نشأته و حياته
وُلـد الشيخ بيوض ابراهيم بن عمر ( رحمه الله ) يوم 11 ذي الحجة 1313 هـ - 21 أفريل 1899 م ، بمدينة تيـﭭْـرار ( القرارة ) بوادي مْـزاب ( الجزائر ) ، و كان والده من أعيان الإصلاح في البلد ، دخل المدرسة القرآنية في سن مبكرة فاستظهر القرآن سنة 191م و عمره 12 سنة و دخل حلقة ايروان ( حفاظ القرآن ) .
أخذ مبادئ الفقه و اللغة العربية عن مشائخه الحاج ابراهيم الابريكي ، أبو العلا عبد الله ابن ابراهيم ، و الشيخ الحاج عمر بن يحيى ، كان يلازم شيخه الحاج عمر بن يحيى ، فكان يخدمه ويحضر جلسات أعيان البلدة عنده فكان ذلك المدرسة الإجتماعية التي تكون فيها .
نبغ بذكائه و حافظته فناب شيخه عمر بن يحيى في تدريس البلاغة و المنطق خاصة في بعض رحلاته العلمية إلى وارجلان ( ورﭬـلة ) ، و بعد الحرب العالمية الأولى أخذ غصبا لخدمة العسكرية الاجبارية ، و فور رجوعه مباشرة بدأ مصارعته للإستعمار بكتابة رسائل احتجاج عن إرغام الناس على التجنيد الاجباري ، فقاوم هذا التجنيد الإجباري مع بعض الوطنين حتى استصدرت السلطة الفرنسية قانونا جديدا بإلغاء التجنيد الإجباري على وادي مْـزاب .
في سنة 1922م ، و بعد وباء كبير ذهب بمعظم أعيان البلد منهم و الده و شيخه ، خلف شيخه في رئاسة و تبني الحركة العلمية و النهضة الإصلاحية ، و في سنة 1922م دخل عضوا في حلقة العزابة و كان أصغر عضو يدخل حلقة العزابة ( الهيئة الإجتماعية و الدينية بـمْزاب ) ، و ما فتئ أن عُين شيخا للتدريس و الوعظ بالمسجد ، ثم انتُخب حوالي سنة 1940م رئيسا لمجلس العزابة .
و في يوم 18 شوال 1343 هـ - 21 ماي 1925 م ، أسس معهد الحياة ، و سماه معهد الشباب ، تحت شعار :
" الدين و الخلق قبل الثقافة ، و مصلحة الوطن قبل مصلحة الفرد " ، و هو معهد متطور كان هدفه الجمع بين العلوم الدينية و التقليدية ، و العلوم الحديثة .
و في سنة 1931م ، افتتح درس الحديث من كتاب : فتح الباري ،شرح صحيح البخاري ، و اختتمه بحفل بهيج سنة 1945م و كانت تحضره كل الطبقات بالمسجد ، و في غرة محرم سنة 1353 هـ - ماي 1935 م ، بعد أن أتم تفسير جزء عم افتتح درس تفسير القرآن الكريم من فاتحته ، واختتمه يوم 25 ربيع الثاني سنة 1400هـ - 12 فيفري 1980م ، و أقيم له مهرجان عظيم شهده مختلف السلطات الإدارية و الرسمية من مختلف المستويات ، كما حضره حشد كبير من الأئمة و العلماء من كافة أنحاء القطر .
في سنة 1931م شارك في تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ، و صياغة قانونها الأساسي ، و انتخب عضوا في إدارتها ، فأسندت إليه أمانة نيابة أمين مالها ، و في سنة 1937م أسس جمعية الحياة بتيـﭭْـرار رائدة النهضة العلمية الإصلاحية .
كانت له مشاركة فعالة بمقالات مميزة في الصحافة الوطنية ، و من خلاصة أفكاره : الدعوة إلى الوحدة الوطنية ، و التمسك بالمقومات الشخصية ، و استنفار عام من أجل مستقبل أفضل في إطار الدين الإسلامي .
كما كانت له كذلك اهتمامات بأحداث العالم الإسلامي و العربي ، و في سنة 1940م حكم عليه بالإقامة الجبرية بتيـﭭْـرار لا يغادرها أربع سنوات كون خلالها أجيالا من رجالات الأمة الحاليين ، و في سنة 1948م كان من بين الأربعة الممضين على برقيات و رسائل التأييد باسم اللجنة الجزائرية الفلسطينية لقضية فلسطين في الجامعة العربية ، و كان عضوا في لجنة إغاثة فلسطين .
دخل معترك الحياة السياسية بعد خروجه من الإقامة الجبرية ، و بعد نهاية الحرب العالمية الثانية ، فطالب بإلحاق الصحراء بالجزائر مناهضا مشروع الدستور المزعوم الذي منحته السلطات الفرنسية للجزائر سنة 1947م ، انتُـخب بالأغلبية الساحقة لتمثيل مْزاب في المجلس الجزائري يوم : 20 أفريل 1948م ، و أعيد انتخابه سنة 1951م ، و كان الصوت المدوي الذي طالما دافع عن المؤسسات الإسلامية في الجزائر لاسيما في الجنوب .
من فاتح نوفمبر 1954 إلى مارس 1962م ، كان محور جميع النشاط الثوري بمْـزاب عامة و تيـﭭْـرار خاصة ، يديره مباشرة بنفسه، و بواسطة أبنائه الشباب من تلاميذه بما في ذلك استقبال و إيواء جنود و ضباط جيش التحرير ، و جمع السلاح و التموين ، و إيصال ذلك الى مختلف مراكز الثورة في الجبال الشرقية و الشمالية ، و كان خلال الثورة الجزائرية على اتصال و ثيق بالمراسلات السرية بينه و بين جبهة التحرير الوطني و الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية بالمهجر ، و قد أصر على البقاء داخل القطر الجزائري ، رغم التهديد الاستعماري إيمانا منه بأن الكفاح لا يقتصر على رفع السلاح و حده ، و إنما يتكامل ببناء النفوس و إعدادها لتحمل الرسالة في المستقبل ، و يرجع إليه الفضل في إبطال مؤامرة فصل الصحراء عن الشمال .
في 19 مارس 1962 م ، و بعد ايقاف إطلاق النار بين جيش التحرير الجزائري و الجيش الفرنسي نتيجة مفاوضات إيفيان ، عُين عضوا في اللجنة التنفيذية المؤقتة تقديرا لكفاءته ، و أسندت إليه مهمة الشؤون الثقافية إلى يوم تسليم السلطة لأول حكومة جزائرية في سبتمبر 1962م .
و في سنة 1963 انتخب رئيسا لمجلس عمي سعيد إلى حين وفاته .
في سبعينيات القرن العشرين ، اعتمدته وزارة الشؤون الدينية في إصدار الفتوى بالعمل بالحساب الفلكي في إثبات المواسم الدينية ، و في اعتبار ميقات الحجاج في الطائرة باعتبار المطار الذي ينزلون فيه بالحجاز .
من تراثه الأدبي و الفكري تفسير مسجل لأكثر من نصف القرآن و مئات الأشرطة لدروس قيمة لمناسبات دينية و اجتماعية و سياسية ، و فتاوى على أسئلة فقهية و علمية و رسائل و مقالات، و من ثمار جهاده الاصلاحي أجيال من الرجال و المشايخ و الأساتذة و الدكاترة و كبار الموظفين من مختلف المستويات في مصالح الدولة ، و عشرات المدارس القرآنية ، داخل البلاد و خارجها .
دعائم نهضته الإصلاحية: القرآن الكريم و السنة الشريفة ، و سيرة الخلفاء الراشدين ، و السلف الصالحين من بعدهم . منابر نشر رسالته: المسجد أولا ، التعليم بالمعهد ثانيا ، المجتمع الخارجي العام ثالثا .
ختمت أنفاسه الطيبة ، و حياته الحافلة بالجهاد على الساعة السادسة مساء يوم الأربعاء
8 ربيع الأول 1401هـ / 14 جانفي 1981م ، عن عمر يناهز 83 سنة و شيع جثمانه في موكب حاشد خاشع حضره نخبة من مسؤولي الدولة من بينهم خمسة وزراء ، و ذلك صبيحة يوم الجمعة 10 ربيع الأول 1401هـ - 16جانفي 1981م ، في مسقط رأسه ، كما أُبـّن بحفل عظيم يوم الجمعة 21 جمادى الأولى 1401هـ- 27 مارس 1981م .
. رحم الله الشيخ و رفعه إلى درجات الأنبياء و الشهداء و الصديقين و أعان خلفه على حمل مشعل الإصلاح .