قول الحقيقة في كل الحالات ليس بالضرورة سهلا، خصوصا ان في الجزائر يعد من أصعب الأمور وأعقدها، ليس علي مستوي الواقع الحالي المؤلم فقط، وانما علي مستوي بعض الأطراف، الجماعات المختلفة، وردود أفعال الآخرين.. اذا ما كان هؤلاء عادة في تأثر مباشر بأفكارهم وتوجهاتهم الذاتية.. برفضهم اذن للحقيقة كما هي، أو اذا كان مصدرها من جهات أخري، في حالة عدم مرورها عليهم، أو لم تصنع وتصاغ بينهم في قلب كواليسهم للسلطة المدبرة لكل تحرك وكل شيء.. هؤلاء الذين قبلوا للأسف الشديد اقتسام كل أجزاء الحكم ــ أساساً ــ مشكوك في شرعيته وفي وجوده النزيه.. كونه مؤسساً علي عشرات من الانتخابات المزورة، واحتيل علي مصداقيتها. ولأن هذه الحقيقة كانت مرتبطة دائما بتورط مفضوح للمؤسسة العسكرية.. الاغتيالات السياسية، تصفية المعارضة جسديا، اغتيال رجال الصحافة، ومن الاحزاب المعارضة، خصوصا هؤلاء الذين انتموا الي الحزب المُحل الجبهة الاسلامية ، او فائز في الانتخابات الملغاة في كانون الاول (ديسمبر) عام 1991، بتدخل الجيش مشخص أساسا في بعض الجنرالات الذين كانوا ضباطا في الجيش الفرنسي، كالجنرال خالد نزار وزير الدفاع الأسبق والجنرال محمد لعماري قائد القوات العامة. اذن فمحاولة اعادة تطويع واعادة توجيه وتقويض المجتمع والقوي السياسية، كانت تقريبا ناجحة عن طريق بث سياسة القهر والظلم وخلق حدود وخطوط حمراء جديدة قمعية وارهابية. وعليه فقد كانت وسيلة وردة الفعل من نتائج الانتخابات، هو الانتقام بكل مكر وقوة ضد أغلبية شعب اختار عنوة ومكرا الجبهة الاسلامية .
وعليه فانه حسب المنطق السائد في أوساط ضابط الجيش وبعض الشخصيات الموالية، كانت غلطة فظيعة كان لا ينبغي للشعب ان يرتكبها.. وــ وهما ــ عندما اعتقدوا وجهلوا إن الشعب صار تاريخيا تحت الوصاية الاجبارية للعسكر. فمنذ الانحراف الخطير لسلوك المقررين في البلاد، ومنذ تدني وضعية حقوق الانسان والخروق الواضحة المستمرة للحقوق الفردية والجماعية وللحريات الأساسية، نتيجة غياب فعلي لنية عميقة لحل الخلاف والمعضلة الجزائرية في عهد تعددية فتية جدا.. هرب النظام بالجزائر الي الامام وسد المجتمع الجزائري وقسمه.. سنوات في ما بعد وجد هذا المجتمع نفسه ضائعا في متاهات نفق دامٍ ونزيف مستمر.. التأخر والتخلف الاقتصادي، خوصصة المؤسسات والقطاعات الحساسة، تسريح ملايين العمال، مئات الآلاف من الضحايا والقتلي في هذه الحرب المدنية، وآلاف من المختفين. علي الرغم من كل هذا للأسف، فان الذين يحكمون علي التوالي وفق نظام (الوراثة) الي غاية اللحظة، لم يعترفوا لحد الآن بفظاعة اخطائهم ومناهج حكمهم: لا يجب ان نترك لهم الحكم بهذه السهولة، لن نتركهم أبدا، لن نسمح بمرور السلطة والحكم الي من يريد تحويل الجزائر الي ايران جديدة؟ قالها ذات مرة أحد الجنرالات، بعد تمكّن استقدام المنقلبين علي نظام الشاذلي للمرحوم محمد بوضياف كرئيس لمخطط استئصالي وقمعي للمجتمع الجزائري من دون علمه؟! في هيئة المجلس ــ الاعمي ــ عفوا، الاعلي للدولة .
هذا الوعد المشؤوم وهذا التطرف الخبيث، عقد كثيرا الوضعية في الجزائر، وعرفت وقتها أكثر الفترات والحقب البشعة والفظيعة من بربرية ووحشية مطلقة في التقتيل والاغتيالات والمساس بحقوق الانسان، الي درجة ان حتي ايران في حد ذاتها لم تشهدها وقتها؟!
من يقتل من؟ السؤال الذي يقلق ويزعج الكثير؟
منذ كشف دور المؤسسة العسكرية، بعد مجازر واغتيالات مشكوك فيها، مست المدنيين العزل والصحفيين، والمبدعين وأهل الفن والابداع، وكذلك الاجانب، والرضع من دون استثناء أحد. وبعد نشر الكثير من الشهادات والروايات من طرف كتاب ورجال اعلام ومناضلين في مجال حقوق الانسان، بدأ الرأي العام الدولي الاستفسار، والتساؤل بجدية وانشغال كبيرين عن ــ من رواء ــ آلة الموت التي تحصد الجزائريين، لان الرواية الجاهزة والمعتادة المنسوبة الي الجماعات الاسلامية والارهابية صارت ثانوية. الكتاب الأسود للجزائر ، من يقتل في بن طلحة؟ ، عشرة مفاتيح لفهم الأزمة الجزائرية ، وأخيرا كتاب الحرب القذرة للضابط السابق حبيب سوايدية.. صور شهادات مدينة، ومورطة ومروعة في آن، دفعت بالتساؤل وبمحاولات الفهم بعيدا في ما يتعلق بعقد المسألة اللا أمنية واللا مستقرية في الجزائر. وفي كل مرة يعاد طرح التساؤل من يقتل من؟ ، غير ان لعبة ــ تنس الطاولة ــ بين باريس والجزائر، وبين الذين يصرون علي تجلي العدالة، ومعاقبة المتسببين في المأساة وفي جرائم هذه الحرب وبين من هم يدافعون من دون هوادة عن السلطة العسكرية بشكل مطلق ويؤيدون بحماس شديد براءتها من خلال نظرة جاهزة للاستهلاك.. لانه حسب رأيهم دائما، فان المجرم المثالي الوحيد والمسؤول الأوحد عن كل هذه المجازر هم عناصر الارهاب والجماعات الاسلامية المتطرفة.. متجاهلين للأسف في كل مرة الأدلة والقرائن والبينات المظهرة من طرف مختصين في القوانين والمحاماة، ومن طرف مناضلين في مجال حقوق الانسان، وأخيرا من طرف المعنيين مباشرة وهم الضحايا.. صحفيون، محققون وحتي ضباط في الجيش الذين أدانوا واثبتوا للرأي العام مسؤولية الجيش الجزائري في الكثير من عمليات الابادة الجماعية، بالنسبة لهؤلاء، كل شيء أو رأي قادم من الخارج فهو مرفوض اطلاقا، معتبرينها حملات مغرضة من طرف اعداء الجزائر ومن طرف خونة وكذابين، الذين يبحثون عن مجالات لحشر أنفسهم في القضايا والشؤون الداخلية للبلد، والاساءة الي كرامة الأمة الجزائرية، وكأن هذه الكرامة (المتحدث عنها) كانت دائما محفوظة، ومحمية، ولم تكن في يوم ما ممسوسة، ما عدا هؤلاء المفتعلين والمخترعين للحملات الشرسة السياسية، لاجبار الهيئات الدولية لمعاقبة الجزائر.
غير اننا نعلم جيدا، ونعرف بأن هناك نخبة من المعارضين الذين أثاروا بكل جرأة ومسؤولية هذه المسألة، وحملوا الجيش مسؤولية ما يحدث وما حدث في بعض الخروقات والتجاوزات الصارخة، وتورط بعض القادة من الرتب الرفيعة في عدة عمليات مروعة استهدفت وسط الشارع الجزائري، وتجاوزوا اطار حماية المواطن والوطن وحقوق الانسان من خلال تعسفات لا غبار عليها، طالت الشعب الجزائري بأكمله. وحتي الصحافة الجزائرية، التي تعد من أجرأ واشجع من غيرها في الوطن العربي والافريقي والدول النامية (علي الرغم من قصر تجربتها التعددية)، لعبت للأسف الشديد أدوارا وأشواطا مهمة ومصيرية في حياة الفرد الجزائري، وقد انتقدت وأدانت بشدة وقتها السلطة الرسمية اثر خرقها لكثير من المرات لمبادئ حقوق الانسان، وفساد أجهزة العدالة وتدهور الاقتصاد وكل القطاعات الحساسة في البلاد، مع اشاراتها العديدة لسياسة الترقيع المنتهجة من طرف حكومات وسلطات أقل ما يقال عنها فاشلة، وعقيمة وكان وقوفها ضد الارهاب والقتل العشوائي صريحا وشجاعا.. بالمقابل فقد دفعت غاليا من أسرتها بفقدان اكثر من ستين صحفياً، بغض النظر عن الذين تم اختطافهم في ظروف غامضة وقتلهم في ما بعد.. لكن اذا تعلق الأمر برأي أو تعبير قادم من الخارج من طرف جزائريين أو من قبل المدافعين عن قضية حقوق الانسان، فانها تتحول بسرعة ويتحول خطابها وأسلوبها الي درجة ان يصعب علينا معرفة الفرق بينها كصحافة ــ يقال عنها مستقلة ــ وبين السلطة الحاكمة، فتتعامل مع مسألة حقوق الانسان، والدعوات المدافعة والمناضلة من أجل الديمقراطية الحقيقية بعيدا عن ــ ظل القبعات الخضراء ــ، علي أنها مساس للأمة وللشعب الجزائري.. في ذات الوقت هذه الصحافة نفسها وهؤلاء الساسة المرضي يعلمون جيدا ان الدفاع عن حق التعبير والديمقراطية وحرية الرأي، مطالب ومبادئ أساسية لحقوق الانسان، وليست خرقا أو تدخلات في الشؤون الداخلية للبلد. وفي كل مرة تتصدي هذه الصحافة وبعض الوجوه السياسية بعدوانية فائقة مفرطة ضد كل الذين يعملون علي اظهار الحقيقة، فيعطينا انطباعا خاصا يدعو الي الانشغال والحيرة وطرح من جديد السؤال: ما هو الدور الحقيقي الذي تلعبه هذه الصحافة، وهل هي فعلا مستقلة، أو انها تتمتع باستقلالية جزئية محرّكة وموجهة؟ وما الذي تريده هذه الصحافة بالضبط؟ .
بعد صدور الحرب القذرة مباشرة في شهر شباط (فبراير) عام 2001، تحركت آلة ردود الأفعال كالعادة، تمثلت في هجمات مضادة قادتها في المقام الأول الصحافة الخاصة، غير انها كانت تلك الموجة من الردود فوق العادة، تجنيدا ليس له أي مثيل من قبل.. دعم من طرف بعض الاحزاب والشخصيات السياسية، بعد الحملة الجديدة الاعلامية للصحافة الفرنسية وبعض الشخصيات المثقفة.. حال اتضاح وبروز الرؤية الجديدة (الصدمة)، أي صدور كتاب الحرب القذرة ، والذي وضع مرة أخري المؤسسة العسكرية في الجزائر والسلطة ككل في ميزان واحد في ما يتعلق بجرائم الحرب المرتكبة خلال عشرية كاملة، هذه الحرب التي دارت وتدور بين التيار الاسلامي المقصي من انتخابات كانون الاول (ديسمبر) عام 1991 والسلطة صاحبة الانقلاب علي المسار الانتخابي.. حرب استعملت بارادة الجنرالات الاستئصالية لكل أصناف التقتيل ومختلف الأساليب لتقليب الرأي العام الدولي والوطني ضد التيارات الاسلامية في الجزائر، خصوصا الحزب المحظور.. فعمليات التصفيات الجماعية وبعض المجازر المشبوهة والمفضوحة أحيانا، التي مست خصوصا قاعدة الحزب المعني، ومناضليه والمتعاطفين معه.
كانت تجاوزات صارخة وغير معقولة مست بالدرجة الاولي وضعية حقوق الانسان وعقدت مجري الحياة أكثر ما هو عليه من قبل وما ارتكبته في بداية الأزمة الأمنية الجماعات المسلحة المختلفة.. عشرات من الاحتجاجات والمظاهرات والنداءات الرافضة لأي تدخل خارجي حركت من طرف القوي ــ الموصوفة بالحية؟! ومن اهمها حزب حمس ، أي حركة مجتمع السلم للشيخ محفوظ نحناح، الحزب الجمهوري لرئيس الحكومة الاسبق رضا مالك.. وكل هذا في غياب وصمت غريب (في البداية) من طرف السلطات الرسمية للبلاد، ولم يصدر وقتها أي رد فعل بحجم الحملة التي انطلقت من باريس.. وقد دفع هذا الصمت الغريب بالأحزاب وبالصحافة الخاصة علي وجه الخصوص الي التساؤل عن ــ اللا رد ــ من طرف المؤسسة العسكرية، والرئاسة.. هذا مما دعم واعطي في البداية أفضلية للطروحات الجديدة التي وردت في شهادة الضابط السابق في الجيش الجزائري حبيب سوايدية، اذن انطلاقا من هذا فان بعض الصحف الجزائرية تبنت مباشرة مهمة الدفاع والمرافعة ــ لا ندري اذ كان ذلك مجانا؟! ــ عن شرف المسؤولين علي رأس المؤسسة العسكرية المتورطين في عمليات كثيرة، ومجازر مشبوهة التفاصيل.. حملة واسعة ضد مؤلف الحرب القذرة، والذين وراءه.. وبين عشية وضحاها تجد المؤسسة العسكرية الحاكمة نفسها مدججة ومحاطة، محمية ومرافع عنها من طرف اقلام صحفية، المعتبرة ان هذه الحرب ، لم تكن مفتعلة بمحض الصدف، أو من خلال نيات حسنة تجاه الجزائر.. حسبها، فانها كانت دائما متيقنة بأن هذه المؤلفات الصادرة في الخارج وهذه الشهادات لا تعبر الا عن محاولة تدويل المسألة الجزائرية.. وهذه الأطراف كما تزعم: هم في الحقيقة دفعوا انطلاقا من حقد تاريخي لبعض الشخصيات الفرونكو ــ جزائرية ، ومن خلاله فرنسا كدولة المسؤول والمورط الوحيد في كل هذه الاختفاءات لعشرات الآلاف من المواطنين، وهذه المجازر منذ انطلاق الأزمة، وتلك الاختطافات اللغز والغامضة، هي من صنع مجرم واحد متمثل بالطبع في تنظيم الجماعات المسلحة الارهابية الاسلامية المتطرفة .. لهذا تمخض في ما بعد اطلاق نداءات، وبيانات واحتجاجات هُيكلت باحكام من طرف النخبة المثقفة في البلاد، ورجال الاعلام والفن الغيورين علي هذه الأمة.. غضب عارم أطر باحكام ووجه بقيادة الأطراف المذكورة نفسها.. وقد تولد عن هذه الاحتجاجات توقيع عرائض وبيانات صحفية توازت مع الحملة القادمة من باريس.. منتقدين ومنددين بتدخل الخارج باستعمال واستغلال أقلية من جزائرية ــ حسب وصفهم ــ وبعض الفرنسيين في الشؤون الداخلية للبلاد.. وتضيف: بأن حبيب سوايدية، كاذب مفتر، لص وما ــ الحرب القذرة ــ الا توجيه مغرض من قوي خارجية فاسقة وعدو تقليدي للجزائر وشعبها ، وبعض الصحف لم تدخر أي جهد بتحريم كتاب الحرب القذرة وصاحبها، كما شتمته وأدانته بكل مجانية، معتبرة تصرفه هذا، لا يمكن الا ان يكون وجها صريحا للخيانة وللعمالة، وهو لعبة أو دمية في أيد باريسية.. علي حد ما كتبته صحيفة من منطقة ران الفرنسية، في جريدة الوطن بتاريخ 21 من شهر نيسان (ابريل) عام 2001، بعد تنشيط مؤلف الكتاب وناشره أمسية جزائرية خاصة.
فاذا كان الكلام عن اللاعدالة وعن الظلم والتعسف في استعمال السلطة وقهر المجتمع، وعن التجاوزات التي فاقت حتي المنطق، وطالت الكرامة الانسانية والحقوق الأساسية لشعب بأكمله وأمة بأسرها، اذن لماذا يا تري في كل مرة، يتجه نفس المنددين والرافضين والمدافعين الي باريس، خاصة في نادي الصحافة، والي غير ذلك من البلدان الأوروبية من أجل فضح نظام متعفن متسلط من خلال تجاوزاته الكثيرة وتضييقه للحريات وأهمها حرية التعبير، والي ذلك من التعابير التي تستخدم وتثبت في العاصمة الفرنسية من قبلهم شخصيا، وضد النظام الحاكم نفسه الموضوع في نقطة استفهام من قبل سوايدية ومن معه..؟!.. فالكل طبعا يتذكر حادثة القبضة الحديدية للصحف الجزائرية بتاريخ 17 تشرين الاول (اكتوبر) عام 1999، أين احتجبت عن الصدور محتجة ضد الضغوط الاقتصادية والتهديدات المالية التعجيزية من طرف مطابع الدولة التي أشعرت وقتها تلك الصحف بضرورة دفع مجمل ديونها، والا فانها مضطرة لعدم سحبها كما المعتاد، وكانت الصحف المعنية وقتها: لا تريبين، لو صوار دالجيري، لوماتان والوطن، ثم التحقت بركب ــ القبضة الحديدية ــ الجرائد التالية تضامنا مع موقف زميلاتها: لو كوتيديان دو رون، ليبارتي وطبعتها المعربة جريدة الخبر.
المسؤولون عن هذه الجرائد، قرروا في ذلك التاريخ، كما ذكرنا التنقل الي باريس ــ من دون أي اشكال في الحصول علي ــ تأشيرات سفر ــ وبسرعة قياسية وجدوا ككل المرات السابقة بمحض ارادتهم واختيارهم بلد الديمقراطية وحرية التعبير والخير كله من أجل اسماع صوتهم الحر، الذي يريد النظام نفسه ان يكون مكتوما.. فكان غرض الدورة المكوكية لمسؤولي النشريات المذكورة هو التحدث الي الفرنسيين الخبراء في المادة الاعلامية بمقر نادي الصحافة .. وكان كذلك من بين هؤلاء المعول عليهم لمساعدة الصحف الجزائري، منظمات وشخصيات كانت وما زالت وراء حملات سؤال: من يقتل من في الجزائر؟ .. فطلبوا بشكل واضح ــ اذا لم تخنا الذاكرة ــ مساندة ودعم هذه الشخصيات وهذه المنظمات ــ المغضوب عليها اليوم ــ من أجل توسيع دائرة الضغط والاحتجاجات والحملة الاعلامية علي مستوي دولي ضد أصحاب الحل والربط في الجزائر، ومساندة بقدر المستطاع خرجة ــ القبضة الحديدية ــ، ضد الأقوياء من ذلك النظام وعلي رأسهم الرئيس المزاح اليمين زروال وذراعه الأيمن ومستشاره الجنرال المعروف محمد بتشين، وكذلك وزير العدل آنذاك السيد آدمي.. وفي خلال شهر ــ القابضون للحديد ــ انهوا اعتصامهم واحتجاجاتهم وهجومهم العنيد ضد النظام، فكانت الجولة لصالحهم، اذ تم ــ بارادة الله؟! ــ تقديم الرئيس زروال استقالته المسبقة قبل انهاء عهدته، ثم مستشاره المفضل الجنرال، والوزير المكلف بالعدل.. ولمرة أخري برزت استراتيجية الانقلاب عن طريق عصا الاعلام الموجهة باحكام من طرف جناح الجنرالات محمد لعماري، محمد مدين، وبعض الدمي من الأحزاب، ومنه نجحت ضرب القبضة الحديدية في فرض شخصيات جديدة سياسية وعسكرية لمواصلة تسيير البلد من دون اللجوء أو الاضطرار الي اقتسام الحكم مع من يرفض قواعد التزوير والرياء.
تمنينا لو كانت هذه الحملة الاعلامية ضد النظام، وضد جهاز مرتش متواصلة ــ علي طول الخط ــ لذلك التاريخ، لم تستثن بعض الصحف، ولم تقصها من نصيب وحظ ــ أضعف الايمان، حظ الانثيين؟! ــ هذه الثورة ضد نظام أقصي صدورها ظهورها واستمراريتها كاسبوعية البرهان الوطنية، المتهمة بقربها من الاسلاميين.. وقد كانت الصحيفة ضحية التعسف نفسه الذي أقيم لأجله باريس ولم تقعد.. اذ حرمت النشرية من الصدور في عددها الخامس بتاريخ 12 تموز (يوليو) عام 1998 من طرف احدي المطابع نفسها.. وقد رفض سحب الصحيفة من دون تقديم أي توضيح مقنع عدا تلك المبررات الادارية، حسب مدير الجريدة آنذاك نذير العرجون.. هذه المبررات التي تعود الي عهد ـــ قبائل قينقاع؟! ــ لكن نظرا للتجربة ودرايتنا بخبايا هذه المسائل، نطرح هذا المثال: فاذا تعلق الأمر بمجرد مراسل لاحدي هذه الصحف، وهذه العناوين كان يتعرض لضغط، أو مضايقة ما، فان المعلومة أو الخبر والاحتجاج يتجاوز حتي الحدود ويحصد تضامن الاجانب ومن بينهم الفرنسيون طبعا في الصف الأول، كحالة السيد (س)، صحفي جزائري مسؤول عن نشرية جهوية، لا يهدأ له بال ولا يرتاح ولا ينام الا اذا بعث بتقاريره الي المنظمات المختصة في الدفاع عن حرية الصحافة والتعبير في العالم بباريس، وحتي اذا كان الأمر لا يستحق تهويل وتجنيد هذه المنظمات كسقوط ــ عنزة من البلكونة؟! ــ يملكها صحفي يشتغل في ــ لاتريبين مثلا، أو لوماتان، أو في جرائد أخري ما خاصة، معروف عنها صفة التمثيل لصحافة حرة في الجزائر، فالمسألة هنا متعلقة بحرية التعبير.. لان زميلنا مالك العنزة حزين، لاصابة أو لهلاك عنزته؟!