد أن يسقطني بصوتهِ ،
وبالضجيج والصَخبْ .؟!
أنا هنا ، ما زلتُ أحمل الألقاب كلها
وأحملُ الرتبْ .
أُطِلُّ ، كالثعبان ، من جحري عليكم فإذا
ما غاب رأسي لحظةً ، ظلَّ الذَنَبْ .!
فلتشعلوا النيران حولي واملأوها بالحطبْ .
إذا أردتم أن أولِّيَ الفرارَ والهربْ .
وحينها ستعرفون ، ربما ،
مَن الذي ـ في كل ما جرى لكم ـ
كان السببْ .!؟
عليكَ بالمرونَة.
لا تتصلّبْ أبداً..
فالصلْبُ يكسرونَهْ.
حتّي لو انحني لهم
لن يأمَنَ انكسارَهُ
ساعةَ يركبونَهْ.
حتّي لو استخلصَ
من مرونَةَ الصّابونَهْ
صلابةً ذائبَهً
لن يَغفروا جُنونَهْ
سيغسِلونَ كفَّهُمْ منهُ
وفي مُستودعِ الأقذارِ يدلقونهْ.
كُنْ مَرِناَ
علي خُطَي الأنظمِة الميَمونَهْ
مرونةَ اللّيمونَةْ.
المَجدُ للّيمونِ في حكمتهِ المكنونَهْ:
ٌٌمُمتليءٌ..
لكنّهُ في مُنتهي اللّيونَهْ.
وحينَ يَعصرونَهْ
يَفقدُ ماءَ وجههِ
لكنّما قِشرتُهُ
تبقي علي طولِ المدي
سالمةً مَصونَهْ.
خُذْ حِكمةَ الجامعةِ العَذراءِ
واحملْها علي صدركَ كالأَيقونَهْ.
فهي بكُلِّ جَمْعِها
من مَجْمعِ الزّيتِ
وحتّي جامع الزّيتونَهْ
بزيتِها مَدهونَهْ!
وسِرُها المُعلَنُ في الأزمنةِ المَلعونة:
لن يَقبلَ الكَونُ وجودَ كائنٍ
إلاّ إذا كَفَّ عن الكينونَهْ!
عباس وراء المتراس،
يقظ منتبه حساس،
منذ سنين الفتح يلمع سيفه ،
ويلمع شاربه أيضا، منتظرا محتضنا دفه،
بلع السارق ضفة،
قلب عباس القرطاس،
ضرب الأخماس بأسداس،
بقيت ضفة
لملم عباس ذخيرته والمتراس،
ومضى يصقل سيفه ،
عبر اللص إليه، وحل ببيته،
أصبح ضيفه
قدم عباس له القهوة، ومضى يصقل سيفه ؛
صرخت زوجة عباس:
ضيفك راودني، عباس ،
قم أنقذني ياعباس،
أبناؤك قتلى، عباس،
عباس ــ اليقظ الحساس ــ منتبه لم يسمع شيئا ،
زوجته تغتاب الناس
صرخت زوجته : "عباس، الضيف سيسرق نعجتنا،
قلب عباس القرطاس ، ضرب الأخماس بأسداس ،
أرسل برقية تهديد،
فلمن تصقل سيفك ياعباس؟
وقت الشدة
إذا، اصقل سيفك ياعباس
صباح هذا اليوم
أيقظني منبه الساعة
وقال لي: يا ابن العرب
قد حان وقت النوم!
الساعة
دائرة ضيقة
وهارب مدان
أمامه وخلفه يركض مخبران
هذا هو الزمان
الصدى
صرخت: لا
من شدة الألم
لكن صدى صوتي
خاف من الموت
فارتد لي: نعم!
خطاب تاريخي
رأيت جرذا
يخطب اليوم عن النظافة
وينذر الأوساخ بالعقاب
وحوله
..يصفق الذباب!
طبيعة صامتة
في مقلب المقامة
رأيت جثة لها ملامح الأعراب
تجمعت من حولها النسور
والدباب
وفوقها علامة
تقول: هذي جيفة
كانت تسمى سابقا....كرامة!
قربة
صاحبي كان يصلي
-دون ترخيص-
ويتلو بعض آيات الكتاب
كان طفلا
ولذ لم يتعرض للعقاب
فلقد عزره القاضي
وتاب!
التهمة
كنت أسير مفردا
أحمل أفكاري معي
ومنطقي ومسمعي
فازدحمت
من حولي الوجوه
قال لهم زعيمهم: خذوه
سألتهم:
ما تهمتي؟
فقيل لي :
..تجمع مشبوه!
قلة أدب
قرأت في القرآن:
(تبت يدا أبي لهب)
فأعلنت وسائل الإذعان:
إن السكوت من ذهب
أحببت فقري ...لم أزل أتلو:
( وتب
ما أغنى عنه ماله وما كسب)
فصودرت حنجرتي
بجرم قلة الأدب
وصودر القرآن
لأنه..حرضني على الشغب!
قلم
جس الطبيب خافقي
وقال لي:
هل هاهنا الألم؟
قلت له: نعم
فشق بالمشرط جيب معطفي
وأخرج القلم!
هز الطبيب رأسه ...ومال وابتسم
وقال لي :
ليس سوى قلم
فقلت: لا ياسيدي
هذا يد ..وفم
رصاصة ... ودم
وتهمة سافرة...تمشي بلا قدم
شكرا لك اخي الكريم على هذه اللافتات الرائعة للشاعر الكبير احمد مطر.......
اجمل ما في قصائده انه يجعل من الكلمات البسيطة معاني كبيرة ........فهو يعرف كيف يتلاعب بالكلمات و يحورها الى ما يصبو اليه .......فهو حقا بارع............