في وجوب صومِ رمضان ووقته
*صومُ شهر رمضان ركنٌ من أركان الإسلامِ, وفرضٌ من فروضِ الله, معلوم من الدين بالضرورة.
*ويدلُّ عليه الكتاب والسنةُ والإجماع:
قال الله تعالى: <<يا أيها الذين آمنوا كُتِبَ عليكُمُ الصيامُ كما كُتِبَ على الذين من قبلكُم >>-البقرة/183- إلى قوله تعالى: <<شهر رمضان الذي أُ نزل فيه القرآن هدًى وبينَاتٍ من الهدى والفُرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمهُ... >>-البقرة/185-, ومعنى <<كُتبَ>>: فُرض.
وقال: <<فمن شَهِدَ منكم الشهر فليصمهُ>>: والأمر للوجوب.
وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((بُنيَ الإسلام على خمسٍ...)), وذكر منها: ((صومِ رمضان))-متفق عليه-.
والأحاديث في الدلالة على فرضيته وفضله كثيرةٌ مشهورةٌ.
وأجمع المسلمون على وجوب صومه, وأن من أنكره كَفَرَ.
*والحكمةُ في شرعية الصيام: أن فيه تزكية للنفس وتطهيرًا وتنقيةً لها من الأخلاط الرديئةِ والأخلاق الرذيلة؛ لأنه يُضيَّقُ مجاري الشيطان في بدن الإنسان؛ لأن الشيطان يجري من ابن آم مجرى الدم, فإذا أكل أو شربَ؛ انبسطت نفسه للشهوات, وضعُفت إرادتُها, وقَلَّتْ رغبتها في العبادات, والصوم على العكس من ذلك.
وفي الصوم تزهيد في الدنيا وشهواتها, وترغيب في الآخرة.
وفيه باعث على العطفِ على المساكين وإِحساسٌ بآلامهم؛ لما يذوقه الصائم من ألم الجوعِ والعَطَشِ؛ لأن الصوم في الشرع هو: الإمساكُ بنيةٍ عن أشياء مخصوصةٍ من أكلٍ وشربٍ وجماعٍ وغير ذلك مما وردَ به الشرعُ, ويتبعُ ذلك الإمساكُ عن الرفثِ والفسوق.
*ويبتدئ وجوب الصوم اليومي بطلوع الفجر الثاني, وهو: البياض المعترِض في الأُفُقِ, وينتهي بغروب الشمس؛ قال الله تعالى: <<فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ(يعني: الزوجات) وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ >>-البقرة/187-, ومعنى: <<يتبين لكم الخيطُ الأبيض من الخيطِ الأسود منَ الفجرِ>>: أن يتضح بياضُ النهار من سواد الليل.
*ويبدأُ وجوبُ صوم شهر رمضان إذا عُلِمَ دخوله.
*وللعلم بدخوله ثلاث طرقٍ:
الطريقة الأولى: رؤيةُ هلاله؛ قال تعالى: <<فمن شهدَ منكم الشهر فليصمه>>-البقرة/185-, وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((صوموا لرؤيته))-متفق عليه-, فمن رأى الهلال بنفسه, وجبَ عليه الصومُ.
الطريقة الثانية: إكمال عدةِ شهر شعبان ثلاثين يومًا: وذلك حينما لا يُرى الهلالُ ليلةَ الثلاثين من شعبان مع عدم وجود ما يمنعُ الرؤية من غيم أو قترٍ أو معَ وجود شيءٍ من ذلك؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((إنما الشهرُ تسعٌ وعشرون يومًا, فر تصوموا حتى تروه[أي: الهلال], ولا تُفطروا حتى تروه, فإن غُمَّ عليكم فاقدروا له))-متفق عليه-, ومعنى ((اقدروا له))؛ أي: أتموا شهر شعبان ثلاثين يومًا؛ لما ثَبَتَ في حديث أبي هريرةَ: ((فإن غُميَ عليكم الشهر, فعُدوا ثلاثين))-متفق عليه-.
*ويلزمُ صومُ رمضانَ كل مسلم مكلفٍ قادرٍ, فلا يجبُ على كافرٍ, ولا يصحُّ منه؛ فإن تابَ في أثناءِ الشهر, صام الباقي, ولا يلزمه قضاءُ ما سبقَ حالَ كفره.
*ولا يجبُ الصومُ على صغيرٍ, ويصحُّ الصوم من صغيرٍ مميَّز, ويكونُ في حقه نافلةٌ.
ولا يجب الصوم على مجنونُ, ولو صام حال جنونه, لم يصح منه لعدم النية.
*ولا يجب الصومُ أداءً على مريضٍ يعجز عنه ولا مسافرٍ, ويقضيانه حالَ زوال عذرِ المرض والسفرِ؛ قال تعالى: <<فمن كان منكم مريضًا أو على سفرٍ فَعِدَّةٌ من أيامٍ آُخر>>-البقرة/184-.
*والخطابُ بإيجاب الصيام يشملُ: المقيمَ والمسافرَ, والصحيح والمريضَ, والطاهر والحائض والنفساءَ, والمغمى عليه؛ فإن هؤلاء كلهم يجبُ عليهم الصومُ في ذِمَمِهم, بحيث إنهم يخاطبون بالصوم, ليعتقدوا وجوبه في ذممهم.
والعزم على فعله: إما أداءً, وإما قضاءً.
فمنهم من يخاطب بالصوم في نفس الشهر أداءً, وهو الصحيح المقيمُ, إلا الحائضَ والنفساءَ.
ومنهم من يخاطب بالقضاء فقط, وهو: الخائضُ والنُّفساءُ والمريضُ الذي لا يقدرُ على أداءِ الصومِ ويقدِر عليه قضاءً.
ومنهم من يُخير بين الأمرين, وهو: المسافرُ والمريضُ الذي يمكنه الصومُ بمشقةٍ من غير خوفِ التَّلَفِ.
*ومن أفطر لعذرٍ ثُمَّ زَالَ عذرُه في أثناء نهارِ رمضان: كالمسافر يَقدَمُ من سفره, والحائضُ والنفساءُ تطهران, والكافرُ إذا أسلم, والمجنون إذا أفاق من جنونه, والصغير يبلغ, فإنَّ كلاًّ من هؤلاء يلزمه الإمساكُ بقية اليوم ويقضيه.
وكذا إذا قامت البينةُ بدخولِ الشهر في أثناء النهارِ, فإن المسلمين يُمسكون بقيةَ اليوم ويقضون اليوم بعدَ رمضانَ.