لقاء طارئ مع [ هوشي منه ] قائد الثورة الفيتنامية
في الدورة العامة للانتخابات النقابية عام 1957, في ظروف احتدام النضال الوطني في سورية ضد مؤامرات الإمبريالية الأمريكية والبريطانية التي كان هدفها ربط سورية بحلف بغداد الاستعماري الذي كان يعرف بالحلف التركي الإيراني الباكستاني) كقاعدة إمبريالية موجهة ضد الاتحاد السوفيتي, تحت شعار مكافحة الخطر الشيوعي.
وقد تصدى الشعب السوري وقواه الوطنية الديمقراطية بالتحالف مع الجيش, وأفشل كل مؤامرات المستعمرين, حيث كان الشعب والأحزاب تتمتع بحقوق ديمقراطية واسعة (صحافة حرة مستقلة ـ أكثر من ثلاثين جريدة ومجلة سياسية تصدر في سورية) وقد ساعد هذا المناخ الديمقراطي على حشد وتعبئة جماهير الشعب وأسقط كل مؤامرات المستعمرين.
في هذا الظرف السياسي جرى انتخاب مجلس الاتحاد العام لنقابات العمال في سورية, وقد تشكلت قائمة القوى الوطنية التقدمية من الحزب الشيوعي وحزب البعث العربي الاشتراكي, ومن الحزب الوطني (جناح صبري العسلي), ومن بعض العناصر المستقلة, ضد قائمة حزب الشعب, وقد نجحت قائمة التحالف الوطني في معظمها, وكان للحزب الشيوعي /3/ أعضاء, كان عمر قشاش من بين الناجحين في هذه الانتخابات.
وبناءً على دعوة من الاتحاد النقابي العمالي للاتحاد العام لنقابات العمال في سورية للاشتراك في المؤتمر النقابي العالمي الرابع الذي عقد عام 1957 في مدينة لايبزغ في ألمانيا الديمقراطية.
وقد كنت عضواً من بين أعضاء وفد الاتحاد العام, وبعد الانتهاء من أعمال المؤتمر, وجهت رئاسة المؤتمر دعوة عامة إلى جميع أعضاء المؤتمر الضيوف لزيارة الاتحاد السوفيتي, وقد ذهب قسم كبير من أعضاء المؤتمر إلى موسكو, كنت من بين الوفود الذين زاروا موسكو.
وبينما كنت جالساً في صالة فندق موسكو, زارني مندوب إذاعة موسكو وطلب مني حديثاً للإذاعة, عن الوضع السياسي في سورية, وعن موقف حزبنا الشيوعي وسياسته الحالية آنذاك في الأحداث الجارية. وقد سجلت كلمة موجزة هذا مضمونها:
يتميز الوضع السياسي في سورية باحتدام النضال الوطني ضد مؤامرات الاستعمار, ويناضل شعبنا وقواه الوطنية من اجل التنمية الاقتصادية لتعزيز قدرة سورية الاقتصادية والعسكرية دفاعاً عن الاستقلال الوطني.
وتتعرض بلادنا لضغوط ومؤامرات استعمارية بهدف ربط سورية بالأحلاف الاستعمارية (الحلف التركي الباكستاني ـ حلف بغداد), إن سياسات حزبنا الشيوعي تقوم على أساس النشاط الواسع بين جماهير الشعب بالتعاون مع القوى الوطنية من أجل التصدي وفضح المخططات الاستعمارية العدوانية ضد شعبنا واستقلال بلادنا, ويدعو حزبنا وشعبنا للصداقة والتعاون مع الاتحاد السوفيتي الذي يقف إلى جانب سورية ضد أي عدوان.
ويتدرب شعبنا على استعمال السلاح من اجل التصدي ومواجهة احتمالات العدوان ضد شعبنا وبلادنا.
إن حزبنا الشيوعي إلى جانب موقفه ونضاله الوطني, يناضل أيضاً من أجل الدفاع عن حقوق ومطالب العمال وجماهير الفلاحين الفقراء وصغار الكسبة من أجل تحسين المستوى المعاشي لهم.
وبعد الانتهاء من تسجيل حديثي لإذاعة موسكو, شكرني, وقال لي هو ذا الرئيس هوشي منه رئيس جمهورية فيتنام الديمقراطية يدخل الفندق, سأذهب لآخذ منه تصريحاً للإذاعة لنذهب معاً.
ذهبت برفقته وسلمت على الرئيس هوشي منه وعرفته على نفسي كعضو في الحزب الشيوعي السوري, وذهبنا معاً إلى صالة الفندق وجلسنا هناك, تابعت حديثي, شكرت الرئيس على لطفه وكرمه, وأشدت بنضال الشعب الفيتنامي وتضحياته الكبرى تحت قيادته ضد الاستعمار الفرنسي من أجل تحرير واستقلال الفيتنام, حيث أصبح نضال هذا الشعب العظيم رمزاً للشعوب المناضلة له من أجل التحرر والاستقلال والديمقراطية والسلام.
شكرني وحيا نضال شعبنا السوري من أجل الدفاع عن سيادة وحرية الوطن, وقال أن الشعب الذي يصمم على النضال والتضحية من أجل تحرير بلاده سينتصر على المستعمرين مهما بلغوا القوة العسكرية.
ثم سجل الرئيس هوشي منه حديثاً لإذاعة موسكو عن نضال الشعب الفيتنامي والتضحيات التي قدمها ولا يزال يقدمها من اجل التحرر من الاستعمار الفرنسي, وإقامة الدولة الفيتنامية المستقلة, وأكد أن الشعب الفيتنامي مصمم على متابعة النضال من أجل تحرير كافة الأراضي الفيتنامية وطرد المحتلين الغزاة, وإقامة الدولة الفيتنامية الديمقراطية الواحدة للشعب, وأشاد بالدعم السياسي والاقتصادي والعسكري الذي يقدمه الاتحاد السوفيتي الصديق للشعب الفيتنامي في نضاله من أجل تحرير وطنه, وأنهى حديثه بتوجيه الشكر لإذاعة موسكو.
وقد استغرق هذا اللقاء العفوي مدة نصف ساعة, وهنا لا بد لي من أن أتحدث عن انطباعاتي ومشاهدتي لهذا الإنسان العظيم قائد الثورة الفيتنامية.
قامته معتدلة, نحيف الجسم, وسيم المظهر, لطيف ومتواضع جداً يتحدث بصوت هادئ وواثق, يرتدي لباساً بسيطاً جداً, ثوب طويل وعادي جداً, وحذاؤه شبيه بأحذية بسطاء الهنود الفقراء, وعلى صدره معلق أوسمة عديدة تقديراً وتكريماً له ولدوره الكبير في قيادة الثورة الفيتنامية.
هذه سمة القادة العظام الذين سجلوا في تاريخ نضال الشعوب صفحات مضيئة من أجل إقامة عالم متحرر من الظلم والطغيان الإمبريالي, عالم تسوده الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية في المجتمع والاستقرار والسلام العالمي.