- إنضم
- 2 جويلية 2007
- المشاركات
- 3,502
- نقاط التفاعل
- 121
- النقاط
- 159
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عن عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما- قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
{بُعِثْتُ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ بالسَّيْفِ، حتى يُعبدَ اللهُ وحدَه لا شريك له، وَجُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلّ رُمْحِي، وَجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي، وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ }
أخرجه أحمد(5114،5115،5667) ، والخطيب في" الفقية والمتفقه" (2/73)، وابن عساكر(19/96/1) ؛ من طريق عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان:حدثنا حسان بن عطية عن أبي منيب الجرشي عنه.
قال الإمام الألباني رحمه الله : " وهذا إسناد حسن ، وفي ابن ثابت كلام لا يضر ، وقد علق البخاري في صحيحه بعضه ، ..." (جلباب المرأة المسلمة ص203 طبعة دار القلم 2002م) ، (والارواء 1269) ، وحكم عليه بالصحة في صحيح الجامع حديث رقم : 2831.
هذا الحديث الثابت كما تبين آنفا ، قد تعسف برده وتضعيفه البعض ممن دأب على اللهاث وراء سراب الغرب ، وتعلق بأذيالهم أملا في اللحاق بركب حضارتهم المادية، الخالية من القيم والإنسانية ، وقد عمد هؤلاء إلى لَيِّ أعناق النصوص ، ورد الثابت من قول النبي صلى الله عليه وسلم –ولو كان في الصحيحين – تبعا لأذواقهم السقيمة ، وعقولهم القاصرة ظنا منهم أنهم يُحسِّنون صورة الإسلام ، ويقدمونه بصورة تناسب روح العصر -زعموا ! - ونسوا أو تناسوا قول الله عز وجل:
((وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ)) البقرة:120
وقوله:
((وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آَيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ)) البقرة:145
وهناك من أهل العلم المعاصرين –ممن هم على يقين من صحة الحديث- من لا يحبذ ذكر هذا الحديث ، وإثارته في وقت تداعت فيه أمم الكفر على أمة الإسلام ، تحت شعار ما يسمى بمحاربة الإرهاب ، فاستباحوا البلاد والعباد ، وتبادلوا الأدوار ، فمنهم من سير الجيوش ، ومنهم من زود ودعم ، ومنهم من روج وآزر ، ومنهم من شهر وتطاول على رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم، متخذين ذرائع باطلة ، وحجج داحضة ، لكنهم في ذات الوقت استغلوا فئات من حدثاء الأسنان ، نبتت في ديار الإسلام، سفهت أحلامهم ، وتورطوا في ممارسات رعناء، تفتقر إلى العلم والحكمة ، وفئات أخرى ممن طمعوا في الشهرة وحطام الدنيا فباعوا دينهم بثمن بخس ، واشتروا الضلالة بالهدى، وناصبوا دينهم وأمتهم العداء ، وتحالفوا مع أعداء الإسلام يحركونهم كيف شاءوا ومتى أرادوا؛ كأمثال سلمان رشدي ، وتلك الصومالية التي شتمت الإسلام ، فكافأها الغرب بأن عينها نائبة في برلماناته ، وهذه الملعونة (وفاء سلطان) التي أطلت علينا من تلك القناة التي احترفت إثارة الفتن ، وضمت كوادر مشبوهة تبث سمومها بين الفينة والأخرى . تلك المرأة (والتي يقال إنها نصيرية حاقدة متزوجة من يهودي) تفوهت على مسمع الملايين بما آذى كل مسلم-شل الله فاها- .
ولكن ثمة تساؤلات تبرز هنا وهي:
هل سينتهي عداء الغرب لنا لو أخفينا هذا الحديث؟ وهل هو حقا خاف عنهم؟
أليس هنالك مستشرقون ، وباحثون ومخططون؟
ألم تقل تلك الموتورة (وفاء) "محمد الذي يقول: وجُعل رزقي في حد سيفي (هكذا قالت) لا يليق به عمامة سلام ,وإنما العمامة التي رسمت على شكل قنبلة"!!
فما فائدة مواراة الحديث إذا ؟ وما ضابط الاستمرار في المواراة والمداراة ؟ وما مداها ومساحتها؟
فالأولى أن يتم تناول هذا الحديث مقرونا بفقهه كما بينه أهل العلم ، وإظهار شروحاتهم وتعليقاتهم عليه ، ودفع أي شبهة تثار حوله ، أو تأويل باطل يجانب مفهومه.
والذي يهمنا هنا في هذه العجالة جملتان وردتا في الحديث ، يدور حولهما الجدل والطعن والتشكيك؛ ألا وهما:
1- بُعِثْتُ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ بالسَّيْفِ
إن انتشار الإسلام كان بأسباب شتى ، منها ما كان بالدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة ، وبالقدوة العملية من خلال أخلاق المسلمين في معاملاتهم وتجارتهم ، وغدوهم ورواحهم . ومنها ما كان بعرض الإسلام على الملوك والزعماء من خلال الرسل والرسائل ، ومنها ما كان بتوجه الجيوش للبلدان لعرض رسالة الإسلام على أهلها وكانوا يخيرون بين ثلاثة أمور؛ إما أن يدخلوا في الدين طواعية ، ولهم حينئذ ما للمسلمين وعليهم ما عليهم - وهذا قمة العدل الذي لن ترتقي إليه الحضارة الغربية التي تسوق مبادئها بتدمير البلاد والعباد واستباحة كل أموالها وثرواتها ناهيك عما يرتكبونه من مجازر وانتهاك لكل الأعراف والمثل، ثم يتشادقون بعد ذلك بأن الإسلام انتشر بالسيف !!- أو أن يبقوا على دينهم وإدارتهم لديارهم على أن يدفعوا الجزية للمسلمين ، وإن أبوا فلهم السيف حينئذ. وليس للمسلمين في كل تلك الأحوال من دوافع ومطامع إلا نشر الدين الذي ارتضاه الله لعباده ، والذي فيه كل الخير للبشرية في دنياهم وأخراهم.
فلماذا تكون القوة والسيف-والتي هي آخر ما يلجأ إليه من الوسائل لنشر ما يصلح شؤون البشر- عيبا في حق الإسلام المسلمين ؟ بينما تكون في حق الأعداء مكرمة سامية ، ونشرا للحرية والديموقراطية؟ مع التفريق بين أخلاق المسلمين وأحكامهم في القتال وبين أخلاق مجرمي الحرب وجورهم وبطشهم.
فالرائي بعين الإنصاف يرى أن استخدام المسلمين للسيف بالضوابط التي شرعها لهم ربهم هو من مزايا ومحاسن هذا الدين ؛فهو يلزم البشر بما فيه نفعهم في الدارين، فلا يترك الناس وشأنهم وفيهم قاصروا العقل ومن لا علم عندهم ولا حكمة ، فهؤلاء لو تركوا لضلوا عن الحق ولفسدت دنياهم وضاعت أخراهم ، فكان لا بد من استخدام وسيلة خاصة بهم فيها الردع والقوة لردهم إلى الفطرة وإعادتهم إلى الجادة، فالسفيه لا يترك ليضر بنفسه وغيره بل يجب منعه وحمله على ما فيه صلاحه ونفعه.
وهذة باقة من أقوال أهل العلم في هذه الجملة:
قال الحافظ ابن رجب الحنبلي في كتابه "الحكم الجديرة بالإذاعة من قول النبي r بعثت بالسيف بين يدي الساعة ":
(فقوله صلى الله عليه وسلم : " بعثت بالسيف " :
يعني أن الله بعثه داعيا إلى توحيده بالسيف بعد دعائه بالحجة ، فمن لم يستجب إلى التوحيد بالقرآن والحجة والبيان دعي بالسيف ، قال الله تعالى :
{ لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره بالغيب ورسله إن الله قوي عزيز } .
وفي الكتب السالفة وصف النبي صلى الله عليه وسلم بأنه يبعث بقضيب الأدب ، وهو السيف . ووصى بعض أحبار اليهود عند موته باتباعه وقال : انه يسفك الدماء ، ويسبي الذراري والنساء ، فلا يمنعهم ذلك منه . وروي أن المسيح عليه السلام قال لبني إسرائيل في وصف النبي صلى الله عليه وسلم : " إنه يسل السيف فيدخلون في دينه طوعا وكرها " .
وإنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالسيف بعد الهجرة لما صار له دار وأتباع وقوة ومنعة ، وقد كان يتهدد أعداءه بالسيف قبل الهجرة ، وكان صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت وأشراف قريش قد اجتمعوا بالحِجر وقالوا : ما رأينا مثل ما صبرنا عليه من هذا الرجل ، قد سفه أحلامنا ، وشتم آباءنا ، وعاب ديننا ، وفرق جماعتنا ، وسب آلهتنا . لقد صبرنا منه على أمر عظيم . فلما مر بهم النبي صلى الله عليه وسلم غمزوه ببعض القول ، فعرف ذلك في وجهه صلى الله عليه وسلم ، وفعلوا ذلك به ثلاث مرات ، فوقف وقال : " أتسمعون يا معشر قريش ؟ أما والذي نفس محمد بيده ، لقد جئتكم بالذبح " . فأخذت القوم كلمته ، حتى ما فيهم رجل إلا وكأنما على رأسه طير واقع ، وحتى أن أشدهم عليه قبل ذلك ليلقاه بأحسن ما يجد من القول ، حتى انه ليقول : انصرف يا أبا القاسم راشداً ، فوالله ما كنت مجهولا .
[قال أبو معاذ: من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص. أورده الإمام الألباني في (صحيح السيرة ص148)]
وقال محمد بن كعب : بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن أبا جهل يقول : إن محمداً يزعم أنكم ما بايعتموه عشتم ملوكا فإذا متم بعثتم بعد موتكم ، وكانت لكم جنان خير من جنان الأردن ، وأنكم إن خالفتموه كان لكم منه الذبح ، ثم بعثتم بعد موتكم وكانت لكم نار تعذبون فيها ، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم قوله . فقال :"وأنا أقول ذلك إن لهم مني لذبحاً ، وإنه لآخذهم" .
[قال أبو معاذ : لم أجده]
وقد أمر الله تعالى بالقتال في مواضع كثيرة:
قال تعالى :{ فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد } التوبة:5
وقال : { فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق ، فإما منّاً بعد وإما فداء } محمد:4
ولهذا عوتبوا على أخذ الفداء منهم أول قتال قاتلوه يوم بدر ونزل قوله تعالى :
{ ماكان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض.تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة}. الأنفال:67
وكانوا قد أشاروا على النبي صلى الله عليه وسلم بأخذ الفداء من الأسارى وإطلاقهم .
قال ابن عيينة : أرسل محمد صلى الله عليه وسلم بأربعة سيوف :
سيف على المشركين من العرب حتى يسلموا .
وسيف على المشركين من غيرهم حتى يسلموا أو يسترقوا أو يفادوا بهم.
وسيف على أهل القبلة من أهل البغي .
وفيما ذكر نزاع بين العلماء . فإن منهم من يجيز المفاداة والاسترقاق في العرب وغيرهم ، وكذلك يجيز أخذ الجزية بين الكفار جميعهم . والذي يظهر أن في القرآن أربعة سيوف : سيف على المشركين حتى يسلموا أو يؤسروا ، {فإما منّاً بعد وإما فداء} ، وسيف على المنافقين وهو سيف الزنادقة ، وقد أمر الله بجهادهم والإغلاظ عليهم في سورة براءة وسورة التحريم وآخر سورة الأحزاب ، وسيف على أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية ، وسيف على أهل البغي ، وهو المذكور في سورة الحجرات . ولم يسل صلى الله عليه وسلم هذا السيف في حياته ، وإنما سله علي رضي الله عنه في خلافته . وكان يقول : " أنا الذي علمت الناس قتال أهل القبلة " .
وله صلى الله عليه وسلم سيوف أخر ، منها : سيفه على أهل الردة وهو الذي قال فيه : " من بدل دينه فاقتلوه " . وقد سله أبو بكر الصديق رضي الله عنه من بعده في خلافته على من ارتد من قبائل العرب .
ومنها سيفه على المارقين ، وهم أهل البدع كالخوارج . وقد ثبت عنه الأمر بقتالهم مع اختلاف العلماء في كفرهم . وقد قاتلهم علي رضي الله عنه في خلافته مع قوله : " انهم ليسوا بكفار " .
وقد روي عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتال المارقين والناكثين والقاسطين .وقد حرق علي طائفة من الزنادقة، فصوب ابن عباس قتلهم ، وأنكر تحريقهم بالنار. فقال علي : " ويح ابن عباس ، لبحاث عن الهنات " . )أهـ
وقال في موضع آخر من كتابه آنف الذكر:
(وكان صلى الله عليه وسلم إنما يقاتل على دخول الناس في التوحيد كما قال : " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام " .
وكان إذا بعث سرية للغزو يوصي أميرهم بأن يدعو عدوه عند لقائهم إلى التوحيد ، وكذلك أمر علي ابن أبي طالب حين بعثه لقتال أهل خيبر . )
وقال البقاعي في "الدرر" عند تفسير الأية :
{لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ}الحديد:25
"(بعثت بين يدي الساعة بالسيف) فبيان الشرائع بالكتاب ، وتقويم أبواب العدل بالميزان ، وتنفيذ هذه المعاني بالسيف ، فإن مصالح الدين من غير هيبة السلطان لا يمكن رعايتها ، فالملك والدين توأمان ، فالدين بلا ملك ضائع ، والملك من غير دين باطل ، والسلطان ظل الله في الأرض ، فظواهر الكتاب للعوام ، ووزن معارفه لأهل الحقائق بالميزان ، ومن خرج عن الطائفتين فله الحديد وهو السيف ، لأن تشويش الدين منه - نبه عليه الرازي ."
قال المناوي في فيض القدير:
(بعثت بين يدي الساعة) مستعار مما بين يدي جهة الإنسان تلويحا بقربها والساعة هنا القيامة وأصلها قطعة من الزمان (بالسيف) خص نفسه به وإن كان غيره من الأنبياء بعث بقتال أعدائه أيضا؛ لأنه لا يبلغ مبلغه فيه ، أقول: ويحتمل أنه إنما خص نفسه به؛ لأنه موصوف بذلك في الكتب، فأراد أن يقرع أهل الكتابين، ويذكرهم بما عندهم أخرج أبو نعيم عن كعب: خرج قومٌ عُماراً ، وفيهم عبد المطلب ورجل من يهود، فنظر إلى عبد المطلب، فقال : إنا نجد في كتبنا التي لم تبدل أنه يخرج من ضئضئى هذا من يقتلنا وقومه قتل عاد.)
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (12/14) :
"الإسلام انتشر بالحجة والبيان بالنسبة لمن استمع البلاغ واستجاب له ، وانتشر بالقوة والسيف لمن عاند وكابر حتى غُلِب على أمره ، فذهب عناده فأسلم لذلك الواقع"
أقوال أهل العلم في الجملة الثانية:
2- وَجُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلّ رُمْحِي
قال الحافظ ابن كثير في البداية :
"...ثم لما شرع الله الجهاد بالمدينة، كان يأكل مما أباح له من المغانم التي لم تبح قبله، ومما أفاء الله عليه من أموال الكفار التي أبيحت له دون غيره، كما جاء في المسند والترمذي عن ابن عمر قال:..." الحديث
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى :
" فصل / الأموال السلطانية التى أصلها فى الكتاب والسنة ثلاثة أصناف الغنيمة والصدقة والفئ*:
فأما الغنيمة فهى المال المأخوذ من الكفار بالقتال ذكرها الله فى سورة الأنفال التى أنزلها فى غزوة بدر وسماها انفالا؛ لأنها زيادة فى أموال المسلمين فقال: {يسألونك عن االأنفال قل الأنفال لله والرسول...} إلى قوله {...واعلموا انما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل...} الآية ، وقال: { فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا واتقوا الله إن الله غفور رحيم}
وفى الصحيحين عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما ان النبى [صلى الله عليه وسلم] قال: (أعطيت خمسا لم يعطهن نبى قبلى؛ نصرت بالرعب مسيرة شهر ، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا؛ فأيما رجل من أمتى أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي الغنائم، ولم تحل لأحد قبلي، واعطيت الشفاعة، وكان النبى يبعث الى قومه خاصة ،وبعثت الى الناس عامة)
وقال النبى [عليه السلام] بعثت بالسيف بين يدى الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له وجعل رزقى تحت ظل رمحى وجعل الذل والصغار على من خالف أمرى ومن تشبه بقوم فهو منهم رواه أحمد فى المسند عن ابن عمر واستشهد به البخارى"
*[قال الفقهاء ان الفىء هو ما أخذ من الكفار بغير قتال وسمى فيئا لأن الله افاءه على المسلمين اى رده عليهم من الكفاروهذا مثل الجزية التى على اليهود والنصارى والمال الذى يصالح عليه العدو او يهدونه الى سلطان المسلمين كالحمل الذىيحمل من بلاد النصارى ونحوهم وما يؤخذ من تجار اهل الحرب وهو العشر ومن تجار اهل الذمة اذا اتجروا فى غير بلادهم وهو نصف العشر(ابن تيمية –الفتاوى)]
وقال ابن القيم في الزاد:
"...فإن قيل : فما أطيب المكاسب وأحلها ؟ قيل هذا فيه ثلاثة أقوال للفقهاء
أحدها : أنه كسب التجارة.
والثاني : أنه عمل اليد في غير الصنائع الدنيئة كالحجامة ونحوها.
والثالث : أنه الزراعة ، ولكل قول من هذه وجه من الترجيح أثرا ونظرا ، والراجح أن أحلها الكسب الذي جعل منه رزق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو كسب الغانمين ، وما أبيح لهم على لسان الشارع ، وهذا الكسب قد جاء في القرآن مدحه أكثر من غيره ، وأثني على أهله ما لم يثن على غيرهم ، ولهذا اختاره الله لخير خلقه وخاتم أنبيائه ورسله ، حيث يقول :بعثت... [ الحديث ] وهو الرزق المأخوذ بعزة وشرف وقهر لأعداء الله وجعل أحب شئ إلى الله فلا يقاومه كسب غيره والله أعلم"
قال الحافظ في الفتح:
" وَفِي الْحَدِيثِ إِشَارَةٌ إِلَى فَضْلِ الرُّمْحِ وَإِلَى حِلِّ الْغَنَائِمِ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ وَإِلَى أَنَّ رِزْقَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُعِلَ فِيهَا لَا فِي غَيْرِهَا مِنْ الْمَكَاسِبِ وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِنَّهَا أَفْضَلُ الْمَكَاسِبِ وَالْمُرَادُ بِالصَّغَارِ وَهُوَ بِفَتْح الْمُهْمَلَةِ وَبِالْمُعْجَمَةِ بَذْلُ الْجِزْيَة وَفِي قَوْلِهِ " تَحْتَ ظِلّ رُمْحِي " إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ ظِلَّهُ مَمْدُودٌ إِلَى أَبَدِ الْآبَادِ وَالْحِكْمَةِ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى ذِكْرِ الرُّمْحِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ آلَاتِ الْحَرْبِ كَالسَّيْفِ أَنَّ عَادَتَهُمْ جَرَتْ بِجَعْلِ الرَّايَاتِ فِي أَطْرَافِ الرُّمْحِ فَلَمَّا كَانَ ظِلّ الرُّمْح أَسْبَغَ كَانَ نِسْبَةُ الرِّزْقِ إِلَيْهِ أَلْيَقَ وَقَدْ تَعَرَّضَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ لِظِلِّ السَّيْفِ كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " الْجَنَّةُ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ " فَنُسِبَ الرِّزْقُ إِلَى ظِلّ الرُّمْح لِمَا ذَكَرْتُهُ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِذِكْرِ الرُّمْحِ الرَّايَةُ وَنُسِبَتْ الْجَنَّة إِلَى ظِلِّ السَّيْفِ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ تَقَعُ بِهِ غَالِبًا وَلِأَنَّ ظِلّ السَّيْفِ يَكْثُرُ ظُهُورُهُ بِكَثْرَة حَرَكَة السَّيْفِ فِي يَدِ الْمُقَاتِلِ ؛ وَلِأَنَّ ظِلّ السَّيْف لَا يَظْهَرُ إِلَّا بَعْدَ الضَّرْبِ بِهِ لِأَنَّهُ قَبْلَ ذَلِكَ يَكُونُ مَغْمُودًا مُعَلَّقًا ."
قال الحافظ ابن رجب الحنبلي في كتابه "الحكم الجديرة بالإذاعة ":
"قوله صلى الله عليه وسلم : " وجعل رزقي تحت ظل رمحي " :
إشارة إلى ان الله لم يبعثه بالسعي في طلب الدنيا ، ولا بجمعها واكتنازها ، ولا الاجتهاد في السعي في أسبابها وإنما بعثه داعيا إلى توحيده بالسيف ، ومن لازم ذلك أن يقتل أعداءه الممتنعين عن قبول التوحيد ، ويستبيح دماءهم وأموالهم ، ويسبي نساءهم وذراريهم ، فيكون رزقه مما أفاء الله من أموال أعدائه ، فإن المال إنما خلقه الله لبني آدم ليستعينوا به على طاعته وعبادته ، فمن استعان به على الكفر بالله والشرك به سلط الله عليه رسول واتباعه فانتزعوه منه وأعادوه إلى من هو أولى به من أهل عبادة الله وتوحيده وطاعته ، ولهذا يسمى الفيء لرجوعه إلى من كان أحق به ولأجله خلق .
وكان في القرآن المنسوخ : { إنما أنزلنا المال لاقام الصلاة وإيتاء الزكاة } .
فأهل التوحيد والطاعة لله أحق بالمال من أهل الكفر به والشرك ، فانتزع أموالهم ، وجعل رزق رسوله من هذا المال لأنه أحل الأموال كما قال تعالى { فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا } وهذا مما خص الله به محمداً صلى الله عليه وسلم وأمته فإنه أحل لهم الغنائم .
وقد قيل : ان الذي خصت بحله هذه الأمة هو الغنيمة المأخوذة بالقتال دون الفيء ، والمأخوذ بغير قتال فإنه كان حلاً مباحاً لمن قبلنا وهو الذي جعل رزق رسوله منه ، وإنما كان أَحلُّ من غيره لوجوه :
( منها ) انه انتزاع مال[ممن] لا يستحقه لئلا يستعين به على معصية الله والشرك به ، فإذا انتزعه ممن لا يستعين به على غير طاعته وتوحيده والدعوة إلى عبادته كان ذلك أحب الأموال إلى الله وأطيب وجوه اكتسابها عنده .
( ومنها ) انه كان صلى الله عليه وسلم إنما كان يجاهد لتكون كلمة الله هي العليا ، ودينه هو الظاهر لا لأجل الغنيمة فيحصل له الرزق تبعا لعبادته وجهاده في الله ، فلا يكون فرغ وقتا من أوقاته لطلب الرزق محضا ، وإنما عبد الله في جميع أوقاته وحده فيها وأخلص له ، فجعل الله له رزقه ميسراً في ضمن ذلك من غير أن يقصده ولا يسعى إليه . وجاء في حديث مرسل أنه صلى الله عليه وسلم قال : " أنا رسول الرحمة ، وأنا رسول الملحمة ، إن الله بعثني بالجهاد ولم يبعثني بالزرع " . وخرج البغوي في معجمه حديثا مرسلا : " إن الله بعثني بالهدى ودين الحق ولم يجعلني زراعاً ولا تاجراً ، ولا سخابا بالاسواق ، وجعل رزقي تحت ظل رمحي " . وإنما ذكر الرمح ولم يذكر السيف لئلا يقال : انه صلى الله عليه وسلم يرتزق من مال الغنيمة : إنما كان يرزق مما أفاءه الله عليه من خيبر .
والفيء ما هرب أهله منه خوفا وتركوه ، بخلاف الغنيمة فإنها مأخوذة بالقتال بالسيف ، وذكر الرمح أقرب إلى حصول الفيء لأن الرمح يراه العدو من بعد فيهرب فيكون هرب العدو من ظل الرمح ، والمأخوذة به هو مال الفيء ، ومنه كان رزق النبي صلى الله عليه وسلم بخلاف الغنيمة فإنها تحصل من قتال السيف . والله تعالى أعلم .
وقال عمر بن عبد العزيز : إن الله تعالى بعث محمداً هاديا ولم يبعثه جابيا ، فكان صلى الله عليه وسلم شغله بطاعة الله والدعوة إلى التوحيد ، وما يحصل في خلال ذلك من الأموال من الفيء والغنائم يحصل تبعاً لا قصداً أصلياً ، ولهذا ذم من ترك الجهاد واشتغل عنه باكتساب الأموال . وفي ذلك نزل قوله تعالى : { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } لما عزم الأنصار على ترك الجهاد والاشتغال بإصلاح أموالهم وأراضيهم .
وفي الحديث الذي خرجه أبو داود وغيره : " إذا تبايعتم بالعينة واتبعتم أذناب البقر ، وتركتم الجهاد ، سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه الله من رقابكم حتى تراجعوا دينكم " ولهذا كره الصحابة رضي الله عنهم الدخول في أرض الخراج للزراعة فإنها تشغل عن الجهاد .
وقال مكحول : إن المسلمين لما قدموا الشام ذكر لهم زرع الحولة ، فزرعوا فبلغ ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه فبعث إلى زرعهم وقد ابيض وأردك فحرقه بالنار ، ثم كتب إليهم : إن الله جعل أرزاق هذه الأمة في أسنة رماحها ، وتحت أزجتها ، فإذا زرعوا كانوا كالناس . خرجه أسد بن موسى .
وروى البيضاوي بإسناد له عن عمر أنه كتب : من زرع زرعا واتبع أذناب البقر ورضي بذلك وأقر به جعلت عليه الجزية .
وقيل لبعضهم لو اتخذت مزرعة للعيال ؟ فقال : والله ما جئنا زراعين ، ولكن جئنا لنقتل أهل الزرع ونأكل زرعهم .
فأكمل حالات المؤمن أن يكون اشتغاله بطاعة الله والجهاد في سبيله ، والدعوة إلى طاعته لا يطلب بذلك الدنيا ، ويأخذ من مال الفيء قدر الكفاية ، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يأخذ لأهله قوت سنة من مال الفيء ثم يقسم باقيه ، وربما رأي محتاجا بعد ذلك فيقسم عليه قوت أهله بلا شيء .
وكذلك من يشتغل بالعلم ، لأنه أحد نوعي الجهاد فيكون اشتغاله بالعلم للجهاد في سبيل الله والدعوة إليه ، فليأخذ من أموال الفيء أو الوقوف على العلم قدر الكفاية ليتقوى على جهاده ، ولا ينبغي أن يأخذ أكثر من كفايته من ذلك..."
قال في فيض القدير :
" (وجعل رزقي تحت ظل رمحي) قال الديلمي : يعني الغنائم وكان سهم منها له خاصة يعني أن الرمح سبب تحصيل رزقي قال العامري : يعني أن معظم رزقه كان من ذلك وإلا فقد كان يأكل من جهات أخرى غير الرمح كالهدية والهبة وغيرهما وحكمة ذلك أنه قدوة للخاص والعام فجعل بعض رزقه من جهة الاكتساب وتعاطي الأسباب وبعضه من غيرها قدوة للخواص من المتوكلين وإنما قال تحت ظل رمحي ولم يقل في سنان رمحي ولا في غيره من السلاح لأن رايات العرب كانت في أطراف الرماح ولا يكون في إقامة الرماح بالرايات إلا مع النصر وقد نصر بالرعب فهم من خوف الرمح أتوا تحت ظله ولأنه جعل السنان للجهاد وهو أكبر الطاعات فجعل له الرزق في ظله أي ضمنه وإن كان لم يقصده كذا ذكره ابن أبي جمرة ولا يخفى تكلفه..."
وقال القرطبي :
"...فجعل الله رزق نبيه صلى الله عليه وسلم في كسبه لفضله ، وخصه بأفضل أنواع الكسب ، وهو أخذ الغلبة والقهر لشرفه "
"ومن أعظم ما حصل به الذل من مخالفة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ترك ما كان عليه من جهاد أعداء الله فمن سلك سبيل الرسول صلى الله عليه وسلم عز ، ومن ترك الجهاد مع قدرته عليه ذل . وقد سبق حديث : " إذا تبايعتم بالعينة واتبعتم أذناب البقر وتركتم الجهاد في سبيل الله سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه من رقابكم حتى تراجعوا دينكم " . ورأى النبي صلى الله عليه وسلم سكة الحرث فقال : " ما دخلت دار قوم إلا دخلها الذل " . فمن ترك ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من الجهاد مع قدرته واشتغل عنه بتحصيل الدنيا من وجوهها المباحة حصل له من الذل فكيف إذا اشتغل عن الجهاد بجمع الدنيا من وجوهها المحرمة ؟" الحافظ ابن رجب الحنبلي (الحكم الجديرة بالإذاعة)
http://www.salafyoun.com/showthread.php?t=5012
عن عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما- قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
{بُعِثْتُ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ بالسَّيْفِ، حتى يُعبدَ اللهُ وحدَه لا شريك له، وَجُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلّ رُمْحِي، وَجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي، وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ }
أخرجه أحمد(5114،5115،5667) ، والخطيب في" الفقية والمتفقه" (2/73)، وابن عساكر(19/96/1) ؛ من طريق عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان:حدثنا حسان بن عطية عن أبي منيب الجرشي عنه.
قال الإمام الألباني رحمه الله : " وهذا إسناد حسن ، وفي ابن ثابت كلام لا يضر ، وقد علق البخاري في صحيحه بعضه ، ..." (جلباب المرأة المسلمة ص203 طبعة دار القلم 2002م) ، (والارواء 1269) ، وحكم عليه بالصحة في صحيح الجامع حديث رقم : 2831.
هذا الحديث الثابت كما تبين آنفا ، قد تعسف برده وتضعيفه البعض ممن دأب على اللهاث وراء سراب الغرب ، وتعلق بأذيالهم أملا في اللحاق بركب حضارتهم المادية، الخالية من القيم والإنسانية ، وقد عمد هؤلاء إلى لَيِّ أعناق النصوص ، ورد الثابت من قول النبي صلى الله عليه وسلم –ولو كان في الصحيحين – تبعا لأذواقهم السقيمة ، وعقولهم القاصرة ظنا منهم أنهم يُحسِّنون صورة الإسلام ، ويقدمونه بصورة تناسب روح العصر -زعموا ! - ونسوا أو تناسوا قول الله عز وجل:
((وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ)) البقرة:120
وقوله:
((وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آَيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ)) البقرة:145
وهناك من أهل العلم المعاصرين –ممن هم على يقين من صحة الحديث- من لا يحبذ ذكر هذا الحديث ، وإثارته في وقت تداعت فيه أمم الكفر على أمة الإسلام ، تحت شعار ما يسمى بمحاربة الإرهاب ، فاستباحوا البلاد والعباد ، وتبادلوا الأدوار ، فمنهم من سير الجيوش ، ومنهم من زود ودعم ، ومنهم من روج وآزر ، ومنهم من شهر وتطاول على رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم، متخذين ذرائع باطلة ، وحجج داحضة ، لكنهم في ذات الوقت استغلوا فئات من حدثاء الأسنان ، نبتت في ديار الإسلام، سفهت أحلامهم ، وتورطوا في ممارسات رعناء، تفتقر إلى العلم والحكمة ، وفئات أخرى ممن طمعوا في الشهرة وحطام الدنيا فباعوا دينهم بثمن بخس ، واشتروا الضلالة بالهدى، وناصبوا دينهم وأمتهم العداء ، وتحالفوا مع أعداء الإسلام يحركونهم كيف شاءوا ومتى أرادوا؛ كأمثال سلمان رشدي ، وتلك الصومالية التي شتمت الإسلام ، فكافأها الغرب بأن عينها نائبة في برلماناته ، وهذه الملعونة (وفاء سلطان) التي أطلت علينا من تلك القناة التي احترفت إثارة الفتن ، وضمت كوادر مشبوهة تبث سمومها بين الفينة والأخرى . تلك المرأة (والتي يقال إنها نصيرية حاقدة متزوجة من يهودي) تفوهت على مسمع الملايين بما آذى كل مسلم-شل الله فاها- .
ولكن ثمة تساؤلات تبرز هنا وهي:
هل سينتهي عداء الغرب لنا لو أخفينا هذا الحديث؟ وهل هو حقا خاف عنهم؟
أليس هنالك مستشرقون ، وباحثون ومخططون؟
ألم تقل تلك الموتورة (وفاء) "محمد الذي يقول: وجُعل رزقي في حد سيفي (هكذا قالت) لا يليق به عمامة سلام ,وإنما العمامة التي رسمت على شكل قنبلة"!!
فما فائدة مواراة الحديث إذا ؟ وما ضابط الاستمرار في المواراة والمداراة ؟ وما مداها ومساحتها؟
فالأولى أن يتم تناول هذا الحديث مقرونا بفقهه كما بينه أهل العلم ، وإظهار شروحاتهم وتعليقاتهم عليه ، ودفع أي شبهة تثار حوله ، أو تأويل باطل يجانب مفهومه.
والذي يهمنا هنا في هذه العجالة جملتان وردتا في الحديث ، يدور حولهما الجدل والطعن والتشكيك؛ ألا وهما:
1- بُعِثْتُ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ بالسَّيْفِ
إن انتشار الإسلام كان بأسباب شتى ، منها ما كان بالدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة ، وبالقدوة العملية من خلال أخلاق المسلمين في معاملاتهم وتجارتهم ، وغدوهم ورواحهم . ومنها ما كان بعرض الإسلام على الملوك والزعماء من خلال الرسل والرسائل ، ومنها ما كان بتوجه الجيوش للبلدان لعرض رسالة الإسلام على أهلها وكانوا يخيرون بين ثلاثة أمور؛ إما أن يدخلوا في الدين طواعية ، ولهم حينئذ ما للمسلمين وعليهم ما عليهم - وهذا قمة العدل الذي لن ترتقي إليه الحضارة الغربية التي تسوق مبادئها بتدمير البلاد والعباد واستباحة كل أموالها وثرواتها ناهيك عما يرتكبونه من مجازر وانتهاك لكل الأعراف والمثل، ثم يتشادقون بعد ذلك بأن الإسلام انتشر بالسيف !!- أو أن يبقوا على دينهم وإدارتهم لديارهم على أن يدفعوا الجزية للمسلمين ، وإن أبوا فلهم السيف حينئذ. وليس للمسلمين في كل تلك الأحوال من دوافع ومطامع إلا نشر الدين الذي ارتضاه الله لعباده ، والذي فيه كل الخير للبشرية في دنياهم وأخراهم.
فلماذا تكون القوة والسيف-والتي هي آخر ما يلجأ إليه من الوسائل لنشر ما يصلح شؤون البشر- عيبا في حق الإسلام المسلمين ؟ بينما تكون في حق الأعداء مكرمة سامية ، ونشرا للحرية والديموقراطية؟ مع التفريق بين أخلاق المسلمين وأحكامهم في القتال وبين أخلاق مجرمي الحرب وجورهم وبطشهم.
فالرائي بعين الإنصاف يرى أن استخدام المسلمين للسيف بالضوابط التي شرعها لهم ربهم هو من مزايا ومحاسن هذا الدين ؛فهو يلزم البشر بما فيه نفعهم في الدارين، فلا يترك الناس وشأنهم وفيهم قاصروا العقل ومن لا علم عندهم ولا حكمة ، فهؤلاء لو تركوا لضلوا عن الحق ولفسدت دنياهم وضاعت أخراهم ، فكان لا بد من استخدام وسيلة خاصة بهم فيها الردع والقوة لردهم إلى الفطرة وإعادتهم إلى الجادة، فالسفيه لا يترك ليضر بنفسه وغيره بل يجب منعه وحمله على ما فيه صلاحه ونفعه.
وهذة باقة من أقوال أهل العلم في هذه الجملة:
قال الحافظ ابن رجب الحنبلي في كتابه "الحكم الجديرة بالإذاعة من قول النبي r بعثت بالسيف بين يدي الساعة ":
(فقوله صلى الله عليه وسلم : " بعثت بالسيف " :
يعني أن الله بعثه داعيا إلى توحيده بالسيف بعد دعائه بالحجة ، فمن لم يستجب إلى التوحيد بالقرآن والحجة والبيان دعي بالسيف ، قال الله تعالى :
{ لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره بالغيب ورسله إن الله قوي عزيز } .
وفي الكتب السالفة وصف النبي صلى الله عليه وسلم بأنه يبعث بقضيب الأدب ، وهو السيف . ووصى بعض أحبار اليهود عند موته باتباعه وقال : انه يسفك الدماء ، ويسبي الذراري والنساء ، فلا يمنعهم ذلك منه . وروي أن المسيح عليه السلام قال لبني إسرائيل في وصف النبي صلى الله عليه وسلم : " إنه يسل السيف فيدخلون في دينه طوعا وكرها " .
وإنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالسيف بعد الهجرة لما صار له دار وأتباع وقوة ومنعة ، وقد كان يتهدد أعداءه بالسيف قبل الهجرة ، وكان صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت وأشراف قريش قد اجتمعوا بالحِجر وقالوا : ما رأينا مثل ما صبرنا عليه من هذا الرجل ، قد سفه أحلامنا ، وشتم آباءنا ، وعاب ديننا ، وفرق جماعتنا ، وسب آلهتنا . لقد صبرنا منه على أمر عظيم . فلما مر بهم النبي صلى الله عليه وسلم غمزوه ببعض القول ، فعرف ذلك في وجهه صلى الله عليه وسلم ، وفعلوا ذلك به ثلاث مرات ، فوقف وقال : " أتسمعون يا معشر قريش ؟ أما والذي نفس محمد بيده ، لقد جئتكم بالذبح " . فأخذت القوم كلمته ، حتى ما فيهم رجل إلا وكأنما على رأسه طير واقع ، وحتى أن أشدهم عليه قبل ذلك ليلقاه بأحسن ما يجد من القول ، حتى انه ليقول : انصرف يا أبا القاسم راشداً ، فوالله ما كنت مجهولا .
[قال أبو معاذ: من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص. أورده الإمام الألباني في (صحيح السيرة ص148)]
وقال محمد بن كعب : بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن أبا جهل يقول : إن محمداً يزعم أنكم ما بايعتموه عشتم ملوكا فإذا متم بعثتم بعد موتكم ، وكانت لكم جنان خير من جنان الأردن ، وأنكم إن خالفتموه كان لكم منه الذبح ، ثم بعثتم بعد موتكم وكانت لكم نار تعذبون فيها ، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم قوله . فقال :"وأنا أقول ذلك إن لهم مني لذبحاً ، وإنه لآخذهم" .
[قال أبو معاذ : لم أجده]
وقد أمر الله تعالى بالقتال في مواضع كثيرة:
قال تعالى :{ فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد } التوبة:5
وقال : { فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق ، فإما منّاً بعد وإما فداء } محمد:4
ولهذا عوتبوا على أخذ الفداء منهم أول قتال قاتلوه يوم بدر ونزل قوله تعالى :
{ ماكان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض.تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة}. الأنفال:67
وكانوا قد أشاروا على النبي صلى الله عليه وسلم بأخذ الفداء من الأسارى وإطلاقهم .
قال ابن عيينة : أرسل محمد صلى الله عليه وسلم بأربعة سيوف :
سيف على المشركين من العرب حتى يسلموا .
وسيف على المشركين من غيرهم حتى يسلموا أو يسترقوا أو يفادوا بهم.
وسيف على أهل القبلة من أهل البغي .
وفيما ذكر نزاع بين العلماء . فإن منهم من يجيز المفاداة والاسترقاق في العرب وغيرهم ، وكذلك يجيز أخذ الجزية بين الكفار جميعهم . والذي يظهر أن في القرآن أربعة سيوف : سيف على المشركين حتى يسلموا أو يؤسروا ، {فإما منّاً بعد وإما فداء} ، وسيف على المنافقين وهو سيف الزنادقة ، وقد أمر الله بجهادهم والإغلاظ عليهم في سورة براءة وسورة التحريم وآخر سورة الأحزاب ، وسيف على أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية ، وسيف على أهل البغي ، وهو المذكور في سورة الحجرات . ولم يسل صلى الله عليه وسلم هذا السيف في حياته ، وإنما سله علي رضي الله عنه في خلافته . وكان يقول : " أنا الذي علمت الناس قتال أهل القبلة " .
وله صلى الله عليه وسلم سيوف أخر ، منها : سيفه على أهل الردة وهو الذي قال فيه : " من بدل دينه فاقتلوه " . وقد سله أبو بكر الصديق رضي الله عنه من بعده في خلافته على من ارتد من قبائل العرب .
ومنها سيفه على المارقين ، وهم أهل البدع كالخوارج . وقد ثبت عنه الأمر بقتالهم مع اختلاف العلماء في كفرهم . وقد قاتلهم علي رضي الله عنه في خلافته مع قوله : " انهم ليسوا بكفار " .
وقد روي عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتال المارقين والناكثين والقاسطين .وقد حرق علي طائفة من الزنادقة، فصوب ابن عباس قتلهم ، وأنكر تحريقهم بالنار. فقال علي : " ويح ابن عباس ، لبحاث عن الهنات " . )أهـ
وقال في موضع آخر من كتابه آنف الذكر:
(وكان صلى الله عليه وسلم إنما يقاتل على دخول الناس في التوحيد كما قال : " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام " .
وكان إذا بعث سرية للغزو يوصي أميرهم بأن يدعو عدوه عند لقائهم إلى التوحيد ، وكذلك أمر علي ابن أبي طالب حين بعثه لقتال أهل خيبر . )
وقال البقاعي في "الدرر" عند تفسير الأية :
{لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ}الحديد:25
"(بعثت بين يدي الساعة بالسيف) فبيان الشرائع بالكتاب ، وتقويم أبواب العدل بالميزان ، وتنفيذ هذه المعاني بالسيف ، فإن مصالح الدين من غير هيبة السلطان لا يمكن رعايتها ، فالملك والدين توأمان ، فالدين بلا ملك ضائع ، والملك من غير دين باطل ، والسلطان ظل الله في الأرض ، فظواهر الكتاب للعوام ، ووزن معارفه لأهل الحقائق بالميزان ، ومن خرج عن الطائفتين فله الحديد وهو السيف ، لأن تشويش الدين منه - نبه عليه الرازي ."
قال المناوي في فيض القدير:
(بعثت بين يدي الساعة) مستعار مما بين يدي جهة الإنسان تلويحا بقربها والساعة هنا القيامة وأصلها قطعة من الزمان (بالسيف) خص نفسه به وإن كان غيره من الأنبياء بعث بقتال أعدائه أيضا؛ لأنه لا يبلغ مبلغه فيه ، أقول: ويحتمل أنه إنما خص نفسه به؛ لأنه موصوف بذلك في الكتب، فأراد أن يقرع أهل الكتابين، ويذكرهم بما عندهم أخرج أبو نعيم عن كعب: خرج قومٌ عُماراً ، وفيهم عبد المطلب ورجل من يهود، فنظر إلى عبد المطلب، فقال : إنا نجد في كتبنا التي لم تبدل أنه يخرج من ضئضئى هذا من يقتلنا وقومه قتل عاد.)
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (12/14) :
"الإسلام انتشر بالحجة والبيان بالنسبة لمن استمع البلاغ واستجاب له ، وانتشر بالقوة والسيف لمن عاند وكابر حتى غُلِب على أمره ، فذهب عناده فأسلم لذلك الواقع"
أقوال أهل العلم في الجملة الثانية:
2- وَجُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلّ رُمْحِي
قال الحافظ ابن كثير في البداية :
"...ثم لما شرع الله الجهاد بالمدينة، كان يأكل مما أباح له من المغانم التي لم تبح قبله، ومما أفاء الله عليه من أموال الكفار التي أبيحت له دون غيره، كما جاء في المسند والترمذي عن ابن عمر قال:..." الحديث
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى :
" فصل / الأموال السلطانية التى أصلها فى الكتاب والسنة ثلاثة أصناف الغنيمة والصدقة والفئ*:
فأما الغنيمة فهى المال المأخوذ من الكفار بالقتال ذكرها الله فى سورة الأنفال التى أنزلها فى غزوة بدر وسماها انفالا؛ لأنها زيادة فى أموال المسلمين فقال: {يسألونك عن االأنفال قل الأنفال لله والرسول...} إلى قوله {...واعلموا انما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل...} الآية ، وقال: { فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا واتقوا الله إن الله غفور رحيم}
وفى الصحيحين عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما ان النبى [صلى الله عليه وسلم] قال: (أعطيت خمسا لم يعطهن نبى قبلى؛ نصرت بالرعب مسيرة شهر ، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا؛ فأيما رجل من أمتى أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي الغنائم، ولم تحل لأحد قبلي، واعطيت الشفاعة، وكان النبى يبعث الى قومه خاصة ،وبعثت الى الناس عامة)
وقال النبى [عليه السلام] بعثت بالسيف بين يدى الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له وجعل رزقى تحت ظل رمحى وجعل الذل والصغار على من خالف أمرى ومن تشبه بقوم فهو منهم رواه أحمد فى المسند عن ابن عمر واستشهد به البخارى"
*[قال الفقهاء ان الفىء هو ما أخذ من الكفار بغير قتال وسمى فيئا لأن الله افاءه على المسلمين اى رده عليهم من الكفاروهذا مثل الجزية التى على اليهود والنصارى والمال الذى يصالح عليه العدو او يهدونه الى سلطان المسلمين كالحمل الذىيحمل من بلاد النصارى ونحوهم وما يؤخذ من تجار اهل الحرب وهو العشر ومن تجار اهل الذمة اذا اتجروا فى غير بلادهم وهو نصف العشر(ابن تيمية –الفتاوى)]
وقال ابن القيم في الزاد:
"...فإن قيل : فما أطيب المكاسب وأحلها ؟ قيل هذا فيه ثلاثة أقوال للفقهاء
أحدها : أنه كسب التجارة.
والثاني : أنه عمل اليد في غير الصنائع الدنيئة كالحجامة ونحوها.
والثالث : أنه الزراعة ، ولكل قول من هذه وجه من الترجيح أثرا ونظرا ، والراجح أن أحلها الكسب الذي جعل منه رزق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو كسب الغانمين ، وما أبيح لهم على لسان الشارع ، وهذا الكسب قد جاء في القرآن مدحه أكثر من غيره ، وأثني على أهله ما لم يثن على غيرهم ، ولهذا اختاره الله لخير خلقه وخاتم أنبيائه ورسله ، حيث يقول :بعثت... [ الحديث ] وهو الرزق المأخوذ بعزة وشرف وقهر لأعداء الله وجعل أحب شئ إلى الله فلا يقاومه كسب غيره والله أعلم"
قال الحافظ في الفتح:
" وَفِي الْحَدِيثِ إِشَارَةٌ إِلَى فَضْلِ الرُّمْحِ وَإِلَى حِلِّ الْغَنَائِمِ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ وَإِلَى أَنَّ رِزْقَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُعِلَ فِيهَا لَا فِي غَيْرِهَا مِنْ الْمَكَاسِبِ وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِنَّهَا أَفْضَلُ الْمَكَاسِبِ وَالْمُرَادُ بِالصَّغَارِ وَهُوَ بِفَتْح الْمُهْمَلَةِ وَبِالْمُعْجَمَةِ بَذْلُ الْجِزْيَة وَفِي قَوْلِهِ " تَحْتَ ظِلّ رُمْحِي " إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ ظِلَّهُ مَمْدُودٌ إِلَى أَبَدِ الْآبَادِ وَالْحِكْمَةِ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى ذِكْرِ الرُّمْحِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ آلَاتِ الْحَرْبِ كَالسَّيْفِ أَنَّ عَادَتَهُمْ جَرَتْ بِجَعْلِ الرَّايَاتِ فِي أَطْرَافِ الرُّمْحِ فَلَمَّا كَانَ ظِلّ الرُّمْح أَسْبَغَ كَانَ نِسْبَةُ الرِّزْقِ إِلَيْهِ أَلْيَقَ وَقَدْ تَعَرَّضَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ لِظِلِّ السَّيْفِ كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " الْجَنَّةُ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ " فَنُسِبَ الرِّزْقُ إِلَى ظِلّ الرُّمْح لِمَا ذَكَرْتُهُ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِذِكْرِ الرُّمْحِ الرَّايَةُ وَنُسِبَتْ الْجَنَّة إِلَى ظِلِّ السَّيْفِ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ تَقَعُ بِهِ غَالِبًا وَلِأَنَّ ظِلّ السَّيْفِ يَكْثُرُ ظُهُورُهُ بِكَثْرَة حَرَكَة السَّيْفِ فِي يَدِ الْمُقَاتِلِ ؛ وَلِأَنَّ ظِلّ السَّيْف لَا يَظْهَرُ إِلَّا بَعْدَ الضَّرْبِ بِهِ لِأَنَّهُ قَبْلَ ذَلِكَ يَكُونُ مَغْمُودًا مُعَلَّقًا ."
قال الحافظ ابن رجب الحنبلي في كتابه "الحكم الجديرة بالإذاعة ":
"قوله صلى الله عليه وسلم : " وجعل رزقي تحت ظل رمحي " :
إشارة إلى ان الله لم يبعثه بالسعي في طلب الدنيا ، ولا بجمعها واكتنازها ، ولا الاجتهاد في السعي في أسبابها وإنما بعثه داعيا إلى توحيده بالسيف ، ومن لازم ذلك أن يقتل أعداءه الممتنعين عن قبول التوحيد ، ويستبيح دماءهم وأموالهم ، ويسبي نساءهم وذراريهم ، فيكون رزقه مما أفاء الله من أموال أعدائه ، فإن المال إنما خلقه الله لبني آدم ليستعينوا به على طاعته وعبادته ، فمن استعان به على الكفر بالله والشرك به سلط الله عليه رسول واتباعه فانتزعوه منه وأعادوه إلى من هو أولى به من أهل عبادة الله وتوحيده وطاعته ، ولهذا يسمى الفيء لرجوعه إلى من كان أحق به ولأجله خلق .
وكان في القرآن المنسوخ : { إنما أنزلنا المال لاقام الصلاة وإيتاء الزكاة } .
فأهل التوحيد والطاعة لله أحق بالمال من أهل الكفر به والشرك ، فانتزع أموالهم ، وجعل رزق رسوله من هذا المال لأنه أحل الأموال كما قال تعالى { فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا } وهذا مما خص الله به محمداً صلى الله عليه وسلم وأمته فإنه أحل لهم الغنائم .
وقد قيل : ان الذي خصت بحله هذه الأمة هو الغنيمة المأخوذة بالقتال دون الفيء ، والمأخوذ بغير قتال فإنه كان حلاً مباحاً لمن قبلنا وهو الذي جعل رزق رسوله منه ، وإنما كان أَحلُّ من غيره لوجوه :
( منها ) انه انتزاع مال[ممن] لا يستحقه لئلا يستعين به على معصية الله والشرك به ، فإذا انتزعه ممن لا يستعين به على غير طاعته وتوحيده والدعوة إلى عبادته كان ذلك أحب الأموال إلى الله وأطيب وجوه اكتسابها عنده .
( ومنها ) انه كان صلى الله عليه وسلم إنما كان يجاهد لتكون كلمة الله هي العليا ، ودينه هو الظاهر لا لأجل الغنيمة فيحصل له الرزق تبعا لعبادته وجهاده في الله ، فلا يكون فرغ وقتا من أوقاته لطلب الرزق محضا ، وإنما عبد الله في جميع أوقاته وحده فيها وأخلص له ، فجعل الله له رزقه ميسراً في ضمن ذلك من غير أن يقصده ولا يسعى إليه . وجاء في حديث مرسل أنه صلى الله عليه وسلم قال : " أنا رسول الرحمة ، وأنا رسول الملحمة ، إن الله بعثني بالجهاد ولم يبعثني بالزرع " . وخرج البغوي في معجمه حديثا مرسلا : " إن الله بعثني بالهدى ودين الحق ولم يجعلني زراعاً ولا تاجراً ، ولا سخابا بالاسواق ، وجعل رزقي تحت ظل رمحي " . وإنما ذكر الرمح ولم يذكر السيف لئلا يقال : انه صلى الله عليه وسلم يرتزق من مال الغنيمة : إنما كان يرزق مما أفاءه الله عليه من خيبر .
والفيء ما هرب أهله منه خوفا وتركوه ، بخلاف الغنيمة فإنها مأخوذة بالقتال بالسيف ، وذكر الرمح أقرب إلى حصول الفيء لأن الرمح يراه العدو من بعد فيهرب فيكون هرب العدو من ظل الرمح ، والمأخوذة به هو مال الفيء ، ومنه كان رزق النبي صلى الله عليه وسلم بخلاف الغنيمة فإنها تحصل من قتال السيف . والله تعالى أعلم .
وقال عمر بن عبد العزيز : إن الله تعالى بعث محمداً هاديا ولم يبعثه جابيا ، فكان صلى الله عليه وسلم شغله بطاعة الله والدعوة إلى التوحيد ، وما يحصل في خلال ذلك من الأموال من الفيء والغنائم يحصل تبعاً لا قصداً أصلياً ، ولهذا ذم من ترك الجهاد واشتغل عنه باكتساب الأموال . وفي ذلك نزل قوله تعالى : { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } لما عزم الأنصار على ترك الجهاد والاشتغال بإصلاح أموالهم وأراضيهم .
وفي الحديث الذي خرجه أبو داود وغيره : " إذا تبايعتم بالعينة واتبعتم أذناب البقر ، وتركتم الجهاد ، سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه الله من رقابكم حتى تراجعوا دينكم " ولهذا كره الصحابة رضي الله عنهم الدخول في أرض الخراج للزراعة فإنها تشغل عن الجهاد .
وقال مكحول : إن المسلمين لما قدموا الشام ذكر لهم زرع الحولة ، فزرعوا فبلغ ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه فبعث إلى زرعهم وقد ابيض وأردك فحرقه بالنار ، ثم كتب إليهم : إن الله جعل أرزاق هذه الأمة في أسنة رماحها ، وتحت أزجتها ، فإذا زرعوا كانوا كالناس . خرجه أسد بن موسى .
وروى البيضاوي بإسناد له عن عمر أنه كتب : من زرع زرعا واتبع أذناب البقر ورضي بذلك وأقر به جعلت عليه الجزية .
وقيل لبعضهم لو اتخذت مزرعة للعيال ؟ فقال : والله ما جئنا زراعين ، ولكن جئنا لنقتل أهل الزرع ونأكل زرعهم .
فأكمل حالات المؤمن أن يكون اشتغاله بطاعة الله والجهاد في سبيله ، والدعوة إلى طاعته لا يطلب بذلك الدنيا ، ويأخذ من مال الفيء قدر الكفاية ، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يأخذ لأهله قوت سنة من مال الفيء ثم يقسم باقيه ، وربما رأي محتاجا بعد ذلك فيقسم عليه قوت أهله بلا شيء .
وكذلك من يشتغل بالعلم ، لأنه أحد نوعي الجهاد فيكون اشتغاله بالعلم للجهاد في سبيل الله والدعوة إليه ، فليأخذ من أموال الفيء أو الوقوف على العلم قدر الكفاية ليتقوى على جهاده ، ولا ينبغي أن يأخذ أكثر من كفايته من ذلك..."
قال في فيض القدير :
" (وجعل رزقي تحت ظل رمحي) قال الديلمي : يعني الغنائم وكان سهم منها له خاصة يعني أن الرمح سبب تحصيل رزقي قال العامري : يعني أن معظم رزقه كان من ذلك وإلا فقد كان يأكل من جهات أخرى غير الرمح كالهدية والهبة وغيرهما وحكمة ذلك أنه قدوة للخاص والعام فجعل بعض رزقه من جهة الاكتساب وتعاطي الأسباب وبعضه من غيرها قدوة للخواص من المتوكلين وإنما قال تحت ظل رمحي ولم يقل في سنان رمحي ولا في غيره من السلاح لأن رايات العرب كانت في أطراف الرماح ولا يكون في إقامة الرماح بالرايات إلا مع النصر وقد نصر بالرعب فهم من خوف الرمح أتوا تحت ظله ولأنه جعل السنان للجهاد وهو أكبر الطاعات فجعل له الرزق في ظله أي ضمنه وإن كان لم يقصده كذا ذكره ابن أبي جمرة ولا يخفى تكلفه..."
وقال القرطبي :
"...فجعل الله رزق نبيه صلى الله عليه وسلم في كسبه لفضله ، وخصه بأفضل أنواع الكسب ، وهو أخذ الغلبة والقهر لشرفه "
"ومن أعظم ما حصل به الذل من مخالفة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ترك ما كان عليه من جهاد أعداء الله فمن سلك سبيل الرسول صلى الله عليه وسلم عز ، ومن ترك الجهاد مع قدرته عليه ذل . وقد سبق حديث : " إذا تبايعتم بالعينة واتبعتم أذناب البقر وتركتم الجهاد في سبيل الله سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه من رقابكم حتى تراجعوا دينكم " . ورأى النبي صلى الله عليه وسلم سكة الحرث فقال : " ما دخلت دار قوم إلا دخلها الذل " . فمن ترك ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من الجهاد مع قدرته واشتغل عنه بتحصيل الدنيا من وجوهها المباحة حصل له من الذل فكيف إذا اشتغل عن الجهاد بجمع الدنيا من وجوهها المحرمة ؟" الحافظ ابن رجب الحنبلي (الحكم الجديرة بالإذاعة)
http://www.salafyoun.com/showthread.php?t=5012