
الحمد لله كان مصطلح " أهل الحديث " ممثلاً للفرقة التي تعظم السنة وتقوم على
نشرها ، وتعتقد عقيدة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وترجع في فهم
دينها إلى الكتاب والسنة على فهم خير القرون دون ما يفعله غيرها من اعتقاد
غير عقيدة السلف الصالح ومن الرجوع إلى العقل المجرد والذوق والرؤى
والمنامات .
فكانت هذه الفرقة هي الفرقة الناجية والطائفة المنصورة ، والتي ذكر كثير
من الأئمة أنها المقصودة في قوله عليه الصلاة والسلام " لا تزال طائفة من
أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك "
رواه مسلم ( 1920 )
وقد جاء في أوصافهم الشيء الكثير من كلام الأئمة المتقدمين والمتأخرين ، ويمكن أن نختار منها ما يلي :
1. قال الحاكم :
أحسن الإمام أحمد بن حنبل في تفسير هذا الخبر أن الطائفة المنصورة التي
يُرفع الخذلان عنهم إلى قيام الساعة هم " أصحاب الحديث " ، ومَن أحق بهذا
التأويل من قومٍ سلكوا محجة الصالحين ، واتبعوا آثار السلف من الماضين ،
ودمغوا أهل البدع والمخالفين بسنن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله
أجمعين . " معرفة علوم الحديث " للحاكم النيسابوري ( ص 2 ، 3 ) .
2. قال الخطيب البغدادي :
وقد جعل الله تعالى أهله - يعني : أهل الحديث - أركان الشريعة وهدم بهم كل
بدعة شنيعة ، فهم أمناء الله من خليقته ، والواسطة بين النبي صلى الله
عليه وسلم وأمته ، والمجتهدون في حفظ ملته ، أنوارهم زاهرة ، وفضائلهم
سائرة ، وآياتهم باهرة ، ومذاهبهم ظاهرة ، وحججهم قاهرة ، وكل فئة تتحيز
إلى هوى ترجع إليه أو تستحسن رأياً تعكف عليه سوى أصحاب الحديث فإن الكتاب
عدتهم ، والسنَّة حجتهم ، والرسول فئتهم ، وإليه نسبتهم ، لا يعرجون على
الأهواء ، ولا يلتفتون إلى الآراء ، يقبل منهم ما رووا عن الرسول ، وهم
المأمونون عليه والعدول ، حفظة الدين وخزنته ، وأوعية العلم وحملته ، إذا
اختلف في حديث كان إليهم الرجوع ، فما حكموا به فهو المقبول المسموع ،
ومنهم كل عالم فقيه ، وإمام رفيع نبيه ، وزاهد في قبيلة ، ومخصوص بفضيلة ،
وقارئ متقن ، وخطيب محسن ، وهم الجمهور العظيم ، وسبيلهم السبيل المستقيم
، وكل مبتدع باعتقادهم يتظاهر ، وعلى الإفصاح بغير مذاهبهم لا يتجاسر ، من
كادهم قصمه الله ، ومن عاندهم خذله الله ، لا يضرهم من خذلهم ، ولا يفلح
من اعتزلهم ، المحتاط لدينه إلى إرشادهم فقير ، وبصر الناظر بالسوء إليهم
حسير ، وإن الله على نصرهم لقدير .
" شرف أصحاب الحديث " ( ص 15 ) .
3. قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
وبهذا يتبين أن أحق الناس بأن تكون هي الفرقة الناجية " أهل الحديث والسنة
" الذين ليس لهم متبوع يتعصبون له إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهم
أعلم الناس بأقواله وأحواله ، وأعظمهم تمييزاً بين صحيحها وسقيمها ،
وأئمتهم فقهاء فيها ، وأهل معرفة بمعانيها ، واتباعاً لها : تصديقاً
وعملاً وحبّاً وموالاة لمن والاها ومعاداة لمن عاداها الذين يرون المقالات
المجملة إلى ما جاء به من الكتاب والحكمة ، فلا ينصبون مقالة ويجعلونها من
أصول دينهم وجمل كلامهم إن لم تكن ثابتة فيما جاء به الرسول ، بل يجعلون
ما بعث به الرسول من الكتاب والحكمة هو الأصل الذي يعتقدونه ويعتمدونه ،
وما تنازع فيه الناس من مسائل الصفات والقدر والوعيد والأسماء والأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر وغير ذلك يردونه إلى الله ورسوله ، ويفسرون
الألفاظ المجملة التي تنازع فيها أهل التفرق والاختلاف ، فما كان من
معانيها موافقاً للكتاب والسنَّة أثبتوه ، وما كان منها مخالفاً للكتاب
والسنَّة أبطلوه ، ولا يتبعون الظن وما تهوى الانفس ؛ فإن اتباع الظن جهل
واتباع هوى النفس بغير هدى من الله ظلم .
" مجموع الفتاوى " ( 3 / 347 ، 348 ) .
ومما ينبغي ذكره أن أهل الحديث يشمل كل من عمل بحديث النبي صلى الله عليه
وسلم وقدمه على كل ما سواه ، سواء كان من العلماء الحفاظ أو من عامة
المسلمين .
قال شيخ الإسلام :
( ونحن لا نعني بأهل الحديث المقتصرين على سماعه أو كتابته أو روايته بل
نعني بهم : كل من كان أحق بحفظه ومعرفته وفهمه ظاهراً وباطناً واتباعه
باطناً وظاهراً وكذلك أهل القرآن .
وأدنى خصلة في هؤلاء محبة القرآن والحديث ، والبحث عنهما وعن معانيهما والعمل بما علموه من موجًبهما .
مجموع الفتاوى 4 /95
وكلام الأئمة كثير ، ويمكنك الاستزادة منه في المراجع السابقة ، وكذا الجزء الرابع من " مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية "